انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-17-2008, 03:36 PM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




Tamayoz الدرس العاشر ـ شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى

 

شرح مقدمة ابن أبى زيد القيروانى
ـ لفضيلة الشيخ أحمد النقيب ـ
الدرس العاشر
الدرس الصوتى
للاستماع
الدرس مرئى
للمشاهدة

عدل الله و فضله - إثبات الشفاعة



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى اللهم صلي وسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا ثم أما بعد.
سيكون حديثنا - إن شاء الله تعالى- في هذا اللقاء المبارك نسأل الله –تعالى- أن يجعله ثقلاً في ميزان حسناتنا وأن يكفر به عن كثير سيئاتنا سيكون متركزًا في نقطتين اثنتين:
النقطة الأولى: عدل الله –تعالى- وفضله.
النقطة الثانية: إثبات الشفاعة التي منها شفاعة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
فهيا بنا نسمع إلى ما قاله المصنف- عليه رحمة الله-.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته قال الله – تعالى-: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴿7﴾﴾ [الزلزلة: 7]، ويُخرج منها بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- من شَفَعَ له من أهل الكبائر من أمته)
جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، قول المصنف -عليه رحمة الله-: (ومن عاقبه الله –تعالى- بناره أخرجه منها بإيمانه، فأدخله به)أي: أدخله بإيمانه (جنته قال –تعالى-: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴿7﴾﴾ [الزلزلة: 7]) الكلام هنا على مسألة الفاسق الملي وهو مرتكب الكبيرة الذي مات دون أن يتوب منها، فمذهب أهل السنة، وهو المذهب الأثري الصحيح الذي عليه أهل الأثر، والسلف الصالح- رضي الله تعالى عنهم جميعًا- من الصحابة والتابعين وتابعيهم وكان عليه الأئمة الأعلام وجرى عليه أهل الخير والصلاح والعلم والهداية والتوفيق من هذا الزمن إلى زمننا هذا إلى أن يشاء الله -عز وجل-: أن مرتكب الكبيرة متروك أمره إلى الله -عز وجل- إن شاء عفا عنه ابتداءً وهذا بفضله وجوده وإحسانه، وإن شاء ربنا -سبحانه وتعالى- آخذه بذنبه ثم بعد ذلك يخرجه من النار بفضله ومنته وجوده. فهذا المذنب مرتكب الكبيرة عندما يُعاقب فإن الله –تعالى- لا يظلمه، فإن ربك ليس بظلام للعبيد، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿76﴾﴾ [الزخرف: 76]، فربك -سبحانه وتعالى- عندما يعاقبهم إنما يعاقبهم بذنوبهم ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت: 40]، فعقاب الله –تعالى- للمذنبين الذين لم يتوبوا من ذنوبهم إنما هذا عدله- سبحانه- وتفضله عليهم بعد ذلك بإدخالهم الجنة وإنجائهم من النار إنما هذا جوده وإحسانه ورحمته، فإن أحداً لن يدخل الجنة بعمله، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما يدخل الناس الجنة برحمة ربهم -سبحانه- كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والجنة لن يدخلها إلا نفس مؤمنة أو نفس مسلمة، كما صح بذلك الخبر عن رسول -صلى الله عليه وسلم- وقال الله –تعالى-: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72] أما المسلم فإن مآله إلى الجنة، قال الله –تعالى- ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، وهذا هو الاعتقاد السلفي أن صاحب التوحيد الذي مات عليه حتى لو أتى من الكبائر ما أتى فإنه موكول أمره إلى الله -عز وجل- إن شاء عفا عنه ابتداءً وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة انتهاءً هذا بعدله وهذا برحمته وفضله، هذا هو الاعتقاد السلفي في هذه المسألة.
وهذا الاعتقاد اعتقاد وسط بين اعتقاد الوعيدية وبين اعتقاد المرجئة ونحوهم:
- فالوعيدية من الخوارج والمعتزلة يتوعدون مرتكب الكبيرة بالخلود التام في النار، مرتكب الكبيرة متوعد بالخلود التام الذي لا يخرج من النار بسببه أبداً، فصاحب الكبيرة مخلد في النار أبدًا شأنه في ذلك شأن الكافر سواءً بسواء، هذا اعتقاد الخوارج والمعتزلة، وقلت لكم من قبل: بأن الخوارج والمعتزلة اختلفوا في الاسم ولكنهم اتفقوا في ماذا؟ في المآل والمنتهى، المعتزلة قالوا: بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا، قلنا: إذن: هو كافر؟ قالوا: ليس بكافر، إذن: هو ماذا؟ قالوا: هو فاسق، إذن: هو فاسق، أيكون في الجنة؟ قالوا: لا، أيكون في النار؟ قالوا: نعم، إذن: يدخل النار ثم يخرج؟ قالوا: لا يخرج منها شأنه في ذلك شأن المخلدين أبداً، فاتفقوا مع الخوارج في ماذا؟ في الحكم والنهاية، ولكنهم اختلفوا مع الخوارج في الاسم، فالخوارج جعلوه كافرًا والمعتزلة جعلوه فاسقاً ولكن النهاية واحدة.
- وأيضًا المرجئة ومن كان نحوهم قالوا: بأنه لا يضر من الإيمان ذنب فإن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، إيمانه تام، فالكبير لا تؤثر في الإيمان ولا تنقص منه. هذا اعتقادهم، هذا اعتقاد ليس بالصواب، وهذا اعتقاد ليس بالصواب.
- أما اعتقاد أهل السنة والجماعة، الاعتقاد القصد، اعتقاد أهل الأثر، اعتقاد السلف الصالح، -رضي الله تعالى عنهم جميعًا- أنه مؤمن بما معه من إيمان، وأنه فاسق بكبيرته، وأنه مُتوعد ولكنه في هذا الوعيد داخل في مشيئة الله -عز وجل- إن شاء الله تعالى أمضى ذلك الوعيد وإن شاء عفا عنه، وإن أدخله النار، نفعه ما معه من الإيمان فكان مآله إلى الرضوان والجنان، نسأل الله –تعالى- أن نكون من أهل الجنة.
وأهل الكبائر عندما يعاقبهم الله –تعالى- بناره كما قال المصنف: (ومن عاقبه الله بناره) وهذا بسبب جرمه، بسبب كبيرته، فإن الله –تعالى- يخرجه منها بإيمانه، فلا يتساوى أن يكون الرجل مرتكباً للكبيرة فلا يتساوى مع الذي نبذ الإيمان كليًا وكان كافرًا برب العالمين، كلاهما في النار، ولكن هذا خالد مخلد فيها أبداً وهذا يخرجه ربنا -سبحانه وتعالى- فيشفع الله –تعالى- فيهم، يشفع الله –تعالى- في العصاة يشفع الله –تعالى- في هؤلاء العصاة، برحمته -سبحانه وتعالى- يدل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد والدارمي، وابن خزيمة وسنده صحيح على شرط الشيخين من حديث أنس: (أن أهل النار يقولون لمن دخل النار من العصاة: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، فيقول الرب الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار) العصاة يكونون مع أهل النار في النار، فيقول الكفار لهؤلاء العصاة: ما أغنى عنكم عبادتكم لله -عز وجل- ما أغنى عنكم توحيدكم، وهنا يشفع الله –تعالى- فيهم، فيقول- سبحانه-: (فبعزتي لأعتقنهم إلى النار فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشو) امتحشوا أي: صاروا سودًا فحمًا- والعياذ بالله- (فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في جانب السيل)، الحبة: البقلة عندما تنبت في جانب السيل فإنها تنبت يخرج منها الفسيل الصغير منها، أو يخرج منها مجموعها الخضري ثم بعد ذلك تنتفش وتنتعش حتى تكون مباركة، (ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله -عز وجل- فيذهب بهم فيدخلون الجنة، فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون، فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار -عز وجل-) أهل الجنة يقولون: هؤلاء الجهنميون فيقول الله -عز وجل-: بل هؤلاء عتقاء الجبار -عز وجل-.
إذن: هذا الحديث الصحيح نصٌ أن الله -تبارك وتعالى- يخرج المذنبين العصاة من النار فيدخلهم الجنة برحمته وجوده -سبحانه وتعالى- وهذا الحديث له طريق أخرى عند الطبراني من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- وعند ابن أبي عاصم وصححه الألباني من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أخرج الله أهل النار من النار)، والمقصود بأهل النار هنا: الذين يخرجون من النار، الموحدون من العصاة، أو قل: العصاة من الموحدين، (إذا أخرج الله أهل النار من النار، بشهادة أن لا إله إلا الله، تمنى الآخرون لو كانوا مسلمين) وهذه الآية ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: 2]، تأولها أنس -رضي الله تعالى عنه- كما تأولها عبد الله بن عباس أن الكفار يعايرون أهل النار، ما أغنى عنكم توحيدكم ما أغنى عنكم عبادتكم لله -عز وجل- فيأمر الله –تعالى- هؤلاء العصاة فيخرجون من النار إلى الجنة وعند ذلك يتمنى الكفار أن لو كانوا مسلمين. وعند ابن أبي عاصم في السنة وهذا الحديث أصله في البخاري وعند الإمام أحمد وابن خزيمة من حديث أنس أن نبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليصيبن أقوامًا سفع) أي: وهج ولفع وحر (من النار عقوبة بذنوب أصابوها ثم يدخلهم الله -عز وجل- الجنة بفضل رحمته) إذن: هناك شفاعة ربنا -سبحانه وتعالى- للعصاة المذنبين من المسلمين وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة كما ينكرها أيضًا الخوارج أي شفاعة الله –تعالى, عز وجل- بإخراج مرتكبي الكبيرة من النار هذه شفاعة ينفيها المعتزلة كما ينفيها أيضًا الخوارج.
وإن شاء الله -عز وجل- لنا كلام في مسألة الذين يردون الشفاعة في نهاية الحلقة. فنسأل الله –تعالى- التوفيق والتيسير.
من الذين يشفع لهم ربنا -سبحانه وتعالى- فيخرجون من النار؟ من هؤلاء؟ هؤلاء هم أصحاب "لا إله إلا الله" هم العصاة من الموحدين هم العصاة من الموحدين وحتى لا يظن ظانٌّ أن المقصود بأصحاب لا إله إلا الله، كل من قال: لا إله إلا الله، حتى ولو كان منافقًا فإن هناك نصوص وردت وبينت أن لا إله إلا الله مقيدة بقيد هذا القيد هو أن يوجد مع لا إله إلا الله شيء في القلب، شيء من الحب من الخوف من الرجاء أن يوجد في القلب شيء من عمله ولابد من وجود هذا القيد، فالمنافقون كانوا يقولون: لا إله إلا الله، وهم من أعدى أعداء الإسلام بل هم في الدرك الأسفل من النار كما قال ربنا -عز وجل- وقال الله -عز وجل-: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 84]، فالمنافقون كفار، وهم أشد في الآخرة عذابًا ونكالاً ووبالاً من الكفار الأصليين، فـ "لا إله إلا الله" لن تنفعهم في شيء, هم في الدنيا مسلمون، من أهل لا إله إلا الله في الدنيا من أهل القبلة في الدنيا؛ لأننا نراهم أحيانًا يصلون، وأحيانًا يقولون: لا إله إلا الله فيلزمنا أن نثبت إسلامهم في الدنيا أما هم عند الله -عز وجل-هم كفار وهم عند الله -عز وجل- متوعدون بالنار التي هي أشد من نار الكفار- والعياذ بالله- قال- تعالى-: ﴿إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: 145]، فـ"لا إله إلا الله" لن تنفعهم لأنه ليس في قلوبهم شيء يتوجهون به إلى الله قلوبهم خاوية تمامًا ليس فيها ذرة ولا شعيرة ولا خردلة ولا حبة ولا برة ولا ذرة من إيمان إذن: قلوبهم خواء قلوبهم مظلمة، ليس فيها شيء من خير إذن: لا إله إلا الله تنفع من كان في قلبه شيء من الخير حتى ولو كان شعيرة حتى ولو كان ذرة حتى ولو كان خردلة حتى ولو كان حبة حتى لو كان برة، أي شيء ولو كان صغيرًا من الخير، ينفعك عند الله -عز وجل- إذن: لو أن إنسانًا لم يأتِ بعمل قط، وهذه مسألة بسطها- بإذن الله تعالى في قضية الإيمان عندما يأتي محلها- لو أن إنسان ليس في صحيفته عمل قط، إلا ما كان من شأن قلبه فإن قلبه أتى بشيء قليل ووضيس قليل من نور الخير هذا الشيء القليل ينفعه عند الله -عز وجل- يدل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمة من طرق وأصله في الصحيحين ولكن من غير ذكر جملة الإيمان- كما سيأتي- من حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن شعيرةً من إيمان أو شُعيرةً من إيمان)- سبحان الله- إذن: من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه، اسمع وكان في قلبه ما يزن شعيرة من إيمان تنفعه هذه الشعيرة القليلة البسيطة التي لا يؤبه لها، إذن: هذا نص في هذه المسألة.
أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم، هذه كلها نصوص تدل على أن لا إله إلا الله التي تنفع صاحبها مقيدة بقيد، أن يكون القلب فيه شيء ولو يسير من الخير، يدل على ذلك أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه والطيالسي والترمذي وغيرهم من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
وأيضًا أخرج ابن أبي عاصم وأحمد وابن خزيمة، وهذا الحديث جود إسناده العلامة الألباني- عليه رحمة الله- والحديث أيضًا في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال:( قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد غيرك، لما أرى من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة) وهذا هو الشاهد، (أسعد الناس بشفاعني يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله مخلصًا من نفسه) هذا أسعد الناس بشفاعة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
إذن: شفاعة الله –تعالى- لا تكون لأي أحد وإنما تكون لأهل لا إله إلا الله، وهي لا تكون لأهل لا إله إلا الله هكذا مطلقًا، وإنما تكون لأهل لا إله إلا الله الذين قيدوا هذا القول بشيء في القلب.
وهنا ملحوظة: أن شفاعة الله -عز وجل- إنما تكون شفاعة متأخرة عن شفاعة الشافعين، شفاعة الشافعين وشفاعة الملائكة وشفاعة النبيين وشفاعة المؤمنين وشفاعة الأهل والأقربين-لاسيما من الشهداء- وشفاعة الغلمان الذين يموتون دون سن الحنث. هذه كلها شفاعات صحيحة مثبتة وأتت بها النصوص وشفاعة ربنا -عز وجل- للعصاة من الموحدين من أهل لا إله إلا الله إنما تأتي بعد شفاعة الشافعين، يدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- وفيه: (أن الله -عز وجل- يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبقَ إلا أرحم الراحمين) -سبحانه وتعالى-(فيقبض قبضة من نار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حُمم) يعني: عادوا كالفحم المتفحم -والعياذ بالله-.
إذن: هذه قبضة قبضها الله -عز وجل- من النار، وهذه القبضة تكون لقوم لم يعملوا خيرًا قط، فيحمل هذا على ما سبق من الحديث أنهم لم يعملوا خيرًا قط ولكنهم من أهل لا إله إلا الله، وفي قلبهم شيء من الخير، فيحمل هذا على هذا، وتجمع الأحاديث جميعها في نسق واحد، فالطريقة السلفية الصحيحة العلمية أن الأحاديث الواردة الباب تجمع جميعًا في نسق واحد ثم تفهم فهماً واحداً ويدل على ذلك أيضًا ما أخرجه مسلم بتمامه والبخاري مختصراً من حديث أنس وفيه: (أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يشفع إلى الله -عز وجل- ويشفع النبي -عليه الصلاة والسلام- ويشفع النبي -عليه الصلاة والسلام-) يعني: يشفع فيقبل الله –تعالى- شفاعته ثم يعود فيشفع فيقبل الله –تعالى- شفاعته ثم يعود فيشفع فيقبل الله –تعالى- شفاعته، (ثم يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في المرة الأخيرة: ربي ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول الله –تعالى-: ليس ذاك أو ليس ذلك لك أو إليك، ولكن وعزتي وجلالي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله).
إذن: إخراج القبضة من النار وشفاعة ربنا فيهم إنما يكون ذلك بعد شفاعة من؟ بعد شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعد شفاعة الملائكة وبعد شفاعة من أذن الله –تعالى- له في شفاعته، إذن: (ومن عاقبه الله –تعالى- بناره أخرجه منها بإيمانه) حتى ولو كان هذا الإيمان شيئًا قليلاًً لا يذكر، حتى ولو كان هذا الإيمان مثقال ذرة، أو كان هذا الإيمان مثقال خردلة، أو حبة أو برة أو شعيرة، طالما أن شيئًا ولو كان قليلاً في القلب من الإيمان فإن الله –تعالى- يخرج صاحبه ما كان يقول: لا إله إلا الله.
قال المصنف -عليه رحمة الله-: (ويخرج منها بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- من شفع له من أهل الكبائر من أمته) إذن: نتكلم هنا عن شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولك أن تقول: لماذا قدمت شفاعة الله -عز وجل- على شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة الله –تعالى- يوم القيامة متأخرة عن شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
فالجواب:
الأمر الأول: أن هذا الأمر كان اضطرارياً لسياق المصنف.
الأمر الثاني: أنه يمكن أن يقال: هذا من باب التشريف، فلا يذكر أحد قبل ربنا -سبحانه وتعالى-.
شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- شفاعتان:
الشفاعة الأولى: شفاعة عامة
والشفاعة الثانية: شفاعة خاصة
الشفاعة العامة: هي شفاعة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يوم القيامة للخليقة كلها، وهذا هو المقام المحمود الذي عناه ربنا -سبحانه وتعالى- في قوله: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُود﴾ [الإسراء: 79] فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- المقام المحمود بالشفاعة، وصح الخبر بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه ابن أبي عاصم بإسناد حسن، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسر المقام المحمود بالشفاعة، والحديث أخرجه ابن أبي عاصم بإسناد حسن من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- وهذا السياق وهو سياق معروف: (أن الله –تعالى- عندما يجمع الناس وتقترب الشمس من رؤوس الخلائق، حتى لا يكونوا بينها وبينهم إلا مقدار ميل، والميل قد يقصد به: الميل الذي هو أكبر من الكيلو وقد يقصد به: الميل الذي هو الشيء اليسير الذي تجعله المرأة في مكحلتها لتتكحل به، شيء يعني عدة سنتيمترات، تصور لو أن الشمس بين رأسك وبينها عدة سنتمترات، كيف يكون حالك؟ ولذلك يعرق الناس عرقاً عظيماً في الحديث الطويل الذي فيه تذهب الخلائق إلى آدم ليشفع لها عند الله -عز وجل- أن يفصل بينها ولو إلى النار، الخلائق ترجوا وتدعوا الله -عز وجل- أن يقضي بينها وأن يُعجل هذا اليوم ولو إلى النار، ولو إلى النار، وهذا اليوم مقداره خمسون ألف سنة، هذا اليوم تقفه الخلائق، تقفه الخلائق بمقدار خمسون ألف سنة، يوم عظيم يوم مهول- نسأل الله تعالى فيه العافية يا رب العالمين وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله- هذا اليوم العظيم تذهب فيه الخلائق إلى آدم يحيلهم بعد ذلك إلى نوح، ثم بعد ذلك إلى إبراهيم ثم بعد ذلك إلى يذهبون إلى موسى ثم بعد ذلك إلى عيسى ثم يذهبون إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فيقول النبي: أنا لها أنا لها، فيذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيسجد تحت عرش الرحمن، فيأمره ربه -سبحانه وتعالى- أن يرفع رأسه ويقول له الرب: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطَ) ثم الحديث بتمامه، هذه هي الشفاعة العظمى المثبتة للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولذلك أخرج ابن أبي عاصم بإسناد حسن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا كان يوم القيامة كنت إمام الناس ولا فخر)، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إمام الناس، وكان خطيبهم, وكان صاحب شفاعتهم ولا فخر، إذن: الإمام والخطيب وصاحب الشفاعة يوم القيامة هو النبي -عليه الصلاة والسلام- إذن: هذه هي الشفاعة العظمى المثبتة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الشفاعة لم ينفها أحد يعني: المعتزلة والمرجئة والخوارج وأهل السنة كل الناس أثبتوا هذه الشفاعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذن: هذه شفاعة مثبتة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكل الفرق أثبتتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشافعة الثانية: هي الشفاعة الخاصة، وهي شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته، للعصاة من أمته، لأهل الكبائر من أمته -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كما أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: (لكل نبي دعوة) أي: دعوة مستجابة (وإني استخبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة) وإني استخبأت دعوتي أي: طلبت ربي أن يخبئ دعوتي استخبأت: أي طلبت من الله- تعالى- أن يخبئ دعوتي وأن يؤخر دعوتي لأمتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، انظروا إلى حب النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذه الأمة، انظروا إلى حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأمة، (لكل نبي دعوة مستجابة) يدعوها يستجيب له ربه -عز وجل- أما النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يدعها في الدنيا، كل نبي: سيدنا نوح وموسى وعيسى وإبراهيم قبل ذلك، ما من نبي إلا ودعا ربه دعوة ورجا ربه أن يجيبها، فهذه دعوته التي جعلها الله –تعالى- له أما النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه طلب من الله أن يخبئ دعوته، دعا ربه أن يؤخر دعوته لماذا؟ لمن؟ حتى تكون شفاعة لأمته يوم القيامة -عليه الصلاة والسلام-.
وأيضًا عند أبي عاصم من حديث أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، إذن: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتة وهي نائلة من مات وهو يقول: لا إله إلا الله كما ثبت في غير نص.
العجيب أن نابتة سوء من المتأخرين أنكروا شفاعة النبي الأمين -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وقالوا: بأن هذه الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وعند أحمد وأصحاب السنن وفي الموطأ وفي غيره، القاضية بإثبات شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- بإخراج العصاة من النار، بل أحاديث الشفاعة القاضية بإخراج العصاة عموماً من النار، سواء شفاعة الله –تعالى- لهم أو شفاعة الملائكة أو شفاعة النبيين، هذه الأحاديث أنكروها، هذا حال المعتزلة والخوارج قديماً، أنهم أنكروا الشفاعة وأنكروا أحاديث الشفاعة، المشكلة أن العقلانيين أصحاب الهوى في هذه العصور المتأخرة لم ينكروا أحاديث الشفاعة هكذا وإنما أصلوا أصولاً بها أنكروا أحاديث الشفاعة، ماذا قالوا؟ قالوا: بأن هذه الأحاديث إنما دُوِّنت في عصر الدولة العباسية في عصر العباسيين، بينها وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- مئات السنين فحصل هناك انقطاع زمني بين حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين تدوين وكتابة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالتالي نحن لا نطمئن إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنكروا جملة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان من جملة ما أنكروه أحايث الشفاعة، إذن: هم أنكروا الحديث مطلقاً، ليس أحاديث الشفاعة فقط، لا كل الأحاديث مطلقاً أنكروها، أنكروها مطلقاً وقالوا: لا يثبت من الحديث إلا ما كان به العمل، يعني ماذا؟ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- عمله والصحابة عملوه والتابعين عملوه وتابعوهم عملوه، وهكذا حتى وصل إلينا عملاً هذا ما نثبته، أما الأحاديث القولية لا نثبتها، بل ينكرونها مطلقاً. وألفوا في ذلك كتباً هي ثقل في ميزان سيئاتهم - إن شاء الله تعالى- عند الله، هذه مسألة فظيعة, بل إن بعضهم قال: بأن الصحابة كانوا من أشد الناس حرصاً على حرق أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف وصلت لنا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ قالوا: قال بعضهم: وكتب ذلك في الصحف وكتب ذلك في الكتب، قال: ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- أمر بصحف كتبها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بهذه الصحف أن تجمع ثم حرقها، قال: وهذا دليل على أن الصحابة كانوا يحرقون الأحاديث التي كتبوها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: وفي البخاري الذي أنتم تستدلون به، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (من كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه) إذن: هذا خبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا فعل أبي بكر، النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بمحو ما كتب عنه وأبو بكر يحرق الأحاديث التي جمعها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكيف وصلت لنا هذه الأحاديث؟ قالوا: هذه أحاديث مفبركة مكذوبة مدسوسة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها أحاديث الشفاعة، هذا كلام فظيع وهذه كذبة صلعاء، هؤلاء القوم من أشر الناس كذباً لماذا؟ عندما رجعنا إلى تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ماذا وجدنا؟ وجدنا هذا الأثر بالفعل موجود في تذكرة الحفاظ، ولكن بعد أن ذكره الإمام الذهبي قالوا: هذا أثر لا يصح. فذكروا الأثر، وتركوا كلام الإمام الذهبي على هذا الأثر، هل هذا منهج علمي؟ لا.. هذا كذب، وهذا تضليل للقراء الكرام، القارئ عندما يقرأ كتاباً فإنه يقتنع بما تقول، فكيف تنقل أثراً ثم لا تنقل حكم صاحب هذا الكتاب على هذا الأثر، إذن: أنت تريد أن تلبس على الناس وأن تضللهم.
الأمر الثاني: حديث: (من كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه) هذا الحديث حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره، ولكن ما القول في هذا الحديث؟ القول في هذا الحديث، أن هناك أحاديث كثيرة نسخت هذا الحديث، فكان العمل بذلك في أول الأمر وهناك أحاديث أُخر نسخت هذا الحديث من هذه الأحاديث: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: لم يكن أحد أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب)، وأبو هريرة كان إسلامه متأخراً وكانت وفاته متأخرة، فيقول: (كنت أكثر الصحابة رواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه- أنا عندما أقول عبد الله بن عمر بن العاص، أقول: -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه- (إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه-( فإنه كان يكتب ولا أكتب) كان يكتب ماذا؟ كان يكتب الحديث؛ لأن السياق في سياق رواية الحديث أي: فإنه كان يكتب الحديث ولا أكتب الحديث.
في الصحيح أن أبا شاه أتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- واستأذنه أن تكتب له خطبته، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (اكتبوها لأبي شاه) وخطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا حديثه, فحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلق على قول النبي -عليه الصلاة والسلام- ثانيًا: يطلق على فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثالثًا: يطلق على تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- أو على إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحياناً يطلق هذا على وصف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يطلق على النبي -صلى الله عليه وسلم- السنة.
أيضًا أخرج الإمام أحمد بإسناد رجاله ثقات (أن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه- سُئل أي المدينتين تفتح أولاً؟ فدعا عبد الله بن عمرو بن العاص بصندوق له حلق ففتحه فأخرج منه صحيفة، فقال: بينما كنا نكتب الحديث عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سئل أي المدينتين تفتح أولاً؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: مدينة هرقل) أي المدينتين تفتح أولاً، القسطنطينية أم رومية؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (القسطنطينية أي: مدينة هرقل) وقد وقع ما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ففتحت القسطنطينية وهي الآن عاصمة تركيا، ولم يبقَ إلا فتح رومية، لم يبقَ إلا هذا الأمر فنسأل الله –تعالى- أن يجعله على أيدي المسلمين المتوضئين المتوجهين بقلوبهم ووجوههم إلى رب العالمين، إذن: هذا دليل على أن الصحابة كانوا يكتبون حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والنبي -عليه الصلاة والسلام- يأذن لهم في ذلك - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- والأحاديث والنصوص في ذلك كثيرة لو استقصيناها لأخذنا وقتاً طويلاً فالعلماء قالوا: إن هذه نصوص قاضية وحاكمة على النص الذي فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (من كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه) هذا أول طريق طريق النسخ.
الطريق الثاني: لأهل العلم وهذا هو الأحب، وهذا هو الأليق، وهذا هو الأوثق، أن نقول: بأن هذا الحديث ثابت، وهذه الأحاديث أيضًا ثابتة لأن النسخ معناه الإزالة أي إزالة الحكم فلا يجوز أن يثبت بعد ذلك مطلقاً، ولا يجوز أن يعمل به مطلقاً بعد ذلك، هذا معنى النسخ معنى الإزالة، ولذلك العلماء قالوا: بأن النسخ إهمال، أي: إهمال حكمه، والأولى إذا أمكن الجمع بين النصوص فهذا أولى وأفضل؛ لأن الجمع إعمال، فالإعمال مقدم على الإهمال, لو أن هناك نصين ظاهرهما التعارض هل يقال: بأن هذا ينسخ هذا، يمكن أن نقول ذلك إذا كان أحدهما متأخراً فالمتأخر ناسخ للمتقدم، أو أتى صحابي فنص على أن هذا النص ناسخ لهذا النص، نعم، نصير إلى النسخ.
المسلك الثاني: أنه إذا أمكن الجمع بين النصوص دون أن نقول بالنسخ يكون ذلك أولى وأفضل فإن النسخ إهمال وإن الجمع إعمال والإعمال مقدم على الإهمال، فمثلاً عائشة قالت: (من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بال قائماً فكذبوه لم يبل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا قاعداً أو جالس) هذا حديث, نص، يأتي حذيفة -رضي الله تعالى عنه- فيحدث: (أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يبول قائماً في حائط لبعض الأنصار) إذن: هذا نص، وكلا الخبرين صحيح، هل نقول: بأن هذا نسخ هذا أو هذا نسخ هذا؟ لا.. الأولى أن يُقال: بأن الخبرين كلاهما صحيح، والجمع بينهما أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أخبرت بما سمعت ورأت وحذيفة أخبر بما رأى والكل صحيح فعائشة لما كانت هي الملازمة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في غالب حاله، فأخبرت بغالب حال النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يبول قاعداً أو جالساً، إذن: غالب حال النبي البول جالساً أو قاعداً، ولكن يجوز البول قائماً عند الضرورة أو الحاجة، كذلك يجوز الجمع بين الحديثين: (من كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه) وأحاديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهم، الجمع أن يقال: بأن هذا الخبر كان في أول الأمر ثم نسخ إذن هذا مسلك النسخ.
أو أن يقال: بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (من كتب عني شيئًا غير القرآن) في صحيفة واحدة( فليمحه) الصحابة كانوا يكتبون القرآن وكانوا يكتبون أيضًا حديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خشي أن يختلط الحديث بالقرآن، فإذا كان الصحابة يستطيعون التمييز بين الحديث والقرآن فربما يأتي أقوام لا يستطيعون التمييز بين الحديث والقرآن، هناك أقوام ربما يقولون ذلك، يعني من الطرائف كنت أصحح كراسة في الجامعة فأحد الطلاب كتب: قال الله -عز وجل-: اسعَ يا عبد وأنا أسعى معاك، قال ذلك وهذا طالب جامعي, فيمكن أن يأتي وقت إذا كتب الحديث مع القرآن أن يأتي وقت لا يميز الناس فيه بين القرآن والحديث، انظروا إلى هذا الطالب الجامعي كيف يكتب، فالنهي هنا لعله متوجه إلى المنع من الجمع بين كتابة القرآن والحديث في صحيفة واحدة فقال: (من كتب عني شيئًا غير القرآن في صحيفة واحدة فليمحه)، فلا يثبت في الصحيفة إلا ماذا؟ إلا القرآن، لعل هذا هو الجمع بين الحديثين ولعل ذلك هو الأليق، فالصحيح أن يقال: بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذلك الأمر حتى لا يختلط القرآن بالحديث.
إذن: كتب الحديث زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهناك فارق بين كتابة الحديث وجمع الحديث، انتبهوا فارق بين كتابة الحديث وجمع الحديث، بين كتابة الحديث أي تدوين الحديث وبين جمع الحديث يمكن أن أكتب هذا الحديث في هذه الورقة، والحديث الثاني أكتبه في ورقة ثانية والثالثة في ورقة ثالثة ورابعة وخامسة، إذن: عندي مجموعة من الأحاديث ولكنها في مجموعة من الأوراق، إذن: هذا هو كتابة الحديث، فإذا ما كتبت هذه الأحاديث في صحيفة واحدة كان ذلك ماذا؟ كان ذلك جمعًا لهذه الأحاديث، فالأحاديث كانت مكتوبة ولكنها متفرقة، هناك صحيفة عند أبي هريرة وهناك صحيفة عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهناك صحيفة ثالثة عن عبد الله بن مسعود، وهناك صحيفة من الأحاديث الموجودة عند فلان، وعند آخر... صحف موجودة، ما الذي حدث؟ تفرق الصحابة في الأمصار، وحدث كل صحابي بما سمع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الحال مستمراً حتى سنة واحد وتسعين تقريباً في خلافة عمر بن عبد العزيز، هذه الخلافة الراشدة، نظر عمر فوجد أن رقعة الدولة الإسلامية دولة عريضة، من بلاد الهند وقريب من بلاد الصين شرقاً، الدولة الإسلامية هذه كلها- يا إخواني أيها المسلمون- الدولة الإسلامية من أول الهند، يعني: الهند كانت داخلة معنا وحتى حدود الصين كانت داخلة معنا، وشمالاً الجبال الفاصلة بين الشام وتركيا كانت داخلة معنا وجنوباً أدغال إفريقيا، وغرباً المحيط الأطلسي، وشمالاً جبال البرانس، وداخلة معنا جزر رودس وصقلية ومالطة، وتكريت وجنوب إيطاليا، يعني: اليونان وجنوب إيطاليا وقبرص وجنوب تركيا، كل هذه الجزر الموجودة في البحر المتوسط، هذه كلها كانت داخلة في الدولة الإسلامية، كانت دولة مترامية الأطراف والصحابة وصلوا إلى كل هذه البلاد، يعني قبر أبي أيوب الأنصاري، أين يوجد؟ تحت أسوار القسطنطينية، انظروا إلى الصحابة كيف حملوا دينهم وانطلقوا في هذه الديار ونشروا دين الله -عز وجل-!! الذي حدث أن عمر بن عبد العزيز خاف وخشي أن تندرس سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاف من ضياع السنة هي موجودة في الكتب في الصحف، ولكن هذه الصحف منتشرة، ماذا حدث؟ أمر عمر بن عبد العزيز الإمامين الجهبذين الجبلين العالمين محمد بن الشهاب الزهري، وأبا بكر بن حزم أمرهما أن يجمعا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعت السنة في عهد عمر بن عبد العزيز، وهناك أول صحيفة مكتوبة مثبتة بعد عصر الصحابة وهي صحيفة همام بن منبه، وهذه الصحيفة موجودة بتمامها في مسند الإمام أحمد، إذن: جمع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عصر عمر بن عبد العزيز، في عصر التابعين الذين أخذوا الحديث من الصحابة إذن: ليس هناك قول لهؤلاء النابتة الذين زعموا أن الحديث لم يكتب إلا في زمن متأخر.
نسأل الله –تعالى- أن يوفقنا وأن يهدينا وأن يسددنا وأن يرحمنا وأن يجعلنا من المستمسكين بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والحمد لله أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً.
الأخ الكريم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ذكر فضيلة الشيخ في الحلقة السابقة أن الجهل والتأويل مانعان من موانع التكفير وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية بفتوى رقم تسعة آلاف ومائتين وستين عن العذر بالجهل؟ فأجابت أن المكلف بعبادته لا يعذر بالجهل لعبادته غير الله واستدلت بحديث مسلم عن حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحداً من هذه الأمة يهودياً ولا نصرانياً ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)، فقالت: فلم يعذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من سمع به ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يعذر في أصول الإيمان بجهله فنرجو توضيح هذه المسألة يا شيخ لعدم الإشكالية في هذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً: بالنسبة لهذه المسألة فلابد أن نقول: بأن الأحكام لابد أن تكون مثبتة يعني فارق بين الحكم والفتوى، وعندما نتكلم في مسألة تكفير المعينين فالمقصود هنا هم المسلمون الذين تلبسوا بأمر كفر، واللجنة الدائمة تكلمت عن الكفار الأصليين، فالكفار الأصليون الذين علموا عن الإسلام هم يجهلون الإسلام ولكن سمعوا عنه، فهل جهلهم عن هذا الإسلام يكون عذراً لهم؟ ليس عذرا لهم؛ لأنهم كفار أصليون فكلام اللجنة الدائمة كلام مسدد في وجهه- والله تعالى أعلى وأعلم- أما نحن فإننا نتكلم عن الكفر الطارئ، أي أن رجلاً يكون مسلماً يشهد شهادة الحق وقلبه متجه إلى الله –تعالى- يحب الله –تعالى- يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاف الله, يخاف اليوم الآخر، يؤمن بالبعث والنشور، يؤمن بالملائكة والكتاب والنبيين يؤمن بالقدر، يؤمن بالملائكة, أصول الإيمان كلها موجودة عنده، ولكن تلبس بكفر، هل يكون بذلك كافراً؟ الجواب، أما الكفر الطارئ على المسلم الأصلي هذا الكفر الطارئ لا نحكم به إذا كان جاهلاً أنه كفر أو كان متأولاً لوجهه هذا هو الكلام الذي ذكرت- والله تعالى أعلى وأعلم-.
الأمر الثاني: أن الفتوى بالتكفير تتفاوت أحيانًا من مكان إلى آخر, من شخص لآخر، من حال لآخر يعني لو أن رجلاً مثلاً أتى بأمر كفري وهو يعلم أن هذا الأمر أمر كفري فهذا الرجل حاله غير ذلك العامي الجاهل الذي لا يعلم أنه كفري، مثلاً في المملكة السعودية ينشأ الأولاد منذ الصغر على التوحيد، هذه مسألة معلومة، تجد الأولاد من الحضانة يحفظون الأصول الثلاثة للشيخ: محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله- وعندما يكبرون يأخذون متن كتاب التوحيد للشيخ: محمد بن عبد الوهاب ويأخذون شروح الأحفاد سواء فتح المجيد أو تيسير العزيز الحميد أو ما إلى ذلك، أو القول السديد يأخذون ذلك ويتعلمونه يمكن أن تجد الرجل في السعودية قد يأتي بالمعصية، قد يأتي بأمر فيه مخالفة شرعية ولكن مسألة التوحيد عنده مضبوطة لا يأتي بأمر يخرجه عن التوحيد، أما عندنا في مصر مثلاً فالأمر قد يكون مختلفاً، عندنا الموالي وعندنا مشايخ الموالد وعندنا الأضرحة وعندنا كذا وكذا، وهناك من يؤصل ويقعد لزيارة الأضرحة والتوسل بالأموات وطلبهم، فلو أتينا برجل عامي بسيط سمع شيوخ تأصيل الموالد والأضرحة سمع كلامهم ورآهم بأنهم علماؤه وتأثر بهذا الكلام، هل يكون ذلك الرجل كافراً بما يصنع؟ لو قال مثلاً: مدد يا حسين أو مدد يا سيد يا بلدي أو ما إلى ذلك هل يكون بذلك كافراً بما يذكر؟ لا.. لا يكون كافراً؛ لأنه قد يكون جاهلاً وشيخه قد يكون متأولاً فما نجده عندنا قد لا تجدوه عندكم فهذه المسائل متفاوتة من بيئة لأخرى- والله تعالى أعلى وأعلم-.
الأخ الكريم من مصر يقول: عندي سؤالان لو سمحت:
السؤال الأول: كما هو معلوم فضيلة الشيخ أن الحديث في الشفاعة يفتح باباً عظيماً من الرجاء برحمة الله، لكن للأسف الشديد بعض الناس يتساهلون في فعل المعاصي والسيئات ويتركون المفروضات والواجبات بحجة أنه مكتفٍ بقول: لا إله إلا الله، ويرجو الشفاعة يوم القيامة ويستدلون بأحاديث الشفاعة على معاصيهم، فكيف نرد عليهم؟
السؤال الثاني: ذكرتم فضيلة الشيخ في الدرس الماضي قصة حاطب بن أبي بلتعة وأن الله –تعالى- غفر له اللاحق من الذنوب؛ لأنه شهد بدراً, فهل هذه خصوصية له أم لكل من عمل أعمالاً صالحة كبيرة؟ حيث إنه من المعلوم أن الذنوب تُكفر بما بعدها من أعمال صالحة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واتبع السيئة الحسنة تمحه) وإذا قلنا: بأن الذنوب اللاحقة تكفر بالحسنات السابقة، ألا يدعو ذلك إلى التساهل في فعل المعاصي نرجو التوضيح. وجزاكم الله خيراً؟
فضيلة الشيخ الأخ الكريم من مصر كان له سؤالان سؤاله الأول: الحديث عن الشفاعة وبعض الناس يستدلون بأحاديث الشفاعة على وقوعهم في المعاصي؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ الكريم- جزاه الله خيرًا- وأنا معجب حقيقة بلغته وأسلوبه، فأسأل الله –تعالى- أن يوفقه وأن يسدده.
الذين يستدلون بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقولون: نحن من أهل شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتجرأون على الله –تعالى- بفعل الذنوب والمعاصي يقال لهم: إنكم لو دخلتم النار ولو يوماً واحداً من أيامها أو مستكم النار بفحيحها أو بلفحها لكان الأمر عظيماً فهؤلاء القوم يذكرون بالأحاديث الواردة في شأن النار وتهويلها وتفخيم أمرها ويُعلّمون أنهم بفعلهم هذه المعاصي يكونون متعرضين للنار حتى ولو شفع فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن هذه الشفاعة تكون بعد أن يأخذوا نصيبهم من النار، فهل يقدرون على ذلك الأمر؟ هو لو وضع نفسه أو لو وضع أصبعه على عود من الكبريت أشعله ثم جعل أصبعه على النار التي توقد بعود الكبريت، هل يتحمل هذه النار؟ لا يتحملها، فما بالك لو دخل النار بذنبه، نعم سيخرج من النار بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سيخرج من النار بشفاعة ربنا -عز وجل- أو قبل ذلك بشفاعة الشافعين، ولكن إذا عامله ربنا -عز وجل- بعدله وأدخله النار بذنبه فقبل أن يخرج بالشفاعة فإنه يكون حمماً يصير متفحماً هل يقبل ذلك؟ هل يرضى بذلك؟ هل يقدر على ذلك؟ أين عقله؟ فهذا الرجل الذي ينظر إلى المآل لماذا لا ينظر إلى ما قد يصيبه من النار؟ فنسأل الله –تعالى- أن يرزقنا العقل فالعاقل هو الذي يحرص على نفسه، نسأل الله –تعالى- العافية.
سؤاله الثاني: عن قصة سيدنا حاطب بن أبي بلتعة، هل هي خاصة له أم لكل الأمة؟
هذه القصة أو هذا سؤال الأخ الثاني فيه عدة جوانب: الجانب الأول: هل هي خاصة ليست بخاصة، ودعوى الخصوصية تحتاج إلى نص، ولا نص، غاية ما في الأمر، أنه قال: (إنه شهد بدراً وإن الله نظر إلى أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم) فهذه ليست خصوصية لحاطب، وإن شئت فقل: هل يمكن أن تدرس كأنها خصوصية لأهل بدر، وهو من جملتهم؟ نعم ممكن يكون هنا مناقشة ولكن مناقشة الخصوصية تحتاج إلى نص مستقل- والله تعالى أعلى وأعلم-.
هناك جوانب أخرى من السؤال: مسألة الذنوب تُكفر بما بعدها لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (وأتبع السيئة الحسنة تمحه) أبداً، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وأتبع السيئة الحسنة تمحه) فيه معنى الحث على المبادرة بفعل الحسنات بعد فعل السيئات، ليس معناه أن السيئة لا تكفر إلا بالحسنة بعدها أبداً بدليل المرأة التي سقت كلباً: (أن امرأة بغياً وجدت كلباً يكاد أن يموت من شدة العطش، فنزلت إلى بئر فجعلت في موقها أي في حذائها ماء فسقت الكلب، فغفر الله لها ذنبه) إذن: فسقي الكلب كان ماذا؟ كان بعد الزنا، وامرأة بغي على وزن فعيل صفة مشبهة، كثيرة الزنا والبغاء إذن: كثرة الزنا والبغاء كان ماذا؟ كان قبل سقيى الكلب، فلما سقت الكلب غفر الله –تعالى- لها ذنبها هل سقيى الكلب كان حسنة عظيمة كفرت هذه السيئات العظيمة؟ أبداً فقد يكفر الذنب العظيم بالحسنة القليلة، وقد يكفر الذنب العظيم بالأمر الذي لا يؤبه له وقد تكون الحسنة قبل الذنب أو بعده، وهذه المسألة تكلم فيها شيخ الإسلام في الإيمان فليراجعه من شاء.
فضيلة الشيخ وردتنا إجابات على أسئلة الحلقة الماضية:
وكان السؤال الأول: اذكر أدلة إثبات الساعة والبعث؟
وكانت الإجابة: من أدلة إثبات الساعة: قول الله –تعالى-: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ [طه: 15]، وقوله- تعالى-: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿59﴾﴾ [غافر: 59] وقوله- تعالى-: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ ﴿7﴾﴾ [الحج: 7] وقوله- تعالى-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿42﴾﴾ [النازعات: 42]
ومن الأحاديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) وأدلة البعث، قوله- تعالى-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: 27]، وقوله-تعالى-:﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: 68]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ﴿7﴾﴾ [الحج: 7]، ومن الأدلة العقلية خلق الله للإنسان من العدم، وإحياء الأرض الميتة وخلق السماوات والأرض.
السؤال الثاني: اذكر أسباب تكفير الذنوب؟
وكانت الإجابة: من أسباب تفكير الذنوب: التوبة الصادقة من الذنب، الحدود، الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة، ما اجتنبت الكبائر، فعل الحسنات قال- تعالى-: ﴿إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114]، شفاعة الصالحين، المصائب، فتنة القبر والفزع يوم القيامة، التمحيص في النار، قبل دخول الجنة.

هذا كلام جيد
هناك سؤال- فضيلة الشيخ- من الأخ الكريم من سوريا يقول: قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إنما الأعمال بالخواتيم)، فهل لهذا الحديث علاقة بحديث: (إنما أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة … الحديث)، وهل يكون الرجل مؤمناً ويصلي ويصوم ومن عباد الله لكن إصراره على معصية أو كبيرة كان سبباً في أن ختم الله له بالكفر تفسيراً للأحاديث السابقة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
فعل المرء الذنبَ لا يجعله بذلك كافراً وربك -سبحانه وتعالى- ليس بظلام للعبيد.
الأمر الثاني: أن الله -سبحانه وتعالى- خلقك وأوجدك لعبادته قال- تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فإذا آمنت أنك عبد لله -عز وجل- مخلوق لعبادته وامتثال أمره. ثانيًا: آمنت بأن الله – تعالى- هو الرب الجليل المتفضل عليك الذي لا يظلمك، الذي يعينك على الخير ويجازيك عليه خيرًا بعد خير، والذي لا يرضى عن الشر الذي أنت تفعله ويعاقبك عليه إذا آمنت بهذا وذاك ينبغي عليك ألا تُدخل نفسك في أمر أنت لن تستفيد منه، فينبغي للمرء أن يحرص على ما ينفعه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فأنصح نفسي وأنصح كل أخ مسلم ألا يخوض في مسائل القدر وأن يأخذ من القدر ما يدفعه إلى ربه كما فعل الصحابة عندما سمعوا أحاديث القدر فكانوا أكثر نشاطاً وأكثر طاعة لله -عز وجل- ثم أقول بعد ذلك بالنسبة لهذا السؤال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) فالمطلوب أن تعمل وأن ترضي ربك وأسأله- سبحانه- أن يوفقني وإياك إلى محابه ومراضيه.
الأخ الكريم من المغرب يقول: السلام عليكم، استشكل عليّ أمر ألا وهو قولك: في تفسير( إليه يعود) قلتم: كيف يعود؟ متى يعود؟ هذا كله أمر غيبي لا يعلمه إلا ربه- سبحانه- موضع الإشكال هو ربه؟ أرجو بيان ذلك؟ حشرنا الله وإياك مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
لا.. (إلا ربه) لا.. قد يكون ذلك فلتة لسان، فنسأل الله –تعالى- المغفرة والمسامحة.
الأخ الكريم من الكويت يقول: هل يكون تارك الصلاة ممن تدركهم شفاعة الله؟ أم ما هو الرابط؟
هذه المسألة مسألة تارك الصلاة من المسائل التي فيها نزاع عظيم ولكن أنا ما أدين به الله -عز وجل- أرجو أن تنالهم شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- بإذن الله –تعالى-.
الأخ الكريم من الجزائر يقول: عندي سؤال قد أشكل علي، وهو أهل لا إله إلا الله، لكنهم يزورون ويدعون الأولياء، وكذلك أهل السحر هل يخلدون أم لا؟
هؤلاء القوم من حيث الجملة ما يفعلونه كفر، وكفرهم هذا كفر أكبر، يكونون به كفاراً خارجين عن جملة أهل الإسلام هذا من حيث العموم, أما من حيث التعيين فإنه لابد أن تقام الحجة على أعيانهم ليعرفوا الحق في هذه المسائل وتندفع عنهم الشبهة ويكون الأمر لهم جلياً فإن أصر بعد قيام الحجة النبوية الرسالية المباركة فإنه يكون بذلك كافراًز ونسأل الله –تعالى- أن يشرح صدور الجميع إلى دينه المستقيم.
الأخت الكريمة من الأردن تقول: يا فضيلة الشيخ: لا يخفى على علمكم في الآونة الأخيرة ما ظهر من الخوارج ومن أهل التكفير وهلم جراً، وأرجوك أن تقدم لي الجواب الكافي في أنه إذا جاء رجل ليخطب فتاة مسلمة، كيف تعرف أنه من أهل السنة والجماعة؟ لاسيما أن أصحاب الفكر الضال والمنحرف، لا يتميزون في كثير من الأحيان في المظهر الخارجي عن أهل السنة هل هناك أسئلة معينة إذا طرحناها نعلم ما هي عقيدته لأن هذا الأمر في غاية الخطورة بالنسبة لي ولكثير من فتيات المسلمين؟
هي من باب الطرفة، إجابة طريفة بسيطة دون أن أستفيض؛ لأنها تطلب مسألة علمية ولكن سأرشدها، هذا عريس يجهزون له دجاجة، يقدمون له الدجاجة المذبوحة وبجنبها المرقة وينظرون فإن أكل من الدجاج وشرب منها، فإنه بذلك يكون على منهجنا؛ لأن من شرط منهجنا أن يأكل من ذبيحتنا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا لم يأكل من ذبيحتنا إذن: ليس على منهجنا فيخرجوه من الباب أو من الشباك كما يريدون- إن شاء الله- إذن: كمسألة عملية هذا رجل عريس يقدمون له الذبيحة، فرخة من فرخة لما هو فوق، المهم أن يأكل منها من الذبيحة فإن أكل من ذبيحتهم، أجازوه، وإلا فإنهم يطرحوه.
الأخت الكريم من الجزائر تقول: ما معنى من قال: لا إله إلا الله يخرج من النار، قد يقولها كافر أو مستهزئ، فهل يدخل في هذا الحديث؟
لا.. أبداً، أنا قلت: إن هذا مقيد أن يكون في قلبه شيء من خير، إن شاء الله.
الأخ الكريم من المغرب يقول: هل يجوز أن يستدل بقبضته- تعالى- من النار على صفة اليدين له -جل وعلا-؟
إثبات صفة اليد لله -عز وجل- ثابتة فلا نحتاج أن نستدل بهذا اللازم على صفة اليدين وهي ثابتة، لكن يمكن أن نقول: هل يقبض الله -عز وجل-؟ نعم، يقبض الله –تعالى- بيده ما شاء, كيف شاء، نعم.
الأخت الكريمة من المغرب تقول: هل هناك أشياء يقوم بها العبد حتى ينال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة رب العالمين؟
نعم. أن يكون مطيعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فمن أطاعني دخل الجنة ابتداءً أو انتهاءً ومن عصاني فقد أبى أي قد أبى أن يدخل الجنة ابتداءً أو انتهاءً.
الأخ الكريم من الأردن يقول: جاءت الروايات في الأحاديث الصحيحة: (أن الموحدين من أهل النار يخرجون من النار وقد امتحشوا إلا موضع السجود منهم)، فهذا يدل على أنهم كانوا يصلون وهذا الذي قرره عدد من العلماء مثل الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى- وغيره، وكذلك فهمت من كلامكم أن جنس عمل الجوارح ليس شرطاً لصحة الإيمان، فهل ما فهمته صحيحاً؟ أرجو الإجابة.
هذه المسألة بتمامها وكليتها سيكون الحديث عنها في محلها- إن شاء الله-.
الأخ الكريم من الإمارات يقول: عند سؤالان:
السؤال الأول: هل كفر الإعراض يشمل من ترك عمل الجوارح مع حصول الإيمان القلبي عنده؟
سنلحق هذا السؤال بصاحبه -إن شاء الله-.
سؤاله الثاني: ما معنى الإصرار؟ وهل من قال: أنا أعلم أن الله -عز وجل- حرم الخمر، ولكني أشربه، فهل هذا كافر باعتبار أنه مُصِّر؟ وهل يعد بذلك مستحلاً؟
أبداً, هناك فارق بين الاستحلال وبين الإصرار.
الأخت الكريمة من المغرب تقول: هناك بعض الناس يستغربون رواية عائشة -رضي الله عنها- للحديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي في سن صغيرة، فكيف نرد عليهم؟
هذا سؤال جيد- حقيقة- المشكلة أن الناس في هذه الأزمان يحكمون مجريات الأمور الماضية بمعايير الزمن، يعني: نحن عندما نسمع بالأمور الماضية نريد أن نحاكمها بمعايير هذا العصر الذي نعيش فيه، هذا العصر الذي نعيش فيه، أنك لو سمعت اسم صاحبك، ويقول لك مثلاً: اسمي محمد محمود عبد السميع علي. عندما يصل إلى علي تنسى الكلمة الأولى وهي كلمة محمد فتحتاج أن يعيد الاسم أكثر من مرة حتى يثبت لحظياً في ذهنك، فإن ثقافتنا ليست ثقافة أذن، ولكن الآن ثقافة هي ثقافة الهشاشة وثقافة ضبابية، لا تؤثر لا في عقل ولا في قلب، هذا هو الموجود الآن، معارف العرب قديماً كانت معارف تعتمد على الأذن، فما تسمعه الأذن يثبت ثبوتاً قوياً، وبالتالي كان ما زال العرب يسمعون الأشعار والكلام ويتناقلونه دون أن يخرموا حرفاً واحداً مما سمعوه، هذه مسألة فالجواب المختصر: أن هذا الأمر يعد ليس بالمستغرب لأن هذا كان مشهوراً أن صغار الأمس ليسوا كصغار اليوم فقد كانوا صغاراً ولكن يتقنون ما يسمعون ويتقنون ما ينقلون ويضبطون ذلك جميعًا فلا يخرم منه حرفاً واحداً وهذا السؤال أرجو أن يكون هناك وقت أكثر اتساعاً لأن في ذهني إجابة واسعة عنه متعلقة بالتراث ونقل الرواية للإجابة الواسعة على هذا السؤال أرجو وأدعو الله –تعالى- أن يوفقنا لوقت أوسع، إن شاء الله.
هلا تفضلتم فضيلة الشيخ بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟
نعم هناك سؤالان يسيران:
السؤال الأول: وجه "من يدخله الله الجنة، يدخله بفضله ومن يدخله النار يدخله بعدله". المطلوب هذه الجملة وجهّا يعني بين معناها وكيف يكون هذا المعنى منضبطاً؟
السؤال الثاني: اذكر الشفاعة المثبتة للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وجزاكم الله خير
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-18-2008, 03:55 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

بارك الله فيك
وفي الشيخ
وجزاكما الفردوس الأعلي
شكر الله لك صنيعك
اخي الفاضل
الشافعي
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:22 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.