هل واجب علي المقلد اتباع شيخ واحد فقط في كل أمور الدين ؟ وأسئله أخرى

[أبو سيف]

 

السؤال

1-هل واجب علي المقلد مثلي اتباع شيخ واحد فقط في كل أمور الدين ( ممن أظنه يخشي الله و علي علم ) و ذلك منعاً لإتباع الهوي لأننا بالطبع لا نسستطيع الترجيح بين الأدلة , و هل يشترط في الشيخ أن يكون علي قيد الحياة حتي يكون ملماً بالأمور المستجدة و فقه الواقع ؟
2- هل يجوز للخطيب أن يخطب خطبة الجمعة بالعامية ( معظمها و ليس كلها ) مع الحفاظ بالطبع علي أركانها من المقدمة و الدعاء للمسلمين و التذكير بالتقوي و الآيات و الأحاديث , و ذلك لانتشار الأمية الدينية في منطقة الشيخ و عدم قدرة كثير من الناس علي استيعاب اللغة العربية و أيضاً من باب النزول للناس ومن باب حدثوا الناس بما يعرفون ؟
3- انهيت بفضل الله فروض العين و حفظ القرآن فبم تنصح في طلب العلم : التعلم علي يد شيخ من شيوخ الصحوة ( مع صعوبة تحقيق ذلك في الوقت الحالي للظروف الأمنية ) أم في أحد المعاهد كأنصار السنة المحمدية أو الجمعية الشرعية ؟

الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...
فقال الله تعالى " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ وقد سئل عن قول من قال : ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبا ، ومن لا مذهب له فهو شيطان !!! ، فأجاب _ رحمه الله _ بقوله :
الحمد لله ، إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول ، وهؤلاء أولوا الأمر اللذين أمر الله بطاعتهم في قوله ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله لا استقلالا ، ثم قال ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) ، وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به ، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له ، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور والله أعلم ) انتهى كلامه _ رحمه الله _ من مجموع الفتاوى 20 / 208 و 209
وقال ابن القيم _ رحمه الله _ في " إعلام الموقعين " :
( هل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا ؟ ، فيه مذهبان :
أحدهما : لا يلزمه ، وهو الصواب المقطوع به ، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة ، فيقلده دينه دون غيره ، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرأ أهلها من هذه النسبة ... ) ،
ثم قال _ رحمه الله _ : ( والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب ، ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ، ولا يلزم أحدا قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره ،
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام ، وهم أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك ، وأبعد منه قول من قال : يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء ، وأبعد منه قول من قال : يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة ، فيا لله العجب ! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام ، وبطلت جملة إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الفقهاء !!! ...) إلى آخر كلامه لله دره ،
قلت : وما اختاره شيخ الإسلام وصوبه وقطع به ابن القيم هو ما قال به الحنفية والمالكية ، وهو وجه عند الشافعية ، اختاره النووي في "مقدمة المجموع" وصححه الزركشي في "البحر" ، بل حكى الرافعي عن أبي الفتح الهروي أنه مذهب عامة الشافعية ، وهو أشهر الوجهين في مذهب أحمد ، واختاره شيخ الإسلام على ما سبق ،
وأما دفع العامي عن الهوى فبوعظه ونهيه عن تتبع رخص المذاهب ، قال ابن القيم _ رحمه الله _ في " الإعلام ":
( ليس له ( أي : للعامي ) أن يتبع رخص المذاهب ، وأخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه ، بل عليه اتباع الحق بحسب الإمكان ) انتهى ،
وتحريم تتبع رخص المذاهب مما عده ابن عبد البر إجماعا عند أرباب المذاهب ،
واعلم _ رحمك الله _ أن من أهم الخصال التي ينبغي للمفتي أن يتحلى بها معرفة الناس وأحوالهم وعوائدهم ؛ وذلك لسببين ذكرهما ابن القيم في الإعلام ،
فأما الأول : فلكون الجاهل بأحوال الناس تتشابه عليه الحقائق ، ويسير حيرانا في المسالك والطرائق ،
فيتصور له الظالم بصورة المظلوم ، ، والزنديق بصورة الصديق ،
وأما الثاني : فلكون الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والنيات والعوائد ،
وأما الخطابة بالعامية ، فقال الله تعالى " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " ،
وقال جل شأنه " وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني " ،
وعليه فالفصاحة والبيان من خصال الداعية في كل زمان ومكان ، والدعاة إلى الله في الفصاحة والبيان وسط وطرفان ،
فأما الطرف الأول ففيه إفراط في استعمال الوحشي من المباني ، والغريب من المعاني ، فلا يفهم كلامه إلا العرب الأقحاح ، وبعض البارعين من أمثال الجوهري صاحب الصحاح ،
وأما الطرف الثاني ففيه تفريط في إقامة السان وتقويم البيان ، فيأتي بالكلام المبتذل الذي تنفر منه الأسماع ، وتزيد به الآفات والأوجاع ، فيرفع المخفوض ، ويكسر المنصوب ، ويحرك الساكن ، فيزهد الناس في اللغة العربية ، ويرغبون عن تعلمها بالكلية ، فيصعب عليهم تدبر القرآن ، وفهم كلام نبينا العدنان ،
وأما الوسط ففيه التوسط بين هذين الطرفين ، فلا يتكلف الإغراب ، ولا يتخفف من الإعراب ، بل يتكلم بالكلام القصد اليسير ، الذي يفهمه الغني والفقير ، وكذا العامى والعالم النحرير ،
وعليه فجائز للخطيب أن يتنزل أمام العامة باللغة ولكن في حدود ما قرره علماء اللغة ، رعاية لسمت الخطيب وهيئة الخطابة ، وتأسيا بهدي سادات الأئمة و الصحابة ، اللذين كانوا يضربون الصغار على اللحن وعدم الإصابة ،
تتمة : إذا خطب الداعي في أناس أعاجم لا يفهمون اللغة العربية فله أن يخطب بلغتهم ، مراعاة لحالهم ، وتأليفا لقلوبهم ، وهذا ما أفتى به أكثر المحققين ، وانتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي ، ونص قراره:
(إن الرأي الأعدل الذي نختاره هو أن اللغة في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بالعربية ليست شرطاً لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تتضمنه من آيات قرآنية باللغة العربية، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن ، مما يسهل عليهم تعلمها وقراءة القرآن باللغة التي أنزل بها ، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم وينورهم به بلغتهم التي يفهمونها) انتهى .
فأما العلم فخذ منه ما ينفعك كما قال ابن المبارك _ رحمه الله _ ، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ،
ولتكن _رعاك الله_ ربانيا في تعلمه ودراسته ، بتعلم صغار المسائل قبل كبارها ، ومجملات الدلائل قبل تفصيلها ، وكن متدرجا في أنواع الفنون بأخذ غاياتها قبل آلاتها ، ومهماتها قبل أشتاتها ،
واحرص على ملازمة العلماء العاملين ، وطلاب العلم المتميزين ، واجعل حسن الإنصات لهم والاستماع مقدما على فضول القراءة والإطلاع ؛ لأن العلم كان قديما في صدور العلماء ، فأصبح الآن في سطور الكتب ومفاتحه بأيدي العلماء ،
واعلم _ رحمك الله _ أن العلم شجرة والعمل ثمرة ، فشجر بلا ثمر لا يعود على صاحبه إلا بالضرر ،
ومثل الذي لا يعمل بعلمه كمثل الفتيل ، يضيء للناس ويحرق نفسه بالقيل ،
وأكثر من التدبر في كلام رب العالمين ، الذي جاء ببلاغة أعيت البلغاء من العالمين ، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء ، وأبكم به من تحدى به من مصاقع الخطباء ، فلم يتصدى للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم ، على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء ، وأوفر عددا من رمال الدهناء ، وهذا على ما سلكه الزمخشري في نظم أتم به الوفاء ،
واجعل كلام المفسرين نورا يبين لك المجمل من المعاني ، ونارا على من اتبع المتشابه من المثاني ،
ولا تمل من النظر في جوامع كلم النبي الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ولاسيما من الأربعين ورياض الصالحين وكتاب الأذكار المتين ، ثلاثتهما لعلم الأعلام الإمام النووي مجدد الدين ، ثم اجتهد في دراسة كتب أحاديث الأحكام ، كعمدة الأحكام وبلوغ المرام والمنتقى لجد شيخ الإسلام ، ثم أكثر من النظر في كتب الإسلام ، البخاري ومسلم وسنن الأربعة ومسند الإمام ، وذلك لمزيد التفقه والإلمام ، وعميق الـتأمل والإحكام ،
وأعلم يا رعاك الله أن قليل العلم مع كثير الأدب أنفع لصاحبه من كثير العلم مع قليل الأدب ،
فالله أسأل أن يبلغك الأرب ، ويوفقك في الطلب ، فتنال بذلك الأوطار ، وتذكر بالخير عند أئمة الأمصار ،
هذا والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .