انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-29-2008, 06:47 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر

 

الحد الفاصل بين الإيمان والكفر


الحمد لله حمداً يرضيه، من عبد عاجز عن شكره إذ ما من خير إلا بتوفيق منه وإعانة، وبالتوفيق لحمده تتجدد نعمة جديدة تحتاج إلى شكران.

والصلاة والسلام على إمام الهدى والرحمة، سيد الأولين والآخرين الذي لا يكمل إيمان إنسان إلا بأن يكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين.

وبعد،

فلقد اختلط عند كثير من المسلمين أمر الإيمان بالكفر فأصبح بعضهم يطلق لفظ (الكافر) على من لا يجوز أن يطلق عليه.. وهذا أمر خطير جداً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما] والمعنى أنه إن كان كافراً حقاً فهي شهادة من مسلم بالكفر على من هو كافر حقاً،

وإن كان المسبوب غير ذلك أي لم يكن كافراً فقد رجع الحكم على قائله. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه] رواه مسلم.

وقد رأيت أيضاً من يشهد بالإيمان لأناس ممن ينسبون إلى الإسلام وهم يقولون بألسنتهم، ويعملون ما يشهد عليهم بالكفر ومخالفة جماعة المسلمين. وهذا أيضاً أمر خطير عظيم الشأن لأنه يدخل في أمة الإسلام من ليس منهم، ولأن كثيراً من الفضلاء وطلبة العلم

الشرعي الإسلامي يقعون عن جهل في أمور قد حكم الله في كتابه أن فاعلها كافر، وأنها لا تتأتى من مسلم أبداً، وقد رأيت كثيراً من هؤلاء يقعون في مثل هذه الأعمال، فإذا بينت له بالدليل أن ما فعله يعد كفراً، وأنه يحب أن يتوب منه لله تبارك وتعالى تعجب..

وكثير منهم رجع بحمد الله.
ولذلك فإني قد رأيت من واجبي توضيح هذا الأمر الخطير في رسالة ميسرة سهلة. ألتزم فيها -بحول الله وقوته- الأسلوب العلمي اللائق بعلاج مثل هذه الأمور الخطيرة، وأسأله تعالى أن يجنبني الهوى، ويعصمني الزلل إنه هو السميع العليم.

ولن أعتمد الأساليب العقيمة، والاصطلاحات الكلامية والمجادلات الفلسفية.

فهذه الرسالة لعامة المسلمين الذين يجهلون هذه الأمور الخطيرة والله أسأل التوفيق والسداد.

الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق حفظه الله
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-29-2008, 06:56 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

الفصل الأول

أولاً: مدخل إلى الموضوع


قبل عرض القضايا التي سيتحدد الحكم بعدها لا بد أولاً من فهم مدلول هاتين الكلمتين: الإيمان، والكفر، ثم إرساء القاعدة المعلومة وهي: التفريق بين الكفر والكافر، وذلك أن الكفر قد يصدر قولاً أو فعلاً ممن لا يجوز أن نحكم عليه بالكفر "وسيرى القارئ بحول الله بياناً تاماً لهذه القاعدة بأدلتها.


الإيمان ما هو؟ وما حقيقته؟

لنفهم مدلول كلمة ما -وردت في القرآن أو السنة- لا بد من معرفة لمدلولها العربي أولاً، ثم نتتبع استعمال الشارع لها في أوضاعها المختلفة. ولا يجوز بتاتاً أن نجعل عرف الناس في زمان ما أو مكان ما -غير زمن التشريع- حكماً على اللفظ.

وهذه الكلمة (الإيمان) من الكلمات التي لا يجوز تفسيرها إلا بالمعاني التي أرادها الله، وأرادها الرسول صلى الله عليه وسلم وبهذا يتحدد معناه الشرعي.


إذا تتبعنا وجوه استعمال هذه اللفظة لكتاب الله وجدنا أنها تدور على قطبين أساسيين:

(أ) الأول التصديق.


(ب) الثاني العمل أو الالتزام بالعمل.


فمن أدلة المعنى الأول قول الله لإبراهيم عندما طلب منه أن يريه كيف يحيي الموتى: {قال أو لم تؤمن}؟ {قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة:260)،

وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف الذين جاءوا أباهم عشاء يبكون وقد حملوا معهم قميص أخيهم يوسف ملطخاً بالدم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} (يوسف:17) أي بمصدق خبرنا في أكل الذئب ليوسف.

وكذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون عندما أتاه الغرق وأيقن بالهلاك: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس:90) أي صدقت وأسلمت.

ولا يخفى أن آمن تتعدى إلى مفعولها بحرفي جر الباء واللام. فأقول آمنت بالله أي صدقت بأسمائه وصفاته وأذعنت له وآمنت للرسول الذي يدعونا إليه أي صدقت بخبره الذي يخبر به عن ربه. ومن ذلك قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا} (يوسف:17)

أي بمصدقنا، ومنه أيضاً قوله تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه} (يونس:83) أي ما صدق خبره بالخروج من مصر وإعزاز بني إسرائيل وإهلاك الله لفرعون على يدي موسى إلا شباب وصغار من بني إسرائيل.


وبهذا يظهر الشق الأول لمعنى الإيمان وهو التصديق بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم،

وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أصول ذلك في الحديث الصحيح وذلك عندما سأله جبريل عن الإيمان قال: [أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى] (حديث جبريل المشهور رواه مسلم).



وأما الشق الثاني لمعنى الإيمان فهو العمل نفسه أو الالتزام بالعمل وأعني بالعلم (عمل الإيمان) أي مجموعة الأعمال التي يسمى صاحبها مؤمناً ومجموعة المخالفات التي يسمى تاركها مؤمناً.


فما ورد من القرآن قوله تعالى رداً على من قال من المسلمين: ما شأن إخواننا الذين ماتوا ولم يصلوا إلى الكعبة؟

وذلك بعد أن حولت القبلة إلى الكعبة بعد بيت المقدس قال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم} (البقرة:143).



قال العلماء (إيمانكم) أي صلاتكم، أي وما كان الله ليضيع صلاتكم السابقة إلى بيت المقدس لأنه هو الذي أمركم بها وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [الإيمان بضع وستون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق] (أبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بضع وستون)،

فقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم هنا جميع أعمال الإسلام من الشهادتين إلى أدنى عمل وهو رفع الأذى عن طريق المسلمين إيماناً.


وقد جاءت الآيات الكثيرة جامعة بين المعنيين وذلك في وصف المؤمنين ومن ذلك قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الحجرات:15).


وبهذه الآية يتحدد معنى الإيمان بشقيه فالإيمان هو التصديق بالله ورسوله وعدم الشك في ذلك والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.

ولا شك أن الجهاد يشمل ما دونه من أعمال الإسلام لأن الجهاد هو الذروة من أعمال الإسلام، فلا ينبعث الجهاد في سبيل الله تارك للعمل الواجب كالصلاة والزكاة والحج مثلاً وقول الله {أولئك هم الصادقون}

يوحي بأن هناك من يدعي هذه الدعوى بلا برهان، وهم كاذبون في دعواهم، أو لم يتصوروا حقيقة الإيمان تصوراً صحيحاً وظنوها مجرد إعلان باللسان والآية هذه نازلة في قوم على هذا النحو، وكون هذه الآية بأسلوب الحصر {إنما} يفيد أن من ليس كذلك ليس مؤمناً،

وانظر أيضاً إلى ما يشبه هذه الآية من كتاب الله:


قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} (الأنفال:2-4).


فوجل القلب أي خوفه وخشيته وزيادة الإيمان أي التصديق في القلب وتأكيده، والتوكل على الله. كل هذا استجابة حسية يحسها القلب المؤمن،

ومعنى هذا أن الإيمان ليس مجرد تصديق خامل في القلب وإنما هو تصديق مستجيب حي. ثم يأتي بعد ذلك إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهما عملان من أعمال الإيمان ويعقب الله على هذا بقوله: {أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم}

والآية قد جاءت هنا أيضاً بأسلوب الحصر {إنما المؤمنون} ثم عقب الله بقوله: {أولئك هم المؤمنون حقاً} ليفيد بأن هناك إيماناً غير حق، إيماناً باطلاً، وستعلم أن هذا الإيمان الباطل. إما أن يكون دعوى بلا دليل عليها، أو أنه التصديق بخرافة ووهم.



وبهذا نفهم أن الإيمان في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم له معنيان:


الأول: هو تصديق خبر الله تعالى وإخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.


الثاني: هو الالتزام بالأوامر التي أمر الله بها هؤلاء المصدقين.


وهنا سنصل إلى هذا السؤال: هل يجوز أن نحكم بالإيمان لمن صدق بقلبه فقط، ولم يلتزم بالعمل؟ وبمعنى آخر هل يكون مؤمناً ناجياً من شهد أن لا إله إلا الله بقلبه، ولكنه لم يعمل ما أمره الله به؟ ولم ينته عما نهاه الله تعالى عنه؟

والجواب على ذلك يتضح -إن شاء الله- بما يلي:


إن الفصل بين عقيدة القلب (تصديقه) وبين الإذعان، والتسليم لأمر الله وفعل ما يطلبه سبحانه من المؤمن، فصل لتقريب هذه الدراسة من الفهم،

وليس له في الواقع حدوث ولا ظل

فإنه لا يتصور عقلاً وجود إنسان ما يسمع كلام الله يقول له: أي عبدي إن هناك يوم قيامة، فيه سأحاسبك على أعمالك فإن أحسنت أدخلتك الجنة، وإن أسأت أدخلتك النار، ثم يقول رداً على ذلك: أي رب إن أصدق كلامك، وأؤمن بما تقول،

ولكني أعتذر عن العمل بأوامرك لأنني كسول.. وقد أوضح هذه المسألة الإمام ابن القيم -رحمه الله- حيث يقول: لا يعقل إيمان رجل يعلم وجوب الصلاة، ويسمع نداء الله تبارك وتعالى كل يوم وليلة من حياته يناديه: حي على الصلاة، وهو لا يستجيب لهذا النداء مرة واحدة في حياته
..

ولقد كنت أضرب مثلاً لإخواني على هذه الحقيقة فأقول لهم:



- يا إخوة! أرأيتم لو أن قائلاً قال لنا ونحن جلوس الآن إن هذا المكان تحيط به النار وإن لم تفروا الآن لحقت بكم وأهلكتكم أيبقى منا أحد -يصدق هذا الخبر-

إلا بادر بالخروج والهرب؟؟

أو يعقل أن ترى بيننا إنساناً يقول لذلك النذير يا أخ لقد سمعنا مقالتك وفهمنا تحذيرك، ولكنني أعتذر عن القيام من مكاني لأنني كسلان!.. إذا وجد شخص بهذا الطراز فإنما هو مجنون أو مكذب بالخبر، ويستحيل أن يوجد عاقل يصدق هذا الخبر، ويرد هذا الرد.



إن إيمان القلب وامتثال الجوارح، أعني الإذعان والمسارعة إلى فعل المأمور به قضية واحدة لا انفصال لها،

فإن وجد الإيمان في القلب فإن صاحب هذا الإيمان سيبادر فوراً إلى العمل والإمتثال، وهذا دليل عقلي واضح لا يماري بعده مقلد أعماه التقليد، أو جاحد أو جاهل.


هذا وهناك أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم يفهم منها للنظر البادئ أن إيمان القلب وتصديقه يؤهل لدخول الجنة بعد عذاب في النار لا يعلم أمده إلا الله، وأنه لا يخلد في النار خلوداً أبدياً كخلود الكفار المكذبين، وسأعرض لهذه الأحاديث في ختام هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.


والمهم هنا هو إثبات أن تارك العمل مستحق للدخول في النار، وهو من جملة المعاقبين قطعاً، وأما مسألة الخلود فمسألة أخرى حقيقتها ثانوية، وقد كان لسوء فهمها من جمهور المسلمين الأثر الأكبر في خروج طوائف كثيرة منهم من حقيقة الإيمان إلى الكفر وهم لا يشعرون.


فناقش أخي المسلم نفسك: هل أنت حقاً مؤمن بالله؟؟ فإن كنت لا تؤدي ما فرض الله عليك فراجع إيمانك.. وسل نفسك دائماً هل أنت مؤمن بالجنة حقاً؟ فإن كنت مؤمناً فلماذا تقعد عن طلبها؟ وهل أنت مؤمن بالنار حقاً؟ فإن كنت مؤمناً فلماذا تذهب بأقدامك إليها؟

وهل أنت بعد ذلك مؤمن بالله الواحد الأحد.. فلم لا تسعى إلى مرضاته؟ لم لا تحبه؟ لم لا تطيعه؟.


واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أرادها من الناس كلمة لا امتثال بها لسارع الناس إلى ذلك ولكنه أراد ما بعد الكلمة من أمثال ولذلك أخذ العهود من الأنصار على النصرة، ومن المهاجرين على بذل المال وعلى الهجرة ومنها على الموت في سبيل الله. وأنه ما وعد كل أولئك إلا الجنة بعد كل هذا العمل والجهاد..

فهل يظن بعض ضعاف النفوس أن تكون بعدها عناء في ركعات وسجدات، ولا يخرج من ماله قرش في سبيل الله، ولا يقول لله كلمة حق، ويزعم بعد ذلك أن الجنة من نصيبه. هيهات.. هيهات.. الإيمان عقيدة والتزام، تصديق وعمل. وليس هناك إيمان بغير هذا.


موضوع الإيمان وشرطه:


عرفنا أن الإيمان تصديق وعمل، وأنهما لا ينفكان، فإذا وجد التصديق وجد العمل، وإذا انتفى التصديق انتفى العمل، فما مضمون هذا التصديق؟ وما موضوعه؟ ما الأخبار التي يجب على المؤمن التصديق بها؟


هذا التصديق يشمل جميع ما أخبره به الله سبحانه وتعالى من أمور الغيب وكذلك ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن كذب الله في جزء واحد مما أخبر به فقد نقض إيمانه وسيأتي بيان هذا -إن شاء الله تعالى- في مناقضات الإيمان. ولكن ليدخل المؤمن باب الإيمان لا بد وأن يعتقد بأصول لازمة تتضمنها هذه الكلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

فما هذه الأصول اللازمة؟


(أ) أن يعتقد أن خالق هذا الكون ومسير أموره إله واحد أحد حي قدير يتصف بصفات الكمال والجلال ويتنزه عن كل صفات النقص والعيب، وأنه لم يشاركه أحد وليس له صاحبة ولا ولد وإن كان ما سواه فهو عبد مقهور مربوب له سواء كان ملكاً أو رسولاً، أو جنياً أو أي شيء آخر.


(ب) أن يعتقد أنه لم يخلق هذا الكون سدى ولا عبثاً -لأنه تنزه عن اللعب والعبث- وإنما خلقه لغاية وهذه الغاية هي قيام المؤمنين لربهم بالعبادة والطاعة، وأن الكافرين الذين لم يذعنوا لربهم ولم يؤمنوا به ملعونون مطرودون من رحمته.


(ج) أن يعتقد أن من حق الله تعالى أن ينظم ويشرع لخلقه لأنه هو الخالق الموجد، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} (الأعراف:54) فما دام أن الخلق له فيجب أن يكون الأمر له. فالتشريع في جميع صوره حق لله تعالى والتعقيب على حكمه بالإلغاء أو الإبطال كفر به ونقض للإيمان السابق.


(د) أن يعبد الله وحده بما شرعه سبحانه من عبادات، ويدعوه ويرجوه وحده، وأن لا يتخذ في دعائه -بينه وبين الله- واسطة لأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه. ويقبل التائبين ويحب المستغفرين. ومن اتخذ إلى الله واسطة ميتة يدعوها من دون الله فقد أشرك مهما كانت منزلة هذه الواسطة.


(هـ) أن يصدق بالبعث والجنة والنار وبكل ما قص الله من أخبار سالفة أو آتية دون الرجوع في ذلك إلى عقله وقياسه فما وافق عقله قبله وما خالفه رده لأن هذا نقض للإيمان.


وذلك أن أعمال العقل في شأن الإيمان يكون أولاً بالتعرف على صدق الرسول فيما يخبر به عن ربه فنحن نفتش عن الرسالة ونستقصي خبرها حتى نعلم يقيناً أن الرسول صادق فإن آمنا بصدقه أخذنا أخباره الغيبية بعد ذلك دون ردها إلى عقولنا ومفهومنا لأن العقل لا يفهم إلا الواقع المشاهد، ويستبعد غير المألوف المعتاد وإلا فما هي المعقولية والقياس بالنسبة للصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف،

ومع ذلك يمر المؤمنون عليه كالبرق وكالطرف وأجاويد الخيل والركاب.. وما المعقولية في أن يدفن رجلان في قبر واحد فيكون أحدهما في روضة من رياض الجنة والآخر في حفرة من حفر النار؟!


هذه أصول عقيدة الإسلام الذي لا يعتد بإيمانه أحد يخالف أصلاً منها، وهذا هو المضمون لشهادة أن لا إله إلا الله، والذي يجب على كل مسلم التصديق به.

وبهذا نكون قد عرفنا مضمون الشطر الأول من معاني الإيمان وهو التصديق.

فما مضمون العمل؟ هل يجب الالتزام بكل أوامر الله تبارك وتعالى وأوامر رسوله؟ أم بالبعض دون البعض؟ وما نوع البعض الذي فيه الالتزام؟ وللجواب على هذه الأسئلة لا بد من بيان أمور:



يتبع لأستكمال البحث بإذن الله



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-29-2008, 07:39 PM
أبومالك أبومالك غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

ماشاء الله
معاك لآخر البحث إن شاء الله
( فضلاً سيُنقل لقسم العقيدة )
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-29-2008, 07:50 PM
القيم القيم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

ما شاء الله العلى العظيم
تبارك الله
متابع ان شاء الله تعالى
وفقكم الله ..ويسر لكم
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-22-2009, 06:03 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

ماشاء الله

نرجو تكملة المبحث لأهميته

متابعون معك ان شاء الله

نفع الله بك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-29-2009, 08:34 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

أولاً‏:

في كل عبادة عملية جانبان من الامتثال‏:‏

الجانب الأول هو الجانب الاعتقادي، والثاني هو التنفيذ أو الامتثال، ومثال ذلك القتال‏:‏ يجب اعتقاد فرضيته على كل مسلم، ثم يجب تنفيذه إذا تعين على كل فرد معين أو جماعة معينة وذلك بشروط معروفة في كتب الحديث والفقه‏.‏

ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من مات ولم يغز، أو يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من نفاق‏]‏ ‏(‏مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد‏)‏‏.‏

فتحديث النفس هو الجانب الاعتقادي ومعناه التهيئة النفسية اللازمة‏.‏ فيجب على كل مسلم اعتقاد وجوب القتال على مجموع الأمة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القتال وهو كره لكم‏}‏ الآية ‏(‏البقرة‏:‏216‏)‏ والقيام به عند تعيين ذلك‏.‏

وليس هذا في شأن القتال وحده بل في كل أمر واجب فإنه يجب على كل مسلم اعتقاد وجوبه أولاً ثم أداؤه عملياً إذا لم يحل بينه وببينه عذر أو ضرورة شرعية‏.‏

وهذا الجانب الاعتقادي نفيه ‏(‏كفر‏)‏ وهو ما يسميه العلماء ‏(‏الجحود‏)‏ يقولون‏:‏ من جحد وجوب الحج كفر‏.‏ أي من لم يؤمن أن الله فرض عليه الحج عند الاستطاعة فهو كافر‏.‏

ثانياً‏:‏

والجانب الثاني هو التنفيذ وهو أداء العمل ذاته، ويفرق العلماء بين ترك الجانب العملي ‏(‏التنفيذ‏)‏ كسلاً وبخلاً أو بعذر ما غير مقبول شرعاً كمن يترك الصوم تكاسلاً عن تحمل مشقته ويترك الحج بخلاً ويترك القتال في سبيل الله المفروض عليه خوفاً وجبناً، يفرقون بين هذا وبين ترك العمل الواجب جحوداً ونكراناً، فيعدون الأول عاصياً والثاني كافراً‏.‏

ولكن هناك عبادة واحدة فقط اختلف علماء المسلمين في تركها كسلاً، فقال قوم من أهل الحديث وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تاركها كسلاً كافر أيضاً للأحاديث المشهورة المعلومة في كفر تارك الصلاة كقوله ‏[‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر‏]‏ ‏(‏رواه الإمام أحمد وأهل السنن‏.‏ وقال الترمذي حديث صحيح إسناده، على شرط مسلم‏)‏ والحديث الآخر ‏[‏بين المرء وبين الكفر ترك الصلاة‏]‏ ‏(‏رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي‏)‏ ‏(‏وللآثار عن السلف‏)‏ كنا لا نعد عملاً من الأعمال تاركها متكاسلاً أو محتجاً بأعذار غير شرعية - وليس في ترك الصلاة كلية عذر شرعي يقولون عنه مسلم عاص، ولا فرق بين ترك الصلاة الواجبة وترك غيرها من الأعمال الواجبة، ويؤولون الأحاديث السالفة بأن المقصود تاركها جحوداً أو أنه كفر أقل من الكفر المخرج من ملة الإسلام فهو كفر معصية فقط‏.‏

والحق الذي لا غبار عليه في هذه المسألة -إن شاء الله- أن تاركها كلية لا يتصور أن يكون من جماعة المؤمنين وسيفهم هذا من يفهم معنى الإيمان السابق بشقيه وأنه عقيدة وعمل،

وقد ذكرت ما أورده العلامة ابن القيم رحمه الله في هذا الصدد، إذ كيف نعتبر مؤمناً بالله وبالجنة وبالنار من يسمع هذه القوارع تقرعه بالكفر والعذاب وهو لا يستجيب لذلك‏.‏ ويعتذر عن الامتثال بمجرد أنه كسلان يستحيل عقلاً أن يكون أمثال هؤلاء من المؤمنين‏.‏

هذا وبقية العلماء والأئمة لا يمانعون في كفر تارك الصلاة تبعاً للنص ولكنهم يأبون أن يسوى بالكفر مطلقاً الجاحد للتوحيد ويرون أيضاً أن كفره يستحق عليه دخول النار ولكنه لا يخلد فيهاً أبداً خلود الكافر‏.‏

وعلى كل حال فإن عامة الناس وجهالهم الذين تركوا الصلاة متكلين على مجرد الاعتقاد بوجوبها إن فحصوا إيمانهم واختبروه ورجعوا إلى أنفسهم علموا أنهم لا يملكون من الإيمان شيئاً، وأنهم مغرورون بأماني كاذبة تشبه أماني اليهود والنصارى في دخول الجنة بمجرد الانتساب إلى الدين، ويجعل عذاب الله -إن لحقهم، وهو فرض ضعيف عندهم- إنما هو لأيام معدودة فوالله ما أشبه هذا بقول الله تعالى عن اليهود، ‏{‏وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون‏} ‏(‏البقرة‏:‏80‏)‏‏.‏

وسيبقى الخلاف محصوراً -بشأن تارك الصلاة- في الخلود في النار أو عدمه، والمسلم الذي يعول على مثل ذلك ساقط ضعيف إذ دخول النار وحده كاف ولو لدقيقة من الزمن بل عذاب الموقف وحده وهو خمسين ألف سنة كأيام الدنيا شيء عظيم وحده يجب أن يفر المؤمن منه‏.

ولعل من أعظم أدلة كفر تارك الصلاة وبقائه في النار زماناً لا يعلمه إلا الله، هو أنه لم يرد له في الموقف عقوبة مطهرة كما جاء لتارك الزكاة مثلاً‏.‏

وخلاصة هذا الأمر أن العمل -بوجه عام- من لوازم الإيمان لأنه نصف معناه، ويجب اعتقاد وجوب العمل الواجب واستحباب المستحب، وتحريم الحرام وهكذا‏.‏‏.‏‏.‏ ثم فعل الواجب وترك الحرام، وقد اتفق العلماء على أنه لا يكفر من ترك عملاً من أعمال الإسلام إلا الصلاة، فقد قال يكفر بتركها كفراً مخرجاً من الملة الإمام أحمد ومن تابعه وطائفة أخرى من العلماء والسلف‏.‏

وبعد هذا البيان بشأن العمل الواجب سيكون الأمر واضحاً بشأن العمل المحرم، فاعتقاد تحريمه واجب ويكفر من اعتقد بحلية الخمر والزنا والسرقة والقتل وهكذا سائر المحرمات المعلومة والمنصوص عليها في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏
فمن أحل شيئاً من ذلك أو استحله لنفسه فهو كافر بإجماع المسلمين وليس لهذا مخالف، ولا شك أن المطالبة بتحليل ما حرم الله كفر مخرج من الملة لأنه في حقيقته محاربة لدين الله وحرب له، وتسفيه لقانون الله ونظامه وشريعته‏.‏

وهذا هو سر كفر مستحل الحرام إذ هو في حقيقته معترض على تشريع الله، والاعتراض لا يصدر إلا عن مستصغر لأمر الله وهذا فيه نسبة النقص إلى الله وهو الكفر‏.‏

ومن فهم هذا الأصل عرف لماذا طرد الله إبليس من رحمته ولعنه بمجرد أن قال لله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏أأسجد لمن خلقت طيناً‏}‏‏؟‏‏.‏‏.‏ ‏(‏الإسراء‏:‏61‏)‏ لأن في هذا القول استصغاراً لأمر الله‏.‏

واعتراضاً على حكمته فكل من قال وماذا في الخمر حتى يحرمها الله‏؟‏‏.‏‏.‏ أو قال‏:‏ إن الزنا عملية طبيعية لا دخل للأخلاق والدين والتقاليد فيها فهو كافر كفر إبليس عليه لعنة الله وغضبه‏.

وهذا الأمر نفسه ينصرف إلى من أمره الله بعمل واجب فقال لا أفعل ولا أذعن لأمر الله فما هذه الصلاة‏؟‏ وما الزكاة‏؟‏‏.‏‏.‏ بل إن مثال إبليس ألصق بها لأن إبليس كان مأموراً بواجب ولم يكن منهياً عن حرام‏.‏

والأمر أن مستويان، فإن حصل جحود الواجب وإنكاره فهو كفر، وإذا حصل فعل الحرام واستحلاله فهو كفر وليس لهذا الأمر مخالف في علماء المسلمين والحمد لله رب العالمين‏.‏

هذا ولم يختلف علماء المسلمين في عدم تخليد فاعل معصية في النار إلا في قتل النفس المؤمنة ولم يطلق أحد من العلماء الكفر على فاعل ذلك وقولهم بالخلود في النار إنما كان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏93‏)‏‏.‏
ولقد قال بعض علماء السلف بذلك والبعض يقول‏:‏ أنه خلود لا تأبيد معه أي مكث طويل يخرج بعده من النار جمعاً للآية والآيات الأخرى والأحاديث التي تبين أنه لا يخلد في النار إلا الكفار فقط، وأن من قال لا إله إلا الله فإنه تنفعه يوماً من عمره‏.‏

فإذا عرفنا أن الجانب الاعتقادي لازم لكل مسلم في مسائل العمل، وأعني بالجانب الاعتقادي ما أوضحته آنفاً وذلك كاعتقاد وجوب الصلاة، والزكاة والحج والقتال، وتحريم القتل إلا بالحق، والزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه ليس مسلماً من خالف هذا الاعتقاد‏.‏ بقي علينا أن نفهم كنه هذا الاعتقاد وأثره في النفس‏.‏

أما هذا الاعتقاد فمعناه بالنسبة للصلاة مثلاً‏:‏ أن يصدق بأن الله فرض عليه خمس صلوات في اليوم والليلة وأن لا يجحد ذلك لا بقلبه ولا بلسانه، فإن لم يصدق أو جحد فقد كفر وهذا أمر لا خلاف فيه بين علماء المسلمين والحمد لله رب العالمين‏.

فلنأت إلى أثر هذا في النفس إذا تصورنا مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويعتقد بوجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، ويسمع الوعيد الشديد والتهديد العظيم على من فرط في ذلك‏.‏‏.‏ ألا يورث ذلك فيه سمعاً وطاعة، اللهم نعم‏.‏‏.‏

من قال بغير ذلك فقد أخطأ، هب أنه تكاسل وغلبته أهواؤه يوماً ألا يورث ذلك في قلبه حسرة وألماً، ألا يتحرك قلبه خوفاً أن يكون مشمولاً مع جملة المعذبين الذين توعدهم الله بترك الصلاة‏؟‏ اللهم نعم‏.‏‏.‏ فإن لم يتحرك قلبه حسرة ولا ندم ولا بخوف من عقوبة، فكيف يسمى هذا مؤمناً بالله‏؟‏‏؟‏‏.‏‏.‏ وهنا قد شهدنا له هذه الشهادة الجائرة وهو يصر على ترك الصلاة طيلة حياته حتى يلقى ربه الذي يؤمن به‏.‏‏.‏

فليراجع إيمانه رجل لا يؤدي الصلاة‏.‏ وليتق الله مؤمن يشهد بالإيمان لرجل يحكم رسول الله بكفره‏.‏ ويشهد الله بالعذاب له، ويشهد كل عقل سليم أنه لا يجتمع الإيمان بالله ومعصيته المطلقة في قلب رجل أبداً‏.‏

وهذا الجانب الاعتقادي سيكون واضحاً أيضاً إن شاء الله في شأن المعصية، فأول أمر يجب على المسلم تجاه المعصية أن يعتقد بحرمتها عليه‏.‏ فاعتقاد حرمة الزنا واجب ومن لم يصدق ربه في ذلك وكابره واستحل ما حرم فقد كفر‏.‏ وهذا التصديق يوجب الحذر والخوف من مقاربة الإثم وفعل المعصية، فإن غلبت الشهوة والطبيعة والهوى فسقط المؤمن وعصى، فلا نقول كفر وإنما عصى ولكن استحق العقاب وعرض نفسه لسخط الله فإن كان مؤمناً بذلك تألم وخاف‏.‏ فإن لم يحصل خوف ولا تألم، ولا تذكر بعقوبة الله فقد كفر، ويستحيل عقلاً أن تتصور مؤمناً يشرب الخمر أو يزني أو يفعل معصية ما تحت ظرف من الظروف ثم يمر الظرف، ويعود إلى الصواب والرشد، ولا يرد على قلبه سحابة من خوف الله ولا ألم مما جنت يداه، ولا خوف أن يسأل عن ذلك غداً أمام مالك يوم الدين‏.‏ بل يمر في معصيته غير عابيء بشيء، ولا مهتم لأمر‏.‏‏.‏ حاشا وكلا أن يكون هذا من جملة المؤمنين‏.‏

ولقد وصف الله الإنسان الكافر بهذا الوصف فقال‏:‏ ‏{‏لا أقسم بيوم القيامة *ولا أقسم بالنفس اللوامة *أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه‏؟‏ *بلى قادرين على أن نسوي بنانه *بل يريد الإنسان ليفجر أمامه *يسأل أيان يوم القيامة‏}‏ ‏(‏القيامة‏:‏1-6‏)‏‏.‏

فالإنسان الذي ‏{‏يفجر أمامه‏}‏ أي يلوي في فجوره غير عابيء بشيء هو المكذب بيوم القيامة ‏{‏يسأل أيان يوم القيامة‏}‏‏؟‏ أي يستبعد وقوع ذلك وما حمله على الانطلاق في المعصية إلا الكفر بيوم القيامة، فكيف يكون مؤمناً من ينطلق من معاصيه ولا يهتم يوماً ما بأنه مسؤول عما جنت يداه‏؟‏‏.‏‏.‏
ومع ذلك فلا نحكم بكفر على مرتكب المعصية ولا المداوم عليها، لأن الندم الذي نشترطه له حتى يكون مؤمناً لا يطلع عليه إلا عالم السرائر، ولكننا نقول لفاعل المعصية والمداوم عليها‏:‏ إن لم تندم على فعلتك ولم يتحرك قلبك خوفاً من جريمتك فراجع إيمانك، فإن كنت مؤمناً فلا بد أن تخاف العقوبة وإن كنت غير ذلك فلن تهتم لها ولن تأبه أخالفت أمر ربك أم لم تخالف‏.‏

هذا الذي قدمت هو مضمون الإيمان ولازمه، فالعمل من لوازم الإيمان وهذا قول عامة السلف لهذه الأمة وأما الذين قالوا ‏(‏لا يستلزم الإيمان العمل ولا يضر معه معصية‏)‏، فهم المرجئة الخلفيون الذين جعلوا الإيمان حقيقة مجردة لا واقع لها في الحياة ولا ظل له فيها، ولا أثر له في النفس، وقولهم ظاهر السقوط والبطلان فالفصل بين الإيمان بالله والانصياع لأمره والرضا بحكمه هو في حقيقته فصل بين متلازمين، وما أشبه قولهم بمن يقول‏:‏ ‏(‏الدين علاقة بين الإنسان وربه‏)‏ يريدون بذلك فصل الدين عن واقع الحياة وإصلاح النفوس وهذا القول نفسه هو قول القائل ‏(‏الدين لله والوطن للجميع‏)‏ يريدون بذلك ترك أمر تنظيم المجتمع حسب شريعة الله وعقيدة الإسلام‏.‏

أقول هذه الأقوال جميعها تجتمع عند غاية واحدة، وإن اختلف قائلوها شكلاً وموضوعاً وهي إفلات المجتمع وحياة الناس من عقيدة الإسلام وشريعته وهذا أمر خطير جداً‏.‏ فلينظر الداعون إلى الله أي منهج يسلكون‏؟‏ وأي عقيدة يحملون‏؟‏
ويبقى في هذا الفصل من هذه الرسالة الإجابة على هذا السؤال، وما مقدار العمل الواجب واللازم لإظهار حقيقة الإيمان‏؟‏

التعديل الأخير تم بواسطة الوليد المصري ; 01-29-2009 الساعة 08:38 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 01-29-2009, 08:40 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

ولن نستطيع أن نذكر مقداراً محدداً للعمل اللازم وكمية منصوصاً عليها وذلك أن العمل الواجب يختلف باختلاف الظروف والأحوال والأشخاص، والضرورات الشرعية‏.‏ فمقدار العمل الواجب المسموح به للمؤمن في مجتمع ما يختلف قدراً وكيفية عنه في مجتمع آخر، ومقدار الضرورة التي تبيح المحظور تختلف مع الشخص في حالة عن حالة، فهل يجوز أن نلزم مسلماً يعيش في مجتمع كافر يحارب الإسلام أن يظهر إسلامه ويعلنه ويؤدي الشعائر في أوقاتها وقد يتعرض في سبيل ذلك إلى الطرد والإبعاد والحرمان من دراسته‏.‏ وهل يكون هذا الحكم، أعين السماح لهذا الشخص بإخفاء عقيدته وإيمانه هو الحكم لشخص آخر يعيش بين كفار لا يعادون الإسلام ولا يتعرضون لم يخالفهم في دينهم وعقيدتهم‏.‏
إن مقدار العمل اللازم للإيمان سيحدده الظرف والمجتمع وحكم المؤمنين المخلصين الذين يقبل الله شهادتهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏143‏)‏‏.‏
وقد أخبر الرسول أن هذه الأمة شهادتها عند الله مقبولة، فقد حملت جنازة فأثنى عليها المؤمنون خيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وجبت‏.‏‏.‏ قالوا‏:‏ ما وجبت يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ حملت جنازة فأثنيتم عليها خيراً فقلت وجبت أي الجنة، وحملت جنازة فأثنيتم عليها شراً فقلت وجبت أي النار أنتم شهداء الله في أرضه‏]‏ ‏(‏البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم‏)‏‏.‏
وهذا الحديث بالطبع لا يقتضي الحكم بالكفر والإيمان كحكم نهائي لأن التقييم الأخير إنما هو لله سبحانه وتعالى العليم بالسرائر، ولكنه شاهد على أن العمل الظاهر غالباً ما يدل على الاعتقاد الباطن، ولذلك صوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بشهادة المؤمنين‏.‏

ولن يستطيع مجموع المؤمنين في مجتمع ما تكفير رجل لا يؤدي شيئاً من الشعائر إلا إذا أعرب لسانه أنه ترك هذا استنكافاً لأمر الله عز وجل وعلواً عليه، وحتى الصلاة التي لا يعتد بإيمان رجل لا يؤديها لوقتها فإن تكفير تاركها مرتبط دائماً بإقامة الحجة عليه وذلك لا يكون إلا بعد علمه بالآيات والأحاديث في شأن تارك الصلاة‏.‏
وخلاصة هذا الأمر أننا لا نملك كمية محددة من الأعمال يلزم بها من يقول لا إله إلا الله ويكفر تاركها وذلك كما قلت لاختلاف الظروف والمجتمعات اختلافاً بيناً في زماننا ولكن هناك حكم المؤمنين المخلصين في كل مجتمع على أنفسهم وعلى غيرهم، وهذا الحكم مقبول عند الله بوجه عام، ولا يجوز أن يحكم على شخص تارك للعمل بمقتضى لا إله إلا الله إلا بأن يعرب لسانه أنه ما ترك العمل إلا استنكافاً لأمر الله وعلواً عليه‏.‏



وعل كل هناك قضيتان لا بد من الفصل بينهما‏.‏
‏(‏أ‏)‏ القضية الأولى‏:‏ قضية حقيقة الإيمان والكفر‏.‏
‏(‏ب‏)‏ والقضية الثانية‏:‏ تطبيق هذه القضية أعني الحكم على شخص ما أو مجموعة ما بالكفر، والحكم لشخص ما أو مجموعة ما بالإيمان، ونحن ما زلنا بصدد القضية الأولى وهي بيان حقيقة الإيمان وحقيقة الكفر، وأما القضية الثانية فلها شروط وآداب وحيثيات سنتعرض لها في فصل آخر من فصول الرسالة‏.‏

والمهم هنا إثبات أن العمل من شروط الإيمان، وأن تحديد الكمية غير وارد لما بينت آنفاً‏.‏ ولا يقدح هذا في اشتراط العمل‏.‏



يتبع مع الفصل الثاني
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 01-29-2009, 09:32 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

ماشاء الله

بارك الله فيك

ونفع بك

متابعون
ان شاء الله
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-19-2009, 05:42 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي


للرفع .
ولي عودة إن شاء الله للقراءة المتأنية .
باركَ الله فيك ياوليد .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 09:15 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.