انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-14-2008, 08:16 PM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




Tamayoz الدرس الثالث ـ شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى

 

شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى
ـ لفضيلة الشيخ أحمد النقيب ـ

الدرس الثالث
لدرس الصوتى
للاستماع
الدرس مرئى
للمشاهدة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وأحبابه ومن والاه ثم أما بعد:
تكلمت مع أحبتي الكرام - بارك الله تعالى فيهم - في الدرس الفائت عن بعض ما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته مما لا يستطيع المتفكرون أن يحيطوا به، واليوم - بإذن الله تبارك وتعالى- نتكلم عن بعض المعاني والعناصر التي يشتمل عليها درس اليوم:
نتكلم- بإذن الله- عن:
1- إثبات بعض الصفات لله - سبحانه وتعالى- كصفة العلم والقدرة والتدبير والكبر
2- ونتحدث أيضاً عن إثبات الكرسي والعرش لله - سبحانه وتعالى- هذا ثاني
3- إثبات أن الله تعالى عالم فوق عرشه بذاته.
4- نتكلم عن إحاطته - سبحانه وتعالى- بخلقه.

والله تعالى أسأل أن يعيننا لمحابه ومراضيه تفضل يا أخي الحبيب.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، العليم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه ، خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.)
- سبحانه وتعالى-، بسم الله الرحمن الرحيم قول ابن أبي زيد -رحمه الله تعالى- ( ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] ) هذه الجمل الأربع قطعة من آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله - عز وجل- كما ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبيّ -رضي الله عنه . ومثلها من آي القرآن في الاشتمال على عشر جمل قول الله - عز وجل- ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ (15) ﴾ [الشورى: 15]، لو تأملت هذه الآية من سورة الشورة لوجدتها -أخي الحبيب- اشتملت على عدد عشر قطع أو عشر جمل مثل ما اشتملت آية الكرسي، وهذه الآية من سورة الشورى تبين معالم الشريعة ، وهذه الآية -آية الكرسي- تبين معالم الإيمان والتوحيد فمن عمل بهاتين الآيتين كان قد عمل بالإيمان كما عمل بالشريعة - والله تعالى يوفقنا- وفي هذه الآية قول الله - عز وجل- ﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ﴾ فيها إثبات لصفة العلم وأنه الله تعالى علمه محيط بكل شيء وهذا كقوله ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ﴾[الطلاق: 12]، بكل شيء علماً أجمع اللغويون والأصوليون على أن أبلغ صيغة من صيغ العموم صيغة" كل"، فهذه الآية فيها دليل على أن الله تعالى علمه محيط بكل شيء، وعلم الله - سبحانه وتعالى- إما أن يكون علم ذات وصفة، أي علم يتعلق بذاته وصفته أو أن يكون هذا العلم علماً متعلقاً بخلقه، فالله - تبارك وتعالى- كما هو عليم بذاته وصفته هو عليم أيضاً بخلقه سواء كان هذا الخلق من الخلق العلوي أو السفلي أوالبري أو المائي أو الجوي، فالله تعالى أحاط بكل شيء علماً، وقوله سبحانه: ﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ﴾ فما من أحد أوتي علماً إلا وهذا العلم الذي حصله، حصله بمشيئة الله تعالى له، ولولا أن الله تعالى شاء له أن يعلم هذا الشيء ما علمه، وما حصله ففيه دليل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو فقير إلى الله - عز وجل- كي يعلمه، وهو محتاج إلى الله - عز وجل- كي يفهمه، فلا يظن إنسان أنه إذا حصل علماً صار بذلك متمكناً أبداً فإن الله تعالى يفتح من باب علمه لعباده ما شاء لمن شاء- واللهَ تعالى أسأل أن يعلمنا ديننا- قوله تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ السماوات سبع وكذلك الأراضين سبع فإذا كان الكرسي سعته أوسع من السماوات بعددها والأرضين بعددها فهذا دليل على عظم الكرسي، وكرسي الله - عز وجل- ليس عرشه فالكرسي مخالف ومغاير للعرش وأخرج الإمام الحاكم من حديث عبد الله بن عباس:(أن الكرسي موضع القدمين) وهذا الحديث أخرجه الإمام الحاكم وقال على شرط الشيخين ولم يتعقبه الإمام الذهبي هذا الحديث المرفوع منه هو الضعيف، أما الموقوف على عبد الله بن عباس فيمكن لهذا الإسناد أن يمشى، وهذا شبيه أي إثبات الكرسي في قوله ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ شبيه بقول الإمام الطحاوي- عليه رحمة الله- «والعرش والكرسي حق» وكلمة حق معناها: ثابت لا تردد فيه ولا اضطراب فكل أمر ثابت لا تردد فيه ولا اضطراب يسمى حقاً ومن ذلك سمى الله تعالى نفسه حقاً في قوله ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ (25) ﴾وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل فيثبت أن الله تعالى حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة حق وأن النبيين حق وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- حق، فالحق يقصد به الثابت الذي لا تردد فيه ولا اضطراب إذن ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ كرسي الله - عز وجل- والإضافة هنا إضافة تشريف، هذا الكرسي عظيم جداً أوسع من سعة السماوات والأرض فلابد من الإيمان بهذا الكرسي، والأمر- كما قال الطحاوي- عليه رحمة الله- «والعرش والكرسي حق » قوله - سبحانه وتعالى- في الآي وقول ابن أبي زيد في عقيدته:( ولا يؤوده حفظهم) أي لا يشق عليه ولا يتعبه أن يقوم بحفظ والسماوات والأرض، انظر إلى السماوات مع اتساعها وعددها ومن فيها، وإلى الأرض وعددها وسعتها ومن فيها، فالله تعالى يحفظ كل هذه العوالم دون أن يتعب ودون أن تحدث له مشقة وهذ دليل على عظم قدرة الله - سبحانه وتعالى- وفي قوله تعالى ﴿ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ﴾ وأيضاً في عقيدة ابن أبي زيد (وهو العلي العظيم) هذا اسمان- العلي العظيم - يدلان على صفتين وهما: صفة العلو والعظمة.
وعلو الله - عز وجل- وجل على ثلاثة أنواع- إذا أطلق هذا الاسم وهو العلي أو أطلقت هذه الصفة: العلو فيقصد بها هذه الأنواع مجتمعة:
الأول: علو الذات.
الثاني: علو القدر.
الثالث: علو القهر.
فهو - سبحانه وتعالى- عالٍ في ذاته، وهو - سبحانه وتعالى- عالٍ في قدره وهو - سبحانه وتعالى- أيضاً عالٍ في قهره لخلقه - سبحانه وتعالى- وإذا تأملنا أسلوب القرآن وسنن القرآن في مجيء الآيات لوجدنا أن الله - سبحانه وتعالى- يقرن مع اسمه العلي يقرن ثلاثة أسماء:
الاسم الأول: العظيم. والاسم الثاني: الكبير. والاسم الثالث: الحكيم.
وما العلاقة بين هذا جميعاً ؟ العلاقة أن العلي بذاته وبقدره وبقهره. العلي هذا متعلق بالرب سبحانه، إذن هذا الاسم من الأسماء الدالة على ربوبيته سبحانه، وكذلك العلو من الصفات الدالة على ربوبيته سبحانه، والرب: هو القائم على خلقه فهذا يقتضي أن يكون الله - عز وجل- كبيراً وأن يكون عظمياً وأن يكون حكيماً، ولذلك قال: ﴿ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ﴾ وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّ كَبِيراً (34) ﴾ [النساء: 34]، وقال الله تعالى في آخر سورة الشورى: ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) ﴾ [الشورى: 51]، فهذا كله للدلالة على تمام وكمال ربوبيته المستلزمة لعبوديته والانقياد إليه سبحانه.
هذه القطعة من قول الشيخ ما رأيكم فيها؟ هذه القطعة اشتملت على عدة معان. ما هذه المعاني التي اشتملت عليها هذه القطعة؟
إثبات أن الله بكل شيء عليم عندما تتكلم عن العلم "فبكل شيء" عندما تتكلم عن القدرة "على كل شيء" هذه فكرة وهذا معنى. أريد معنى ثان.
إثبات أن لله اسمين هما العلي العظيم وصفتين هما العلو والعظمة
أيضاً هناك فكرة أخرى في هذه القطعة، ما هي؟
إثبات أن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو فقير إلى الله تعالى ليعلمه ما شاء الله هل هناك من الآيات التي تستحضرها في هذا المعنى؟﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ﴾ [طه: 110] ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، هل من فكرة أخرى؟
إثبات أن العلم يتعلق بذات الله وصفاته والعلم يتعلق بخلق الله علم الله لمخلوقاته جميع إن علم الله تعالى منه ما يتعلق بذاته وصفته ومنه ما يتعلق بخلقه، فلاأحد يستطيع أن يعلم شيئا من علوم الذات والصفة أو حتى من علوم الخلق إلا إذا شاء الله له ذلك، يعني هذه الكاميرا التي تتحرك إنما تتحرك بمشيئة الله - عز وجل- ، وهذا العلم المتعلق بالكيمياء أو الفيزياء أو الهندسة كل هذه العلوم إنما شاءها الله تعالى للخلق فعلموها، لم يحصلوها بجهدهم واجتهادهم بانقطاع عن الله فهذا فهم الملاحدة العلمانيين ولكن لما شاء الله تعالى للخلق أن يعلموا النظرية النسبية فتح الله تعالى عليهم هذا العلم فعلموه، لما شاء الله تعالى لخلقه أن يعرفوا القوانين الرياضية الحاكمة لمجريات الأمور علمهم الله تعالى ذلك، لما شاء الله لهم أن يوفقهم لإطلاق الصواريخ علمهم المعادلات الرياضية الدقيقة التي يطلق بها هذا الصاروخ، وهكذا في كل شأن، إذن لا يوجد علم على وجه الأرض منقطع عن الله بل إن كل العلوم موصولة بالله - عز وجل- وبالتالي لا أحد يعلم إلا بإذن الله ومن هنا من شعر في نفسه علماً أو أنه حصل معرفة فليتصاغر أمام علم الله - عز وجل- فما علم العالمين بجوار علم الله - عز وجل- إلا كنقرة طائر نقر في بحر لجي فكيف يخرج بالماء؟ بكم سيخرج من الماء؟ وهذا المعنى أفاده النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث موسى والخضر والحديث مخرج في الصحيحين، هذا كلام جميل.
في قول الله - عز وجل- ﴿ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ ما هو المعنى الذي يمكن أن نفهمه منها؟
أن الله - سبحانه وتعالى- مع عظم الله تعالى لخلقه السماوات والأرض فهذا لا يشقه ولا يتعبه وهذا يدل على ماذا؟ على كمال قدرته وتمام ربوبيته - سبحانه وتعالى- إن الإنسان مهما بلغ من القوة فلو عالج شيئاً يسيراً ربما يتعب أو يجهد، لله-تبارك وتعالى- لا يجهد أبداً ولا يتعب أبداً، فهذا النفي متضمن كمال قدرته وتمام ربوبيته سبحانه.
قول المصنف-عليه رحمة الله- (العليم الخبير) وفي لفظ آخر وفي رواية أخرى (العالم الخبير) العليم الخبير: بعض الكتب بالفعل ذكرت: العالم الخبير.
فلماذا يحاد عن العالم إلى العليم لماذا ؟ لعدة أمور:
الأمر الأول: أن لفظ الخبير للدلالة على مطلق العلم وهو اللفظ الدوار في القرآن يعني عندما يتكلم ربنا - سبحانه وتعالى- عن علمه الذي وسع كل شيء، لا يتكلم باسم الفاعل وإنما يتكلم بلفظ الخبير، أما إذا تكلم باسم الفاعل الذي هو عالم فهذا متعلق بعلم الغيب فقط كقول الله تعالى ﴿ عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) ﴾ [الجن: 26]، والمصنف من أعظم الناس تعظيماً أو من أكثر الناس تعظيماً للفظ القرآن فهو قاريء للقرآن متأثر بألفاظه فلما قرأ القرآن ووجد أن لفظ العليم في إحاطته - سبحانه وتعالى- بخلقه أعظم قال: العليم الخبير وهذا كقول الله تعالى أيضاً ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ﴾[الحجرات: 13]، فقوله العليم.
أمر ثانٍ: أن العليم أبلغ في الصفة من عالم أليس كذلك؟ بلى؛ لأن العليم على وزن فعيل والفعيل إما أن تكون مبالغة من اسم الفاعل وإما أن تكون صفة مشبهة فالخبير والعليم أوقع من قوله العالم كما هي أوقع من اسم الفاعل.
قوله( المدبر القدير) المدبر القدير، القدير اسم من أسمائه سبحانه فكل شيء في هذا الكون إنما كان بقدرة الله - عز وجل- قال الله - سبحانه وتعالى- ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) ﴾ [المائدة : 120] فالله - سبحانه وتعالى- له الملك وهو أيضاً على كل شيء قدير، أما المدبر فليس من أسماء الله - عز وجل- وإنما هذه اللفظة إخبار عن صفة فعلية لله - عز وجل- وهي صفة التدبير وهذا كقول الله - عز وجل- ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾[يونس: 3] إذن يدبر الأمر هذا فعل الله - عز وجل- وكما يقول علماء الاعتقاد: بأن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء، فالمدبر لعل المصنف يقصد بذلك: الذي يقوم بالتدبير فهو أدخل في باب الصفة منه إلى باب الاسم قوله أيضاً: (وأنه سميع بصير) السميع البصير: هذان اسمان، كثيراً ما يجيء القرآن قارناً بينهما كقول الله - عز وجل- ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، والسمع والبصر متضمن أو دال على صفة الحياة فإن الحي لا يكون تاماً إلا إذا تمت صفاته ومن هذه الصفات السمع والبصر، وما قال به بعض المعتزلة: بأن السميع والبصير يقصد بهما الدلالة على العلم. هذا كلام غير صحيح فإن الذي يسمع أفضل من الذي لا يسمع والذي يبصر أفضل من الذي لا يبصر، وصفات الله - عز وجل- وأسماؤه كلها فضلى ليس فيها نقص، فإذا أثبت الله تعالى لنفسه الحياة فقال: الحي القيوم وقال: السميع البصير فدل ذلك على أنه سميع بسمع حقيقي بصير ببصر حقيقي وقال - سبحانه وتعالى-: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134) ﴾[النساء: 134]، انظر إلى اقتران اسم البصير مع اسم السميع ﴿ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) ﴾[الإسراء: 1]،﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ وعندما خاف موسى من ملاقاة الفرعون قال له ربه سبحانه: لا تخافا أي لا تخف يا موسى ولا تخف يا هارون ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾[طه: 46]، فهذا إثبات لصفة السمع وصفة البصر، وقال الله - سبحانه وتعالى- أيضاً ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) ﴾[المجادلة: 1]،انظر كيف أن الآية أتت بالفعل الماضي ﴿ قَدْ سَمِعَ ﴾ وأتت بالفعل المضارع ﴿ وَاللَّهُ يَسْمَعُ ﴾ وأتت بالاسم ﴿ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ وهذا للدلالة على أن سمع الله تعالى في كل وقت وفي كل زمن- فسبحانه وتعالى- سمعه محيط بكل المسموعات وبصره محيط بكل المرئيات، لا يشغله سمع عن سمع ولا يشغله شكل عن شكل، بل هو - سبحانه وتعالى- سميع بصير.

قول المصنف- عليه رحمة الله- (السميع البصير العلي الكبير) سبق أن ذكرت لحضراتكم أن العلي اسم لله - عز وجل- يتضمن صفة العلو وإثبات الاسم من غير إثبات الصفة هذا جمود وخروج عن مقتضى الشريعة واللغة، فعندما نقول: نثبت الاسم من غير الصفة فهذا يحيل ألفاظ القرآن إلى ألفاظ جامدة خالية من معانيها فعندما تكون جامدة خالية من معانيها تكون أيضاً خالية من حكمها ففي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة ) فالقول الظاهر أن الإحصاء ليس معنى الحفظ ولكن الإحصاء فيه معنى المعرفة والعمل، فإذا كانت أسماء الله تعالى خالية من معانيها فكيف نعمل بها؟!! كيف نتدبرها؟!! كيف نعيها؟!! كيف نطبقها في حياتنا واقعاً مشاهداً ملموساً إذن هذا خلاف الشرع إثبات الاسم من غير الصفة هذا خلاف الشرع وهذا أيضاً خلاف اللغة؛ لأن الاسم ما يدل على مسماه فالاسم هو المسمى قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ﴾ [الأعراف: 180] لا أريد أن أدخل في مسألة الاسم والمسمى فهذه قضية كلامية لا أدخل فيها ولكن أثبت الله تعالى أن هناك شيئاً تتعلق به هذه الأسماء ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ فيا ترى هل ندعوا الله تعالى بأسماء جامدة ليس لها معنى أم ندعوه بأسماء لها معنى؟!! إذن هذا خلاف اللغة، وإذا نزلت مثلاً إلى السوق فقلت لرجلك هات لي كيلو طماطم عندما تقول له: كيلو طماطم إن هذا اسم الطماطم هذا الاسم له معنى يترجم في ذهنه إلى ثمرة لها شكل معين، تصور معين، معنى معين فإذا أتاك مثلاً بكيلو من البطاطس وقال لك: هذه طماطم هل تصدق ذلك ؟ لا تصدق ذلك، ترفض وتقول ما أردت ذلك.
إذن الأسماء لها دلالة قصدية فإثبات الاسم من غير المعنى المقصود هذا إلحاد في اللغة انحراف وابتعاد وباطل. إذن لابد من إثبات الاسم المتضمن للصفة. والصفات الكلام عنها فرع عن الكلام في الذات فإذا كان الذات والكنه لا يدركه الواصفون ولا يحيط به العالمون فكذلك أيضاً الصفات.
العلي: هذا اسم متضمن لصفة العلو هذه الصفة التي تدل على علو القدر وعلو الذات وعلو القهر.
والكبير: قلت لكم- من قبل منذ دقائق- بأن اسم الكبير يقترن باسم العلي ﴿ وهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ﴾[الحج: 62]، السميع البصير العلي الكبير.
فالله -تبارك وتعالى- عليّ، عالٍ في ذاته وقدره وعالٍ على خلقه فمهما بلغ الخلق من العظمة والعلو فإن الله تعالى عالٍ عليهم مهما تهيأ للمخلوق أن يكون عالياً في درجته، في منصبه، في شرفه، في مقامه، في وجاهته الله تعالى عالٍ عليه وهو أيضاً كبير فمهما بلغ من درجته وبلغت درجته وبلغ منصبه فإن الله تعالى أكبر منه، فما من كبير إلا والله تعالى أكبر منه فعندما تعلم ذلك بأن الله تعالى عليّ كبير تشعر بالعزة بأنك متأيد بالعلي الكبير وأنك مع العلي الكبير وأن الله تعالى سيؤيدك وسيعليك وسينصرك أرأيت إلى المؤمنين في غزوة أحد عندما كسروا وقتل منهم من قتل وجرح منهم من جرح قال الله تعالى لهم ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) ﴾[آل عمران: 193] فالإنسان إنما يكون عالياً بإيمانه وتأيده بربه-سبحانه- فقوله (وهو السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته) أقف هنا وقفة يسيرة حدثت بيني وبين أحد الإخوة الأحبة- بارك الله فيه- عندما قرأ هذا اللفظ قال: وهو فوق عرشه ثم سكت ثم قال: المجيد بذاته طبعاً هو رجل متفنن في اللغة وهذا لغة يصح يعني هذا من جهة اللغة يصح ولكن هناك بُعد عقائدي يجعلنا لا نوافق هذا الوجه اللغوي ما هو الوجه اللغوي؟ (وأنه فوق عرشه) انتهت الجملة، ثم نبتدئ جملة جديدة نقول: المجيد بذاته فالمجيد خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو المجيد بذاته، إذن هذا لغة يصح ولكن هذا الأمر له بعد عقائدي يجعلنا لا نوافق على هذا الوجه اللغوي وإن كان صحيحاً، ذلك أن بعض المؤولة أنكر على ابن أبي زيد وأنكر على أهل السنة عموماً إثبات كلمة الذات وقال: بأن هذه الكلمة ليست كلمة سلفية أنتم تزعمون أنكم تتأيدون بمنهج السلف وأنكم تتأيدون بكلام المتقدمين من الصحابة والتابعين فدلونا هل أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم قال هذه الكلمة كلمة ذات؟ وبالتالي هذه كلمة بدعية فكيف يكون هذا الرجل - وقد ترجم له الذهبي في قوله وكان على منهج السلف في الأصول- كيف يتكلم بكلمة بدعية؟
وهذا الأمر أيضاً الإمام الذهبي في المجلد التاسع عشر في سير أعلام النبلاء قال: «بأنهم عابوه على ابن أبي زيد يعني عابوا كلمة: الذات إثبات كلمة بذاته، عابوا ذلك ورموه بهذه الكلمة ويا ليته لم يقلها» هذا كلام الإمام الذهبي إذن الإمام الذهبي معذور في ذلك لأن المذهب القائم في ذلك الوقت هو مذهب الأشاعرة، مذهب الأشاعرة هو المنهج الرسمي القائم في ذلك الوقت والذي يخالف هذا المذهب ربما يسجن وربما يؤذى، والإمام الذهبي -عليه رحمة الله- من باب درء المفاسد لا يريد أن تكون هذه الكلمة، لكن من حيث التأصيل هذه الكلمة بالفعل هل هي بدعة؟ هل هي كلمة بدعية؟



الجواب:
الأمر الأول:إن الإمام ابن أبي زيد عندما قال:( وأنه فوق عرشه المجيد) فتصير كلمة المجيد صفة للعرش والمجيد بمعنى القوي بذاته - سبحانه وتعالى- عندما قال كلمة بذاته كان يقصدها بعينها لماذا لأن بعض المؤولة قالوا: بأن الله تعالى ليس على عرشه، ليس على العرش؛
لأن إثبات أن الله تعالى فوق العرش إثبات لأمرين:
الأمر الأول: إثبات أن الله تعالى متحيز.
الأمر الثاني: أن الله تعالى له جهــة.
فقالوا: لا.. لا نثبت أن الله تعالى فوق عرشه بذاته وإنما المقصود أن الله تعالى استوى على العرش أي تمكن منه أو استولى عليه، فأراد المصنف -عليه رحمة الله- أن ينفي هذا المعنى الفاسد ويقول: بأن الاستواء كان استواءً حقيقياً بذاته إذن لما نفى المبتدعة استواء الله تعالى بذاته أراد المصنف أن يشاكلهم بإثبات أن الاستواء كان بالذات. وسأضرب لكم مثالاً بسيطاً على ذلك أيضاً لو أتينا بدواوين السنة جميعها وقرأنا القرآن من أوله إلى نهايته هل نجد جملة بأن القرآن ليس مخلوقاً هذه الجملة موجودة في القرآن؟ ليست موجودة في القرآن وليست موجودة في السنة ولم يقلها أحد من الصحابة ولا من التابعين وإنما كانت هذه الجملة في عهد الإمام أحمد لما خاض الناس في مسألة خلق القرآن وبلوا الناس بخلق القرآن فمن قال: بأن القرآن مخلوق أفسحوا له وعظموه وشرفوه وأعطوه ووصلوه وكان مقرباً معظماً ومن قال بأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق منه بدأ وإليه يعود عذبوه وطعنوا عليه وشنعوا عليه وهمزوه ولمزوه وربما سجن، بل ربما قتل، فقالوا: بأن القرآن مخلوق، كلام الرب كلام الباري الجليل قالوا: بأنه مخلوق ما الذي حدث؟ تكلم بعض العلماء مثل الإمام أحمد فقال: بأن القرآن ليس بمخلوق إذن لما قال: ليس بمخلوق قال ذلك لهذه المناسبة؛ لكي يرد على هؤلاء القوم الذين قالوا بخلق القرآن، وكذلك ابن أبي زيد وكذلك من قال من أهل السنة: بأن الله - عز وجل- مستوٍ على العرش إنما قال: بذاته، مع أن السلف لم يقولوها ليرد على الذين قالوا: إن الله لم يستوِ على العرش بذاته، إذن كان إثبات هذه اللفظة مهماً جداً وله بعد عقائدي.
الأمر الثاني: أن هناك بعض المتقدمين قالوا هذه اللفظة من هؤلاء الإمام سفيان الثوري والفضيل بن عياض وإسحاق والإمام أحمد وسفيان بن عيينة كل هؤلاء كانوا يقولون «بأنه مستوٍ على العرش بذاته وعلمه في كل مكان» وأثبت ذلك الهروي في عقيدته- أبو إسماعيل الهروي المتوفى سنة أربعمائة وواحد وثمانين- أثبت ذلك في عقيدته وقال: وبذلك قال علماء أهل السنة. إذن علماء السنة والسلف قالوا هذه العقيدة بأن الله تعالى مستو على العرش بذاته وعرفتم أن هذه اللفظة مع أنها لم تكن متقدمة ولكن قيلت ضرورة لما سمعتموه.
إذن لما يقول الشيخ (وإنه فوق عرشه المجيد بذاته) أيها أولى؟ ماذا نقول؟ وأنه فوق عرشه المجيد بذاته أم نقول وأنه فوق عرشه ثم نقول: المجيد بذاته أيها أولى؟
الوصل أولى الوصل أولى من الفصل، والوصل والفصل هذه مباحث لغوية بلاغية دلالية أرأيتم كيف أن الوصل والفصل كان مغيراً للمعنى؟!!
أيضاً مما يؤنس لذلك ويشهد له أن الله تعالى كان يصف عرشه بأنه عرش مجيد في سورة البروج أثبت الله تعالى أن العرش مجيد في قوله تعالى: ﴿ ذُو العَرْشِ المَجِيدِ (15) ﴾[البروج: 15]، وأثبت أن القرآن مجيد في قوله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21)فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) ﴾ [البروج: 21: 22]،
إذن ليس هناك غضاضة وليس هناك إشكال في مسألة إثبات أن الله تعالى مستوٍ على العرش بذاته.

قوله: (وهو في كل مكان بعلمه) نعم إثبات صفة العلم لله - عز وجل- وأن الله تعالى علمه أحاط بكل شيء- كما قلت لكم من قبل- وقال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) ﴾ [المجادلة: 7]، فابتدأ الله تعالى بالعلم وختم بالعلم للدلالة على أن الدلالة الموجودة في هذه الآية معيّة عامة، إذن قوله:( إنه فوق عرشه المجيد) يشهد لذلك قوله تعالى: ﴿ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ (15) ﴾[البروج: 15]، وهو في كل مكان بعلمه هذه إحاطة العمل فالله -تبارك وتعالى- علمه محيط بكل شيء، والمعية الموجودة في آية المجادلة هي معية العلم والإحاطة والقدرة، فالله تعالى له معيتان:
1- معية العلم والإحاطة والقدرة وهي المعية العامة.
2- وهناك المعية الخاصة وهي معيته لأوليائه بتأييدهم ونصرتهم وتوفيقهم وإرشادهم وهدايتهم، قال الله تعالى لموسى وهارون: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾ وقال في عموم الشيء كما في سورة الحديد ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ [الحديد: ]، ولا يفهم من ذلك أن الله تعالى حالٌّ في الأشياء أو أن الله تعالى متحد مع الأشياء لا يفهم هذا ولا هذا لا يفهم من ذلك لا معنى الحلول ولا معنى الاتحاد أرأيت أنك تقول: سرت مع القمر، كما تقول: سرت والقمر ، الواو هنا بمعنى مع والقمر يتعرب على أنها مفعول معه، أليس كذلك؟ سرت والقمر، القمر في السماء وعندما تقول: سرت والقمر فلا يقصد بذلك أن القمر صار ملامساً لك أو أن القمر صار مختلطاً بك أو أن القمر صار حالاً فيك هذا كلام لا يقبل ولا يعقل.
إذن قوله ﴿ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ دلالة على إحاطته - سبحانه وتعالى- بالمخلوقات إحاطة علم وقدرة. أيضاً لا يتصور أن الله - سبحانه وتعالى- حالٌّ في هذه الأشياء أو متحد في هذه الأشياء؛ لأنه هو الذي أوجدها وفي الحديث الصحيح (كان الله ولم يكن شيء قبله) الله - سبحانه وتعالى- هو الذي أوجد الخلق فكيف يحل بالخلق أو يتحد بالخلق؟!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
فلما قال:( وهو في كل مكان بعلمه) كان بذلك مثبتاً لصفة العلم، إذن هو فوق عرشه بذاته وهو في كل مكان بعلمه.
هنا إشكال بسيط:
بعض الناس أنكروا على ابن أبي زيد قوله:( فوق عرشه) من هؤلاء: ابن الفخار القرطبي المالكي. ابن الفخار قال: «بأن هذا مما يهمز به ابن أبي زيد لماذا؟ لأن الله تعالى قال: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى (5) ﴾ [طه: 5]، ولم يقل الرحمن فوق العرش»، وهذا كلام عجيب من ابن الفخار؛ لأن على لها معان عدة ومعناها يتنوع بتنوع السياق الذي وردت فيه، فعندما يقول الله - عز وجل- ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ [القصص: 27 ] على: هنا فيها معنى الشرط والتعليق، وعندما تقول زوجتك: ابنتي على ألف دينار فأيضاً على هنا فيها معنى الشرط والتعليق، وعندما تقرأ قول الله- تبارك وتعالى: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ﴾[الزخرف: 13]، إذن لتستووا على: استوى على بمعنى ماذا؟ لترتفعوا عليها وتركبوها إذن ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى ﴾، على أي فوق.
وثبت في البخاري أن أبا العالية -رضي الله عنه- فسر الاستواء بمعنى العلو استوى بمعنى علا وارتفع ومعنى فوق عرشه أي على عرشه،وعلى هنا بمعنى فوق.
أيضاً بعض المؤولة قالوا: ليس المقصود بفوق العلو ولكن المقصود بكلمة فوق الظفر والظهور ومنه قول الله تعالى: ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 55]، أي جاعل الذين اتبعوك يا عيسى من الموحدين الأصفياء الأتقياء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، إذن تحمل الفوقية بمعنى النصرة والغلبة والقهر والظهور وكذلك قالوا: إن المقصود بقول ابن أبي زيد (وأنه فوق عرشه بذاته ) فوق عرشه أي ظاهر على العرش متملك لذلك العرش وهذا كلام عجيب جداً؛ لأن الله تعالى أثبت الفوقية الحقيقية لنفسه ومن ذلك قول الله - سبحانه وتعالى-: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) ﴾ من فوقهم فهذا دليل على أن الله تعالى فوق، أما الذين قالوا إن الله تعالى ليس فوقاً ولا تحتاً هذا كلام فارغ.
إذن الله تعالى فوق عرشه فوقية حقيقة بذاته ليست فوقية مجازية معنوية وأيضاً لا يمكن أن ننفي الفوقية، إذن نفي الفوقية هذا انحراف عن الحق، وكون الفوقية معنوية هذا انحراف عن الحق ولكن نثبت فوقية حقيقة على العرش بذاته سبحانه.

قال الشيخ (وهو في كل مكان بعلمه) هذه الفقرة هل استوعبتموها جيداً؟
س- لماذا قلنا: العليم الخبير ولم نقل العالم الخبير؟
لأن العليم تدل على كمال الإحاطة وكمال العلم والعالم جاءت في القرآن بمعنى علم الغيب فقط أو خاصة بعلم الغيب.
جميل أنا أردت أن أسأل هذا السؤال حتى أعلم أنكم قد استوعبتم.
نأتي بعد ذلك إلى (خلق الإنسان وعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد) أثبت أن الله تعالى أحاط بكل شيء علماً فمن جملة ما علم الله - عز وجل- أنه علم الإنسان؛ لأنه خلقه ويعلم ما توسوس به نفسه، الوسوسة: أصلها الكلام الخفي والله - سبحانه وتعالى- يعلم السر وأخفى فيعلم ربنا - سبحانه وتعالى- ما تفكر فيه وما تحدث به نفسك ولكن لا يعاقبك ولا يحاسبك إلا إذا تكلمت أو عملت لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تفعل)
والعلم -علم الله تعالى بخلقه- علمان:
علم سابق وهو العلم الأول وعلم لاحق وهو العلم الثاني، فعلم الله تعالى الخلق قبل أن يوجدهم ثم بعد ذلك أوجدهم فعلم ما هم عاملون. العلم الأول متعلق بقدر الله - عز وجل- والعلم الثاني متعلق بالجزاء الذي يجازي الله تعالى به عباده -فالله تبارك وتعالى- يعلم الناس فيعلم المطيع فيدخله الجنة ويعلم المسيء فيدخل النار.
إذن قول الله - عز وجل-: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾[البقرة: 143] إلا لنعلم: العلم هنا العلم الأول أم العلم الثاني؟
العلم الثاني. أي إلا لنعلم المطيع من المسيء لنجازي المطيع بالجنة ونجازي المسيء بالنار.
وظاهر أن الشيخ متأثر بلفظ القرآن( خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد) هذا تأثر واضح بالقرآن وقال ابن عبد البر: وفيه فائدة نقل القرآن بالمعنى. القرآن إذا نقل بالمعنى لا يكون قرآناً.
الوريد هل المقصود بالوريد هذان الوريدان الموجودان في صفحة العنق؟ هل المقصود بالوريد هو وريد القلب الذي يسمى بالوتين؟ هل المقصود هذا أم هذا أم شيء آخر؟ هذا كله ربما يكون محتملاً. والقول الثاني: هو وريد القلب الذي يسمى بالوتين لعل ذلك هو القول الأصح.

قوله أيضاً: (خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه) - كما قلت لكم- هذا متأثر بقول الله - سبحانه وتعالى-: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ (16) ﴾ [ق: 16]،كلمة﴿ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ (16) ﴾ ما المقصود بنحن أقرب إليه: هل المقصود به الله أم الملائكة؟ هذان قولان، نحن أقرب إليه علماً وقدرة وإحاطة هذا قول، والقول الثاني: ملائكتنا أقرب إليه من حبل الوريد هذا قول ثانٍ.
وجرى نظم القرآن وعادة القرآن أن الضمير المجموع المعظم إذا أسند لغير الله –عز وجل- فالمقصود به الملائكة ومن ذلك قول الله -تبارك وتعالى- ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) ﴾ [هود: 74]، لم يجادل الله - عز وجل- وإنما راجعَ في القول مَنْ ؟ الملائكة.
فالله -تبارك وتعالى- أعلم بالإنسان وأعلم بما توسوس به نفسه وهو أيضاً - سبحانه وتعالى- كما قال المصنف (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ) من هنا قد تكون زائدة وقد تكون مثبتة فما من ورقة في أي حال في أي بلد في أي زمن في أي حال كانت خضراء، كانت صفراء، كانت ذابلة، كانت يابسة، كانت ساقطة في أي وقت بالليل أو النهار في أي مكان في العالم إلا ويعلمها الله - عز وجل- وقوله أيضاً (ولا حبة في ظلمات الأرض) عبر بالشيء الحقير الضئيل اليسير بقوله: ولا حبة وقال: في ظلمات الأرض؛ لأن الأرض سابع أرضين وما تحت الأرض ظلمات وكذلك أي مكان في الأرض إذا غاب عنه النور صار مظلماً فما من شيء في ظلمة من ظلمات الأرض إلا يعلمه ربي – سبحانه- (ولا رطب )الرطب: ما ينبت، فالرطب متعلق بالإنبات (ولا رطب ولا يابس)، أي ما لا ينبت النبت سواء كان زرعاً أو كان نطفة إذن هناك زرع ينبت فيكبر ويترعرع ويخضر ويثمر وهناك زرع لا ينبت وهناك أيضاً نطفة تنبت ذرية وهناك نطفة لا تنبت ذرية فهذا كله يعلمه ربي- سبحانه-( ولا رطب ولا يابس) وكذلك قلب المؤمن ينبت خيراً، وأما قلب المنافق أو الكافر فلا ينبت إلا شراً والعياذ بالله.
(ولا طب ولا يابس إلا في كتاب مبين) أي إلا في لوح محفوظ ﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾[طه: 52]، أسأل الله - عز وجل- أن يقدر لنا الخير كله وأن يصرف عنا الشر كله وأن يوفقنا إلى الخير كله وأن يوفقنا إلى محابه ومراضيه.

نأخذ اتصالات المستمعين
لي ملاحظة حول ما أثاره الشيخ في وصف العرش بأنه مجيد هذا يتأتى على القراءة التي قرئت ذو العرش المجيد وهي قراءة حمزة والكسائي فقط كما في غاية النفع وكما في شروح الشاطبية، أما رواية حفص وباقي العشرة ﴿ذو العرش المجيدُ ﴾فيكون المجيد خبر بعد خبر لله - سبحانه وتعالى- وليس للعرش فأحببت أن أنبه لأن الأستاذ توقف بعض التوقف عند وصف العرش بالمجيد فتكون على قراءة حمزة والكسائي أما باقي القراء فيقرؤون ﴿ذو العرش المجيدُ .
جزاكم الله خيراً الأخ الحبيب تكلم عن نقطة هي نقطة قطع الصفة عن الموصوف وهذه المسألة بالفعل الوجوه التي ذكرها وجوه صحيحة، مثل مثلاً دخل العالمُ الفاضلُ، فدخل العالمُ الفاضلُ باعتبار أن الفاضل صفة للعالم. يمكن أن تكون كذلك ويمكن: دخل العالمُ الفاضلَ. يعني: دخل العالمُ أعنى الفاضلَ، ويمكن: دخل العالمُ الفاضلُ ليس باعتبار الصفة ولكن باعتبار القطع أي: دخل العالمُ هو الفاضلُ فهذا كله محتمل، ولكني اخترت ذلك حتى لا يحدث التباس في جانب الاعتقاد ونحن نتحدث في الاعتقاد. وجزاكم الله خيراً.
هل نستطيع أن نثبت لله صفة الفهم ؟
نحن لا نثبت صفة من غير نص؛ لأن الأصل في الصفات التوقيف.
ما الفرق بين العرش والكرسي وإذا كان ربنا -جل وعلا- مستوياً على عرشه بكيفية تليق بجلال وجه ربنا -تبارك وتعالى- فماذا الكرسي وجزاكم الله خيراً؟
قلت لكم من قبل: بأن العلم الذي أعطاه البشر سواء كان ذلك البشر أنبياء أم غير أنبياء إنما هو علم أذن الله تعالى به وما لم يأذن الله تعالى به فهذا من جملة الغيب الذي يكون الخوض فيه ضرباً من الباطل فنحن نقف حيث وقف النص فليس عندنا من نص يبين لنا كيفية الكرسي وما حاله إلا هذا الأثر الذي ورد عن ابن عباس وهذا أثر حتى بعض الناس تكلم في إسناده.

الأخ له سؤالان:الأول: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المسيح الدجال: (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) فهل يمكن أن يعتبر هذا دليلاً على أن الله -جل جلاله- له عينان؟
هذا أمر محتمل فإثبات صفة العين لله - عز وجل- ثابتة، لكن كون أن نقول: بأن الله تعالى له عين واحدة أو عينان أو أكثر أو أقل هذا مما ينبغي أن نمسك عنه ولا نخوض فيه.

سؤاله الثاني: ما تفسير قوله تعالى : ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ﴾؟
إن شاء الله عندما نتعرض لمسألة العرش، لأن عقيدة ابن أبي زيد –حقيقة- تحتاج إلى ترتيب وبإذن الله تعالى في المجلس القادم أو الذي بعده سنتكلم عن العرش بالتفصيل بإذن الله .

يقول: السلام عليكم ورحمة الله: سمعت كلاماً لبعض العلماء -الذين نحسبهم كذلك والله حسيبهم- أن معية الله -تبارك وتعالى- لعباده معية معية ذاتية. شيخنا كيف نوفق بين هذا القول وبين القول الذي يقول: إن الله معنا بعلمه؟ أرشدونا جزاكم الله خيراً.
عندما نقول: إن معية الله تعالى معية ذاتية فالمقصود بذلك الحمل على ما تقتضيه من النصرة والتأييد والتوفيق والإلهام والرشد ليس المقصود بذلك بذاته أي بحقيقة ذاته فيكون الله تعالى ملامساً لخلقه أو متلبساً بخلقه أو مخالطاً خلقه هذا هو الكلام الذي عليه المحققون والله تعالى أعلى وأعلم.

شيخنا كان فيه سؤال في الحلقة الماضية معنى أسماء الله تعالى: الأول والآخر فأردنا بعض التفصيل فيها -بارك الله فيك-
الكلمة المجملة وأفضل شيء الجمل المجملة؛ لأن الأمور إذا كانت واضحة وفصلت أكثر من هذا الإجمال تزداد التباساً فهو أول بلا ابتداء آخر بلا انتهاء.

يقول: السلام عليكم ورحمة الله: هل القديم من أسماء الله الحسنى؟ وإن كان اسماً من أسمائه فهل هناك دليل وجزاكم الله خيرا؟
القديم ليس من أسمائه سبحانه أبداً وما ورد في ذلك إلا الأثر (وبسلطانه القديم) والقدم هنا متعلق بسلطان الله - عز وجل- السلطان أي الملك أما أن يكون هذا اللفظ القديم أن يكون اسماً من أسماء الله - عز وجل- فهذا لم يثبت، لا في القرآن ولا في السنة - والله تعالى أعلى وأعلم.

ما حكم تفسير صفات الله تعالى بلوازمها دون ذكر حقائقها؟
لابد من ذكر الحقيقة مع اللازم عندما أقول: اليد فاليد لها حقيقة حقيقة معلومة لا نقول أكثر من ذلك فنقول: اليد معلومة ولها حقيقة، ولوازم اليد كالقدرة وكالقوة وكالمنزلة هذه كلها من لوازم إثبات اليد فلو قلت: إننا نثبت اللازم لكنت بذلك مؤولاً إذا قلت: نثبت اللازم من غير إثبات المعنى أي حقيقة المعنى كنت بذلك مؤولاً خرجت بذلك عن منهج ما كان عليه السلف الصالح لكن تثبت الحقيقة التي هي الماهية المعنى ثم بعد ذلك تثبت اللازم لا ضير في ذلك.
الاستواء نثبت معناه حقيقة الاستواء نثبت الحقيقة ونثبت اللازم نثبت الحقيقة أن الاستواء بالمعنى المعلوم المعروف المتبادر إلى ذهن العرب عندما سمعوها ونثبت اللازم الذي هو القهر وما إلى ذلك، لكن لا نثبت اللازم دون الحقيقة.

دائماً السمع يسبق البصر لماذا؟
والله تعالى أعلى وأعلم بأن كقول الله - عز وجل- ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) ﴾ [الإسراء: 36]،فالسمع والبصر ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ﴾ [النحل: 78]، والله تعالى أعلى وأعلم لأن ما يسمع أكثر مما يبصر أي ما يدرك بالسمع أكثر مما يدرك بالبصر والله تعالى أعلى وأعلم.

ذكرتم فضيلتكم أن الله يعلم ما يفكر فيه الإنسان وما تحدثه به نفسه ولا يحاسبه إلا إذا فعل فماذا إذا كان الإنسان تحدثه نفسه بالشر وينوي عليه ولم تمنعه نفسه بل منعته ظروف أخرى لا دخل له بها فكيف حسابه إذن ؟
النية نيتان نية خاطرة ونية جازمة فالله - تبارك وتعالى- لا يحاسبك على الخاطرة وإنما يحاسبك على الجازمة، فالخاطرة كقول ربنا - سبحانه وتعالى- في سورة يوسف عندما أثبت الهم فقال : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ َوهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 24]،طبعاً هناك وصل وفصل كثير وهناك من قال: الأولى أن يقال ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ﴾ثم يقال ﴿ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ إذن لم يهم يوسف أصلاً هذا قول وقال البعض ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ َوهَمَّ بِهَا ﴾ فأثبت هماً للمرأة وهماً ليوسف، فهمُّ يوسف هو همُّ الخاطرة وهمُّ المرأة هو همُّ العزيمة والإرادة؛ لأنها غلقت الأبواب وقالت: هيت لك والله- تبارك وتعالى- لا يحاسبك على الخاطرة وإنما يحاسبك عليك على العزيمة والإرادة ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إذا التقى المسلمان بسيفيها فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا رسول الله هذا هو القاتل فما بال المقتول قال: كان حريصاً على قتل صاحبه) كان حريصاً أي كانت عنده نية وإرادة وعزيمة قوية أن يقتل صاحبه فكان في النار فمن كانت له إرادة جازمة في فعل الذنب فهذا قد يؤاخذ على هذا الأمر إلا أن يتغمده الله تعالى برحمة منه فيفتح عليه من أبواب الخير والحسنات ما تغسل به هذه النية الجازمة.

يقول السلام عليكم ورحمة الله : هل يكفي أن نرى المفسر يفسر اسماً أو صفة بما تقتضيه أن نقول: إنه لا يثبتها أم لا بد أن نرى له تصريحاً بعقيدته؟ وجزاكم الله عنا خيراً.
عقيدة المرء تظهر من عدة أمور تظهر من لفظه وتظهر من إشارته وهذا الأمر معلوم فلو عبر وشرح عقيدته لفظاً فهذا أمر واضح وإذا أتى بالكلام الذي يدل على صحيح هذه العقيدة فهذا صحيح يعني لو أن رجلاً قال: وهناك بعض المؤولة قالوا بأن الاستواء بمعنى الاسيتلاء وهذا فهم فاسد، بل لا بد من إثبات الإثم العظيم بمعناه العظيم. هذا الرجل لم يصرح وإنما رد وبين فهذا يقبل منه والمعلوم بأن كتب الاعتقاد أول ما ظهرت كتب الاعتقاد ظهرت كردود يعني الكتب المصنفة في الاعتقاد أول ما ظهرت ظهرت كردود فكذلك لو أن إنساناً رد على مبتدع حتى ولو لم يصرح بعقيدته لكان هذا الرد علي البدعي كفاية وبيان لعقيدته. والله تعالى أعلى وأعلم.

السلام عليكم ورحمة: الله كيف نجمع بين استواء الله - عز وجل- استواءً حقيقياً على عرشه وبين معيته تعالى لخلقه وكيف نرد على من قال: بأن الاستواء هو الاستيلاء أو التمكين كما يقول البعض والله الموفق.
أنا لي رغبة إن كل الأسئلة المتعلقة بالعرش نرجئها ولو أحببت أن أجيب عن هذا السؤال لا بأس يعني يمكن أن أجيب بإجابة يسيرة وأترك التفصيل لما بعد ذلك، الأخ الحبيب يقول كيف نثبت أن الله تعالى مستو على عرشه وهو مع خلقه؟ ليس في ذلك إشكال فأنت في الأرض والقمر معك والقمر في السماء تقول: سرت والقمر- وقلت هذا- سرت والقمر أي سرت مع القمر والقمر في السماء، فإثبات أن القمر في السماء لم ينافِ بأن القمر معك فهذا أمر موجود وكذلك الله تعالى في السماء على عرشه ومستوٍ وهو أيضاً معك فإذا فهمت هذا فهمت ذلك فسبحانه وتعالى عالٍ وهو في الوقت نفسه قريب من خلقه بعلمه وهو أيضاً - سبحانه وتعالى- قريب من خلقه وعالً على عرشه.

السلام عليكم ورحمة الله: سؤالي يدور حول الذين يؤولون صفات الله تعالى والذين يقولون: بأن الله تعالى بلا مكان والذين يقولون على شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- بأنه مجسم وكافر فهل هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام من أهل السنة أم من باقي الفرق الضالة؟
الإشكال بأن الألفاظ الكلامية عندما دخلت ديار المسلمين استوحشتهم وبعدتهم عن الألفاظ الربانية النبوية الشريفة وجعلوا لكل لفظ لازم كلامي رتبوه على ما رتبت به عقولهم فعندما يقولون: بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه فوق السماء فقالوا بأن ذلك يعني أن الله تعالى متحيز وأن الله تعالى في جهة وما معنى متحيز؟ أي أن الله تعالى يشغل حيزاً من هذ الكون أي أن ربنا - سبحانه وتعالى- له طول وعرض وارتفاع وحجم وحيز وكتلة ففهموا ذلك عن الله - عز وجل- وهذا ضلال وإفك وكذلك قالوا: بأنه فوق العرش أي أن العرش قد حواه إذن أيضاً الله تعالى متحيز لأن العرش قد حواه فإذا كان العرش مخلوق والله - سبحانه وتعالى- غير مخلوق وهو فوق العرش إذن قد حازه هذا العرش. هذا فهمهم لأنهم رتبوا الكلام ترتبياً كلامياً منطقياً عقلياً على حسب ما يفهمونه وهذا فاسد لماذا؟ لأن الله تعالى لا يدرك كنه صفته الواصفون ولا يقف على حقيقة ذاته العارفون فلا بد لنا أن نسلم بما ورد في الكتاب وصحيح السنة دون أن نسأل عن الكيف، استوى ربنا، نعم استوى ربنا استواءً حقيقياً يليق بذاته لكن كيف استوى؟ الله أعلم لأننا لو بحثنا عن الكيف لوردت إلينا هذه الإيرادات. كل هذه الإيرادات كلها سترد إلينا كيف استوى؟ سترد كيف الحيز والحجم والكتلة والارتفاع ؟ هذا كله سيرد في كيف؟ لكن لا كيف؛ لأننا لا ندري الكيف لأن الكيف من جملة ما استأثره الله تعالى في علمه الله تعالى من جملة ما علم علم ناساً ومن جملة ما علم لم يعلم ناساً وهناك من العلم ما استأثره الله تعالى بعلمه فلا ينبغي لنا أن نخوض في أمر لا نعلمه هذه كلها أمور غيبية لا نعلمها ويعجبني ما كان يقوله الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن كانوا إذا ألزموه بعض اللوازم مثل هذا كان يقول: لا أدري ذلك وإنما أقول كما قال الله ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾[التوبة: 6]، فكلام الله هو القرآن.
فحسبنا ما ورد عن الله على مراد الله - عز وجل- وما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف.
كل آيات القرآن قدمت السمع على البصر إلا في موضع واحد ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) ﴾ [الزمر: 68]، فقدم البصر في مقام القيامة فقط وقدم السمع في الدنيا في كل آيات القرآن قدم السمع فهل ذلك لتقديم الوظيفة السمع قدم في الحياة والنظر قدم في البعث،
فإذا هم قيام ينظرون. أين السمع هنا؟ البصر قدم البصر في الآخرة والسمع في الدنيا السمع عندما يخرج الجنين من بطن أمه يسمع ولا يرى كل آيات القرآن قدمت السمع إلا النظر قدم في البعث فإذا هم قيام من أجداثهم ينظرون إذن هنا إثبات النظر أين السمع؟ نقصد في هذه الآية أن كل آيات القرآن قدمت السمع إلا في هذه الآية عندما نقول: قدمت فإذن هناك متقدم ومتقدم عليه فعندما أقول هنا ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) ﴾ فقدم النظر على أي شيء؟ نعم جزاك الله خيراً.

يقول: هل السؤال عن استواء الله جل جلاله غير جائز ؟
إذا كان السؤال عن معنى الاستواء فلا بأس في ذلك لكن إذا كان السؤال عن كيفية الاستواء وهذا ما أنكره الإمام مالك في وقت كثر فيه الخوض في هذا الأمر فهذا لا يجوز.

يقول: هل من إشارة إلى المعاني القلبية المستفادة والتي يمكن أن يكتسبها العبد مما حدثتنا به اليوم .
هذا جهدك أنت أنا أشرت إلى مثل هذه المعاني في تضاعيف الكلام وفي ثناياه ولا ينبغي لي أن أقول: وهنا معنى قلبي هو كذا وكذا ولكن أنا آتي بالكلام في وسط الكلام والمطلوب من الأخ الحبيب أن يأخذ من كل شيء ما يستفيد منه وما يحصله فمما لا شك عندما تكلمت عن العليم وعن القدير وتكلمت عن كل هذا كانت هناك معاني قلبية ينبغي أن تكون مغروزة في قلبك وأن يكون القلب قد التقطها - أسأل الله لي ولنا التوفيق.

بعض الناس يقولون: إن الأرض كروية وباعتبار كرويتها فإن الفوقية فيها تختلف من مكان إلى آخر وخصوصاً إذا كانت على الجانب الآخر من الأرض فكيف نرد على هؤلاء الناس وعلى مثل هذه الأفكار؟
كما قلت لحضراتكم بأن كل هذا متعلق بالكيف فنثبت المعنى العظيم ولا نخوض في الكيف.

يقول: هل من الممكن أن يوضح لنا شيخنا الفاضل طريقته أو طريقة في طلب العلم؟
العلم ما أصلحك والعلم ما نفعك والعلم ما قربك وأفضل ما تبدأ به أن تبدأ بحفظ ما تيسر لك من كتاب الله - عز وجل- حفظاً وفهماً وتدبراً وأن تحفظ من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- المجملات التي تمثل الدين كله مجملات في الاعتقاد ومجملات في الشريعة وأن تطالع مجملات يسيرة في السيرة وأن تطالع شيئاً يسيراً في اللغة ولا أقصد باللغة النحو لأن بعض الناس يظنون أن اللغة هي النحو خطأ ولكن اللغة أوسع من ذلك كل ما يتعلق بدراسة الأصوات أو الصيغ وهو الصرف أو التراكيب وهو النحو أو الدلالة والمعجم هذا كله يسمى لغة، فللأخ أن تكون له بعض الاطلاعات اليسيرة في مجملات نافعة في اللغة وأفضل ما تمرن عليه في هذا الباب أن يطالع شرح السنة وبعض الدواوين البسيطة كمثل ديوان زهير بن أبي سلمة ديوان طرفة بن العبد - ينفعه الله عز وجل-.

فضيلة الشيخ هلا تفضلتم من طرح أسئلة هذه الحلقة حتى يتمكن الإخوة والأخوات طلبة الأكاديمية من الإجابة عليها في الحلقة القادمة
هناك بعض الأسئلة أرجو من إخواني أن يكتبوها وأن يجهزوها للمرة القادمة:
السؤال الأول: اذكر آية اشتملت على ما اشتملت عليه آية الكرسي من عدد الجمل وبين حكمة هذا.
وأرجو الإخوة عندما يجيبون عن هذا السؤال لو طالعوا تفسير ابن كثير لكان خيراً تفسير ابن كثير المجلد الأول تفسير آية الكرسي،وكذلك محاسن التأويل للقاسمي لكان خيراً.
السؤال الثاني : هات من عقيدة القيرواني ما يكافيء قول أبي جعفر الطحاوي وهو من أعيان السنة وعلماء السلف «والعرش والكرسي حق» واشرح ذلك شرحاً مجملاً يعني ستأتي بالنص الخاص بأبي زيد القيرواني شبيه هذا النص واشرحه شرحاً مجملاً؟
السؤال الثالث: ما دلالة اقتران اسمه العلي بأسمائه: العظيم والكبير والحكيم؟
السؤال الرابع: كيف نرد على من نقم على ابن أبي زيد قوله «بذاته»؟
السؤال الخامس اذكر بعض المعاني الذي استفدتها من هذا الدرس وكيف تبلغها لغيرك؟ وجزاكم الله خيراً.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-07-2008, 12:34 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي


جزاك الله خيراً ياحبيب
للرفع .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:42 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.