عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-03-2011, 05:05 AM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي انفجار الجرح .. بقلم / مهاجر

 

وانفجر الجرح داميا هذه المرة ، بعد أن نجح النظام في ذكاء شرير في شق صفوف معارضة هي من البداية منشقة ، ولو فكريا ، فليس ثم رأس جامع ولو تحت راية علمانية ، فضلا عن أن تكون شرعية ، فليس ثم إلا رءوس قد قفزت فجأة بمختلف أطيافها الفكرية لتقطف ثمرة حركة شعبية لم يكن لها يد في حدوثها بل قد تأخر كثير منها عن التأييد ابتداء فلما بدأت الثمرة في التولد سارع الجميع إلى التأييد بل والقيادة ! ، ثم بدأ بعضهم في التراجع الآن فخطاب النظام بالأمس مقنع جدا ! ، ولا زال البعض متمسكا لا سيما مع تأييد واشنطن الواضح وضغطها على النظام وعلى المؤسسة العسكرية لتضغط بدورها ، فيبدو أنها قد باعت النظام وانتهى الأمر توطئة لنظام ليبرالي جديد يضمن لشعوب المنطقة قدرا معقولا من الحرية الفكرية على ما فيها من تجاوز فهو يفتح الباب لكل صوت ولو على خلاف الشرع فقيمة الحرية المطلقة قيمة مقدسة في الفكر الغربي ، ويضمن لها في نفس الوقت تمام الهيمنة على مصر تحديدا لثقلها وحساسية موقعها بالنسبة إلى كيان يهود المحرك الرئيس للسياسة الأمريكية ، وهكذا تتلون الأقوال بتلون الظروف ، فتقوى أصوات وتضعف أخرى ، وتظل ثالثة متربصة حتى حين لتنضم إلى الرابح من هذا النزال المرير ، فكل يريد تحقيق مآربه ، ولو على أشلاء ودماء الموحدين الذين اندفعوا في تلقائية وسلامة نية للدفاع عن حقوق إنسانية مشروعة ، كلنا يفتقدها ، فلا يمكن توجيه اللوم إليهم بالنظر بعين القدر والكون ، ولكن ذلك لا يعني إغفال النظر بعين الوحي والشرع فلم تخرج الجماهير ، على ما فيها من خير ظاهر خلافا لما يحاول النظام ترويجه من وصفهم بأنهم حفنة من الهمج والمخربين بل واللصوص والبلطجية حتى أعطى ذلك انطباعا كما قال بعض الفضلا من الدعاة على شاشة العربية بأن شعب مصر المسلم المعروف بتدينه الشديد ما هو إلا شوية حرامية استغلت الفتنة لتنهب الممتلكات العامة والخاصة ، ومع ذلك لم تخرج تلك الجماهير غضبة لدينها الذي انتهك مرارا ، ولم تخرج لنصرة مسلم مضطهد في الجوار القريب أو البعيد ، وإنما خرجت لتلبية مطالب مشروعة بل وضرورية لكل إنسان فالحرية معنى تتوق إليه النفوس لا سيما في ظل ما نعانيه من قهر وظلم وفساد بلغ حدا لا يمكن السكوت عليه شرعا وعقلا وقل ما شئت من معايير الحكم ، ولكنها مع ذلك ، وبمقتضى سنة الرب ، جل وعلا ، في الأمة الخاتمة لا يمكن أن تكون محركا رئيسا لطاقات الموحدين ، فلم يخرجهم الرب ، جل وعلا ، ليعقدوا ألوية الولاء والبراء ابتداء لحاجاتهم الدنيوية ، ولو ضرورية ، فذلك محل ثان لا أول ، فأول محال الولاء والبراء في قلوب الموحدين : دين رب العالمين ، جل وعلا ، وقد انتهكت حرماته في كل بلاد المسلمين تقريبا ، من لدن سقوط الخلافة الجامعة وظهور العلمانية السافرة ، ولم يتحرك له أحد تحرك الجماهير الغاضبة في الثورتين الأخيرتين ، فالمنظور الشرعي قد غاب ابتداء وانتهاء ، مع التنويه بالخير الظاهر في المحتجين ، كما تقدم ، ولكن الأمر لم يصل إلى حد الإعداد الجيد بالتزام السنة الشرعية في التغيير ، وملاحظة السنة الكونية التي تقضي بالتباين في الأحكام فرعا على التباين في الأوصاف ، فنقل تجربة الثورة الأولى التي أغرى نجاحها السريع ، جموع المحتجين في مصر ، لينقلوها بحذافيرها ، مع اختلاف الظرف ، فلمصر من الخصوصية ما يباين غيرها ، وللنظام فيها خبرة أكبر في إدارة مثل هذه الأزمات ، فقد أحكم سيطرته على المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار ، بإذن الرب ، جل وعلا ، كالجيش الذي وقف محايدا ، ولو في الظاهر ! ، فقد تواردت الأنباء ، والله أعلم بالحقيقة ، أنه قد أفسح ممرات لتلك الجموع القادمة على ظهور الخيل والجمال مسلحة بالسياط والسيوف إلى ميدان التحرير ، ومع ذلك يدعي أحد المسئولين بأنها تخص بعض المحتجين فقد جاءوا للتظاهر على ظهورها ولعلهم لم يجدوا وسيلة نقل أخرى ! ، فالنظام قد خرج من قلب هذه المؤسسة ، فيصعب ، والله أعلم ، أن تتخلى عنه وقد كان رأسا بارزا فيها ، رغم كل الضغوط الأمريكية فرئيس أركانها يهاتف رئيس أركان الجيش المصري ، ولعله ، والله أعلم ، كان يحضه على إسقاط النظام الحالي ، فقد انتهى أمره ، كما تقدم ، بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية ، وبدأت الاتصالات مع قيادة المعارضة ! ، ولم يخطئ النظام بدوره خطأ النظام في الثورة التونسية ، فقد استفز الجيش بعد أن فقد أعصابه سريعا لقلة خبرته في معالجة هذه الثورات ! ، فأمره في عجلة واضحة وغباء ظاهر بإطلاق النار على جموع الشعب ، ثم أقال رئيس أركانه ، فاصطدم معه ، وهو القوة الرئيسة ، فكان ما كان من هروبه بعد أن فقد كل قوة تدعمه ، والحال عندنا في مصر مختلف فلم يتعرض النظام للجيش فنجح في احتوائه ، وحافظ الجيش على صورته في نظر الشعب ثم تحرك ، أو لم يتحرك إن شئت الدقة ! ، ليدفع عن جموع المتظاهرين جحافل المسلحين المحترفين ، فاكتفى باحتجاز من تقبض الجماهير عليه في أماكن آمنة في مجمع التحرير ! ، فهم ، على كل حال ، رجال الحكومة التي يدين بالولاء لها فــ :
غياب للرؤية الفكرية الكاملة : شرعية وسياسية تنظر بعين العقل لا العاطفة للمصالح والمفاسد المعتبرة لا المتوهمة ، فطاقة الشباب تتسم دوما بالانفعال والعجلة ، مع الصدق والإخلاص في نصرة الفكرة ، وإن لم تكن شرعية 100% ، فتحركت الجموع بلا رأس ، كما تقدم ، وتقافزت الرءوس برسم الانتهازية ، وانقسمت على نفسها حتى قبل الحصول على الكعكة ، فكل ينفي أن الآخر هو المتحدث الرسمي باسم الجماهير وأنه رئيس الحكومة الانتقالية القادمة ! .

وضغوط من الخارج : ظاهرة كانت أو خفية ، فبعض يؤيد صراحة ، وبعض يتحفظ بانتظار ما هو آت ، وبعض يعمل في الخفاء فمناخ الفوضى الذي نعيشه الآن في مصر يتيح الفرصة لأي جهاز استخبارات معاد لينفذ ما شاء من العمليات في إطار سياسة تفجير الموقف أكثر وأكثر فلا يعنيه إلا ضياع البلد ، وليس المهم من يضيعه ، وكالعادة فالعلمانيون ينسبون الأمر إلى حركة حماس الأسيرة ، فهي التي فجرت كنيسة القديسين وهي الآن التي تخطط لتفجير مصر بأكملها ، وقد كانت شبكات التخريب والجاسوسية تنشط في مصر في الآونة الأخيرة مع استقرار المجتمع فكيف بعد تفجيره بهذه النازلة العامة ؟! .

وقيادة تصارع حتى الموت لتبقى في السلطة مع دهاء وصبر في إدارة الأزمة ، واستخفاف ظاهر بكل المعايير الشرعية والإنسانية ، فليس ثم في سياستها إلا الميكيافيللية التي توصلها إلى أغراضها ، فخطابات تشق صفوف العدو ، ومسيرات تضاد مسيراته واشتباكات عنيفة لتعليمه الأدب ، وهي ، عند التدبر والنظر ، لا تختلف كثيرا عن ميكيافيللية الرءوس التي قفزت لتتولى زعامة معارضة لم تصنعها ولم تشارك فيها إلا بالكلمات الباردة والشعارات الزائفة ، ولكن لكل أدواته ، فللسلطة من الأدوات ما يفوق أدوات أولئك بمراحل ، فخبرة كبيرة في العمل السياسي ، وهو في زماننا يرادف الخسة والضعة ، وقوة كبيرة من الشرطة والجيش قد دربت على أعلى مستوى ، ومؤسسات كاملة يصعب على المعارضة إيجاد بديل لها ، فالتهديد الآن : ببقاء الوضع على ما هو عليه بعد سلسلة من التنازلات المحسوبة بدقة ، فهذا خير لكم ، وإلا حرقنا البلاد حرقا ، ودرس سحب قوات الأمن وإشاعة الذعر والفوضى لا يزال ماثلا في أذهاننا ، فالطيب أحسن ! ، كما يقال عندنا في مصر ، فلا بديل عن النظام الحالي إلا الفوضى ، فهذه رسالته إلى الجماهير لتقنع بما حققته من مكاسب ، وإلا فهو مهدد في أمنه في نفسه وأهله وولده ، وليس ذلك بغريب على نظام تخصص من سنين في إرهاب المسلمين فهو يقدم نفسه دوما للغرب على أنه أحد دورعه الواقية من خطر الإرهاب الذي يرادف الإسلام في العقل الجمعي الغربي .

ولا زال النزال مستمرا ، والله ، جل وعلا ، وحده ، أعلم بنهاية هذه الفتنة ، وهي فتنة اختلط الحق بالباطل فيها ، واشتبكت المصالح بالمفاسد على وجه حذر منه بعض أهل العلم قبل وقوع هذه الفتنة بأيام ، مشيرا إلى الفارق الجوهري بين ظروف مصر وتونس .

ويرد في الذهن سؤالان :
هل كان الجيش سيقف ساكنا إلى هذه اللحظة لو كانت الجماهير قد خرجت للذب عن دينها أو أنه كان سيسحقها سحقا كما وقع في ميدان السلام السماوي في بكين من عقدين أو يزيد ؟ ، وهل كانت أمريكا ستلقي بثقلها في كفة المعارضة حتى خرج أوباما بنفسه ليدعو رأس النظام إلى التنحي ، هل كانت ستفعل ذلك لو كانت الثورة إسلامية ؟! .

وهل كان الأمن سيتعامل بهذه الصورة الهمجية مع المحتجين لو كانوا مليونا أو يزيد من النصارى ، وقد أحسن شنودة بما له من خبرة كبيرة في إشعال الفتن وقيادة الجموع الثائرة ، أحسن إذ أفتى أتباعه باعتزال الفتنة ! ، فليس لهم في المشاركة فيها منفعة ، فكلا الطرفين يغازل الكنيسة قبل وقوع الفتنة ، فهي رابحة في كل حال فعلام الزج بالأتباع في المعركة بل الأولى الانتظار حتى يتبين الرابح من الخاسر ليؤيد الرابح فهو قائد المرحلة القادمة ! .

وعجبا لهذا النظام الجبان الذي طالما قدم التنازلات لواشنطن حتى أضر بسمعة المسلمين في مصر ، لا سيما بعد حصار عزة ، من أين له الآن بهذه الجرأة والعناد في رفض أي إملاءات خارجية ، فقد تعلق الأمر الآن بمعقد ولائه وبرائه الأول : الملك والسلطان الذي يضحي الملوك في سبيله بكل غال ونفيس بل لو اقتضى الأمر لضحوا برعيتهم بأكملها فأفنوها أو أشعلوا الحرب بين طوائفها .

وهي ثورة ابن أشعث جديدة ، والله أعلم ، اجتمع فيها خصوم كثر ، كلهم قد ظلم ، فمنهم من ظلم في دينه ومنهم من ظلم في دنياه ، ومنهم من ظلم في كليهما ، ومنهم من لم يظلم ولكنه انتهازي يجيد استغلال الفرص ومنهم ومنهم ، فلكل غرضه ، والعدو واحد فقد ظلم جميعهم وبغى على عمومهم فلم يسلم من شره أحد كما لم يسلم من الحجاج أحد ، ولكن تعدد الولاءات وعدم تحرير النيات والرايات ، وقصور الرؤية عما بعد هذه الحركة ، نجحت أو فشلت ، وكثرة المتربصين فلصوص الثورات كالعادة يقفون على الحياد حتى ينجلي غبار المعركة أو يتدخلون إن اقتضى الأمر كما تدخلت أمريكا الآن صراحة فلم تكتف بالفرجة كما في ثورة تونس فلكل ثورة ظروفها ، ولكل وصف حكمه ، وهو ، أيضا ، من الفوارق الرئيسة بين الحالين في البلدين لاختلاف الظروف الجغرافية والسكانية وإن حصل الاشتراك في عموم المظلمة لكل شرائح المجتمع وهو ما جعلها تنتفض كلها في وقت واحد لرفع الظلم ، وهي انتفاضة لا ينكرها أو يسفهها إلا من لم يكابد ما كابده الشعبان من ظلم وعسف ، فلا بد ، كما تقدم ، مرارا ، من النظر بعين القدر الراحمة مع عين الشرع الحاكمة ، فانتفضت ، ولكن بلا تصور صحيح وتخطيط كامل ، وقد ينجح الأمر في بلد ويفشل في أخرى ، وقد ينجح ابتداء ثم يقع الفشل بعد ذلك لغياب التصور الكامل وتعدد المشارب والأغراض وكثرة المتربصين ....... إلخ . فكل ذلك مما يزيد الأمر تعقيدا .

والله أعلى وأعلم .

اللهم احقن دماء الموحدين في مصر ، وفي كل بلاد المسلمين ، وأخرجنا من هذه الفتنة سالمين في أدياننا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا ، واختر لنا صالح الدين والدنيا ، وأهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين ، وارزقنا السداد في التصور والحكم في تلك المضائق التي تزل فيها أقدام الحكماء فضلا عن عموم المكلفين ، ولا تبح بلادنا لأعداء دينك بما اقترفته أيدينا من ذنوب ومعاص .
رد مع اقتباس