انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-27-2008, 03:02 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam خصائص ومميزات اهل السنة

 


الخصائص والصفات العامة
لأهل السنة والجماعة
د:محمد يسري



أولاً: أهل السنة ليس لهم اسم يجمعهم سوى هذا الاسم.
ثانيًا: أهل السنة لا يجمعهم مكان واحد، ولا يخلو عنهم زمان.
ثالثًا: أهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه؛ بل هم في أبواب الخير كافة.
رابعًا: أهل السنة على نمط واحد في باب الاعتقاد وأصول الدين.
خامسًا: أهل السنة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سادسًا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاتباع والاجتماع على الأئمة وأهل الحل والعقد.
سابعًا: أهل السنة يوالون بالحق ويعادون بالحق ويحكمون بالحق.
ثامنًا: أهل السنة يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تاسعًا: لا تزال طائفة من أهل السنة قائمة بواجب الجهاد إلى قيام الساعة.
عاشرًا: أهل السنة أكرم الناس أخلاقًا، موصوفون بالاستقامة في الهدي والسمت والسلوك الظاهر.



أولاً: أهل السنة ليس لهم اسم يجمعهم سوى هذا الاسم.
أهل السنة والجماعة ليس لهم رسم ولا اسم يتسمون به خصوصًا غير أهل السنة والجماعة، ذلك الاسم الذي يعني في الحقيقة التزام الجادة والمحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، "فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة"(1).

وهذا بخلاف أهل البدع الذين انتحلوا لأنفسهم أسماء أرادوا أن تميزهم عن غيرهم، أو سماهم غيرهم بها فقبلوا تسميته لهم، كما أنه ما من فرقة إلا وابتدعت لأهل السنة اسمًا يناسب ما خالفها فيه أهل السنة، ومع ذلك بقي أهل السنة لم يلزمهم اسم من هذه الأسماء الباطلة.

سئل مالك رحمه الله عن السنة، فقال: "هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]" (2)،

وروى ابن عبد البر قال: "جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله، أسألك عن مسألة أجعلك حجة فيما بيني وبين الله u . قال مالك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، سل. قال: من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي"(3).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنة. يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها"(4).

ويقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى: "وليس لهم -أي أهل السنة والجماعة- رسم ومنهاج سوى منهاج النبوة (الكتاب والسنة)؛ إذ الأصل لا يحتاج إلى سمة خاصة تميزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم معين هو الخارج من هذا
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/346).
(2) الاعتصام للشاطبي (1/58).
(3) الانتقاء لابن عبد البر ص35.
(4) مدارج السالكين (3/174).


الأصل"(1).

وعليه، فإن أهل السنة لا ينتمون للأحزاب، ولا الشعارات، ولا القوميات، ولا يتعصبون للأوطان ولا الشعوب، ولا الأجناس ولا القبائل؛ إنما يجمعهم شعار السنة والإسلام، في أي مكان وأي زمان. عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "مَنْ أقرَّ باسم من هذه الأسماء المحدَثة؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"(2)،

وقال ميمون بن مهران: "إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام"(3).
وهذا لا يعني عدم مشروعية مطلق الانتماء إلى إمام، أو التسمي بأسماء المذاهب، أو الانتساب إلى القبائل، أو المشايخ، ونحو ذلك…؛ بل الممنوع منه هو اتخاذ هذه الأسماء معقدًا للولاء والبراء، وشعارًا يُمتحن الناس به، ويُفرق به بين الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "بل الأسماء التي قد يسوغ التسمي بها، مثل انتساب الناس إلى إمام: كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، أو إلى شيخ: كالقادري والعدوي، أو مثل الانتساب إلى القبائل: كالقيسي واليماني، وإلى الأمصار: كالشامي والعراقي والمصري؛ فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها؛ بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان"(4).

ومما هو جدير بالتنبيه له في هذا المقام ما سبق أن تقرر من أن لأهل السنة والجماعة أسماء أخرى وردت بها النصوص؛ مثل أهل الحديث، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والسلف الصالح.. وهذا من باب إطلاق الأسماء المختلفة على مسمى واحد
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية ص28.
(2) الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة لابن بطة ص137.
(3) الشرح والإبانة ص137.
(4) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/416).


ثانيًا: أهل السنة لا يجمعهم مكان واحد، ولا يخلو عنهم زمان.

إن أهل السنة هم أهل الحق، فكل من دان بهذا الحق فهو من أهل السنة، في أي مكان وجد، وفي أي زمان كان. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ولا يلزم أن يكونوا -أي: الطائفة المنصورة- مجتمعين؛ بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض"(1).

وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعون وأئمة الدين من بعدهم،
مفرقين في الأمصار، لا يجمعهم مكان واحد، ومع ذلك كانوا جميعًا من أئمة أهل السنة وأعلامهم.


أما الأحاديث التي حدَّدت وجودهم بالشام(2)؛ فإنما يُراد بها -والله أعلم- فترة تاريخية معينة، هي التي تكون قبل قيام الساعة، حيث تدل النصوص الكثيرة على أن معظم الأحداث المتعلِّقة بالمهدي وعيسى بن مريم ونحوها من أشراط الساعة، إنما تكون بالشام. كما يحتمل أن يكون المقصود قتالهم للروم المذكور في الأحاديث، ثم قتالهم للدجَّال، حتى يأتيهم أمر الله وهم بالشام، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم : "وهم بالشام"؛ أي: حال إتيان أمر الله.

وأهل السنة كما أنه لا يجمعهم مكان واحد، فإنهم لا يخلو عنهم زمان حتى قيام الساعة، فقد صحَّت البشارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باستمرار وجود الطائفة المنصورة -أهل السنة والجماعة- من هذه الأمة إلى أن يأتي أمر الله، لا يضرهم خلاف المخالف، ولا خذلان الخاذل، وجاء ذلك في أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة، حتى لقد صرح عدد من العلماء المعتبرين بتواتر هذا الحديث؛ كشيخ
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (13/67).
(2) من ذلك: ما رواه البخاري (7460)، ومسلم (1037) من قول مالك بن يخامر عن معاذ: "وهم بالشام"، وما رواه ابن ماجه (7)، والبخاري في التاريخ الكبير في ترجمة حسان بن وبرة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تزال عصابة بدمشق ظاهرين"، وما رواه أبو نعيم في ترجمة محمد بن المبارك أنه صلى الله عليه وسلم قال: "وهم بالشام"، ونحو ذلك من الأحاديث.

الإسلام ابن تيمية(1)، والسيوطي(2)، والزبيدي(3)، والكَتَّاني(4)،

وغيرهم. فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لا يزال ناسٌ من أمَّتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"(5).

وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يبرح هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين، حتى تقوم الساعة"(6).

وعن جابر بن عبد الله، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمَّتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة"(7).

فهذه الأحاديث وما ماثلها توضح أن أهل السنة -الطائفة المنصورة- سيستمر بقاؤهم إلى يوم القيامة، فلن يخلو عنهم زمان حتى يأتيهم أمر الله u . والمقصود أن بقاءهم يكون حتى يرسل الله ريحًا طيبة -وهي أمر الله-، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويكون ذلك قبيل قيام الساعة، قال الإمام النووي رحمه الله: "المراد برواية من روى: "حتى تقوم الساعة"، أي: تقرب الساعة وهو خروج الريح"(8)، وقال أيضًا: "فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة، على أشراطها ودُنوِّها المتناهي في القرب"(9).




ثالثًا: أهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه؛ بل هم في أبواب الخير كافة.

أهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه؛ بل منهم المشتغلون

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/6).
(2) قطف الأزهار المتناثرة (رقم 81) ص216.
(3) لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ص68.
(4) نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص93.
(5) رواه البخاري (3640)، ومسلم (1921) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
(6) رواه مسلم (1922) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
(7) رواه مسلم (1923) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(8) شرح النووي على صحيح مسلم (13/66).
(9) شرح النووي على صحيح مسلم (2/132).



بألوان العلوم النافعة؛ بقصد حماية الدين وحفظ العلم -أصولاً وفروعًا ووسائل-، ومنهم المشتغلون بردِّ البدع وقمع أهلها، وبيان طريق المحجَّة، ودفع الالتباس عنها، ومنهم المرابطون في الثغور، المصابرون للأعداء، ومنهم المناهضون للمنكر الناهون عنه، الآمرون بالمعروف الداعون إليه.

ولا شك أن المشتغلين بعلم الشريعة -عقيدة وفقهًا وحديثًا وتفسيرًا، تعلُّمًا وتطبيقًا ودعوةً- هم أولى الناس بهذا الوصف، أولاهم بالدعوة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرد على أهل البدع؛ إذ إن ذلك كله مقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الوحي.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ويحتمل أن هذه الطائفة -يعني: الطائفة المنصورة- مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم زُهَّاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير…"(1).


وقد فسر بعض أئمة السلف -كما سبق- أهل السنة والجماعة بأنهم: أصحاب الحديث، أي المتبعون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، المجانبون لطريقة أهل البدعة، الملتزمون بالدليل في الاعتقاد والفقه، وهم -بهذا- الفئة المقابلة لأهل الكلام -أيًّا كانت بدعتهم-، والفئة المقابلة لأهل الرأي الذين يقدِّمون آراءهم أو أقوال شيوخهم على الدليل الصحيح.
لذلك عبَّر الإمام البخاري رحمه الله تعالى عنهم بقوله: "وهم أهل العلم"(2)، ومدلول العلم أوسع من مدلول الحديث، وإن كان الحديث قد يُطلق عليه العلم(3).
فقد يكون الرجل من أهل السنة، ومن أهل العلم الذين يرابطون على ثغور
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النووي على مسلم (13/67).
(2) صحيح البخاري (8/149).
(3) كما قال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم". رواه مسلم في مقدمة صحيحه (1/14).



الإسلام، ويدافعون عنه، ولكنه ليس من أهل الحديث المشتغلين به رواية ودراية، حتى عُرفوا به، وأمثلة هذا كثيرة من المشتغلين بالتفسير، أو أصول الفقه، أو اللغة والأدب، أو التاريخ، أو غيرها..
وأما عبارة عليّ بن المديني في تعريفه أصحاب الحديث، والتي يقول فيها: "هم أصحاب الحديث الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويذبُّون عن العلم، لولاهم لم نجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الرأي شيئًا من سنن المرسلين"(1).

ففي عبارة علي بن المديني نوعًا من التخصيص، إذ يفسر أهل الحديث بأنهم الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويذبُّون عن العلم، ويبلغون للناس سنن المرسلين. وهذا تفسير للشيء ببعض أجزائه، وأهل السنة الطائفة المنصورة أعم من ذلك، ولا شك أن قومًا كهؤلاء الذين ذكرهم ابن المديني هم أولى الناس بالدخول في هذه الطائفة، وإلى ما عندهم يَرجِع كلُّ مُتَّبع في أي تخصص كان، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكونوا -وحدهم- الطائفة المنصورة أو أهل السنة والجماعة.

ولذلك كانت عبارة الإمام أحمد دقيقة حين رأى قومًا يشتغلون بمدراسة الحديث، فأطلق عليهم أنهم (ممَّن) قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي..." الحديث(2).
إذن؛ فأهل السنة -كما قررنا- لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه؛ بل هم مفرقون في أبواب الخير كافة، يقولون بالحق، ويرحمون الخلق، ويجتمعون على منهج الاتباع.


رابعًا: أهل السنة على نمط واحد في باب الاعتقاد وأصول الدين.

لا منازعة بين المسلمين على خطورة أمر الاعتقاد، وعظم شأنه، وعلو قدره؛
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن عدي في الكامل (1/121) في ترجمة علي بن المديني، وانظر الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (223).
(2) سبق تخريجه.


إذ المخالف فيه على شفا هلكة؛ ولهذا نجد أهل السنة جميعًا على قول واحد في أصول هذا الباب وكلياته، لم ينقل عنهم اختلاف في أمهات مسائل الاعتقاد وأصول الدين؛ بل المحفوظ عنهم اتفاقهم في هذه المسائل، وعدم اختلافهم عليها.


وهذا لا يعني أن كل مسائل الاعتقاد متفق عليها عند أهل السنة والجماعة، إذ قد وقع الخلاف بين الصحابة أنفسهم حول بعض مسائل العقيدة، ولكن لم تكن هذه المسائل من الأمهات والكليات في هذا الباب.

ومن الأمثلة على ذلك:
- اختلافهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، هل وقعت أم لا؟ "فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك"(1).

- اختلافهم في أنه هل يكون للبدن في القبر عذاب أو نعيم دون الروح أم لا؟ فهذا فيه قولان مشهوران، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومعاد الأبدان متفق عليه عند علماء الحديث والسنة. وهل يكون للبدن دون الروح نعيم أو عذاب؟ أثبت ذلك طائفة منهم، وأنكره أكثرهم"(2).

- اختلافهم فيما يوزن يوم القيامة: هل هو العمل، أم صحائف العمل، أم العامل نفسه أي صاحب الأعمال؟(3).

وليس مقصودنا في هذا المقام استقصاء مثل هذه المسائل؛ وإنما المقصود أن نبيِّن أن بعض مسائل الاعتقاد قد وقع الخلاف عليها بين أهل السنة والجماعة، وإن كانت هذه المسائل -كما سبق- ليست من أصول العقيدة وكلياتها.





خامسًا: أهل السنة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/386).
(2) مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/284).
(3) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/608 - 613).


وأهل السنة هم أعلم الناس بأحوال صاحبها صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، وأعظمهم محبة وموالاة لها ولأهلها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها واتباع لها، تصديقًا وعملاً، وحبًّا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقـالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة"(1).

ولا عجب في ذلك؛ فأهل السنة هم أصحاب الحديث، رواية ودراية، علمًا وعملاً؛ ولذلك فإن بعض أئمة السلف فسَّر الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة بأنهم أصحاب الحديث. قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم"(2).

وقال عبد الله بن المبارك: "وهم عندي أصحاب الحديث"(3).

وقال الإمام البخاري -وذكر حديث "لا تزال طائفة من أمَّتي..."-: "يعني: أصحاب الحديث"(4).

وفي الحق إن أهل السنة ما سُمُّوا بهذا الاسم؛ إلا لأنهم الآخذون بسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم ، العالمون بها، العاملون بمقتضاها، والممتثلون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي.."(5)،

فالسُّنة هي: ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الشرع والدين، والهدي الظاهر والباطن، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم، ثم أئمة الهدى العلماء العدول، المقتدون بهم، ومن سلك سبيلهم إلى يوم القيامة(6). ومن هنا صار

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى (3/347).
(2) رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث، بعد قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي منصورين…" (رقم 48)، ص27.
(3) المصدر السابق، في نفس الموضع، (رقم 47)، ص26.
(4) المصدر السابق، في نفس الموضع، (رقم 51)، ص27.
(5) سبق تخريجه.
(6) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/358).


أهلُ الحق المتبعون للسُّنة العالمون بها مسمَّون بـ"أهل السُّنة"، فهم الجديرون بذلك على الحقيقة.



سادسًا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاتباع والاجتماع على الأئمة وأهل الحل والعقد.



لا يخفى أن التمسك بالسنة والمحافظة على الجماعة كلاهما مقصود للشارع؛ ولهذا كانت الفرقة الناجية من بين زحام الفرق الهالكة هم أهل السنة والجماعة؛ أهل السنة بتمسكهم بالحق واستقامتهم عليه ودعوة الناس إليه، وأهل الجماعة بلزومهم لجماعة المسلمين، والتزام الطاعة لأولي الأمر في غير معصية.

ولهذا أيضًا أمرت الشريعة بالإنكار على أئمة الجور، وعدم تصديقهم على كذبهم، أو إعانتهم على ظلمهم؛ محافظة على السنة، وأمرت بعدم الخروج عليهم، والتزام الطاعة لهم في غير معصية؛ محافظة على الجماعة.

لذا كان منهج أهل السنة والجماعة هو الموازنة بين هذين الأمرين: المحافظة على السنة، والمحافظة على الجماعة؛ فلا يؤدي التزامهم بالطاعة لأهل الحل والعقد إلى الجور على السنة أو إقرار ما يخالفها، أو كتمان الحق، والتدليس على الأمة، كما أن التزامهم بالسنة وإنكارهم على المخالف لا يعني الخروج عن الطاعة أو مفارقة الجماعة؛ بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع لزوم الجماعة والانقياد لها بالطاعة هو منهجهم القويم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "إن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض، جهاد من يستحق الجهاد - كهؤلاء القوم المسئول عنهم(1) - مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم، إذا لم يكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله؛ بل يطيعهم في طاعة الله، ولا يطيعهم في معصية الله؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) يعني: التتار.



وهذه طريقة خيار الأمة قديمًا وحديثًا، وهي واجبة على كل مكلف، وهي متوسطة بين طريقة الحرورية وأمثالهم، ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة وأمثالهم، ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقًا وإن لم يكونوا أبرارًا"(1).

وقد ضرب إمام أهل السنة -الإمام أحمدرضي الله عنه - أروع الأمثلة في تطبيق هذا المنهج العظيم، وذلك في فتنته المعروفة بفتنة خلق القرآن، فلم يؤد التزامه بالطاعة لأولي الأمر إلى الجور على السنة أو إقرار ما يخالفها، أو كتمان الحق والتدليس على الأمة؛ بل أعلن الحق، وأظهر السنة، ونصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبذل نفسه رخيصة في سبيل ذلك. ومن ناحية أخرى، لم يدفعه التزامه بالسنة والمحافظة عليها، والإنكار على المخالف إلى الخروج عن الجماعة أو الطاعة؛ بل رفض كل المحاولات التي قام بها أصحابها ليحملوه على الخروج على السلطان؛ بل وأكثر من هذا أنه كان يدعو للإمام -الذي يذيقه ألوان العذاب- لينصره الله على أعدائه من الكفار.

إذن نخلص إلى أن أهل السنة والجماعة يحملون أمانة مزدوجة لا يقل ثقل إحداها عن الأخرى: الأولى: أمانة العلم والسنة والالتزام والدعوة والجهاد، والثانية: أمانة المحافظة على الجماعة المسلمة بمعناها العام والشامل، وهم يسيرون في ذلك بميزان دقيق على هدي من الشرع الحكيم وحده.


سابعًا: أهل السنة يوالون بالحق ويعادون بالحق ويحكمون بالحق.

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/508).


أهل السنة والجماعة ولاؤهم للحق وحده، ومن هذا المنطلق فإنهم ينظرون إلى كل فرد أو طائفة أو تجمع على هذا الأساس وحده، وليس على أساس من التعصب الجاهلي للقبيلة، أو المدينة، أو المذهب، أو الطريقة، أو التجمع، أو الزعامة...

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وليس لأحد أن يعلق الحمد والذم، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة، والصلاة واللعن، بغير الأسماء التي علَّق الله بها ذلك؛ مثل: أسماء القبائل، والمدائن، والمذاهب، والطرائق المضافة إلى الأئمة والمشايخ، ونحو ذلك مما يراد به التعريف… فمن كان مؤمنًا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافرًا وجبت معاداته من أي صنف كان… ومن كان فيه إيمان وفيه فجور، أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره"(1).

وكتطبيق عملي لهذا الأصل ينهى رحمه الله عن امتحان الناس بالموقف من أحد الأمراء فيقول: "فالواجب الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به؛ فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة. وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله، مثل: أن يقال للرجل: أنت شكيلي أو قرقندي؟ فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان... وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟"(2).


ثامنًا: أهل السنة يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


أهل السنة والجماعة هم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا أصل عظيم عندهم، ولكنهم يقومون بذلك على ما توجبه الشريعة، فيلتزمون في نفس الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/227 - 229).
(2) المصدر السابق (3/414 - 421).


أصلاً آخر، وقاعدة أخرى عظيمة، هي الحفاظ على الجماعة، وتأليف القلوب، واجتماع الكلمة، ونبذ التفرق والاختلاف. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد، والجمع والأعياد مع الأمراء -أبرارًا كانوا أو فجارًا-، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة"(1).

فأهل السنة قد حملوا على عاتقهم مهمة مقاومة المنكر، وجهاد الدعاة إليه من المنافقين ومَن آزرهم من الفاسقين، والعمل على إضعاف شأن أهل الريب والفساد؛ تحقيقًا لقوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، فهم -من بين سائر الناس- قد نذروا أنفسهم لمحاربة المنكرات وأهلها، وإنكارها، وبيان حرمتها وخطرها، وأمر الناس بضدها من الخير والبر والمعروف.
وإذا كان الله u قد علَّق خيرية هذه الأمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} [آل عمران:110]، كما أنه سبحانه قد امتدح المؤمنين بقيامهم بهذا الواجب العظيم، كما ورد ذلك في قوله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]، إذا كان هذا الأمر كذلك؛ فلا شك أن أهل السنة والجماعة هم أصحاب القدح المعلَّى، والنصيب الأوفر في هذا الباب؛ إذ هم خير هذه الأمة وأفضلها.


ومن اطَّلع على سيرة أئمة أهل السنة وتاريخهم ظهر له هذا الأمر واضحًا جليًّا، وعلم أن أهل السنة لا يتركون هذا الواجب حتى لو أصابهم الأذى في سبيل ذلك. فمن ذلك ما روي أن محمد بن المنكدر وأصحاب له كانوا يأمرون بالمعروف
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق (3/158).


جليًّا، وعلم أن أهل السنة لا يتركون هذا الواجب حتى لو أصابهم الأذى في سبيل ذلك. فمن ذلك ما روي أن محمد بن المنكدر وأصحاب له كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ونالهم في ذلك الأذى من السلطان(1)،

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يخرج بتلاميذه، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدورون على الخمارات والحانات، فيكسرون أواني الخمور، ويشقِّقون الظروف، ويعزِّرون أهل الفواحش(2)،

وقد قاموا بتأديب أهل الجبل المعروفين بالنُّصيرية، والانتصار عليهم، وإلزامهم بأحكام الإسلام الظاهرة، كما كان له رحمه الله ولأتباعه دور عظيم في دفع التتر عن الشام، وهزيمتهم في وقعة (شقحب) وغيرها(3)،

وله موقفه العظيم المعروف مع السلطان حين تأخر عن المجيء إلى دمشق، مع اقتراب التتر منها(4).

ولا يزال أعلام وأئمة أهل السنة على هذا الدرب سائرين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، لا يتخلون عن هذه الشعيرة أبدًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

تاسعًا: لا تزال طائفة من أهل السنة قائمة بواجب الجهاد إلى قيام الساعة.

الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، وأعظم مهمات الدين، وهو شريعة ماضية إلى يوم القيامة، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"(5)،

وفي رواية: "الخيل معقود في نواصيها إلى يوم القيامة: الأجر، والمغنم"(6).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: الجامع للقيرواني ص155.
(2) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (14/11).
(3) المصدر السابق (14/8، 10، 13-15، 21-24).
(4) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/395 - 396)، والبداية والنهاية (14/14).
(5) رواه البخاري (2849)، ومسلم (1871) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(6) رواه البخاري (2852)، ومسلم (1873) من حديث عروة البارقي رضي الله عنه .


ولا تزال الطائفة المنصورة قائمة بأمر الجهاد، تقاتل في سبيل نصرة هذا الدين، ولا تتخلى عن هذا الأمر، تنتقل من معركة إلى معركة، ومن ميدان إلى ميدان، تُدال على أعدائها فتشكر، ويُدالون عليها فتصبر، ولا يخطر ببالها اعتزال الميدان أو ترك الجهاد حتى يقاتل آخرها المسيح الدَّجَّال، فقد روى جابر بن سَمُرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يبرح هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين، حتى تقوم الساعة"(1)،

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله يقول: "لا تزال طائفة من أمتي، يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة"(2)،

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرُهم المسيح الدجَّال"(3).

فهذه الروايات -وغيرها- تبيِّن أن الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة لا تقف عند حد جهاد الكلمة؛ ببيان الحق، والدعوة إليه بالحسنى، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل من خصائصها أيضًا القيام بواجب الجهاد في سبيل الله، وقتال أعداء الله من الكفَّار والمنافقين وغيرهم.

وهذا لا يعارض ما وُجد ويوجد في بعض الأمكنة والأزمنة من ترك الجهاد، ممَّا أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وحَذَّر منه، فوقع في الأمة كما أخبر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم الجهاد؛ سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"(4).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أحمد (19419)، وأبو داود (2484)، ورواه الحاكم (2392) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. اهـ، ووافقه الذهبي.
(4) رواه أبو داود (3462)، وأبو يعلى في مسنده برقم (5659)، والبيهقي في السنن الكبرى (10484)، وقد صححه ابن القيم في تعليقه على مختصر سنن أبي داود، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (423).



فإن راية الجهاد لا تكاد تسقط من يد قوم إلا وتلقَّفتها يد أخرى؛ مصداقًا لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: 54]، ومقتضى هذا الوعد ألا يزال في الأمة مؤمنون مجاهدون، باذلون، صابرون في سبيل الله، وقد ظل بعض المخلصين -ومن هؤلاء من هو مستمسك في الجملة بالأصول العامة لأهل السنة والجماعة- يقاتلون أعداء الله من المستعمرين الفرنسيين والبريطانيين والطليان وغيرهم من أمم الكفر، ولا زال المسلمون يقاتلون الكفار في فلسطين والفلبين وأريتريا وغيرها.

فالمقصود أن الجهاد ماض ومستمر لا ينقطع، ولا تزال طائفة من الأمة قائمة به، وهؤلاء هم الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة.


عاشرًا: أهل السنة أكرم الناس أخلاقًا، موصوفون بالاستقامة في الهدي والسمت والسلوك الظاهر.

قال الله u مادحًا نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وقال صلى الله عليه وسلم : "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(1)، وقد ندبنا الله u إلى الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد (8729)، والبخاري في الأدب المفرد (273) وفي التاريخ الكبير (835)، والحاكم في المستدرك (13)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/191، 192) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (24/333، 334)، والألباني في صحيح الجامع (2349). قال فضل الله الجيلاني: "لا يكون دين من الأديان خاليًا من مكارم الأخلاق، لكن لم تكن الأخلاق الكريمة مجموعة كلها في دين من الأديان السابقة حتى جمع الله في دين الإسلام كل ما كان من أخلاق حسنة في أي دين، فهذا معنى: "أتمم مكارم الأخلاق".. أي: أبلغ نهايتها" باختصار من فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد (1/271).


إن أهل السنة والجماعة هم حملة ميراث النبوة في جانبيها العلمي والعملي، ولا شك أن أبرز الجوانب العملية في الهدي النبوي هو الجانب الأخلاقي، ولذلك فإن أخلاق النبوة -من الرحمة، ومحبة الخير للناس، واحتمال أذاهم، والصبر على دعوتهم، إلى آخر ذلك- هي المنبع الذي يستقي منه أهل السنة خصائصهم السلوكية والأخلاقية، والتي لا تقل أهمية في منظور الحق عن ميراث العلم والهدي الذي اختص به الله هذه الفرقة الناجية بفضله ورحمته.

قال شيخ الإسلام: "الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم واحتماله، فبعثه بالعلم والكرم والحلم؛ عليم هاد، كريم محسن، حليم صفوح... فهو يعلّم، ويهدي، ويصلح القلوب، ويدلها على صلاحها في الدنيا والآخرة بلا عوض... وكذلك نعت أمته بقوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110]، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس: تأتون بهم في السلاسل حتى تدخلوهم الجنة، فيجاهدون ويبذلون أنفسهم وأموالهم؛ لمنفعة الخلق وصلاحهم، وهم يكرهون ذلك لجهلهم"(1).

وقال أيضًا: "يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"(2)،


ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى، والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها، وكل ما يقولونه أو يفعلونه من هذا أو غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى (16/313-317).
(2) أخرجه أحمد (7354)، والدارمي (2792)، والترمذي (1162) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.اهـ




فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة"(1).
وقد تميَّز أهل السنة بهذه الخصلة الجميلة -كرم الخلق وحسن الهَدْي والسمت-، وحرصوا عليها ذلك أشدَّ الحرص، قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهَدْي كما يتعلمون العلم"(2)،

وقال حبيب بن الشهيد لابنه: "يا بنيّ ايت الفقهاء والعلماء، وتعلّم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إليَّ لك من كثير من الحديث"(3)،

وقال بعضهم لابنه: يا بنيَّ، لأن تتعلم بابًا من الأدب؛ أحبُّ إليَّ من أن تتعلم سبعين بابًا من العلم.

! ! !

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق (3/158).
(2) رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/79).
(3) المصدر السابق (1/80).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-27-2008, 03:13 AM
أبو مصعب السلفي أبو مصعب السلفي غير متواجد حالياً
الراجي سِتْر وعفو ربه
 




افتراضي

جزاكم الله خيراً,
وحفظ الله الشيخ محمد يسرى ومتعنا بدرره,
لا حُرمنا من هذه الفوائد
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
..
التوقيع

قال الشاطبي في "الموافقات":
المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المُكَلَّف عن داعية هواه, حتى يكون عبداً لله اختيارًا, كما هو عبد لله اضطراراً .
اللـــه !! .. كلام يعجز اللسان من التعقيب عليه ويُكتفى بنقله وحسب .
===
الذي لا شك فيه: أن محاولة مزاوجة الإسلام بالديموقراطية هى معركة يحارب الغرب من أجلها بلا هوادة، بعد أن تبين له أن النصر على الجهاديين أمر بعيد المنال.
د/ أحمد خضر
===
الطريقان مختلفان بلا شك، إسلام يسمونه بالمعتدل: يرضى عنه الغرب، محوره ديموقراطيته الليبرالية، ويُكتفى فيه بالشعائر التعبدية، والأخلاق الفاضلة،
وإسلام حقيقي: محوره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأساسه شريعة الله عز وجل، وسنامه الجهاد في سبيل الله.
فأي الطريقين تختاره مصر بعد مبارك؟!
د/أحمد خضر

من مقال

التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 08-27-2008 الساعة 03:25 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-27-2008, 03:15 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
ولله الأمر من قبل ومن بعد
اللهم اجعل عملنا خالص لوجهه
ولا تجعل للنفس حظ فيه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-27-2008, 04:28 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي



ما شاء الله

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-27-2008, 05:25 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وفيك بارك ربي
شكر الله لك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-27-2008, 08:33 AM
أم عمر أم عمر غير متواجد حالياً
اللهم نسألك الجنة بغير حساب وأن ترحم أبى وتعلى قدره فى الجنة وترزقنا الثبات حتى الممات
 




افتراضي

ماشاء الله
جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ
التوقيع

غراس الجنة:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-27-2008, 10:40 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

امين000امين000امين
بارك الله فيك
اسعدني مرورك
جزاك الله خيرا اكثر منه
اختي الحبيبة ام عمر
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-27-2008, 05:07 PM
سقف العالم سقف العالم غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08-29-2008, 05:06 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

وجزاك خيرا اكثر منه
اشكرك لمرورك
سقف العالم
وبارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-09-2008, 06:49 PM
أم نور الحنبلية أم نور الحنبلية غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 02:26 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.