انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-12-2008, 11:47 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




Tamayoz الدرس الثانى ـ شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى

 

شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى
ـ لفضيلة الشيخ أحمد النقيب ـ

الدرس الثانى
لدرس الصوتى
للاستماع
الدرس مرئى
للمشاهدة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه إنه هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وأحبابه ومن والاه . أما بعد:
فيحسن بي قبل أن أبدأ لقائي مع أحبتي وإخواني في الله أن أذكر بالعناوين والأفكار العامة التي تناولها اللقاء الماضي، لقد تكلمت:
أولاً: عن معنى الاعتقاد وذكرت أن معناه القوة والصلابة وأن من معناه - أيضاً- الاتخاذ.
وتكلمت عن الأسباب التي من أجلها تدرس العقيدة ومن أهم هذه الأسباب عبادة الله - عز وجل- والتزلف إليه - أيضاً- من هذه الأسباب: إعداد هذا الجيل العقائدي الذي يكون - بإذن الله عز وجل- معيناً لهذه الأمة في سيرها إلى الله.
ثم تكلمت بعد ذلك عن طرق التصنيف في الاعتقاد والعقيدة سواء الطريقة الحديثية الأثرية أو طريقة الرد أو طريقة المطولات أو طريقة المختصرات اللطيفة أو طريقة المواضيع المحددة التي تناولها علماء الاعتقاد بالبسط والشرح وقلت لكم: إن هذه الرسالة رسالة ابن أبي زيد القيرواني - عليه رحمة الله -هي تندرج في النوع الخامس من أنواع التصنيف ثم تكلمت بعد ذلك عن مقدمة رسالة القيرواني هذه المقدمة التي أغفلها بعض شراح رسالته من الذين أخذوا الجزء المتعلق بالاعتقاد ومن خلال سماعكم لهذه المقدمة علمتم أن هذه المقدمة لها تعلق كبير بالاعتقاد، وأن إثباتها أمر مهم جداً ثم بعد ذلك استعرضت مع حضراتكم الفقرة الأولى من رسالة القيرواني - عليه رحمة الله - وهو قوله باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من أمور الديانات ومن ذلك - كما قال الشيخ- ( الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأن الله إله واحد لا إله غيره لا شبيه له، ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له - سبحانه وتعالى-) و- بإذن الله - تعالى سيكون حديثنا اليوم في أمر جديد وفي فقرة جديدة ولكن أحب أن أسأل بعض الأسئلة على الدرس الفائت ولن أطيل على حضراتكم هذه الأسئلة ستكون ثلاثة فقط لن أطيل.

السؤال الأول: من هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني؟
السؤال الثاني: لماذا اختيرت عقيدة القيرواني في مقدمة رسالته للدراسة؟
السؤال الثالث: ما معنى العقيدة وما العلاقة بينها وبين التوحيد؟
لو جعلنا السؤال الأول داخلاً في السؤال الثاني؛ لأن من أسباب اختيار عقيدة القيرواني المعلومات المتوافرة عن أبي محمد القيرواني هذان سؤالان السؤال الأول: لماذا اختيرت عقيدة القيرواني هذا سؤال وندخل السؤال الأول في الثاني هذا سؤال ثم بعد ذلك نذكر السؤال الثالث وهو: ما وجه مجيء لا إله غيره بعد قوله بأن الله إله واحد؟

درس اليوم يتكلم عن عناصر محددة هذه العناصر:
العنصر الأول: معنى الأول والآخر.
والعنصر الثاني: يتكلم عن حقيقة الصفة.
والعنصر الثالث: يتكلم عن مفهوم الماهية وخطورة التأويل الكلامي.
هذه بعض العناصر وهناك عناصر وأفكار أخر ستجدونها - بإذن الله تعالى.
نقرأ متن درس اليوم وأسأل الله تعالى أن يوفقكم وأن يوفقني لما يحبه ويرضاه.

قال المصنف - رحمه الله تعالى- ( ليس لأوليته ابتدا ولا لآخريته انقضا ولا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته)
بسم الله الرحمن الرحيم قول المصنف -عليه رحمة الله- ( ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء) هذا المعتقد مأخوذ من قول الله تعالى ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]، وبهذا - أيضاً- أتت السنة في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فكان يقول:(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء)
والأول: له معان فهو الذي لم يسبق، لا شيء قبله ولا خلق قبله فهو أول لم يسبق بغيره - سبحانه وتعالى- وقيل: الأول من آل يؤول أَوْلاً بمعنى رجع وصار ومعنى الأول الذي يصير إليه الناس وينقلب إليه الخلق ويرجع إليه الخلق فالله - سبحانه وتعالى- يرجع إليه الخلق في أمور إعدادهم و إمدادهم، يرجعون إليه في كل شؤونهم فكما أن المبتدأ من الله - عز وجل- خلقا وأمراً فإن المنتهى والمرجع والمنقلب إلى الله - عز وجل- سؤال وحساباً وجزاءً "هو الأول فليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء هذا فيه" معنى البقاء والديمومة فالله - سبحانه وتعالى- باقٍ بعد فناء خلقه ولك أن تقول: بأن الله تعالى أخبر بأن بعض خلقه يكون - أيضاً- خالداً أبداً كحال الجنة والنار وكحال أهل الجنة وأهل النار فقال الله تعالى في حال الجنة والنار وأهلها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَ ﴾ [البقرة: 162]، وورد في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (يرفع الموت في صورة كبش أملح أقرن يرفع بين الجنة والنار فيراه أهل الجنة كما يراه أهل النار فيقال:يا أهل الجنة أتعرفون ما هذا؟ فيقولون: إنه الموت ويقال لأهل النار: أتعرفون ما هذا؟ فيقولون: إنه الموت فيذبح بين الجنة والنار ويقالك يا أهل الجنة خلود بلاموت وياأهل النار خلود بلا موت) فكما أن الله تعالى باقٍ لا يفنى فكذلك الجنة والنار وأهل الجنة وأهل النار لا فناء لهم وهنا إشكال: أثبت الله تعالى عدم فناء الجنة والنار وأثبت لنفسه البقاء وعدم الفناء فهل هذا شبيه بذلك؟ أو أن شيئاً من الخلق كان كالله في هذا الأمر؟ كلا وحاشا فإن بقاء الجنة والنار وعدم فنائهما متعلق بأمر الله - عز وجل- ليس متعلقاً بذاتهما وإنما هذا متعلق بأمر الله - عز وجل- لهما إذن بقاء الجنة والنار ليس متعلقاً بذات الجنة والنار أي أن الجنة والنار أوجدتا أنفسهما فصارتا على هذه الصورة من البقاء وعدم الفناء!!!! ولكن الله - سبحانه وتعالى- هو الذي أمرهما بالبقاء فكان بقاؤهما بأمر الله ولو شاء الله غير ذلك لكان ولكن من جملة مشيئته أنه شاء بقاء الجنة وبقاء النار، أما بقاء ربنا – سبحانه- فهو لازم لذاته، فلا يشبهه في ذلك شيء من خلقه فقال المصنف ( ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء) بعض الناس يعبر في قوله هو الأول فليس قبله شيء يعبر عن معنى الأول بمعنى القدم وهذا التعبير ليس بالدقيق لعدة أمور:
الأمر الأول: أن هذا التعبير في باب الأسماء والصفات لم يرد.
الأمر الثاني: أن هذا اللفظ لفظ يشمل على أكثر من معنى فإن القديم ضد الجديد وإن القديم - أيضاً- هو البالي، وكذلك القديم فيه معنى السبق، فلماذا نحيد عن اللفظ الذي ورد في السنة كما ورد في الكتاب ونأتي إلى لفظ يحتمل المعاني المتعددة ؟.
الأمر الثالث: أن ذلك اللفظ لفظ القدم ليس من عبارات السلف في هذا السياق، نعم كان النبي - صلى الله عليه وسلم- من جملة ما يدعو به عندما يدخل المسجد (وبسلطانه القديم)، لكن أقول في هذا السياق سياق الأسماء والصفات، هذا اللفظ لم يكن من عبارات السلف، ولذلك عبارة صاحبنا وإمامنا ابن أبي زيد القيرواني أشد وأولى من عبارة غيره مثل عبارة الطحاوي - رحمه الله تعالى- [ قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء] هذه عبارة الطحاوي في عقيدته [قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء] إذن هذه النقطة الأولى فيها معنى الأول وفيها معنى الآخر، وأن لفظ الأول هو اللفظ الذي ينبغي أن يعض عليه لكونه ورد في الكتاب والسنة وقلت لكم من قبل أن معنى الاعتقاد: الاتخاذ أن الإنسان يتخذ الجمل النافعة الصالحة من الكتاب وصحيح السنة وأقوال الصحابة يتخذها فيحبها ويتحمس لها وينشرح لها صدره، ويفرح لها قلبه فتثبت في هذا القلب وتقوى في هذا القلب ويكون بذلك صاحب اعتقاد.
إذن من جملة اعتقادنا أن نعتقد: بأن الله تعالى أول لا شيء قبله وأن الله تعالى آخر لا شيء بعده فهو أول بلا ابتداء آخر بلا انقضاء، هل هذه النقطة استوعبتموها جيدا.

حدثْني أخي الحبيب هناك إشكال هذا الإشكال أن الله تعالى أثبت لنفسه البقاء وجعل لبعض خلقه - أيضاً- صفة البقاء، فما هذا الخلق الذي أثبت الله له البقاء؟
بسم الله الرحمن الرحيم- الخلق الذي جعل الله له صفة البقاء هو الجنة والنار وكذلك أهل الجنة وأهل النار.
قد يرد هنا إشكال أن شيئاً من الخلق قد شابه الله تعالى في صفة البقاء فكيف يرد على هذا الإشكال؟
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يرد على هذا الإشكار أن الله تعالى أراد لهما البقاء بأمره ولم يختارا ذلك بنفسهما إنما ذلك بأمر الله وإن شاء لم يقدر لهما ذلك أما بقاؤه سبحانه أما بقاؤه - سبحانه وتعالى- فهو دائم لا ينتهى جزاك الله خيراً.
"الأول" اسم من أسماء الله - عز وجل- وكذلك "الآخر" هذان الاثنان ما النصوص الدالة عليهما؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله قول الله تعالى ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وفي الحديث (اللهم أنت الأول فلا قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء).
نأتي بعد ذلك إلى قول صاحبنا وإمامنا الشيخ الإمام ابن أبي زيد القيرواني - عليه رحمة الله - (لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون) لا يبلغ: أي لايدرك أي لا يدرك كنه صفته: وكنه: مفعول به مقدم والتقدير لا يبلغ الواصفون كنه صفته والكنه الحقيقة، والغاية وهناك فارق بين الصفة والوصف، فالصفة معنى قائم بالموصوف، أما الوصف فهو كلام الواصف أو قول الواصف، إذن: قول الواصف هذا وصف أما الصفة المعنى القائمة بالموصوف، عندما أقول: دخل العالم الجليل المسجد. يا ترى أين الصفة هنا؟ دخل؟ لا. العالم؟ لا.. الجليل؟ هي هذه، المسجد هو المفعول به، عندما نقول: الجليل يا ترى كلمة الجليل هذه اسم ذات أو اسم معنى؟ اسم معنى إذن كلمة الجليل معنى يعنى ليس لها جرم ليس لها طول وحجم وارتفاع عندما نقول محمد يكون له عرض وطول وارتفاع يأخذ حيذاً في هذا الوجود لكن لما أقول: جليل، رحيم، خوف، رغبة، رهبة، حب، هذه كلها معان أما عندما نقول: شجرة، محمد، سمكة، زهرة، كل هذه أسماء ولكنها أسماء ذات.
فالاسم إما أن يكون اسم ذات وإما أن يكون اسم معنى فحينما يتعلق المعنى بشيء ما فإن هذا المعنى يسمى صفة، إذن المعنى القائم المتعلق بالموصوف هذا هو الصفة، دخل العالم الجليلَ أم الجليلُ؟ دخل العالم الجليلُ لأن العالم فاعل، إذن دخل العالم الجليل المسجد عندما نقول: الجليل هذه صفة ، عندما أنا أتكلم وأقول: دخل العالم الجليل المسجد إذن أنت تصف العالم، إذن هذا هو الوصف إذن هذا فرق بين الصفة وبين الوصف. والواصف هو الذي يصف فهذا اسم فاعل والواصف الذي يصف فلا يبلغ كنه صفته الواصفون، يعني المكلفون مهما أجهدوا أنفسهم في معرفة كنه أي حقيقة صفة الله - عز وجل- من حيث الكيف فإنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا فالمقصود لا يبلغ كنه صفته من حيث الكيف فمهما بلغ المكلفون من علم فاء الله تعالى عليهم وأعطاهم إياه فإنهم لن يستطيعوا أبدا أن يحيطوا وأن يدركوا حقيقة كيفية صفة الله - عز وجل .
إذن الاعتقاد الأثرى واعتقاد أهل السنة والجماعة في مسألة الصفات الربانية أنهم يثبتون المعنى العظيم ولكن يفوضون الكيف، فهم مفوضة في الكيف فالله تعالى يثبتون له استواء يليق بذاته وجلاله أما كيف استوى؟ ومتى استوى؟ وملابسات هذا الاستواء هذا كله لا يخوضون فيه، بل إن الخوض في ذلك بدعة وضلالة والعياذ بالله، إذن السلف يثبتون المعنى العظيم ولا يسألون عن الكيف ولا يجهدون أنفسهم في معرفة كنه هذا الكيف فإنهم لن يدركونه أبدا والله - سبحانه وتعالى- إنما أعطى الناس ما عندهم من علم لا ليستطيلوا به ولكن ليعلموا أن فوق كل ذي علم عليم ويعلم قول الله تعالى ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 58]، وحسبنا أن نذكر أنفسنا لنعلم ضآلة ما حصلناه من علم وحقارة ما حصلناه من علم أن نذكر قول الملائكة عندما قالت للرب الجليل سبحانه: ﴿ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾[البقرة: 32]، فالمرء لا علم له إلا إذا فاء الله تعالى به عليه، فإذا كنت لا تعلم كنه الصفة وكيفية الصفة لأن الله تعالى لم يعلم أحدا ذلك فكيف تخوض في هذا الأمر، إذن من جملة الغيب الذي لا ينبغي الخوض فيه، أن تمسك عن الكلام في كيفية الصفات ولكن اثبت المعنى العظيم ولا تسأل عن الكيف، دخل رجل إلى الإمام مالك - رحمه الله تعالى- فسأله عن الاستواء ما معنى قول الله - عز وجل- ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، فنظر إليه الإمام مالك حتى علاه العرق- سبحان الله- انظروا إلى أهل العلم قديماً كيف كانوا يتأثرون بالمواقف؟!! وكيف كانوا يتفاعلون مع الناس؟!! وكيف كانوا ينفعلون مع الناس؟!! يعني ليسوا بهذه الصورة من البلادة والبرود أبداً علاه الرحضاء العرق الشديد وقال له: الاستواء معلوم أي معلوم في لغة العرب الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني لأراك مبتدعا قم فقام الرجل.
إذن ينبغي للمكلف ألا يجهد نفسه إلا في الحيز الذي علمه الله تعالى إياه ولم يُعلم الله تعالى الناس كيفية الصفات وإنما وقفهم على معاني الصفات. تقول: وهل الناس كانوا يعلمون معاني الصفات؟ وهل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الناس معاني الصفات؟ الجواب: بأن الصفات والأسماء وردت في الكتاب والسنة ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255] الحي القيوم الحي: اسم، والصفة الحياة، القيوم اسم والصفة القيومية ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]، العزيز اسم والصفة العزة . الحكيم اسم والصفة الحكمة، والصحابة كانوا يقرؤون القرآن وكانوا يسمعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فهل يعقل أن يقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن وأن يتكلم بالحديث مع صحابته وهو لا يعلم ما يتكلم؟ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان يقرأ القرآن كان يجهل معنى ما يتكلم أم كان يعلم معنى القرآن الذي يتكلم به؟ نعم كان يعلم معنى القرآن الذي يتكلم به، الصحابة عندما كانوا يسمعون القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- هل كانوا يجهلون معنى ما يسمعون أم كانوا يعلمون؟ ولو جهلوا لفظاً كانوا يسألون عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو حدث لديهم لبس كانوا يسألون عنه النبي -صلى الله عليه وسلم . عندما سمع الصحابة قول الله - عز وجل- في مسألة الظلم ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، قال «الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟»، إذن هاهنا سأل الصحابة، فهم الصحابة المعنى ولكن وجدوا أن هناك لبساً في هذا المعنى وأينا لم يظلم نفسه إذن كلنا نظلم أنفسنا إذن لن نُحصِّل الأمن ولا الهداية لن نحصل الأمن في الدنيا ولا في الآخرة ولن نحصل الهداية لا في الدنيا ولا في الآخرة فأينا لم يظلم نفسه ولكم أن تتصوروا كيف سأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوه وهم خائفون مذعورون إنها مسألة متعلقة بالمصير ليست متعلقة لا بالمرتب ولا الوظيفة متعلقة بمصير الإنسان "وأينا لم يظلم نفسه" فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك المعنى ليس هو المعنى المقصود (ألم تسمعوا قول العبد الصالح وهو يعظ ولده ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾؟) [لقمان: 13] إذن الصحابة كانوا يعلمون معنى ما يسمعون من القرآن والسنة ومن جملة القرآن والسنة الحديث عن الأسماء والصفات فكانوا يعلمون معاني الأسماء والصفات أما الكيف فكانوا لا يخوضون في ذلك أبداً ولا يسألون عنه أبداً لأنه من جملة الغيب الذي يجب عليك أن تؤمن به.

قول المصنف ( ولا يحيط بأمره المتفكرون)
الأمر: أمران:
الأمر الأول: أمر ديني شرعي
والأمر الثاني: أمر كوني قدري، الأمر الديني الشرعي متعلق بمحاب الله تعالى ومراضيه، إذن كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه ويأمر به إذن هذا أمر ديني شرعي كقول الله - عز وجل- ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى إذن هذه المأمورات متعلقة بمحاب الله تعالى ومراضيه فالله تعالى يحب العدل ويحب الإحسان ويحب صلة الأرحام وإيتاء ذي القربى يحب ذلك، إذن هذه المحبوبات متعلقة بالأمر الشرعي ولذلك أمر الله تعالى بها والواجب على المسلم المكلف الأريب النجيب العاقل أن يجتهد في امتثال هذه المأمورات الشرعية يطبق هذه المأمورات الشرعية فلا يمكن أبداً أن تزعم أنك تحب الله - عز وجل- ولا تطيعه في محابه ومراضيه لا يمكن أبداً،أي أن الله - عز وجل- يحب العدل ولا تكون عادلاً ولاتتصف بصفة العدل؟!! يحب الإحسان ولا تكون محسناً إلى نفسك وإلى زوجك وأولادك وعشيرتك؟!! لا يمكن. ويحب أن تكون وصالاً للرحم وإيتاء ذي القربى ثم تكون قاطعاً لذلك؟!! إذن الواجب على المكلف أن يمتثل الأمر الشرعي لأن امتثاله هذا الأمر الشرعي يجلب عليه الخير والنعمة والرضا من الله سبحانه.الأمر الثاني: الأمر الكوني القدري: وهذا متعلق بسلطان الله - عز وجل- وقهره لخلقه وجلاله وملكه لهذا الكون فلا يكون شيء في هذا الكون متحركاً فيسكن أو ساكناً فيتحرك أو قائماً فيرقد أو راقداً فيقوم لا يوجد شيء في هذا الكون إلا بإذن الله - عز وجل- إلا بمشيئة الله - عز وجل- فهذا الكون كله متعلق بأمر الله - عز وجل- يستوي في ذلك المسلم والكافر، المؤمن والمشرك، الصالح والطالح، العربي والعجمي، الإنسي والجني، الوحش والسبع، البحري والبري، الجماد ، الأوراق.... كل ما في هذا الكون إنما يتحرك ويكون بإذن الله - عز وجل- وهذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82] فقوله (ولا يحيط بأمره المتفكرون) هذه الآيات أو هذه الأمور الشرعية والكونية بها كثير من الحكم وما يستطيع المتدبرون المتفكرون المتأملون أن يحيطوا بالحكم والأسرار المتعلقة بالأوامر الشرعية والكونية نعم يمكن للمكلف أن يقف على بعض الحكم المتعلقة بالأوامر الدينية يمكن؛ لأن الله تعالى أعلمه إياها يمكن ولكن ليس كل أمر شرعي بالضرورة يعرف المكلف حكمته وسره، فلا يمكن للمكلف أن يحيط علماً بأسرار الأمر الشرعي والكوني قال: (ولا يحيط بأمره - الكوني والشرعي- المتفكرون) ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وما أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ) أريد أن أنبه هنا إلى أن المقصود بالاستطاعة هنا القدرة على الفعل لأن التكليف لا يكون إلا بالقدرة، والمشقة تجلب التيسير ولا تكليف إلا بمقدور فما قدرت عليه كلفت به وما لم تقدر عليه لم تكلف به وهذا من جمال الشرع ما تقدر عليه تكلف به وما لا تقدر عليه لا تكلف به - سبحان الله- قال الله تعالى: ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَ ﴾ [البقةرك 286] إذا كنت لا تستطيع القيام في الصلاة، القيام في الصلاة واجب ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238] لم تستطع القيام في الصلاة، إذن لا يجب عليك القيام صلِّ وأنت جالس لا أستطيع الجلوس صلِّ وأنت نائم وأنت مضطجع كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- (صل قائماً فإن لم تستطع فصل قاعداً فإن لم تستطع فصل نائماً أو مضطجعاً ) وهذا من حكمة الشرع أن التكليف متعلق بالقدرة فلا يأتِ إنسان يقول: أنا لا أستطيع أن أصلى. هذا كاذب؛ لأنه يقدر على الصلاة يقول: لا أستطيع أن أصوم لا يقبل ذلك منه، يقول: لا أستطيع أن أحج بيت الله وعنده الزاد وعنده المال وعنده الصحة فهذا لا يقبل منه. إذن التكليف مبني على القدرة فإذا ذهبت القدرة رفع التكليف وما كان الحرج على مسلم في العبادات.

قال الإمام ( يعتبر المتفكرون بآياته ) الاعتبار: الاستدلال والاتعاظ ، ( يعتبر المتفكرون بآياته) والمتفكرون: هم المتدبرون، والآيات تنقسم إلى قسمين: آيات دينية شرعية وآيات كونية، الآيات الدينية القرآن الكريم كتاب الله - عز وجل- فالقرآن سور والسور آيات وهذه الآيات آيات دينية شرعية، والقرآن كله كلام الله - عز وجل- ليس بمخلوق منه بدأ وإليه يعود قال الله تبارك وتعالى ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، ما المقصود بكلام الله؟ القرآن، الآيات إذن الآيات هي القرآن هي كلام الله - عز وجل- هذه معنى الآيات الدينية، والآيات الأخرى: هي الآيات الكونية، الآيات الكونية كخلق السماوات، خلق الأرض، خلق الإنسان ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، لآيات أي لعلامات، ومنه قول الشاعر:
وفي كل شيء له أية *** تدل على أنه الواحد
إذن الآية بمعنى العلامة أو الأمارة، إذن المتفكرون المتدبرون يتدبرون الآيات الدينية والآيات الكونية يتدبرون الآيات الكونية يقرؤون القرآن فيتدبرونه ويتعظون بما فيه ويكون القرآن لهم حكماً وإليه أي إلى القرآن المرجع والمصير فالقرآن رسائل من الله - عز وجل- إلى الناس ليزنوا أنفسهم بهذه الرسائل قال الله- تبارك وتعالى- ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ ﴾ [محمد: 24]، ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ والتدبر يكون بالقلب قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 27] لمن كان له قلب فالمكلف لا بد أن ينظر في كتاب الله - عز وجل- ويتدبر آيات الله - عز وجل- فلا يمكن أبداً أن يقول: إن المقصود بالمتفكرين العلماء والذين يتدبرون القرآن هم العلماء هذا كلام غير صحيح، نعم العلماء هم أقدر الناس على تدبر القرآن وعلى فهم القرآن؛ لما حازوه من الأدوات والعلوم التي بها ينظرون فيستنبطون ويستدلون لكن التدبر المطلق هذا للناس كافة قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، فلا بد للناس جميعاً أن يجتهدوا في تدبر القرآن الكريم وأن يعلموا أنهم لن يصلوا إلى الله إلا بالتدبر بتدبر القرآن ولذلك قال ( يعتبر المتفكرون بآياته ) بآياته ماذا؟ بآياته الدينية وآياته الكونية ما من شيء مرتفع إلا يرتفع على عمد فأين العمد التي ارتفعت عليها السماء؟ هذه الأرض مع اتساعها لا تميد ولا تضطرب ولا تتحرك فمن الذي أمسكها هذا الإنسان عندما تنظر فيه وتتأمل- سبحان الله- تنظر إلى عينيه وإلى أنفه وإلى أذنيه وإلى أسنانه وإلى فمه وإلى يديه وإلى رجليه هذا في الظاهر ثم تنظر إلى حركات الأجهزة الداخلية هذه كلها آيات من الذي أحدث هذا؟!! ومن الذي أجرى هذا الإنسان إنه هو من؟!! إنه الله فالإنسان يتدبر هذا جميعاً ليحب الله - عز وجل- ويستدل بهذا لا أقول: على وجود الله ولكن ليستدل بذلك على أن الله تعالى لا إله معه ولا خالق غيره فلا بد أن تنصرف إليه العبادة وأن تتجه إليه القلوب؛ لأن الناس جميعاً في حاجة إليه، في وجودهم وإعدادهم وإمدادهم وهذه المعاني الفريدة الشريفة لن تكون إلا بتدبر القرآن، أحبابي وإخواني القرآن ليس المقصود به أن نقرأه وأن نهزه كهز الشعر ولكن لابد أن نتدبره وأن يكون لنا من القرآن أجزاء نقرؤها ونتأملها ونتدبرها ونجعلها كالقوانين التي نتحاكم إليها ( يعتبر المتفكرون) أي يستدلون ويتعظون بآياته، فإذا فعلت ذلك ازدتَ إيماناً، كان الرجل من الصحابة يأخذ بيد صاحبه فيقول: هيا بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيقرآن القرآن ويذكران الله - عز وجل- ما شاء الله هذا الحديث أخرجه البخاري تعليقاً وصله الإمام أحمد وابن أبي شيبة، من منا أخذ بيد أخيه وقال له: هيا بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيقرآن القرآن ويتدبران ويبكيان ويتأملان من منا يفعل ذلك، حظنا من القرآن أن نجوده وهذا جميل ونريد أن نتعلم وجوه قراءاته وهذا جميل وأن نتعلم العلوم المتعلقة به من الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد وأسباب النزول والمكي والمدني والليلي والنهاري هذا كله جميل لكن أين قلبك من هذا جميعاً؟ ولذلك قال الإمام العلامة صاحب الأدب والسلوك ( يعتبر المتفكرون بآياته) أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي الحواري أن سفيان - رضي الله عنه - هو والفضيل باتا ليلة إلى الصباح يتذاكران نعم الله - عز وجل- يتذاكران آيات الله يتذاكران نعم الله - عز وجل- يقول أحدهما للآخر: ألم تر أن الله تعالى أحدث لنا كذا وكذا ألم تر أن الله تعالى فعل لنا كذا وكذا ويقول الآخر له. إلى الصباح مجلس يتذاكران فيه آيات الله ونعم الله وآيات الله فلابد أن يكون لنا مثل هذا الحظ الوافر حتى نُفَعِّل العقيدة ولا تكون العقيدة مجرد معاني جامدة وأفكار صلبة أبداً لابد أن تكون العقيدة تمثل لنا روحاً نسير به ونهجاً نقوم به - بإذن الله تعالى.
قال الإمام ( ولا يتفكرون في ماهية ذاته) هناك لفظ آخر للرسالة (ولا يتفكرون في مائية ذاته) والمائية والماهية بمعنى واحد المائية متعلقة بـ "ما" نسبة إلى " ما " فعندما تسأل تسأل بـ " ما " فالنسبة إلى" ما " مائية، وكذلك ماهية نسبة إلى " ما هو " وهذان كلمتان منطقيتان يعني أهل المنطق والكلام هذان اللفظان يذكران كثيراً في كلامهم فقوله:( ولا يتفكرون في مائية أو ماهية ) والمقصود بذلك حقيقة ذاته، لا يتفكرون في حقيقة ذاته، لم يقل المصنف: ولا يعلمون ماهية ذاته، لم يقل ذلك ولكن قال ( ولا يتفكرون في ماهية ذاته) لماذا؟ لأن السياق سياق تفكر ولا يحيط بأمره المتفكرون فربما الإنسان وهو يفكر ينتهي به الأمر إلى أن يفكر في ماذا في ذات الله - عز وجل ؟ يعني أنت تفكر في آلاء الله وتفكر في نعم الله وإحسان الله وغير ذلك فربما زلف بك الشيطان وذلت قدمك ففكرت في ذات الله - عز وجل- فإذا وصلت إلى ذلك فلا بد أن تمسك فكما ثبت في الحديث الصحيح (لا يزال الشيطان بالعبد إلى أن يقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته) إذن لا يمكن أبداً ولا يجوز أبداً للمكلف العبد العاجز الحقير الفقير أن يعمل عقله فيما في ذات الله - عز وجل- لأن هذا أجل وأعظم أن يبلغه ذلك العقل البسيط عندما طلب موسى من ربه أن يراه قال له الله - عز وجل- ﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ قال ربي سبحانه: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ماذا حدث﴿ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾[الأعراف: 143]، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتحمل نظر الله تعالى إليه والجبل لم يستطع أن يتحمل نظر الله تعالى إليه فكيف يمكن لعقلك البسيط الحقير الضعيف أن يحيط بذات الله - عز وجل ؟ هذا لا يمكن أبداً ولذلك قال (ولا يتفكرون) الـ " لا " هنا هي لا النافية (ولا يتفكرون في ماهية ذاته) - أيضاً- وجه ثان أن التفكر مرتبة تسبق العلم والإدارك فالإنسان قبل أن يعلم الشيء فإنه يتفكر فيه ليتصوره فإذا تصوره وقف عليه علمه، فنفي التفكر وهو أدنى من العلم والإدراك نفي لما هو أعلى من باب التنبيه وهذا أمر يعرفه الأصوليون، إذن نفي التفكر وهو أول الدرجات وأدنى الدرجات نفي لما هو أعلى فقال: (ولا يتفكرون في ماهية ذاته) لا يمكن أبداً أن يتفكروا في ماهية ذاته أو أن يقفوا على ذلك الأمر ولذلك كأنما سأل فرعون موسى ليحاججه قال له ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء:23]، يذكر الأصوليون أن " ما " وكذلك اللغويين يذكرون أن " ما " للسؤال عن غير العاقل ولكن منهم من أجاز أن يسئل بها للعاقل والغالب على الاستعمال أن تستعمل ما لغير العاقل قالوا ولذلك سأل فرعون فقال ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ تحقيراً لموسى ولرب موسى قال: ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ إذن هذا السؤال بـ " ما " سؤال عن مائية الله - عز وجل- بماذا أجاب موسى: ﴿ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾[الشعراء: 14] إن كنتم توقنون وتؤمنون أن السماوات مع اتساعها وأن الأرض مع انبساطها لها إله قادر هو الذي أوجدها فهذا الإله القادر القوي الذي أوجد وخلق السماوات والأرض هو ربي الذي أدعو إليه، فرعون لم ينتبه إلى الجواب، واستخف بموسى وكابر ولذلك قال لقومه ﴿ أَلا تَسْتَمِعُونَ ﴾ ألا تستمعون لهذا الجواب العظيم؟ فرد موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- ﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي ربي ربكم ورب آبائكم الأولين، هل أنتم وجدتم هكذا خلقتم هكذا؟ من الذي أوجدكم ومن الذي أوجد آباءكم من قبلكم؟ هذا إلزام من موسى لفرعون، عندها علم فرعون أنه مغلوب في هذه المناظرة وأنه محجوج في هذه المناظرة، ولذلك شغب على موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فقال: ﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27]، وعند ذلك أراد موسى أن يبين له مائية الرب بياناً شافياً لا يمكن له أبداً أن يرده أو أن يشغب فيه فقال: ﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾[الشعراء: 28]، إذن لابد للمكلف ألا يجهد نفسه في البحث عن كيفية الذات أو كيفية الصفة بل لابد له أن يؤمن بالله - عز وجل- وأن يؤمن بأسمائه وصفاته ولا يبحث عن كيفية ذلك.

هذا هو المختصر وأنبه في نهاية هذا الشرح إلى خطورة التأويل الكلامي، هذه فقرة أقرؤها على حضراتكم وحاولوا أن تتصوروا لو أن رجلاً مبتدأ الإيمان أو أن رجلاً في مقتبل طريق الهداية ورزق برجل من المتكلمين يوضح له أمور الاعتقاد كيف يوضح متكلم أمور الاعتقاد لهذا الرجل البسيط بهذه الصورة التي سأقرؤها عليكم؟ حتى تعلموا ما منَّ الله تعالى عليكم من هذا المنهج السلفي الأثري الطيب الذي يميل إلى بيان المجملات الاعتقادية بطريقة طيبة يقول:( فإذا سأل سائل) انظر سيدنا موسى عندما قال له فرعون ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ قال : ﴿ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ وفي المرة الثانية قال: ﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ وفي المرة الثالثة قال ماذا؟ ﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ إجابات موسى سهلة أم صعبة مفهومة يعني لو رجل على قارعة الطريق رجل بسيط عامي وسمع هذه الآيات القرآنية يفهها أو لا يفهمها؟ يفهمها.
نسمع إلى طريقة المتكلمين على هذا السؤال لو سألنا رجلاً متكلماً فقلنا له: وما رب العالمين؟ اسمع إجابات المتكلمين وقارن بين رد موسى ورد هذا المتكلم «فإذا سأل سائل فقال أخبرني عن الباري ما هو؟ قسمنا عليه بما يحتمله سؤاله ) اسمع تصور لو أن موسى قال هذا الكلام لفرعون قال له: ( قسمنا عليه بما يحتمله سؤاله فقلنا: إن أردت ما جنسه ونوعه فليس بذي جنسه ولا نوعه وإن أردت ما اسمه فاسمه الله الرحمن الرحيم الحي القيوم وإذا أردت ما صنيعه فالإنعام على عباده ) ما رأيكم في ذلك؟
نقولها مرة ثانية: ( فإذا سأل سائل فقال أخبرني عن الباري ماهو؟ سؤال عن الماهية، إذن هذا السؤال يشبه سؤال فرعون لموسى ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ قسمنا عليه بما يحتمله سؤاله فقلنا: إن أردت ما جنسه ونوعه؟ سبحان الله ما جنسه ونوعه؟ فليس بذي جنس ولا نوع، فأي واحد بسيط سيقول: ما معنى الجنس والنوع؟ إذن دخلنا هنا في شرح للشرح طريقة لا يمكن أبداً أفضل الطرق طريقة القرآن في بيان مسائل الاعتقاد والله وما ضل الناس إلا بهجرهم بيان الله وبيان رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبيان الصحابة الكرام لمعاني الاعتقاد ما ضل الناس إلا بتركهم هذا البيان الشريف فقلنا:( إن أردت جنسه ونوعه فليس بذي جنس ولا نوع وإن أردت ما اسمه فاسمه الله الرحمن الرحيم الحي القيوم، وإن أردت ما صنيعه فالإنعام على عباده) إذن طريقة القرآن أفضل من هذه الطريقة، نسأل الله تعالى أن يهدينا للقرآن وأن يجعلنا من أهل القرآن .

نسأل بعضاً من الأسئلة:
قول المصنف - عليه رحمة الله - ( لا يبلغ كنه صفته الواصفون) مامعنى الكنه؟ كلمة واحدة
الكنه: الحقيقة
في قول المصنف ( لا يبلغ كنه صفته الواصفون ) ما المطلوب على المكلف تجاه صفات الله - عز وجل-؟
بسم الله يدرك المعنى الصحيح أن يؤمن ويستدل على المعاني الصحيحة لله - عز وجل- دون الكيفية دون أن يخوض في الكيفية أن يؤمن بالمعنى الشريف دون أن يسأل ويخوض في الكيفية

وهنا عندما قال بعض الناس بأن مذهب السلف التفويض هذه الكلمة تحتاج إلى تفصيل فإن أراد أو قصد بالتفويض تفويض المعنى فليس هذا مذهب السلف ليس مذهب السلف تفويض المعنى بل لا بد من إثبات المعنى الشريف لأننا قلنا: إن تفويض المعنى معنى ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- تكلم بكلام لم يفهمه وكذلك الصحابة تكلموا بكلام لم يفهموه وإن قصد تفويض الكيف فهذا هو المعنى الصحيح.
إذن السلف مفوضون من حيث الكيف لا من حيث المعنى هذه مسألة مهمة، فلو إنسان ظن أنه أحاط علماً وأنه بمقتضى هذا العلم قد يستطيع أن يدرك ما لا يدركه غيره وأن يقف على كنه الذات والصفات هل يمكن أن تذكره ببعض الآيات القرآنية؟
قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾[الإسراء: 58]،- ما شاء الله- هذه الآية ينبغي أن تكون عنواناً لنا مهما أوتيت من العلم فما أوتيته من العلم إن هو إلا نذر يسير- نسأل الله تعالى أن يعلمنا.
وقوله تعالى: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾[يوسف: 76] نعم وقول الملائكة ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ [البقرة: 32]،وهذه مسألة مهمة جداً انظر الملائكة العباد المكرمون الذين يمتثلون أمر الله - عز وجل- ويطيعونه ويخافونه ويرهبونه ويخشونه، وهم من أعظم الخلق خشية لله - عز وجل- يقولون ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا
فيه كلمة يسيرة الآيات تنقسم إلى قسمين ما هما؟
آيات دينية مثل القرآن وآيات كونية مثل خلق السماوات والأرض
الأمر كذلك ينقسم إلى قسمين ما هما؟
الأمر ينقسم إلى قسمين: الأمر الكوني الأمر الشرعي الديني والأمر الكوني أكتفى بهذا القدر من الأسئلة وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى وأن يفقهنا ديننا وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وصلتنا إجابات: الأول: هو عبد الله أبو محمد بن أبي زيد واسم أبي زيد عبد الرحمن سكن القيروان وكان إمام المالكية في وقته وقدوتهم وجامع مذهب مالك وشارح أقواله وكان واسع العلم كثير الحفظ والرواية وكتبه تشهد له بذلك فصيح القلم ذا بيان ومعرفة بما يقول بصير بالرد على أهل الأهواء يقول الشعر ويجيده ويجمع إلى ذلك صلاحاً تاماً وورعاً وعفةً وحاز رئاسة الدين والدني وإليه كانت الرحلة من الأقطار ونجب أصحابه وكثر الآخذون عنه.
إجابة السؤال الثاني: هو كل ما يعتقده المسلم عن ربه وصفاته وأسمائه والفرق بينهما أن العقيدة تتعلق بالأسماء والصفات أما التوحيد فيتعلق بالألوهية والربوبية
ما رأيكم يا إخواني في هذه الإجابة؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نقول: إن العقيدة أوسع من التوحيد فإن التوحيد يتعلق بالربوبية والألوهية وأما العقيدة فتتعلق بالله - عز وجل- وجل وتتعلق بالملائكة وتتعلق بالأنبياء والصحابة وتتعلق بكل شيء يعتقده الإنسان المسلم المكلف.
قلت: بأن مفهوم الاعتقاد والعقيدة أوسع من التوحيد فالتوحيد عندما يطلق يطلق على ما اصطلح عليه المتأخرون أنواع التوحيد الثلاثة أو الأنواع الاثنين توحيد الله - عز وجل- بأفعاله من الخلق والتدبيروالإحياء والإماتة وهذا ما يسمى بتوحيد الربوبية وتوحيد الله - عز وجل- في ذاته وأسمائه وصفاته وهذا ما يسمى بتوحيد الأسماء والصفات، التوحيد الثالث هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد من النحر والنذر والرجاء والدعاء والرغبة والرهبة والإنابة والاستعانة والاستغاثة والتوكل والحسب إلى غير ذلك وهذا ما يسمى بتوحيد القصد والطلب أو توحيد الألوهية.
الاعتقاد أوسع يشمل هذا جميعاً كما يشمل - أيضاً- الإيمان بالملائكة، يشمل الإيمان بالجنة والنار، يشمل كذلك الغيب، يشمل كذلك القدر، يشمل كذلك الإيمان بالرسل، يشمل كذلك الإيمان بالصحابة، يشمل كذلك الإيمان بما يكون في آخر الزمان من علامات الساعة وقرب انتهاء الزمان، يشمل كذلك ما يكون بين يدي الحساب وما بعد الحساب من البعث والنشور و الحساب والوزن، ثم بعد ذلك الصراط والجنة والنار هذا كله يدخل في باب الاعتقاد فباب الاعتقاد أوسع من باب التوحيد
إجابة السؤال الثالث: لأن هناك آلهة أخرى باطلة باطلة.
لا تسمي العرب الصنم إلهاً إلا إذا اعتقدت فيه،فكل الآلهة باطلة أي كل الآلهة أو كل الأصنام التي يعتقدها الكفار كلها باطلة أما الإله الحق المستحق للعبادة المتفرد بالعبادة هو الله - سبحانه وتعالى- أما مجيء لا إله غيره بعد قوله الله إله واحد نسمع الإجابة؟
قوله لا إله غيره بعد قوله الله إله واحد هو أن النهي للتأكيد وأن لا إله نفي عام لإثبات الخاص لله - سبحانه وتعالى-
السلام عليكم ورحمة الله عندي سؤال يقول الشيخ قضية نفي الكيفية أو إثبات الكيفية ذكر الشيخ أنه ليس تفويض المعنى وإنما تفويض الكيف فأنا أسأل سؤالاً بالنسبة لقول الله - سبحانه وتعالى- ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة:67 ] ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾[الفجر: 22]نثبت أصل المجيء وأصل النسيان ثم نفوض الكيف أم ماذا؟
أسماء الله - عز وجل- هناك أسماء مطلقة لما فيها من معاني المدح المطلق كقول الله - عز وجل- ﴿ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ ﴾ [الحشر: 23]،وهناك أسماء لا تطلق على الله - تبارك وتعالى- إلا من باب المقابلة ولا يجوز اشتقاق اسم ولا صفة منها مثل ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ (30) ﴾[الأنفال: 30] ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ فلا يمكن أبداً أن نقول: إن من أسماء الله تعالى الناسي أو نقول: إن من أسماء الله تعالى الماكر وأن من صفات الله تعالى المكر ومن صفاته النسيان فهذه أسماء أو هذه ألفاظ وردت في سياقات المقابلة ولا يمكن نزعها من هذه السياقات، ,هذا موجود في اللغة أن هناك ألفاظاً لا تفهم إلا في سياقها وانتزاعها من هذه السياقات مفسد لهذه الألفاظ مثل هذه الألفاظ التي ذكرت، بل أحياناً تكون العبارة بمجملها دالة لا بمفرداتها عندما أقول دخل محمد المسجد فالعبارة هنا دالة بمفرداتها دخل مفهوم معناها ومحمد مفهوم معناه والمسجد مفهوم معناه، وعندما أقول خذ الباب في يدك فلو فهمنا هذه الجملة باعتبار المفردات مادل ذلك على المقصود عندما أقول خذ الباب في يدك يعني أغلقه ولو أخذناه باعتبار المفردات ما دل على هذا المعنى فإخراج الألفاظ عن سياقاتها مفسد لهذه الألفاظ.
إذن النوع الثاني ألفاظ لا تطلق على الله تعالى إلا من باب المقابلة والجزاء نسوا الله فالمقابلة والجزاء فنسيهم، يمكرون بالمؤمنين ويحيكون لهم المخططات ويدبرون لهم ليل نهار ويريدون القضاء عليهم ما الذي يحدث لأن المسلمين في مكرهم لا يكافئون مكر الكفار فالكفار أصحاب سطوة وقوة ومنعة والمؤمنون قد يكونون من الضعف والقلة وعدم الإمكانيات ما لا يستطيعون مجابهة مكر الكافرين والله تعالى ولي المؤمنين فيمكر بالكافرين ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ (30) ﴾ ويكون ذلك شبيهاً بقول الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾فماذا يصنع الله تعالى بهم ﴿ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) ﴾ [الأنفال: 36].
إذن ماذكرت أخي الحبيب هذه في سياقات ولا يمكن انتزاع الاسم منها ولا يمكن إفراد المعنى عن سائر ألفاظه في هذا السياق. والله تعالى أعلى وأعلم.
أما الجملة الثانية في قول الله تعالى ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ﴾ فهي على حقيقتها إثبات صفة المجيء لله - عز وجل- لأننا لو قلنا: إن المقصود وجاءت الملائكة لكان ذلك مفسداً للمعنى، لو قلنا: وجاء أمر ربك ، وجاء ربك المقصود بالملائكة لكان ذلك مفسداً للمعنى ولو قلنا: وجاء أمر ربك لكان ذلك مفسداً للمعنى ولكن الأمر على حقيقته والعبرة كما قال العلماء أن اللفظ إنما يحمل على ظاهره ولا يعدل عن ذلك الظاهر إلا بنص أو قرينة قوية.

السلام عليكم ورحمة الله لم أفهم معنى المائية والماهية؟
الماهية نسبة إلى " ما هو" والمائية نسبة إلى" ما " فالكلام مفهوم، والمقصود بالمائية أو الماهية أي الحقيقة.

السلام عليكم ورحمة الله: قول فرعون لموسى - عليه السلام- ﴿ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ ﴾على سبيل أنه يقصد التحقير والتقليل سمعت في حديث أم زرع قول المرأة عن زوجها زوجي مالك وما أدراك ما مالك. فهي كانت تصف به على سبيل التعظيم فهل بينت لنا الإشكال يا شيخ؟
الكلمة تتفاوت معانيها بتفاوت السياق فقد تكون في سياق لها معنى وفي سياق آخر لها معنى مختلف، سواء كانت هذه الكلمة اسماً أو كانت هذه الكلمة أداة أو كانت هذه الكلمة حتى فعلاً، فعندما أقول: رأيت عيناً تتفجر من الصحراء فهذه العين تحمل على عين البترول كما تحمل على عين الماء فإذا قلت: رأيت عينا تتفجر في الصحراء يشرب منها الناس. لحمل ذلك على معنى العين النابعة،ولو قلت: ذهبت لأكشف على عيني. فإن المقصود بالعين هي العين الجارحة وعندما أقول: أمسك جنودنا بعين العدو. فالمقصود بالعين هنا العين الجاسة وكذلك عندما أقول: أذهب إلى الشهر العقاري لأسجل عيني. فليس المقصود بالعين هنا الجارحة ولكن المقصود بالعين هنا العقار، الملك الذي تملكه وعندما أقول: مررت بفلان عينه. فلا تقصد بالعين العين الجارحة ولكن بالعين هنا الذات وكذلك قول أم زرع " وما أبو زرع " هي هنا تعظم زوجها لأن كل امرأة تفخم أمر زوجها وتذكر من زوجها ما تذكر لا تستخف به وإنما تفخم زوجها فالسياق يدل على التعظيم أما فرعون رجل يكفر بالرب وسبق أن ذكرت أن الطبري قد روى بإسناد فيه كلام من حديث عبد الله بن عباس أن فرعون كان يُعبَد ولا يَعبد وكان فرعون كما قال ربنا: قال ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38] وقال ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ ﴾ فكان يريد أن يبني هامان له صرحاً لعله يبلغ أسباب السماوات والأرض حتى يطلع على إله موسى وإنه ليظنه كاذباً يعني كان يزعم بأن موسى كاذباً فيريد أن يطلع إلى السماء ففرعون كان مكابراً و كان مستخفاً بدليل قول الله - عز وجل- في سورة الإسراء إن موسى قال له: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ أي لقد علمت يا فرعون ﴿مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ﴾[الإسراء: 102]، أي هالكاً إذن فرعون كان يعلم الله - عز وجل- وكان يعلم أنه في السماء ولذلك قال ابن صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى إذن يعلم أن الله تعالى في السماء ويعلم أن هناك إلهاً قوياً قادراً ويعلم أن هذا الإله هو المستحق للعبادة يعلم ذلك ولكن يكابر ويستخف بذلك الإله حتى ينفر الناس من عبادته ولذلك قال: ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ وهذا الوجه ذكره بعض المفسرين والله أعلى وأعلم.

السلام عليكم ورحمة الله بالنسبة للقائلين بقدم العالم أرجو توضيح هذا المعنى وتوضيح القدم الجنسي والقدم النوعي وهل يصح أن شيخ الإسلام قال بحوادث لا أول لها أرجو توضيح هذه المسألة؟
أنا قرأت ما أستطيع قراءته من تراث شيخ الإسلام ابن تيمية لا أزعم أني أحطت بكل ما قال شيخ الإسلام، ولكن أستطيع أن أزعم لنفسي- وأنا أحقر من أن أزعم لنفسي شيئاً شريفاً- أني قرأت ما به أستشعر كلام شيخ الإسلام وأتذوق شيخ الإسلام، القول بقدم العالم لم يقل بذلك شيخ الإٍسلام أبداً بل إن القول بقدم العالم ليس من كلام أهل الإسلام أصلاً وإنما الذين ذكروا أن هناك موجودات قديمة غير الله تعالى هم الثانوية وهذه الطائفة ملحدة كافرة قالت: بأن هناك إلهين إله الظلمة وإله النور فكانوا يعبدون النور والظلام ويذكر أن المجوس كانوا يقولون كلاماً شبيهاً لذلك ولكن الثابت أن القول بقدم الظلام وقدم النور قول الثانوية إذن هذا القول لم يقله أحد من أهل الإسلام فكيف يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية لعلهم فهموا ألفاظاً بالفهم الخاطئ وشيخ الإسلام منها براء وشيخ الإسلام اتهم باتهامات هو منها بريء وذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى بعض هذه الاتهامات ودافع عن نفسه كقول بعض المشاغبين قال بأن الله تعالى استوى على عرشه كما أستوي أنا على ذلك الكرسي ثم جلس على كرسيه، هذه المقولة ذكرها شيخ الإسلام أن المشاغبين والشانئين يذكرونها عنه وبرأ نفسه من هذه المقولة، فشيخ الإسلام بريء من ذلك والله تعالى أعلى وأعلم ، أما مسألة النوع والجنس والكم والعرض والوجود والعدم إلى غير ذلك من المصطلحات - بإذن الله - تعالى لن نخوض فيها ولن نذكرها لإخواننا ولن نبينها لأنها من المصطلحات الكلامية التي جَهلُها في بيان مسائل الاعتقاد على طريقة السلف أوفق وأفضل - بإذن الله - تعالى، كان الإمام أحمد - عليه رحمة الله -إذا حوجج في مسألة الكلام كان يقول: والله لا أقول إلا كما قال الله ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾[التوبة: 6] فالأولى أن نرجع إلى الجمل الثابتة من الكتاب والسنة وكلام الصحابة الكرام وتابعيهم والتابعين والأئمة الأعلام وبارك الله تعالى فيكم.

يقول: هل يدخل المتأول في باب من أبواب الكفر؟
أبداً المتأول لا يكون كافراً ولا يدخل في الكفر بل هو خارج من الكفر بالتأويل فإن من العوارض التي بها لا يحكم على المكلف بالكفر من هذه العوارض: الجهل والخطأ والنسيان وعدم الإدراك وكذلك التأويل فهذه كلها عوارض تعترض أهلية المكلف فلا يكون بها مآخذاً لا سيما التكفير، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية مقتفياً أثر أسلافه من الأئمة الفضلاء يقول: إن من أورع الناس من أن ينسب لمسلم فسقاً أو بدعةً أو نفاقاً أو كفراً حتى تقام عليه الحجة الرسالية التي يكفر من خالفها. والمعلوم أن المتأول معذور ولذلك عندما قاتل أبو بكر مانعي الزكاة لم يقاتلهم قتال الذين تركوا أصل الدين أو ادعوا النبوة يعني لم يقاتل أبو بكر مالك ابن نويرة وبني اليربوع من بني تميم كما قاتل أتباع مسيلمة الكذاب أبداً كان النوع مختلفاً قاتل مسيلمة الكذاب على أنه كافر خارج عن الإسلام يفيء المال وتسبى النساء والذرية أما بالنسبة للذين منعوا الزكاة لأنهم كانوا متأولين لقد جمعوا الزكاة وقالوا: نعطيها للنبي - صل الله عليه وسلم- وكادوا أن يذهبوا بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: لا نعطيها لابن أبي قحافة كنا نعطيها للنبي- صلى الله عليه وسلم- فيأخذها ويدعو لنا ويصلي علينا أما اليوم فلا نعطيها لغيره فتأولوا قول الله - عز وجل- ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ [التوبة: 103]، فقالوا: هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قاتلهم أبو بكر والصحابة قاتلهم على أنهم متأولون فلم يقتلوا جريحاً ولم يسبوا نساء ولا ذرية ولم يفيئوا مالاً بل قاتلوهم على أنهم مسلمون متأولون إذن التأويل عذر مانع من التكفير والله تعالى أعلى وأعلم.

قلتم إن الأمر أمران: أمر ديني شرعي وهو يجب على كل مسلم مكلف عاقل أن يجتهد في المأمورات الشرعية وأمر ثانٍ وهو الأمر الكوني القدري وهذا متعلق بسلطان الله وقدرته وإذنه ومشيئته فكيف إذا قال قائل: مادام كل شيء بأمر الله فكيف أجتهد في تحقيق الأمر الشرعي؟
اعلم بأن الله - تبارك وتعالى- يحب للعبد أن يأتي محابه ومراضيه والعبد اسمه عبد، ما معنى عبد؟ أن له سيداً يا ترى من سيدك؟ هو ربك فإذا أمرك ربك وسيدك ومولاك فلابد أن تقول: سمعت وأطعت ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾[النور: 51] إذن أنت في باب الأمر الشرعي الديني قل: سمعت وأطعت، وامتثل في باب الأمر الكوني يجب عليك أن تتأمل وأن تسلم وأن ترضى هذا عموماً أما الاحتجاج بالقدر على معصية الله - عز وجل- فهذا مما لا ينبغي ولا يجوز فالاحتجاج بالقدر إنما يكون في المصائب لا في المعائب والمصائب هي النوازل والكوارث والأحداث التي تصيب المرء والمعائب هي المعاصي فلا يحتج بالمشيئة أو بالقدر على معصية الله - عز وجل- والاحتجاج بالقدر على المعصية فيه تشبه بالمشركين حينما احتجوا بمشيئة الله تعالى على كفرهم وشركهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-12-2008, 05:10 PM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي

بارك الله فيك ياحبيب وحفظ الله الشيخ النقيب .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-10-2008, 02:33 AM
أمّ يُوسُف أمّ يُوسُف غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

شرح ماتع .. حفظ الله الشيخ
جَزَاكُم الله خَير الجزاء
بارك الله فيكم .. و بارك في القائمين على الأكاديمية الإسلامية ( مادة العقيدة - المستوى الثاني)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-06-2008, 11:58 PM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي


يُرفع
بارك الله فيك .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 09:29 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.