Untitled-2
 

 
 
 
العودة   منتديات الحور العين > .:: المجتمع المسلم ::. > رَوْضَــــةُ الأَخَــــوَاتِ > دروس غـرفة الأخوات
 
 

دروس غـرفة الأخوات يُدرج فيه دروس " العقيدة - الحديث - التفسير - التجويد - اللغة العربية " كتابة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-09-2010, 07:14 PM
أم أيمن أم أيمن غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




Ramadhan05 تفريغ المحاضرة الثامنة / تفسير سورة الفاتحة

 




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهدية ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ …( آل عمران )
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً … ( النساء)




( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ( 70 ) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ( 71 )..
  • أمابعد... ... فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهديْ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ , وشرَّ الأمورِ محدثاتُها , وكلَّ محدثَةٍ بدعةٌ , وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ , وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ .
  • )الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: { الرحمن } صفة للفظ الجلالة أي ذو الرحمة الواسعة ؛ و{ الرحيم } صفة أخرى؛ أي ذو الرحمة الواصلة؛ )كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ(
  • قال القرطبيُّ رحمه الله : في قوله تعالى) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(تخويف و ترهيب لأن الرب : السيد , المطاع، الملك . ففي لفظ الرب ترهيب و تخويف , فأتبعه بذكر هذين الاسمين , (الرحمن الرحيم كما قال تعالى)نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 49وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ( الحجر50.وقوله تعالى () إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (، فالرب فيه ترهيب، والرحمن الرحيم ترغيب.)وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (الرعد6 وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد ) .


  • لماذا قدم سبحانه الرحمن على الرحيم؟

  • قدم صيغة الرحمن والتي هي الصفة المتجددة وفيها الامتلاء بالرحمة لابعد حدودها لان الانسان في طبيعته عجول وكثيرا ما يؤثر الانسان الشيئ الآتي السريع وان قل على الشيئ الذي سيأتي لاحقا وان كثر )بل تحبون العاجلة ( لذا جاء سبحانه بالصفة المتجددة ورحمته قريبة ومتجددة وحادثة اليه ولا تنفك لان رحمته ثابتة. ووقوع كلمة الرحيم بعد كلمة الرب يدلنا على أن الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا وفيها اشارة الى ان المربي يجب ان يتحلى بالرحمة وتكون من ابرز صفاته وليست القسوة والرب بكل معانيه ينبغي ان يتصف بالرحمة سواء كان مربيا او سيدا او قيما وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.
  • من فوائد الآية)الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (
  • 1- إثبات هذين الاسمين الكريمين . { الرحمن الرحيم } لله عزّ وجلّ؛ وإثبات ما تضمناه من الرحمة التي هي الوصف، ومن الرحمة التي هي الفعل..










  • 2 - ومنها: أن ربوبية الله عزّ وجلّ مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة.



  • ) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (
  • { مالك يوم الدين } صفة لـ{ الله } وهو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أن يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات, وأصناف الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة.
  • فالملك الحقيقي لله وحده لايشركه فيه أحد ، فالمخلوقات لا تملك شيئاً ، وقد أنكر تعالى على المشركين الذين عبدوا هذه المخلوقات التي هي مثلهم في الضعف والعبودية لله وأنها لا تملك من السماوات والأرض شيئاً ولا مثقال ذرة ولا تنفع أحداً ولا تضره .قال تعالى )وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (النحل 73
  • وقال سبحانه ) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( .سبأ 22
  • وقال تعالى ) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير( فاطر 35









  • يَوْمِ الدِّينِ وهو يوم القيامة,الله عز وجل هو المالك ليوم الدين وغيره من الأيام لكنه سبحان خص هذا اليوم بالذكر لأنه يوم يدان الناس فيه بأعمالهم, خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم, يظهر للخلق تمام الظهور, كمال ملكه وعدله وحكمته, وانقطاع أملاك الخلائق. حتى إنه يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد والأحرار. كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته, منتظرون لمجازاته, راجون ثوابه, خائفون من عقابه.
  • § و الدِّينِ في القرآن يطلق على معنيين :
  • الأول : بمعنى الجزاء كما في هذه الآية ، يعني أنه سبحانه وتعالى مالك لذلك اليوم الذي يجازى فيه الخلائق؛ فلا مالك غيره في ذلك اليوم؛ )قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ( الصافات53 لمدينون أي : مجزيون , فالدين معناه الجزاء.
  • ) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( أي : مالك يوم الجزاء.
  • )وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَاأَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاًوَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (الانفطار19 .
  • وكما قال تعالى (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ) سورة النور آية 25) .
  • والثاني يراد به العمل، كما في قوله تعالى: ) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( [الكافرون: 6] ، و كما يقال: "كما تدين تدان"، أي كما تعمل تُجازى.. .
  • و الله سبحانه و تعالى مالك الملك في الدنيا و في الآخرة , مالك الملك يومينفخ في الصور وقبل أن ينفخ في الصور )قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ(الأنعام73, و لكن خصَّ ملكه بيوم الدين لأنه في ذلكاليوم لا تملك نفس شيئا.
  • ) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ(الأنعام94
  • و لذلك يطوي الله السماوات بيمينه , و يأخذالأراضين بيده الأخرى , و يقول :(أنا الملك , أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار) .وفي الدنيا مَلَّك الله تبارك و تعالى عباده بعض مُلكه , فالملك في الحقيقة لمن ؟ لله عز و جل .و العبد يملك مما مَلَّكَكه الله عز و جل , ولذلك قال القائل
  • و ما المالُ و الأهلونَإلا ودائعُ ........... و لابدَّ يوما أنْ تُرَدَّ الودائعُ
  • )مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (وقد كان النبي عليه الصلاة و السلام يقرؤها)مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ(
  • قال العلماء : أيهما أبلغ ؟ أيُّ القراءتين أبلغ ؟مالكب الألف , أوملك بغير الألف ؟
  • و الراجح أن ملك أبلغ من مالك ؛ لأن كلَّ ملكٍ مالكٌ , و ليس كلُّ مالكٍملكا .






    بمعنى : مادام هو ملك , إذن عنده الملك , لكن ليس كل مالك يمكن أن يكون ملكا.



  • فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور ، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله
  • وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة ، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي ، لأن من الخلق من يكون ملكاً ، ولكن ليس بمالك ، يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء ، ومن الناس من يكون مالكاً ولا يكون ملكاً كعامة الناس ، ولكن الرب جل وعلا مالك ملك.






    إذن قراءة مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ أبلغ من قراءةمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .






  • فمالك يوم الدين : الله تبارك و تعالى هو مالك الملك , يوم الدين وقبل يوم الدين .



    كما قال تعالى ) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ(آلعمران26

    وقال عز وجل) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ و مَافِيهِنَّ( المائدة من الآية 120

    وقال) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ(يس83


    فعلى قراءة)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ( فالله هو مالك الملك كله.




  • و على قراءة القصر)مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ( ملك بلا ألف , فالله تبارك و تعالى هو الملك)هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ (الحشر23
  • و قال تعالى : )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ(2(سورةالنَّاس
  • لم قال يوم الدين ولم يقل يوم القيامة؟
  • الدين بمعنى الجزاء وهو يشمل جميع انواع القيامة من اولها الى آخرها ويشمل الجزاء والحساب والطاعة والقهر وكلها من معاني الدين وكلمة الدين انسب للفظ رب العالمين وانسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو انسب من يوم القيامة لان القيامة فيها اشياء لا تتعلق بالجزاء اما الدين فمعناه الجزاء وكل معانيه تتعلق بالمكلفين لان الكلام من اوله لآخره عن المكلفين لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.
  • لماذا قال مالك يوم؟
  • واليوم لا يملك انما ما فيه يملك والسبب لقصد العموم ومالك اليوم هو ملك لكل ما فيه وكل من فيه فهو اوسع وهو ملكية كل ما يجري وما يحدث في اليوم وكل ما فيه ومن فيه فهي اضافة عامة شاملة جمع فيها ما في ذلك اليوم ومن فيه واحداثه وكل ما فيه من باب الملكية (بكسر الميم) والملكية (بضم الميم) .
  • واليوم في كلام العرب هو النهار فإذا قالوا ثلاثة أيام يعني ثلاثة نهارات ومنه قوله تعالى )سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما(
  • فوائد الآية )مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(
  • 1 - من فوائد الآية: إثبات ملك الله عزّ وجلّ، وملكوته يوم الدين؛ لأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات، والملوك..ويظهر ملك الله وملكوته وسلطانه في ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: )لمن الملك اليوم ([غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى: ) لله الواحد القهار ( [غافر: 16] ؛ في الدنيا يظهر ملوك؛ بل يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم؛ فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات، والأرض؛ يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسهم..










  • 2- تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحـد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى :



    () يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا (.

  • 3- ومن فوائد الآية: إثبات البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى: ) مالك يوم الدين (.



  • .4 ومنها: حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون.



  • )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(
  • أنزل الله تعالى من الكتب ( 104) وجمع هذه الكتب كلها في 3 كتب (الزبور، التوراة والانجيل) ثم جمع هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع القرآن في الفاتحة وجمعت الفاتحة في الآية )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(
  • قَاَلَ الحَسَن البَصْرِي رَحِمَهُ الله : (( أنزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِئَةَ كتابٍ وأربعةَ كتبٍ ،جَمَعَ عِلْمَهَا فَي الأرْبَعَةِ ، وَجَمَعَ عِلْمَ الأرْبَعَةِ في القرآنِ الكريمِ ، وجَمَعَ عِلْمَ القرآنِ الكريمِ في حزبِ المُفَصَّلِ ، وجَمَعَ عِلْمَ حِزْبِ المُفَصَّلِ في سُورَةِ الفاتِحَةِ ، وجَمَعَ عِلْمَ سورةِ الفاتحةِ في قولِ الله تعالى فيها : )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(
  • فهذه الآية تَضَمَّنَتْ أسْرَارَ الكُتُبِ المئةِ والأرْبَعَةِ التي أنزلها الله تبارك وتعالى , فمن تحقق بهذه الآية علماً وعملاً وحالاً, فقد عَمِلَ بِكُلِّ ما أنزل الله من كتاب .
  • نلاحظ هنا الالتفاتِ في السياق , قال تعالى)بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4.






    هذا السياق اسمه غيبة . التفت السياق من الغيبة إلى الخطاب فقال )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(






  • وكأن المصلي في الصلاة بعد ما أثنى على الله عز و جل بما هوأهله , فقال)الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4استحضر أنه بين يدي الله , فتوجه إليه بالخطاب قائلا)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(
  • فتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب؛ لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(
  • وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك، وهو قادر عليه، كما جاء في الصحيحين، عن عبادة بن الصامت أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"
  • )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة. لأن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور, ونفيه عما عداه. قوله تعالى: { إياك نعبد }{ إياك }: مفعول به مقدم؛ وعامله: { نعبد }؛ وقُدِّم على عامله لإفادة الحصر؛ ؛ فكأنه يقول: لا نعبد إلا إياك ,نعبدك, ولا نعبد غيركتَبرّؤٌ مِن الشِّرك, فلا نعبد ولا نذل ولا نخشع ولا نخضع ولانستكين ولا ننقاد ولا نستسلم إلا لك يارب, ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك. و{ نعبد } أي نتذلل لك أكمل ذلّ؛ نعبدك بالخوف، نعبدك بالرجاء، نعبدك بالتوكل عليك، نعبدك بالدعاء لك، نعبدك بالتوبة وبالإنابة، ونعبدك بالاستعانة، ونعبدك بالتعوذ بك، ونعبدك بجميع أنواع العبادات. ولهذا نجد المؤمنين يضعون أشرف ما في أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عزّ وجلّ: يسجد المؤمن على التراب؛ تمتلئ جبهته من التراب . كل هذا ذلاً لله.










  • قال ابن كثير : أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة, والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين ، فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل .
  • قال الشيخ السعدي : أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة .
  • قال ابن القيم : وكثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ( إياك نعبد ) تدفع الرياء ( وإياك نستعين ) تدفع الكبرياء ، ثم قال ابن القيم : فدواء الرياء ( إياك نعبد ) ودواء الكبر بـ( إياك نستعين ) .
  • و تقديم المعمول على العامل : (إياك نعبد) , لم يقل (نعبدك) لإفادة الحصر و القصر ؛ أي : نعبدُك وحدك يا رب , فلا نخضع , ولا نذل , ولا نستكين , و لانخشع إلا لك يا الله.






    و لانستعين إلا بك يا الله . ف(إياك نعبد ) , تبَرُّؤٌ من الشرك, لا نشرك بعبادتك أحدا, (و إياك نستعين)على عبادتِك فإنه لا حوْل لنا ولا قوة إلا بك ؛لا حِيلَة لأحد ولا تَحوُّل لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله , إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ , على عبادتك وعلى أمورنا كلِّها , ما كان منها للدنيا وللآخرة , فإن من صفاتنا العَجز ومن صفات ربنا القدرة , ومن صفاتنا الضعف , ومن صفات ربنا القوة. ولا قُدرةَ لأحد على إقامة طاعة الله ,والثبات عليها إلا بتوفيق الله ,هذا معنى " لاحول ولا قوة إلا بالله "




    ولذلك كانت لاحول ولاقوة إلا بالله كَنْزاً مِن كنوز الجنة , كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال " قاَل لي رَسُولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم ألا أَدُلُّك على كَنْز من كنوز الجنة , قلت : بلى يا رسول الله قال : لا حول ولا قوة إلا بالله "




    تَبَرُّؤٌ من الحول و القوة, فإنه لا حول و لا قوة إلابالله . لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة. والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين.



    وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( فالأول تبرؤ من الشرك،والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل.









  • وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: ) فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( [هود: 123] ) قُلْ هُوَالرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ( [الملك: 29] ) رَبَّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ( [المزمل: 9]، وكذلك هذه الآية الكريمة )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( .
  • و"العبادة" اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة وهي الغاية من خلْق الخلق ,كما قال الله تعالى)وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( الذاريات56






    وبها أرسل الله الرسل ,كما قال تعالى)وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رّسُولاً أَن اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ....(النحل من الآية36 والطاغوت : هو كل ما عُبد من دون الله برضاه , وقال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ الأنبياء:25




    وَمِنْ أجْلِ هذِهِ العبادةِ خَلَقَ اللهُ الجنّةَ والنّارَ ، خَلَقَ اللهُ الجنّةَ للعَابدِينَ وخَلَقَ النّارَ للمُسْتكْبرِينَ ,قال تعالى)وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْلَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر60




    وقال تعالى : ) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًالِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّاالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( 173 سورة لنساء











  • وهذِهِ العِبَادَةُ لها ثلاثةُ أرْكَان هي : المَحَبَّةُ و الرّجَاءُو الخَوف
  • وقَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ الآيَاتُ الثّلاَثُ السْابِقَةُ






    )الحَمْدُ للهِ رَبِالعَالَمِين (2) الرَّحْمَنِ الرَّحَيم (3) مَالِك يومِ الدِّين (




    الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين: تدل على المحبة فهو سبحانه وتعالى رب العالمين , الذي ربَّاهم بآلائه ونِعمه , ونعم الله تبارك وتعالى لا تعد ولا تحصى , وكل مُنعم محسن , وكل محسن محبوب .




    والرَّحْمَنِ الرَّحَيم: اسمان يدلان على الرجاء ؛ لأنه لم يكتفِ بتسمية نفسه باسمٍ واحد , حتى سمَّى نفسه بهذين الاسمين اللذين يدلان على سعة رحمته , فهو الرحمن الرحيم فلذلك يُرجى وتُرجى رحمته .



    مَالِك يومِ الدِّين :وهو مالك يوم الدين , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها كما قلنا : ملك يوم الدين , والملك له من الهيبة والسطوة ما يُخشى ويُخاف ويُحذر .









  • إياك نعبد : أي : نعبدك يا ربي بهذه الأركان الثلاثة ؛ بالمحبة, والرجاء , والخوف .



    فمن عَبَد الله تبارك وتعالى بالمحبة وحدها فهو زنديق ، لأن ادعاء المحبة , يستلزم موافقة المحب لمحبوبه في كل ما يحبه ويرضاه, كما أن من لوازم المحبة , أن يحب المحب مايحبه محبوبه من الأقوال والأعمال والأشخاص, وأن يُبْغِض ما يبغضه محبوبه من الأقوالوالأعمال والأشخاص .

    ولذلك قال الحسن : ( ادَّعى قومٌ محبة الله تعالى , فابتلاهم الله بهذه الآية )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران من الآية 31

    فادِّعَاءُ المحَبَةِ مِنْ غَيرِ طاعَةٍ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالى , ومِنْ غَيرِ اِتِّباعٍ لرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم, دَعْوى كاذبة ,كما قال القائل

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه ....... هذا وربك في القياس شنيع
    إن كنت صادقا في حبه لأطعته ....... إن المحب لمن يحب مطيع
    فلابُدَّ مَعَ المحَبَة مِنْ الخُضُوعِ والانقيادِ والذلِّ والاستسلامِ .

    ومن عبده بالرجاء وحده دون الخوف فهو مرجيء, فالذي عبد الله بالرجاء دون الخوف قد لا يطيعه , ولا يتَّبِع رسوله صلى الله عليه وسلم ,بل يخالف أمره وأمررسوله , وهو مع ذلك قويُّ الرجاء في رحمة الله , آمِنٌ من مكر الله تبارك وتعالى ,والله سبحانه وتعالى ) يقول أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ( سورة النحل الآية45




  • وقال سبحانهوتعالى) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(الأعراف 99



    ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري ,والذين يعبدون الله تعالى بالخوف وحده , هم الخوارج الذين غلب عليهم جانب الخوف , ولذلك حكموا على مرتكب الكبيرة بالخلود في النار, غلّبوا جانب التخويف والترهيب .فهذا الذي يغلب خوفه رجاءه يُخشى عليه أن يقع في اليأس من رحمة الله والله سبحانه وتعالى يقول)إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ( يوسف : منالآية87

    فلا يجوز أنيُعبد الله بالحب وحده ولا بالرجاء وحده ولا بالخوف وحده ,وإنما يعبد الله بالمحبة والرجاء والخوف. ومن عبده بالمحبة والرجاء والخوف , فهو المؤمن الموحِّد .

    وللِعِباَدَةِ أصْلان هما:

    1- ألا يُعبد إلا الله.(الإخلاص)

    2- وألا يُعبد اللهُ إلابما ما شَرعَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.(المتابعة)




  • فإنما تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود بها وجه الله فبهذين الأمرين تكون عبادة,قال الله تبارك وتعالى)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ( الملك الآية 2



    قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : أحسن عملا , يعني .أخلصَهُ وأصوبَهُ ؛ فلايكون العمل مقبولا حتى يكون خالصا وصوابا , فإن كان خالصا و ليس بصوابٍ , لم يُقبل ، وإن كان صوابا وليس بخالصٍ , لم يُقبل حتى يكون خالصا وصوابا .

    قيل يا أبا علي : ما الخالص وما الصواب ؟ قال : الخالص ما ابتُغي بهوجهُ الله سبحانه وتعالى , والصوابُ ما وافق هَدْيَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .

    وقد دلََّ على هذين الأصلين , الكتاب والسنة؛ قال الله تبارك وتعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110) الكهف

    فالنهي عن الشرك أمر بضده وهو الإخلاص , والعمل الصالح هو ما وافق السنة .
    وقد جاء الأمر صراحة بالأمر بالإخلاص والاتباع في القرآن الكريم ,وعلى لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .أما الإخلاص , فقد قال الله تعالى فيه)فاعبد الله مخلصا له الدين (2) ألا لله الدين الخالص ....( [ الزمر من الآيتين2 - 3 ]
    وأما الاتباع , فقد قال الله تعالى)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ...(آل عمران من الآية 31 وفي السُّنَّة , قال عليه الصلاة والسلام في الإخلاص :
    (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)
    وفي المتابعة وموافقة السنة , قال صلى الله عليه وسلم) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد( وفي رواية (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
    فأركان العبادة : الحب , والرجاء , والخوف . و أصلاها: الإخلاص , والمتابعة ؛ألا يُعبد إلا الله ,وألا يُعبد الله إلا بما ما شُرِع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    ولذلك نصح العلماء كل من همَّ بأمر أن يقف عند همِّه , وأن يسأل نفسه سؤالين : لم , وكيف ؟لم تفعل ؟ والثاني كيف تفعل ؟ فإن كان الجواب الأول : لله , وجواب الثاني : على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قلنا له : فإذا عزمت فتوكل على الله .
    وأما إذا كان جواب الأول : للناس قلنا : له أَرِح نفسك من عناء عملٍ ستعمله للناس ، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا .
    وقد قال تعالى في الحديث القدسي) أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك , من عمِل عملا أشرك فيه معي غيري , تركتُه وشركَهُ(.
    وإن كان جواب الأول : لمتفعل ؟ لله , أتقرب إلى الله . وكيف تعمل ؟ قال : مثلما يفعل الناس وهل نخالف الناس ؟ نقول له : أرح نفسك من عناء عمل تخالف فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قال :( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد(
    والعبودية , أفضل لقب يلقب به إنسان ، أشرف الألقاب التي يلقب به الإنسان لقب عبد الله ؛ولذلك لقب الله رسوله وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بلقب العبودية في أشرف المقامات :
    لقبه به في مقام التنزيل فقال)الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا(الكهف الآية 1
    ولقبه به في مقام الدعوة فقال)وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا(الجنالآية 19
    ولقَّبه به في مقام التحدي فقال)وَإِن كُُنتُم فِي رَيْبٍ مِّمَا نَزلْنَا عَلَى عبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُُنتُمْ صَادِقِينَ(البقرة الآية 23
    ولقبه به في مقام الإسراء فقال)تعالى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى(الإسراء من الآية 1
    وفي حديث الشفاعة ,أن كل نبيٍ يرد أهل الموقف إلى من بعده ، يردهم آدم إلى نوح , ويردهم نوح إلى إبراهيم , ويردهم إبراهيم إلى موسى , ويردهم موسى إلى عيسى ,
    فإذا أتوا عيسى وسألوه الشفاعة قال : لست لها لست لها , ولكن اذهبوا إلى محمدٍ , عبدٍ قد غفر الله له ما تقدم ذنبه وما تأخر .
    فأفضل لقب وأشرف لقب يطلق على إنسان هو لقب عبد الله ،ولذلك كانت أحب الأسماء إلى الله : عبد الله , وعبد الرحمن .
    وكُلُّ مُسْلِمٍ عبد لله بهذِهِ العُبوديةِ أَنْ يَفْخَرَ كَمَا قَاَلَ بَعَضُ عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ :
    ومِمَا زَادَنِي شَرَفَا ًوتِيهَاً وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أطَأُ الثُّريَّا
    دخُولِي تحَتَ قولِك ياعِبَادِي وَأَنْ صَيَّرَتَ أحمدَ لِي نَبيَّا
    فالحَمُدُ للهِ الذي مَنَّ عَلَينَا بالتحَرُّرِ مِنْ عُبُودِيةِ ما سِوَاهُ , وجَعَلنَا عِبَاداً للهِ .

    الحمدُ للهِ عَلى ذَلِك , وكفى بِذَلِكَ نِعْمَة




ما سر تقديم { إياك نعبد } على { إياك نستعين } ؟




قدم ( إياك نعبد)على { وإياك نستعين }؛ وتقديم العبادة على الاستعانة, من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده. و تقديم الغايات على الوسائل ، إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها ، والاستعانة وسيلة لها العبادة هي علة خلق الانس والجن ) وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ( (الذاريات 56) والاستعانة انما هي وسيلة للعبادة فالعبادة اولى بالتقديم.
  • العبادة هي حق الله ,والاستعانة هي مطلب من مطالبه أي الاستعانة طلب منه , والعبادة طلب له .وحق الله اولى من مطالبه.
  • ولأن العبادة له هي المقصودة، والاستعانة وسيلة إليها،والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم، والله أعلم ,ولاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي.
  • ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص ، والاستعانة تكون من مخلص وغير مخلص .
  • والعبودية تنقسم إلى قسمين :
  • عبودية عامة : وهي عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، قال تعالى إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً .
  • عبودية خاصة : وهي التي أصحابها ذللوا أنفسهم لله تعالى واستكانوا لأوامره ، قال تعالى : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي .... ](صّ: 45)
  • "العبادة" تتضمن فعل كل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه؛ لأن من لم يكن كذلك فليس بعابد: لو لم يفعل المأمور به لم يكن عابداً حقاً؛ ولو لم يترك المنهي عنه لم يكن عابداً حقاً؛ العبد: هو الذي يوافق المعبود في مراده الشرعي؛ فـ "العبادة" تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أُمر به، وأن يترك كل ما نُهي عنه؛ ولا يمكن أن يكون قيامه هذا بغير معونة الله؛ ولهذا قال تعالى: { ) وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(} أي لا نستعين إلا إياك على العبادة، وغيرها؛ و "الاستعانة" طلب العون؛ والله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة، والاستعانة، أو التوكل في مواطن عدة في القرآن الكريم؛ لأنه لا قيام بالعبادة على الوجه الأكمل إلا بمعونة الله، والتفويض إليه، والتوكل عليه.
  • . و "الاستعانة" هي طلب العون من الله -تعالى- على أية قربة، وعلى أية عبادة يتقرب بها العبد إلى الله -تعالى- والاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك. فمن لم يستعن بالله لم يعنه؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) يقول الله -تعالى- )وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ( المستعان به في كل الحالات، ومن لم يعنه الله فإنه عاجز، فيطلب العبد من ربه أن يعينه؛ يا رب أعني على عبادتك، أعني وساعدني وقوني عليها؛ فإذا لم تعني فإني عاجز لا قوة لي على العبادة إلا بإعانتك يا رب، إياك نستعين إذا عبدناك، فأعنا على ذلك، وقونا عليه.
  • والقيام بعبادة الله والاستعانة بهما هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور. فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.






    ومن وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم , أنه قال لمعاذ بن جبل يوماً: " يا معاذ والله إني لأحبك فلاتدعنَّ دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " .




    هذه المعاني حين تستقر في قلب المؤمن , تُطهِّر قلبه من الكبرياء , وتحول بينه وبين المنِّ بالأعمال أو رؤيتها والإعجاب بها ؛ لأنه حين يبرأ مِنْ حولِه وقوته , إلى حول الله تعالى وقوته , يعلم أن الفضل كله بيد الله .




    ولذلك كان مما رفع الصحابة به أصواتهم وهم يحفرون الخندق قولهم : ( والنبي يقول معهم اللهم لولا أنت ما اهتدينا ......... ولا تصدقنا ولا صلينا



    وحكى الله تبارك وتعالى عن أهل الجنة أنهم قالوا)الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله ..(" من الآية 43 الأعراف .


    ولذلك قال أهل العلم في معنى قول من يسمع المؤذن يؤذن فإذا قال : حي على الصلاة حي على الفلاح قال من سمعه :لا حول ولا قوة إلا بالله .كأنه يقول أيها المؤذن دعوتني إلى الصلاة ولا حول لي ولا قوة إلا بالله , فإن لم يعنِّي ربي على إجابة دعوتك ما أجبتك. فحين يتبرؤُ العبد دائما من حوله وقوته ,إلى حول الله وقوته , لا يرى لنفسه فضلاً ولا جميلاً أبداً .









الاستعانة أنواع؟


  • 1- النوع الأول :الأستعانة بالله ,استعانة تفويض؛ متضمنة كمال الذل من العبد لربه بمعنى أن العبد يعتمد على الله عزّ وجلّ، ويتبرأ من حوله، وقوته؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ.فلا تكون هذه الأستعانة إلا لله تعالى ودليلها )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(وقوله صلى الله عليه وسلم( واذا استعنت فاستعن بالله). وصرفها لغير الله تعالى شركا مخرجا من الملة.
  • 2- الأستعانة بمخلوق على أمر يقدر عليه . بمعنى المشاركة فيما يريد العبد أن يقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ وهذه على حسب المستعان عليه فإن كانت على بر فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين لقوله تعالى )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى( [المائدة: 2 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة"؟










  • وإن كانت على اثم فهي حرام على المستعين والمعين لقوله تعالى)وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(.
  • وإن كانت على مباح فهي جائزة للمستعين والمعين لكن المعين قد يثاب على ذلك ثواب الأحسان الى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة لقوله تعالى )وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (
  • 3- الأستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر وهذه لغو لاطائل تحتها مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل .
  • 4- الأستعانة بالأموات كما لو استعان بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئاً؛ فكيف يعينه!!! أو بالأحياء على أمر غائب لايقدرون على مباشرته وهذا يعتبر شرك لأنه لايقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفا خفيا في الكون.










  • 5- الأستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة الى الله تعالى وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله )وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ(.
  • ويفضل عدم الأستعانة بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم العبد أن صاحبه الذي يستعين به يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك.
  • لماذا كررت اياك مع فعل الاستعانة ولم يقل اياك نعبد ونستعين؟
  • التكرار يفيد التنصيص على حصر المستعان به لو اقتصرنا على ضمير واحد (اياك نعبد ونستعين) لم يعني المستعان انما عني المعبود فقط ولو اقتصرنا على ضمير واحد لفهم من ذلك انه لا يتقرب اليه الا بالجمع بين العبادة والاستعانة بمعنى انه لا يعبد بدون استعانة ولا يستعان به بدون عبادة. يفهم من الاستعانة مع العبادة مجموعة تربط الاستعانة بالعبادة وهذا غير وارد وانما هو سبحانه نعبده على وجه الاستقلال ونستعين به على وجه الاستقلال وقد يجتمعان لذا وجب التكرار في الضمير اياك نعبد واياك نستعين. التكرار توكيد في اللغة، في التكرار من القوة والتوكيد للاستعانة فيما ليس في الحذف.
  • لماذا قرن العبادة بالاستعانة؟
  • اولاً ليدل على ان الانسان لا يستطيع ان يقوم بعبادة الله الا بإعانة الله له وتوفيقه فهو اذن شعار واعلان ان الانسان لا يستطيع ان يعمل شيئاً الا بعون الله وهو اقرار بعجز الانسان عن القيام بالعبادات وعن حمل الامانة الثقيلة اذا لم يعنه الله تعالى على ذلك، الاستعانة بالله علاج لغرور الانسان وكبريائه عن الاستعانة بالله واعتراف الانسان بضعفه.
  • من فوائد الآية )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(










  • 1- إخلاص العبادة لله؛ لقوله تعالى: { إياك نعبد } وجه الإخلاص: تقديم المعمول..



  • .2 ومنها: إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { وإياك نستعين }، حيث قدم المفعول..



  • نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا ونعوذ به من علم لا ينفع، ربنا زدنا علماً نافعاً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



  • سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ان لااله إلاأنت نستغفرك ونتوب اليك
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-09-2010, 11:33 PM
ليااال ليااال غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي




جزاك الله خيرا ونصركم الله وأعزكم
أشهد الله أني أحبك في الله

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
/, المحاضرة, الثامنة, الفاتحة, تفريغ, تفسير, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator


الساعة الآن 02:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.