انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-27-2015, 12:23 PM
كامل محمد محمد محمد عامر كامل محمد محمد محمد عامر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي القياس بين النفى و الإثبات

 



من وحى أهل الحديث
القياس
بين النفى و الإثبات
إعداد
دكتور كامل محمد عامر
مختصر بتصرف من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمامالمحدثالحافظأبيمحمدعليبنأحمد بنسعيدالأندلسيالقرطبي
1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)
مقدمة
قال الله سبحانه و تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}[78 النحل]
وقال تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [151البقرة]
فصح يقيناً أن الله سبحانه و تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه و سلم إلينا ليعلمنا ما لم نعلم فما علمنا الرسول من أمور الدين فهو الحق، وما لم يعلمنا منها فهو الباطل، وحرام القول به.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {168}إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[ 169البقرة]
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [33الاعراف]
فصح بنص القرآن أننا خرجنا إلى الدنيا لا نعلم شيئاًثم حرم علينا القول على الله تعالى بما لا نعلم،وأخبرنا تعالى أن إبليس يأمرنا بأن نقول على الله ما لا نعلم، وإذ ذلك كذلك فالفرض علينا أن نبطل كل قول في الدين، حتى يقوم برهان بصحته.
أحكام الشريعة كلها تنقسم ثلاثة أقسام:
· فرض لا بد من اعتقاده.
· وحرام لا بد من اجتنابه.
· وحلال مباح فعله ومباح تركه (المكروه والمندوب داخلان تحت المباح).
وقد قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[29البقرة] وقال تعالى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [119 الانعام]
فصح أن كل شيء في الأرض، وكل عمل فمباح حلال، إلا ما فَصَّلَ الله تعالى لنا تحريمه بالقرآن و السنة و الإجماع .
وقال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }[10الشورى]
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[59النساء]
فلم يبح الله تعالى عند التنازع والاختلاف أن يتحاكم أو يرد إلا إلى القرآن وكلام الرسول عليه السلام فقط .
ولقد عُلِمَ يقيناً وقوع كل اسم في اللغة على مسماه فالبُرَّ لا يسمَّى تبناً، والآكل لا يسمَّى واطئاً ، فإذ قد أحكم اللسان كل اسم على مسماه ، ولم يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلا بالعربية ؛ فإذا جاء نص على اسم ما بحكم ما فواجب:
· ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الأسم فقط.
· ولا نتعدى به الموضع الذي جاء به النص.
· وألا يخرج عن ذلك الحكم شيء مما يقتضيه الاسم ويقع عليه.
القياس
القياس هو أن يحكملما لا نص فيه ولا إجماعبمثل الحكمفيما فيه نص أو إجماعلاتفاقهما في العلةأو في نوع من الشبه فقط.
أقسام القياس:
قياس الأولى
مثل قول الشافعية: إذا كانت الكفارة واجبة في قتل الخطأ وفي اليمين التي ليست غموساً، فقاتل العمد وحالف اليمين الغموس أولى .
قياس المثل
مثل قول أبي حنيفة ومالك: إذا كان الواطىء في نهار رمضان عمداً تلزمه الكفارة، فالمتعمد للأكل مثله في ذلك وكقول الشافعي: إذا وجب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبعاً فهو من الخنزير كذلك.
قياس الأدنى
وهو نحو قول مالك وأبي حنيفة: إذا وجب القطع في مقدار ما في السرقة، وهو عضو يستباح، فالصداق في النكاح مثله
أدلة القائلين بالقياس و الرد عليها
يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }[95المائدة]فى هذه الآية أمرالله سبحانه و تعالى ذوي عدل من المؤمنين أن يحكما في الصيد المقتول بما يشبهه من النعم.
وهذا نص لا قياس فلا يوجد أصل و لا فرع ولا علة للحكم ، وإنما كان يكون قياساً لو قالوا :كما أمرنا تعالى إذا قتلنا الصيد (المحرم علينا قتله) أن نجزيه بمثله من النعم. فكذلكإذا قتلنا شيئاً من النعم (المحرم علينا قتله لِمُلْكِ غيرنا له) فواجب علينا أن نجزيه بمثله من الصيد.
يقول الله تعالى:{فَاعْتَبِرُواْ يأُوْلِي الأَبْصَارِ}[الحشر 2] و العبور هو الجواز و التجاوز من شيئ إلى شيئ و القياس تجاوز شيئ منصوص إلى شيئ لا نص فيه.
فما علم أحد قط في اللغة أن الاعتبار هو القياس، وإنما أمرنا تعالى أن نتفكر في عظيم قدرته وما أحل بالعصاة كما قال تعالى في قصة إخوة يوسف عليه السلام{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ }[يوسف 111]
روي عن ابن عباس قوله في دية الأصابع ألا اعتبرتم (أى هلا قستم) ذلك بالأسنان عقلها سواء وإن اختلفت منافعها.
ابن عباس إنما أراد هلا تبينتم أن اختلاف المنافع لا يوجب اختلاف الدية والأسنان أيضاً كذلك وهذا نص و ليس قياساً.
و أيضاً القياس هو رد الفرع إلى الأصل، وليس ههنا أصل وفرع، بل النص ورد أن الأصابع سواء وأن الأسنان سواء وروداً مستوياً.
و أيضاً القياس هو رد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه أو رد ما لا نص فيه إلى ما فيه نص وليس في الأصابع ولا في الأسنان إجماع، بل الخلاف موجود في كليهما، والنص في الأصابع والأسنان سواء، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللـه : «الأَصَابِعُ سَوَاءٌ، الأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، هذِهِ وَهذِهِ سَوَاءٌ» [قال الشيخ الألباني : صحيح أبو داود4/212،213]
عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: هششت إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم، فأتيت النبي فقلت: يا رسول الله أتيت أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله : «أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟» قلت: لا بأس. قال: «فَفِيمَ» ؟! [أبو داود كتاب الصوم][ قال الشيخ الألباني : صحيح]
عمر رضى الله عنهظن أن القبلة تفطر الصائم قياساً على الجماع، فأخبره عليه السلام أن الأشياء المماثلة والمتقاربة لا تستوي أحكامها فالمضمضة لا تفطر، ولو تجاوز الماء الحلق عمداً لأفطر، والجماع يفطر، والقبلة لا تفطر؛ و أيضا لا شبه بين القبلة والمضمضة فالقياس لا يكون إلا بين شيئين مشتبهين، وبضرورة العقل والحس نعلم أن القبلة من الجماع أقرب شيئاً، لأنهما من باب اللذة، فهما أقرب شبهاً من القبلة إلى المضمضة.
روى عن ابن عباس رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟. قال: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟» قال: نعم. قال: «فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»[مسلم 1/135]
وعن ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رجل: يا نبي اللـه إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ كُنْتَ قَاضِيَهُ؟» قال: نعم، قال: «فَدَيْنُ اللـه أَحَقُّ»[النسائى 2/4]
قال الله سبحانه وتعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ }[النساء 12] فعم الله عز وجل الديون كلها فما أوجبه الله علينا يقع عليه اسم دين وبالنصوص وضرورة العقل علمنا أن أمر الله أولى بالتنفيذ من أمر الناس. وكان السائل والسائلة للنبي عليه السلام مكتفين بهذا النص لو حضرهما ذكره، فأعلمها النبي بأن كل ذلك دين، وزادهم علماً بأن دين الله تعالى أحق بالقضاء من ديون الناس.
في الحديث المشهور: أن رجلاً قال لرسول الله : يا رسول الله، إن امرأتي ولدت ولداً أسود- وهو يُعَرِّض لنفيه- فقال رسول الله : «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِل؟» قال: نعم، قال: «مَا أَلْوَانُهَا» ؟ قال: حمر. قال: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قال: إن فيها لورُقاً، فقال رسول الله : «أَنَّى تُرَى ذَلِكَ أَتاهُ؟» ــــ أو كلاماً هذا معناه ــــ فقال له الرجل: لعل عرقاً نزعه، فقال : «لَعَلَّ هذَا عِرقاً نَزَعَهُ»[البخارى كتاب الطلاق] فهذا قياس و تعليم للقياس.
الرجل جعل خلاف ولده في شبه اللون علة لنفيه عن نفسه، فأبطل رسول الله حكم الشبه، وأخبره أن الإبل الورق قد تلدها الإبل الحمر، فأبطل عليه السلام أن يؤثر الشبه في الحكم ؛ وما قاس رسول الله عليه السلام ولادة الناس على ولادة الإبل.
رسول اللـه عليه السلام لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قال: أقضي بكتاب اللـه عز وجل، قال: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللـه عَزَّ وَجَلَّ؟» قال: فبسنة رسول اللـه ، قال: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللـه وَلاَ فِي كِتَابِ اللـه؟» قال: اجتهد رأيي ولو آلو: قال: فضرب رسول اللـه في صدره وقال: «الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللـه لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللـه»[قال ابن الجوزى فى العلل المتناهيةهذا الحديث لا يصح]
هذا الحديث لا ذكر للقياس فيه بوجه من الوجوه، وإنما فيه الرأي، والرأي غير القياس، لأن الرأي إنما هو الحكم بالأصلح والأحوط والأسلم في العاقبة، والقياس هو الحكم بشيء لا نص فيه بمثل الحكم في شيء منصوص عليه، وسواء كان أحوط و اصلح أو لم يكن .
وهكذا القول في قوله : «إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» ليس فيه للقياس أثر، وإنما فيه إباحة الاجتهاد فقط
إجماع الصحابة رضي الله عنهم
الصحابة رضى الله عنهمعشرات ألوف روى الحديث منهم ألف وثلاثمائة ونيف مذكورون بأسمائهم وروى الفقه والفتيا منهم عن نحو مائة ونيِّف وأربعين مسمين بأسمائهم فما منهم أحد روي عنه إباحة القياس، ولا أمر به حاشا حديث واحد واهٍ وساقط. وروي أيضاً نحو عشر قضايا، فيها العمل بما يظن أنه قياس، فإذا حقق لم يصح أنه قياس، منها صحيح السند، ومنها ساقط السند، ويروى عنهم أكثر من ذلك وأصح في إبطال القياس نصّاً.
إجماع الأمة على تقديم أبي بكر إلى الخلافة، وأن ذلك قياس على تقديم النبي له إلى الصلاة
الخلافة ليست علتها علة الصلاة، لأن الصلاة جائز أن يليها المولى والعبد، وأما الخلافة فلا يجوز أن يتولاها، إلا قرشي عالم بالسياسة وإنما الصلاة تبع للإمامة، وليست الإمامة تبعاً للصلاة، فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس الإمامة التي هي أصل، على الصلاة التي هي فرع من فروع الإمامة؟ هذا ما لا يجوز عند أحد من القائلين بالقياس.

كل مشتبهين فوجب أن يحكم لهما بحكم واحد من حيث اشتبها
وهذا تحكم بلا دليل والحقيقة في هذا أن الشيئين إذا اشتبها فهما مستويان استواء واحداً و ليس أحدهما أصل والثاني فرع، ولا أحدهما مردود إلى الآخر، ولا أحدهما أولى بأن يكون قياساً على الآخر، من أن يكون الآخر قياساً كزيد ليس أولى بالآدمية من عمرو، وكذلك الشرائع ليس بر بغداد بأولى بالتحريم في بيع بعضه ببعض متفاضلاً من بر الأندلس، فهذا هو الذي لا شك فيه.
فى القياس يأتوا إلى ما ساوى نوعاً آخر في بعض صفاته فيلحقونه به فيما لم يستو معه، وهذا لا يجوز البتة فقد صح عن رسول الله عليه السلام : «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» وكل مسلم يعلم أنه لا تشابه أقوى من تشابه أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أجمعت الأمة، بلا خلاف، أن لعن المؤمن لا يبيح دم اللاعن كما يبيح القتل دم القاتل، ولا يوجب دية كما يوجب القتل دية فبطل القول بأن الاشتباه بين الشيئين يوجب لهما في الشريعة حكماً واحداً و أيضاً ليس في العالم شيئان أصلاً، بوجه من الوجوه، إلا وهما مشتبهان من بعض الوجوه، فواجب على هذه المقدمة إذا كانت عين ما مما في العالم حراماً، فيكون ما في العالم أوله عن آخره حراماً، قياساً عليه، لأنه يشبهه ولا بد في بعض الوجوه
النصوص لا تستوعب جميع الحوادث
الله تعالى يقول: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَىْئٍ }[الانعام 38] و: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً }[المائدة 3] ، و: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[النحل 44]
قلتُ (كامل)
[جميع الحوادث التي قالوا فيها بالقياس كانت موجودة فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل شاهدها رسول الله عليه السلام تلك الحوادث وعرف حكمها و أخفاه عنا و هل شاهدت الصحابة رضي الله عنهم تلك الحوادث وعرفوا حكمها وأخفوه علينا؟ بالطبع لن يكون الجواب إلا "بلا" فإن شاهدها رسول الله عليه السلام و شاهدتها الصحابة رضي الله عنهم و سكتوا عنها فيلزمنا السكوت مثلهم و تكون في حكم العفو كما أخبرنا رسول الله عليه السلام]
عدم الحاجة إلى القياس
بعث الله عز وجل محمداً رسولاً إلى الإنس والجن، فأول ما دعاهم إليه فقول «لا إله إلا الله» ولم يكن في الدين أحكام فقد كان الدين لا تحريم فيه ولا إيجاب .
ثم أنزل الله تعالى الأحكام ، فما أمر به فهو واجب، وما نهى عنه فهو حرام، ومالم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق، حلال كما كان .
قالوا: لسنا ننكر أن الله تعالى لم يفرط في الكتاب من شيء، ولا أن النبي بين، ولكن النص والبيان ينقسم قسمين:
· أحدهما نص على الشيء باسمه
· والثاني نص عليه بالدلالة، وهذا هو الذي نسميه قياساً، وهو التنبيه على علة الحكم، فحيثما وجدت تلك العلة حكم بها و هذا من جوامع الكلم.
وهذه دعوى بلا دليل فتلك الدلالة لا تخلو من أن تكون:
· موضوعة في اللغة، التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن، لذلك المعنى بعينه. وهذا هو القسم الأول من النص على الشيء باسمه.
· أوغير موضوعة في اللغة لذلك المعنى، فإن كانت كذلك فهذا تلبيس تنزه الله تعالى، ونزه رسوله عنه وهذا إشكال لا بيان فمن يريد أن يعلمنا حكم الصداق مثلا فلا يذكر صداقاً ويدلنا على ذلك بما نقطع فيه اليد أو يريد الجوز فيذكر الملح، أو يريد المخطىء فيذكر المتعمد، وهذا تكليف ما لا يطاق.
وإنما جوامع الكلم أن يأتي إلى المعنى الذي يعبر عنه بألفاظ كثيرة فيبينه بألفاظ مختصرة جامعة يسيرة مثل قول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194] فدخل تحت هذا اللفظ مالو تقصى لَمُلِئَت منه أسفار.
قالوا: لسنا نقول: إنه تنزل نازلة لا توجد في القرآن والسنة، لكنا نقول إنه يوجد حكم بعض النوازل نصّاً وبعضها بالدليل.
قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: إن هذا حق، ولكن إذا كان هذا الدليل الذي تذكرون لا يحتمل إلا وجهاً واحداً فهذا قول صحيح ؛ وأما إن كان ذلك الدليل يحتمل وجهين فصاعداً فهذا ينقسم على قسمين: إما أن يكون هنالك نص آخر بين مراد الله تعالى من ذينك الوجهين فصاعداً بياناً جليّاً أو إجماع كذلك، فهذا حق ، وإما ألا يكون هنالك نص آخر ولا إجماع يبين بأحدهما مراد الله عز وجل من ذلك فهذا إشكال وتلبيس، تعالى الله عن ذلك، ولا يحل لأحد أن ينسب هذا إلى شيء من دين الله تعالى، الذي قد بُيِنَ غاية البيان .
فإن قالوا: إن التشابه بين الأدلة هو أحد الأدلة على مراد الله تعالى.
قيل لهم:هذه دعوى تحتاج إلى دليل والتشابه الموجب للحكم مختلف فيه فالبعض يجعل صفة ما علة لذلك الحكم، والبعض يمنع من ذلك ويأتي بعلة أخرى، وهذا كله تحكم بلا دليل.
وقد صحح البعض العلة بطردها في معلولاتها، وهذا خطأ، لأن الطرد إنما يصح بعد صحة العلة، لأن الطرد إنما هو فرع يوجبه صحة العلة،وذلك نحو طرد الشافعي علة الأكل في الربا، ومنع أبي حنيفة ومالك من ذلك، وطرد أبي حنيفة علة الوزن والكيل، ومنع مالك والشافعي من ذلك، وطرد مالك علة الادخار والأكل، ومنع أبي حنيفة والشافعي من ذلك.
قالوا: فأرونا جميع النوازل منصوصاً عليها.
قال عليه الصلاة و السلام : «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْفَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْوَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»[البخارى كتاب الاعتصام] فصح نصّاً أنما لم يقله النبي صلى الله عليه و سلم
· فليس واجباً،لأنه لم يأمر به
· وليس حراماًلأنه لم ينه عنه
· فبقي ضرورة أنه مباح،
وهناك مسائل كثيرة قد أجمعت الأمة على ترك القياس فيها :
· كقاتل تاب قبل أن يقدر عليه وندم، فلا يسقط عنه القصاص عند أحد، ولم يقيسوا ذلك على محارب تاب قبل أن يقدر عليه فالحد في الحرابة عنه ساقط
· وكذلك اتفقوا على ألا يقاس الغاصب على السارق، وكلاهما أخذ مالاً محرماً عمداً.
فلو كان القياس حقّاً ما جاز الإجماع على تركه.
وإن قالوا: طرد حكم العلة دليل على صحتها.
قيل لهم: طردكم أنتم، أو طرد أهل الإسلام.
فإن قالوا: طرد أهل الإسلام، قيل: هذا إجماع لا خلاف فيه.
وإن قالوا: بل طردنا نحن قيل لهم: ما طردكم أنتم حجة على أحد، فهاتوا برهانكم على صحة دعواكم.
الأحاديث فى إبطال القياس
حدثنا سالم بن عمر قال: إن عمر رأى على رجل من آل عطارد قباء من ديباج أو حرير، فقال لرسول الله عليه السلام: «لو اشتريته» فقال: إنما يلبس هذا من لا خلاق له، فأهدي لرسول الله حلة سيراء فأرسل بها إلي فقلت: أرسلت بها إلي وقد سمعتك قلت فيها ما قلت؟ قال: "إنما بعثت إليك لتستمتع بها". وقال ابن نمير في حديثه: «إنما بعثتها إليك لتنتفع بها، ولم أبعث بها إليك لتلبسها» . وعن ابن عمر قال: «رأى عمر عطارداً اليمني يقيم بالسوق حلة سيراء، فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارداً يقيم في السوق حلة سيراء، فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذ قد مرا عليك؟ فقال رسول الله : «إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ» فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وإلى ابن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة، وقال: اشققها خُمُراً بين نسائك» فذكر أمر عمر، قال: وأما أسامة فراح في حلته، فنظر إليه رسول الله نظراً عرف أن رسول الله قد أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله: ما تنظر إليّ، فأنت بعثت بها إليَّ؟ فقال: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلكِنْ بَعَثْتُ بِهَا لِتُشَقِّقَهَا خُمُراً بَيْنَ نِسَائِكَ»[مسلم كتاب اللباس]
فأنكر رسول الله على عمر تسويته بين الملك والبيع والانتفاع، وبين اللباس المنهي، وأنكر على أسامة تسويته بين الملك واللباس أيضاً، وكل واحد منهما قياس، فأحدهما حرم قياساً، والآخر أحل قياساً، فأنكر القياسين معاً، وهذا هو إبطال القياس نفسه.ولا بد في هذين الحديثين من أحد مذهبين: إما أن يقول قائل: إن النبي إذ نهى عن لباس الحرير، ثم وهبهما حلل الحرير، أن يكون لَبَّسَ عليهما وهذا كفر من قائله، أو أنه عليه السلام بين لهما المحرم من الحرير وهو اللباس المنصوص عليه فقط، وبقي ما لم يذكر على أصل الإباحة، فأخطأ عمر وأسامة رضي الله عنهما إذ قاسا، وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد أن يعتقد غيره.
عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله : «إِنَّ الله فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ لَهَا ــــ رَحْمَةً لَكُمْ ــــ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا»[ذكر السيوطى فى الدر المنثور تصحيح الحاكم له][ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ] " إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا " حَسَّنَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ. وفي حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها [الالبانى فى مشكاة المصابيح (حسن بشاهده) ]
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلَا يَكُونُ فَيَقُولُ لَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ"[مسلم:كِتَاب الْآدَابِ بَاب كَرَاهَةِ التَّسْمِيَةِ بِالْأَسْمَاءِ الْقَبِيحَةِ وَبِنَافِعٍ وَنَحْوِهِ ] فهذا سمرة بن جندب لم يستجز القياس، وأخبر أنه زيادة في السنة، ولم يستجز أن يقول: ومثل هذا يلزم في خيرة وسعد وفرج، فتقول: أثم سعد أثم فرج، أثم خيرة؟ فيقول: لا. هذا وقد نص على السبب المانع من التسمية بالأسماء المذكورة (والتي تسمى بالعلة) وهذا إبطال صحيح للقياس.
عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وذكر الحديث[الحاكم فى المستدرك وصححه]
عن الحسن قال: بينا عمر بن الخطاب يمشي في بعض طرق المدينة، إذ وطىء رجل من القوم عقبه فقطع نعله، فأهوى له ضربة. فقال: يا أمير المؤمنين، لطمتني وظلمتني،فقال: لا والله ما هذا أردت، فألقى إليه الدرة. فقال: دونك فاقتص، فقال بعضهم: اغفرها لأمير المؤمنين، فقال: لا والله ما أريد مغفرتها، لقد كتبت وحفظت، ولكن إن شئت دللتك على خير من ذلك، { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ }[المائدة 5] قال: فإني قد تصدقت، فجاء عمر رقيق فأعطاه خادماً وذكر الحديث. فهذا عمر لم يستجز قياس المغفرة على الصدقة، والعلة عند القائسين واحدة، ولا رأى أن يفارق ظاهر النص.
وأيضاً لم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس( يعني باسمه) فإنه لم يتكلم قط أحد منهم بلا شك ولا من التابعين بلا شك باستخراج علة يكون القياس عليها، ولا بأن القياس لا يصح إلا على جامعة بين الحكمين، فهذا أمر مجمع عليه، ولا شك فيه البتة، وهذا أمر إنما ظهر في القرن الرابع فقط مع ظهور التقليد، وإنما ظهر القياس في التابعين على سبيل الرأي والاحتياط والظن، لا على إيجاب حكم به، ولا أنه حق مقطوع به، ولا كانوا يبيحون كتابته عنهم. وأيضاً هناك مسائل كثيرة جدّاً اتفق جميع المسلمين على ترك جميع وجوه القياس فيها؛ ومسائل كثيرة جاء النص بخلاف القياس فيها ولم نجد قط مسألة جاء النص بالأمر بالقياس فيها ولا مسألة اتفق الناس على الحكم بالقياس فيها. فلو كان القياس حقّاً لما جاز الإجماع على تركه في شيء من المسائل،ولا جاء النص بخلافه البتة.
وأما من براهين العقولفقد أقر القائلين بالقياس، بلا خلاف أنه جائز أن توجد الشريعة كلها أولها عن آخرها نصّاً، وأقروا كلهم، بلا خلاف من أحد منهم، أنه لا يجوز أن توجد الشريعة كلها قياساً البتة.
ويقال أكل قياس حق وصواب؟ أم من القياس خطأ وصواب؟ فإن قالوا: كل قياس في الأرض فهو صواب، أوجبوا المحال وإن قالوا: من القياس خطأ ومنه صواب، قلنا لهم: بأي شيء تعرفون الحق من الباطل في القياس؟
فإذا بطل وجود برهان يصحح الصحيح من القياس ويبطل الباطل منه فقد صح أن ما لا سبيل إلى الفرق بين باطله وبين ما يدعي قوم أنه منه حق، فهو باطل كله.
كيفية إبطال القياس
إن قالوا: لا يكون صداق إلا ما تقطع فيه اليد، لأنه عضو يستباح كعضو يستباح.
قيل لهم: وهلا قسمتموه على استباحة الظهر في جرعة خمر لا تساوي فلساً؟ فهو أيضاً عضو يستباح
فما الذي جعل قياس الفرج على اليد أولى من قياسه على الظهر؟ وهو إلى الظهر أقرب منه إلى اليد، وليس يقطع الفرج كما لا يقطع الظهر؟.و يستطيع أى فقيه أن يسلك ذلك المسلك فى كل قياس.
تناقض أصحاب القياس
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" [مسلم كِتَاب الْحُدُودِ بَاب حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ"[البخاري:كِتَاب الْحُدُودِ بَاب لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ] فلم يردوهما إلى الآية المتفق على ورودها من الله تعالى وهي: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[المائدة: 38] بل غلبوا: «لاَ قَطْعَ إَلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ» وهو نص مختلف في الأخذ به، على الآية وعلى الحديث الآخر.
ثم تناقضوا في حديث أُمَّ الْفَضْلِ رضى الله عنها أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوْ الرَّضْعَتَانِ أَوْ الْمَصَّةُ أَوْ الْمَصَّتَانِ" [مسلم: كِتَاب الرِّضَاعِ بَاب فِي الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَانِ] فتركوه وأخذوا بظاهر الآية، وهذا خلاف ما فعلوا في آية القطع وكلا الحديثين صحيح وكلاهما مختلف فيه مع صحته، فإن عللوا أحدهما بأنه اختلف فيه الرواة فالآخر كذلك ولا فرق.
قيل: إنه يمكن معارضة قياسكم بقياس آخر، فما الذي جعل أحد القياسين أولى من الآخر؟ ولا سبيل إلى وجود قياس لهم أو تعليل لهم تتعذر معارضتهما بقياس آخر أو تعليل آخر.
قالوا:العمل حينئذ في هذا كالعمل في الحديثين المتعارضين.
قيل: هذا باطل لأن النصين أو الحديثين المتعارضين لا بد من جمعهما واستعمالهما معاً، لأن كليهما حق وواجب الطاعة إذا صحّا من طريق السند، ولا يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، فإن تعذر هذا في الحديثين أو الآيتين أو الآية والحديث فالواجب الأخذ بالناسخ أو بالزائد إن لم يأت تاريخ يبين الناسخ منهما، لأن الوارد بالزيادة شريعة من الله تعالى، لا يحل تركها، وليس يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه.
قال بعضهم في النصين المتعارضين: ننظر أشبههما بما اتفق عليه في النصوص فنأخذ به.
قيل:إن كل نصين تعارضا فليس أحد هذين النصين أولى بالطاعة من الآخر، ولا الذي يردون إليه حكم هذين النصين أولى بالطاعة له من كل واحد من هذين، وكل من عند الله تعالى والنص إذا صح فالأخذ به واجب ولا يضره من خالفه، فسقط ما أرادوا في ذلك من رد النصين المتعارضين إلى نص ثالث، ووجب استعمال كل ذلك ما دام يمكن، فإن لم يمكن أخذ بالزائد لأنه شرع متيقن رافع لما قبله، ولم نتيقن أنه رفعه غيره.
قالوا: لا نقيس على فرع.
قيل: لا فرع في الشريعة، وكل ما جاء نصّاً أو إجماعاً فهو أصل، فأين ههنا الفرع؟
قال بعضهم: الحدود والكفارات لا تؤخذ قياساً.
قيل: فما الفرق بينهم وبين من قال بل العبادات وأحكام الفروج لا تؤخذ قياساً، وكل من فرَّق بين شيء من أحكام الله تعالى فهو مخطىء، بل الدين كله لا يحل أن يحكم في شيء منه بقياس، على أنهم قد تناقضوا وقاسوا في البابين (الكفارات و الفروج)، وأوجبوا حد اللوطي قياساً، وأوجبوا كفارات كثيرة قياساً.
هذا آخرُ ما منَّ اللهُ سبحانه و تعلى به و الحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:03 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.