انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-19-2008, 09:02 PM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




Islam أنواع الدلالات وتعلقها بالأسماء والصفات

 

أنواع الدلالات وتعلقها بالأسماء والصفات

الدلالة المقصودة في البحث هي الدلالة اللفظية الوضعية، وهي فهم المعنى عند إطلاق اللفظ [1]، أو هي العلم بالمعنى المقصود، أو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام عند صدوره من المتكلم [2]، وتنقسم هذه الدلالة عند العلماء إلى ثلاثة أقسام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( الماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه، دلالة لفظه عليها دلالة مطابقة ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن، ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام ) [3]، وبيان تلك الدلالات مفصلة على النحو التالي:

1- دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على ما عناه المتكلم ووضعه له، أو هي دلالة اللفظ على الحقيقة والمعنى المقصود، مثل دلالة لفظ البيت على مجموع الجدران والسقف والأبواب والنوافذ [4]، فمن المعلوم أن الألفاظ أو الأسماء تطلق على الأشياء لتتميز بها عن غيرها، وكل اسم أو لفظ في أي لغة وعلى أي لسان ينطبق في دلالته بين العقلاء على شيء متعارف عليه، سواء بالوضع اللغوي أو لغة التخاطب التي فُطرت عليها الإنسانية، أو الوضع الشرعي المرتبط بالشرائع الدينية كلفظ الصلاة والزكاة والصيام والركوع والسجود في الإسلام، أو الوضع العرفي الذي يصطلح عليه أهل بلد ما أو قرية أو قبيلة، أو الوضع الاصطلاحي الذي يتعارف عليه أهل علم من العلوم؛ فالألفاظ المنطوقة أو المكتوبة لها مدلولات معينة يعيها القلب ويدرك معناها ولها في الواقع مدلولات من قبل المتكلم، قال ابن تيمية: ( والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ؛ فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة .. وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس .. بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ، وسمي معنى لأنه عني به أي قصد وأريد بذلك فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه .. وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا ) [5] .
ومن أمثلة دلالة المطابقة دلالة لفظ المسجد على مسماه في أي وضع شرعي أو عرفي أو اصطلاحي، إذ يدل في الوضع الشرعي على شيء معين جعل للصلاة والجماعة والجمع، فلو قال أحدهم لأخيه انتظرني في المسجد فإنه لا ينتظره في السوق؛ لعلمه أن المسجد لفظ يدل على مكان معلوم جعل للصلاة والعبادة، وأن لفظ السوق يدل على مكان آخر وضع للبيع والشراء .
وأيضا لو قال المشتري للبائع: أعطني تفاحا، فإن البائع يعطيه شيئا معينا أو فاكهة معلومة يطلق عليها هذا اللفظ، وليس إذا قال له أعطني تفاحا أعطاه عنبا أو برتقالا أو جزرا أو خيارا؛ لأن الله (عز وجل) فطر العقلاء على أن يتعلموا الأسماء وما تنطبق عليه من مدلولات في واقعهم، فالمشتري والبائع يعلمان أن لفظ التفاح يدل على شيء معين غير الذي يدل عليه لفظ البرتقال، لكن لو قلت للبائع: أعطني خيارا فأعطاك برتقالا فذلك إما لأنه لم يسمع فيعاد اللفظ؛ أو لأنه لم يعقل ومثل هذا لا يعد من العقلاء ولا يصلح للبيع والشراء .
وإذا قيل محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإن المسلم يعلم أن ذلك ينطبق على خاتم الأنبياء ولا ينصرف ذهنه إلى عيسى (عليه السلام) أو موسى (عليه السلام) أو غيرهما من الأنبياء، لأن كل لفظ أو اسم ينطبق على شيء معين دون غيره، وإذا قيل الخالق هو الله (عز وجل)، فإن الذهن يفهم من دلالة الاسم أنه ينطبق على ذات الله تعالى المتصفة بصفة الخلق، ولا ينصرف إلى ذات أخرى إلا عند من فسدت فطرتهم ونسبوا الخالقية لغيره، كما أن الذهن لا ينصرف أيضا عند النطق بلفظ الخالق إلى صفة أخرى غير صفة الخلق، لأن اسم الله الخالق يدل بالمطابقة على ذات الله وصفة الخلق معا، فلا ينصرف إلى صفة الرزق أو القوة أو العزة أو الحكمة أو غير ذلك من الصفات، لأن صفة الخلق تدل على شيء غير الذي تدل عليه صفة الرزق، وصفة القوة يفهم منها شيء غير الذي يفهم من صفة العزة أو الحكمة إلا عند من فسد إدراكهم في فهم دلالة اللفظ على معناه وقالوا بأن أسماء الله الحسنى التي تعرف الله بها إلى عباده في الكتاب والسنة لا تدل بالمطابقة إلا على ذات الله فقط ولا تدل على شيء من الصفات البتة، فعندهم اسم الله السميع يدل على ذات الله فقط، ولا معنى لاسمه السميع، بل معنى السميع عندهم هو معنى الملك الخلاق القدير الرزاق إلى غير ذلك من أسماء الله الحسنى التي أمر عباده بأن يدعوه بها وقد تحدثنا عن ذلك في بيان أن أسماء الله أعلام وأوصاف .
والله (عز وجل) لما علم آدم الأسماء فقال:}وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلهَا { [البقرة:32]، علمه الأسماء كألفاظ تدل بالمطابقة على تمييز الأشياء والعلم بخصائصها والتعرف على حقائقها ذاتا وصفة مطابقة وتضمنا والتزاما، وليس الذي تعلمه آدم (عليه السلام) كما يفهم البعض هو مجرد ألفاظ أو كلمات يستعملها هو وأبناؤه؛ بل إنه تعلم الشيء واسمه وخاصيته وأنواع دلالته مطابقة وتضمنا والتزاما، فالذي عرضه الله سبحانه على الملائكة أعيان الأشياء بذواتها وصفاتها وليست معاني أو كلمات لا مدلول لها ولا حقيقة، وإنما علم الله آدم الشيء المادي المحسوس الذي يمكن أن يحمل الاسم المعين، وكذلك تأثير كل شيء في غيره وما ينشأ عن ذلك من المعاني والعلوم، وهذا واضح بين بدليل أن الله جل شأنه قال بعد ذلك: } ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ { [البقرة:32] .
قال ابن القيم: ( فكانت حكمة ذلك التعليم تعريف مراد المتكلم، فلو لم يحصل له المعرفة كان في ذلك إبطال لحكمة الله وإفساد لمصالح بني آدم وسلب الإنسان خاصيته التي ميزه بها على سائر الحيوان ) [6] .
ودلالة المطابقة هي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي وضعت لمعانيها، وهي تكشف عن نية القائل بمجرد صدور اللفظ؛ فلا يستفصل فيها عن مراده، وسميت بالمطابقة لمطابقة المعنى للفظ وموافقته، كقولهم طابق النعل النعل إذا توافقا، والمراد من تطابق اللفظ والمعنى هو عدم زيادة اللفظ على المعنى أو قصوره عنه [7] .

2- دلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ على بعض المعنى المقصود من قبل المتكلم أو هي دلالة اللفظ الموضوعة من قبل المتكلم على جزء المعنى المقصود، أو هي دلالة اللفظ الوضعية على جزء مسماه [8]، كدلالة لفظ الشجرة على الأوراق؛ فإن الشجرة تضمنت الأوراق وغيرها، فالذهن يتصور الأوراق وبقية الأجزاء مباشرة عند النطق بلفظ الشجرة، فيتصور بدلالة التضمن فروعها وخشبها وثمارها وجميع ما حوت من أجزاء، ومثال ذلك أيضا دلالة لفظ المدرسة على الفصول والتلاميذ والمدرسين؛ فإن الذهن يتصور مباشرة أن لفظ المدرسة ينطبق على عدة أشياء يطلق عليها مجتمعه هذا اللفظ، وكذلك أيضا دلالة لفظ الصلاة في الاصطلاح الشرعي على الوقوف والركوع والسجود والجلوس بهيئة مخصوصة، وغير ذلك من الحركات والسكنات التي تضمنتها الصلاة؛ فلفظ الصلاة يدل على كل جزء من أجزائها بالتضمن، وسميت دلالة التضمن بذلك لكون الجزء ضمن المعنى الموضوع له [9]، فدلالة المطابقة تشمل عموم ما دل عليه اللفظ، ودلالة التضمن موضوعة لخصوصه .
أما بالنسبة لأسماء الله تعالى فكل اسم يدل على الذات وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن؛ فاسم الله العزيز يدل على صفة العزة وحدها بالتضمن، كما يدل أيضا على ذات الله وحدها بالتضمن، ويدل على ذات الله وعلى صفة العزة معا بالمطابقة، قال ابن القيم: ( الاسم من أسمائه له دلالات، دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن ) [10] .

3- دلالة اللزوم: هي دلالة اللفظ على معنى يخرج عن دلالة المطابقة والتضمن وهو لازم لوجوده لزوماً عقليا يتصوره الذهن عند ذكر اللفظ، وسمي لازما لارتباطه بمدلول اللفظ وامتناع انفكاكه عنه [11]، ومثال ذلك دلالة الشيء على سبب وجوده كدلالة البعرة على البعير، والأثر على المسير، وكدلالة الحمل على الزواج أو الزنا إلا في بعض الخوارق الاستثنائية، ولذلك لما جاء الملك مريم وأعلمها أنها ستحمل وتلد أخبرته أن الولد يكون من طريق مشروع أو ممنوع بدلالة اللزوم، ولم يحدث أنها تزوجت، أو وقع الاحتمال الثاني وهذا ليس شأنها، فأخبرها أن هذا خارج عن اللوازم العقلية، كما ورد في قوله: } قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {[مريم:19] .
ومن ثم فإن دلالة اللزوم مبنية على فهم العقل لترابط الأسباب بحيث ترتبط العلة بمعلولها والنتيجة بسببها، فدلالة السقف على الأعمدة دلالة لزوم لأن العاقل يعلم أن السقف لا يوجد إلا بعد وجود الحائط أو الأعمدة، فالذهن لا يتصور السقف إلا مرفوعا على شيء، فلفظ السقف دلنا على الأعمدة باللزوم مع ملاحظة أن الأعمدة ليست مما دل عليه لفظ السقف بالمطابقة أو بالتضمن، فدلالة اللزوم من الدلالات العقلية والقواعد الشمولية التي تصح بها لغة التخاطب بين الإنسانية وطرق الاستدلال على توحيد الربوبية؛ فالذي يعلم بدلالة اللزوم أن السقف يلزمه أعمدة يوقن عند ذلك بقدرة الخالق، وأنه ليس كمثله شيء عندما يقرأ قوله تعالى: } الله الذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا {[الرعد:2] .
والله (عز وجل) كثيرا ما يدعو العقلاء إلى النظر بدلالة اللزوم إلى ما في الكون من آيات تدل على عظمة أوصافه وكمال أفعاله، قال تعالى: } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ { [آل عمران:190]؛ فدلالة اللزوم هي دلالة الشيء على سببه، أما دلالة الشيء على نتيجته وتوقع حدوثها فهي دلالة التزام كدلالة الغيوم على اقتراب المطر، وكدلالة الفعل على رد الفعل، فلكل فعل رد فعل بالالتزام، وكل رد فعل ناشئ عن فعل باللزوم، ودلالة الالتزام من إضافة المسبب إلى السبب [12] .
وكما أن الأسماء الحسنى تدل على الصفات بالمطابقة والتضمن فإنها أيضا تدل على الصفات باللزوم كدلالة اسم الله الخالق على صفة العلم والقدرة؛ فاسم الله الخالق يدل على ذات الله وصفة الخالقية بالمطابقة، ويدل على أحدهما بالتضمن، ويدل على العلم والقدرة باللزوم؛ لأن العاجز والجاهل لا يخلق، ولذلك لما ذكر الله خلق السماوات والأرض عقب بذكر ما دل عليه الخلق باللزوم فذكر القدرة والعلم، قال تعالى: } الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً { [الطلاق:12] .
ومن وفقه الله لفهم دلالة اللزوم المتعلقة بالأقوال والأفعال فكانت أقواله صادرة عن حكمة وأفعاله عن روية وفطنة ووزن جميع أموره بدقة بحيث يقدر المنفعة والمضرة ويتخير الأحسن والأفضل على الدوام فقد وفق إلى خير كثير كما قال تعالى:} يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً { [البقرة:269] .
وأغلب ما يحل بالإنسان من بلاء وشقاء سببه الغفلة عن لازم قوله وفعله، وقد ثبت عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرةَ (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ( إنَّ العبدَ ليَتكلمُ بالكلمةِ ما يَتبَينُ فيها يَزلُّ بها في النار أبعدَ مما بينَ المشرق ) [13]، وعند البخاري في رواية أخرى: ( وإن العبدَ ليتكلمَ بالكلمة من سَخَط اللّه لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) [14] .

ولذلك اختلفوا في لازم القول هل هو قول يحاسب عليه الإنسان؟ فقال بعضهم: إذا كان هذا اللازم لازماً من قوله لزم أن يكون قولاً له محاسب عليه، لأن ذلك هو الأصل لاسيما إذا قرب التلازم، ورد آخرون ذلك وقالوا هذا مردود بأن الإنسان بشر وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو أو ينغلق فكره أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه [15] .
وكثير من العامة يغفلون عن لوازم كلامهم إما لجهلهم أو سرعة اندفاعهم أو ما شابه ذلك من تقلب الأحوال، ولو حوسبوا على ذلك لعجز من يحصي لوازم الأقوال والأفعال .
روي أن أعرابيا خرج إلى الحج مع أصحابه فلما كان في طريق العودة إلى أهله لقيه بعض أقربائه؛ فسأله عن أهله ومنزله، فقال: لما خرجت إلى الحج بعد ثلاثة أيام وقع في بيتك حريق أتى على أهلك ومنزلك، فرفع الأعرابي يديه إلى السماء وقال: ما أحسن هذا يا رب، تأمرنا بعمارة بيتك وتخرب علينا بيوتنا [16] .
وكذلك خرجت أعرابية إلى الحج فلما كانت في بعض الطريق عطبت راحلتها فرفعت يديها إلى السماء وقالت: يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك فلا بيتي ولا بيتك [17] .
ومثل هذا الكلام لوازمه كفر لكن القائل في الغالب غافل عن لازم قوله .
وأخذ الحجاج أعرابيا سرق فأمر بضربه، فلما قرعه السوط قال: يا رب شكرا حتى ضرب سبعمائة سوط، فلقيه أشعب فقال له: تدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: لا، قال: لكثرة شكرك، فإن الله يقول: }لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ { [إبراهيم:7]، قال الأعرابي: وهذا في القرآن؟ قال: نعم، فقال: يا رب لا شكرا فلا تزدن، أسأت في شكري فاعف عنى، باعد ثواب الشاكرين منى[18] .
وسمع أعرابي إماما يقرأ: } وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواَ { [البقرة:221] قرأها بفتح التاء، فقال الأعرابي: ولا إن آمنوا أيضا - يقصد أن اللواط محرم - فقيل له: إنه يلحن وليس هكذا يقرأ؟ فقال: أخروه قبحه الله لا تجعلوه إماما فإنه يحل ما حرم الله [19] .

قال ابن تيمية: ( فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها بل ينفون معاني أو يثبتونها ويكون ذلك مستلزما لأمور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون وما أكثر تناقض الناس لاسيما في هذا الباب، وليس التناقض كفراً ) [20] .

ثم فصل المسألة وبين أن لازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب .
الثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه [21] .
ولما كان قول الله حق وليس فيه اختلاف ظاهر أو تناقض مضمر كما قال تعالى عن كتابه العزيز:} وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { [فصلت:41/42]، وكذلك لما كان قول رسوله (صلى الله عليه وسلم) حق حيث قال الله في شأنه: } وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى { [النجم:3/4]، فإن اللازم من كلام الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) إذا صح أن يكون لازماً فهو حق، وذلك لأن لازم الحق حق والله (عز وجل) عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله (صلى الله عليه وسلم) وأن العقلاء سيدركون ذلك بدلالة اللزوم [22] .

ومن ثم فإن في دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة والتضمن واللزوم، الاسم يدل على الذات والصفة بدلالة المطابقة، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، ويدل باللزوم على أوصاف أخرى غير الوصف الذي اشتق منه، فالرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة بالمطابقة ويدل على الذات وحدها بالتضمن وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن، ويدل على الحياة والعلم والقدرة التزاما، وهذا ينطبق على جميع الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات [23] .

وتجدر الإشارة إلى أن الأسماء الحسنى عند المعتزلة تدل على الذات بالمطابقة فقط لأنهم ينفون الصفات، فالأسماء عندهم تنعدم فيها دلالة التضمن واللزوم مع كونها أدلة عقلية صحيحة تؤيد صحيح المنقول ، فما أعجب تناقضهم إذ يدعون تعظيم العقل وأنهم أهل التوحيد والعدل وهم أبعد الناس عن صريح المعقول .
ومن ثم لا بد أن ننبه على خطأ غير مقصود في ذكر دلالة الأسماء على الصفات ذكره الشيخ حافظ حكمي رحمه الله، وتناقله كثير من الدعاة دون تحقق في فهم المسألة حيث قال رحمه الله: (فدلالة اسمه تعالى الرحمن على ذاته عز وجل مطابقة وعلى صفة الرحمة تضمنا وعلى الحياة وغيرها التزاما، وهكذا سائر أسمائه تبارك وتعالى ) [24]، فقوله بأن الرحمن يدل على ذات الله بالمطابقة هو في حقيقته مذهب المعتزلة، والصواب أنه يدل على الذات بالتضمن وعلى الرحمة بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة، والشيخ لا يقصد مذهب المعتزلة لأنه أثبت الصفات وهم ينفونها فتنبه .



1. انظر بتصرف تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين محمود بن محمد الرازي ص 29، نشر مصطفى البابي الحلبي القاهرة سنة 1367هـ .
2. الرد على المنطقيين لابن تيمية ص74، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/37 .
3. منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/453 .
4. درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية10/12، وانظر له أيضا الصفدية 2/154 .
5. منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/452 .
6. الصواعق المرسلة 2/643 .
7. انظر بتصرف البحر المحيط للزركشي 2/272، وانظر أيضا شرح الكوكب المنير لتقي الدين أبي البقاء الفتوحي ص35، وحاشية العطار على شرح الخبيصي لأبي السعادات حسن العطار ص50 .
8. انظر الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص76، وانظر أيضا التقرير والتحبير في شرح التحرير لمحمد بن محمد بن أمير حاج 1/99 .
9. انظر المرشد السليم في المنطق الحديث والقديم للدكتور عوض الله جاد حجازي ص47 .
10. بدائع الفوائد ص170 .
11. انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص615 بتصرف .
12. انظر بتصرف حاشية الصبان على شرح الملوي ص 53 .
13. البخاري في الرقاق باب حفظ اللسان 5/2377 (6112) .
14. الموضع السابق حديث رقم (6113) .
15. مجموع الفتاوى 2/217 .
16. جمهرة خطب العرب 3/340 .
17. السابق 3/340 .
18. السابق 3/38 .
19. السابق 3/342 .
20. مجموع الفتاوى 5/306 .
21. السابق 29/42، والفتاوى الكبرى 3/ 425 .
22. انظر بتصرف القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص14.
23. انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم 2/250، وبدائع الفوائد 1/170.
24. معارج القبول 1/119.

من كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) لفضيلة الشيخ [محمود عبد الرازق الرضواني_حفظه الله_]
صــ 159 : صــ 167

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عمر الأزهري ; 11-20-2008 الساعة 11:45 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-20-2008, 04:58 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

ماشاء الله
تبارك الله
جزيت خيرا كثيرا
ابني النبيل
ابو عمر
رزقك الله علما نافعا
وعملا متقبلا
ونعيما غير زائلا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-20-2008, 11:48 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي


اللهم آمين ، وإياكم أمنا الفاضلة
وجزاكم اللهُ خيراً ورفعَ في الداريْن قدرَكم .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:06 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.