حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه :
حتى : تفيد الغاية ، يعنى إلى أن يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه
المحبة هى المحبة ولا تُفسر بلفظ آخر خير من ذلك اللفظ
لأخيه : المسلم – المؤمن
ما يُحب لنفسه : من الخير ودفع الشر والدفاع عن العِرض وغير ذلك ، وهذا يشمل جميع الأعمال الصالحة من المعتقدات والأفعال والأقوال ، يعنى يشمل أن يُحب لأخيه أن يكون مُعتقده صحيحاً ، ويعنى أن يحب لأخيه أن يكون مُصلياً ، وأن يحب لأخيه أن يكون حسن اللسان ، ويحب لأخيه أن يكون ذو سعةً فى المال ، وذو وجاهة ... وهكذا فى سائر المعتقدات والأقوال والأعمال ، فمحبة الخير لأخيه تشمل أمور الدين والدنيا ..
ومن العلماء من فرّق بين أُمور الدين وأُمور الدنيا فقال :
-أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من أمور الدين ( فهذه محبة واجبة ) يعنى يجب عليه أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه ، وهذا هو الذى يُنفى عنه كمال الإيمان فى الحديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) يعنى من أُمور الدين التى يُرغب بها الشارع وأمر بها أمر إيجاب ، وكذلك المنهيات : فيُحب لأخيه أن ينتهي عن المحرمات ، ويُحب لأخيه أن يأتى الواجبات ..
-أما فى أُمور الدنيا : فهذه محبة مستحبة يعنى لو فرّط فيه لم يُنفى عنه كمال الإيمان الواجب
فوائد من الحديث :
1)جواز نفى الشئ لإنتفاء الكمال ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحب لنفسه ) ، ومثله : قول النبى صلى الله عليه وسلم : لا صلاة بحضرة طعام ( أى : لا صلاة كاملة ، لأن هذا الذى يُصلى سينشغل قلبه بالطعام .... والأمثلة كثيرة
2)وجوب محبة المرء لأخيه ما يُحب لنفسه ، لأن نفى الإيمان عمن لا يُحب لأخيه ما يحب لنفسـه دليل على وجوب ذلك ، إذ لا يُنفى الإيمان إلا بفوات واجبٍ فيه أو لوجود ما يُنافيه .
3)فى هذا الحديث : التحذير من الحسد ، لأن الحاسد لا يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه ، بل يحب أن يُزيل الله النعمة عن أخيه . وقد قال بعض العلماء فى تفسير معنى الحسد :
-الحسد : تمني زوال نعمة الله على الغير
-وقال بعضهم : الحسد هو كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمنى الزوال ( وهذا إختيار شيخ الإسلام بن تيمية )
4)أنه ينبغى صياغة الكلام بما يحملُ على العمل به ، ونأخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم ( لأخيه ) ، لأن هذا يقتضى العطف والحنان والرقة والمحبة
وقد يرى البعض أن مسألة ( حب الإنسان لأخيه ما يُحب لنفسه ) مسألة صعبة ، فقد يصعب ذلك على الكثيرين ، ولكن نقول : هذا لا يصعُب إذا مرّنتَ نفسكَ عليه ، ولا تُطع نفسك فى هواها .
ولو قال تلميذ من التلاميذ : أنا أحب زميلي وسوف أُعطيه إجابة الإمتحان لأنى أحب أن أنجح وأحب أن ينجح هو أيضاً
نقول : هذا غلط وحرام لأنه ( غش ) وهو فى الحقيقة ليس محبة لأخيك بل هو إساءة إليه ، لأنك إذا عوّدته الخيانة إعتاد عليها ، فأنت بذلك تساعده على الإثم والعدوان وليس على البر والتقوى ، ستساعده أن يحصل على شهادة لم يكن من حقه الحصول عليها
هذا والله أعلى وأعلم .. وصلى اللهم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .. والحمد لله رب العالمين