تتمة كلام الألباني رحمه الله سلسلة الهدى والنور رقم الشريط 372
(قال: لماذا؟
قلت: واللهِ .. أبحث في موضوع الضاد.
وكنت وصلت إلى أمثلة ينبّه فيها ابن الجزري أو غيره – لا أذكر الآن بالضبط – بضرورة تمييز الضاد عن الطاء في مثل قوله تعالى: { فمَنِ اضْطُرَّ}، اليوم المصريون وغيرهم يقولون: فمن اضْطُر؛ فكأنهم أدغموا الضاد بالطاء بينما الضاد حرف رخو والطاء حرف استعلاء، فأدغموا الضاد الرخوة بالطاء؛ هذا خطأ فاحش.
فعجبتُ أنني لما أسمعته هذا المثال وقف الشيخ دبس وزيت وهو من القراء المشهورين هناك فأخذ يقرأ ويلحن كأنه يدغم الضاد بالطاء.
قلت: يا أستاذ ابن الجزري يقول: والضاد باستطالة ومخرج = = ميز عن الظاء وكلها تجي
أولاً: قال باستطالة الطاء ليس فيها استطالة، لما تنطق بالطاء ساكنة تقول " اطْ "، لكن لما تتكلم بالظاء الرخوة مش الضاد الرخوة الظاء تقول " اظْ "؛ الصوت يخرج من بين الثنايا أما الضاد فهي تشترك مع الظاء في هذه الاستطالة ولكن تتميز عنها بالمخرج؛ لأن مخرج الضاد الصحيح هو بإلصاق حافة اللسان بالأضراس، أما الظاء بالثنايا، أما الضاد الشامية والمصرية فهو بلصق رأس اللسان بسقف الحلق؛ هذا خطأ.
فهو أخذ يقرأ الآية: { فمن اضـ..}؛ يضيق صدره ولا يستطيع أن يتلفظ بها إلا بالإدغام؛ وهذا خطأ، ولما كانت المشابهة موجودة بين الظاء الرخوة والضاد الرخوة، بحيث يختلط أحياناً النطق بالضاد فتنطق كالظاء, أمر هذا القارئ الجيد بتمييز الضاد عن الظاء؛ لأن في مشابهة، أما ما في مشابهة بين الضاد والطاء فأنت بالعكس تدغم الضاد في الطاء وهذا خطأ.
يرى هذا النقاش أذكره جيداً، وأذكر جيداً أنني ألفت الرسالة يومئذ وأنا بطبيعة الحال دون العشرين، والرسالة لا تزال موجودة عندي بخطي وقد صورت الأضراس، وصورت اللسان في النطق الصحيح بالضاد، حافّة اللسان بالأضراس، وليس رأس اللسان بسقف الحلق كما ينطق به الشاميون وغيرهم.
حينما نسمع الضاد من العراقيين؛ القراء منهم ومن النجديين حتى في كلامهم هي غير الضاد المصرية والشامية تماماً، وهي الضاد الصحيحة، ويؤيد ذلك من حيث الأسلوب العربي أن بعض القصائد تكون قافيتها ضاد، ولما كانت الضاد شبيهة بالظاء لا يستنكف الشاعر أن يجعل القافية تارة بالضاد وتارة بالظاء وأجد الآن في بعض الرسائل التي تأتيني من نجد يكتبون الظاء مقام الضاد لأنها مشابهة تماماً في النطق وهذا صحيح، لذلك هذا يؤكد لنا أنه لا بد من تلقي علم القراءة والتجويد من أهل العلم، فالمصريون مثلاً والدمشقيون يخطئون في النطق بالضاد، فمثلاً؛ الفاتحة التي تقرأ في كل ركعة من الصلوات الخمس عندنا في سوريا وغيرها يقولون ( ولا الضالين )؛ هذه ضاد ليست إلا دالاً مفخمة كما يقول علماء التجويد، أما الضاد العربية الصحيحة والتي يدندن حولها ابن الجزري ومن شرح كلامه فهي ضاد رخوة يقترن معها الاستطالة بحيث لو أراد الإنسان أن يمد نفسه بضاد ولا الضالين لاستطاع خلاف للضاد الشامية فإنه ينقطع وينصدم ففرق بين من يقول (ولا الضالين) وبين من يقول (ولا الضالين) فهي مخرجها من حافة اللسان ملتصقة بالأضراس وبين من يضع رأس اللسان في سقف الحلق في هذا المثال وحده يؤكد أنه لا بد من أن يتلقى القراءة هذه من أهل الاختصاص ولا تترك للسجي والطبيعة لأنها تختلف من بلد إلى آخر، الأتراك مثلاً لعجزهم من النطق بالضاد العربية الفصحى تسمعها منهم ظاء خالصة مخرجها بين الثنايا.......بين الأضراس وحافة اللسان ويقول علماء التجويد بأن من مزايا عمر وخصوصيته أنه كان يخرج الضاد من طرفي اللسان؛ حافتي اللسان، كأن ربنا كان عاطيه امتداد في عرض اللسان فيمده يميناً ويساراً فيخرج الضاد رخوة جداً ومطابقة للوصف الذي يذكره الجزري وغيره، فإذن الحقيقة إن علم التجويد لا يتقن إلا بالتلقي ولكن نحن بحاجة إلى علماء ليسُوا مقلدين في علم التجويد، ويعرفون من أين جاءت هذه الأحكام، وغالبها هو التلقي ولكن هل هذا التلقي متصل أم منقطع؟ فقد يكون هكذا وقد يكون هكذا، لكن الجواب ..... في الموضوع يحتاج إلى أهل الاختصاص، وأنا جرت بيني وبين علماء التجويد هناك في دمشق لقاءات في سبيل الحصول إلى هذه الحقيقة لكن مع الأسف ما كنت أجد ضالتي، فهم يعلمون كأكثر القراء اليوم هكذا تلقوا، أما من أين جاءت هذه الأحكام؟ فما يعرفون شيئاً منها!
لذلك فأنا أنصح العلماء النجديين بأنه يجب عليهم أن يُعنوا بالتلقي....... قرآن من أهل الاختصاص، لكن عليهم أن يختاروا منهم من هم أقرب إلى السنة وليسوا من الذين يقرؤون القرآن على الموازين الموسيقية؛ يصعدون ببعض الآيات ويهبطون ببعض آخر، وقد يمدّون ما لا يستحق المد ويقصرون في ما يستحق المد.. وهكذا، بسبب أنهم يضعون قوانين موسيقية وهذا بطبيعة الحال لا يجوز، وهذا مما نهى عنه أئمة السنة؛ كالإمام أحمد وغيره، فنهوا عن قراءة القرآن بالتلحين والتمطيط ونحو ذلك من المخالفات.
هذا ما عندي قبل أن....
حفظكم الله التوجيه للشباب ..
نعم؟
توجيه للشباب في نفس القضية..
نأمر نحن الشباب أن يتلقوا أيضاً علم التجويد لا للمباهاة ولا للمفاخرة، وإنما ليتمكنوا من تلاوة القرآن كما أنزل من الله عز وجل بواسطة جبريل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكما لقنه جبريل له عليه الصلاة والسلام وعلّمه وعرضه أكثر من مرة كما هو ثابت في الصحيح، وثانياً لا ينبغي أن يستغلوا علمهم بهذه التلاوة وبالأحكام المترتبة على التلاوة التي تلقوها عن علماء التجويد ألا يستغلوا ذلك للطعن في بعض العلماء الذين لم تساعدهم الظروف ولم يتمكنوا من مثل هذا التلقي الذي قُيض لهم وسهل لهم، وقد يكون هذا بفضل أولئك العلماء الذين قد يتكلمون فيهم بل وقد يسخرون منهم لأنهم لا يحسنون قراءة القرآن كما عُلّموا هُم.
فوصيتي لهؤلاء الشباب أن يتعلموا الأحكام هذه لتساعدهم على تلاوة القرآن كما أنزل – كما ذكرت آنفا - .
وثانياً ألا يسخروا ممن يظنون أنهم لا يحسنون تلاوة القرآن كما هم يتلون ذلك مع تنبّههم لكونهم قد يكونون في هذا العلم الذي يتفوقون فيه على بعض المشايخ أن يكونوا قد وقعوا في مخالفة شرعية لأنهم ليس عندهم إلا التقليد فننصحهم أن يدرسوا هذا العلم دراسة تبصّر وتفتّح حتى يتمكنوا من تمييز حكم عن حكم آخر، كما قلنا بالنسبة للأحكام الشرعية، فكثير منها تخالف السنة، فمن لم يعرف السنة لم يستطع أن يتميز أو أن يميز الحكم الصحيح من الحكم الضعيف.
وأنا أضرب الآن مثالاً وقع معي مراراً وتكراراً، كنا خارج عمّان قبل سفرنا هذا في البقعة في مخيم لإخواننا الفلسطينيين فصليت أظن العشاء وقرأت الفاتحة بالقراءة المشهورة تواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي: { مَلِكِ يومِ الديْن }، بعد الصلاة اعترض عليّ بعض الحاضرين، وقال: (أنت يا أستاذ كانت قراءتك قراءة حفص – وفعلاً نحن تلقينا لما ختمنا القرآن على قراءة حفص لأنها هي المعروفة والمشهورة عند الأحناف – ومن جهة أخرى يقول هذا الناقد؛ بأنك قرأت { مَلِكِ يوْمِ الدِّيْن }, وهذه ليست قراءة حفص، ولا يجوز إلا أن تلتزم قراءة من القراءات المتواترة)، قلت له: ما الدليل على هذا الذي تقول؟
طبعاً لم يجد جواباً؛ لأنَّ ما عنده علم سوى أنه لُقِّن هذا التلقين، فبينت له أن هذا التحجير تماماً كقول بعض الفقهاء: ( أن من كان حنفي المذهب فلا يجوز له مثلاً أن يرفع يديه في الصلاة عند الركوع الرفع منه؛ لأن هذا خلاف المذهب)، فقلت له: هذا القول خلاف المذهب لكن ليس خلاف السنة، فما الذي يضر الحنفي الذي عاش سنين في مذهب الأحناف وقد يكون معذورا في ذلك؛ لأنه لم يتح له أن يدرس الفقه على طريق الكتاب والسنة، فما الذي يضر هذا الحنفي أن يرفع يديه مثلاً في الصلاة بعد أن ثبت لديه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة، كذلك أقول حمزة لم ترد إليه هذه القراءة فقرأ {مالك يوم الدين }، لكن أنا الذي قرأت القرآن وختمته على قراءة حفص وهو يقرأ { مالك يوم الدين }، قد ثبت لدي من الناحية الحديثية بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحياناً { ملِك يوم الدين }، ما الذي يحول بيني وبين أن أقرأ هذه القراءة التي لم يأخذ بها حفص وأخذ بها ورش مثلاً، وأنا ما أخذت بها لأن ورشاً أخذ بها؛ وإنما لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة متواترة – كما يقول العلماء – فما يجوز لك أن تحجر أن يجمع الإنسان في أثناء القراءة بين قراءتين؛ لأنه يجمع بين قراءة صحيحة وأخرى صحيحة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " نزل القرآن على سبعة أحرف "، فممكن أن يكون كل من القراءتين هو وجه وحرف من هذه الأحرف، فهو لُقِّن أنه لا يجوز أن يقرأ بقراءتين، كما لُقِّن أنه لا يجوز أن يعيش على مذهبين مثلا فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، فهذا لا يجوز وكذلك ذاك لا يجوز، يجوز للحنفي أن يأخذ برأي عند الشافعي ما دام قام الدليل الشرعي على صحته، ويجوز للشافعي أن يأخذ – أيضاً – بالقول الصحيح إذا ثبت عند الحنفي أو المالكي أو الحنبلي.
لذلك قلت ما قلت أولاً بأنه يوجد بلا شك في علم التجويد مثل ما يوجد في بعض المذاهب من الأحكام الشرعية، بعضها صحيح وبعضها غير صحيح، لكن التمييز يحتاج إلى علم، وهذا الذي نحن نوجه طلاب العلم أن يتفرغوا لدراسته دراسة جيدة؛ حتى يقدموا للناس علماً جديداً بصيراً فيما يتعلق بعلم التجويد،،
أولاً: أن يقال هذا صح وهذا لم يصح.
ثانياً: أن يقول هذا واجب وهذا مستحب.
وهذا التفصيل أنا ما وجدته في كتب التجويد، إلا بالتلقي فقط، وهذا التلقي يمكن أن يدخل فيه مع الزمن ما لم يكن سابقاً، كبعض الأمثلة التي ذكرنا آنفاً ومنها الأمثلة المشهورة؛ أنه يختم سورة والضحى بـ" الله أكبر "، ألم نشرح وخلص " الله أكبر "، والتين والزيتون.. وهكذا إلى آخر السور القصار هذه؛ فهذه ليس لها أصل في السنة أولاً، ولم يقل بها إلا بعض من علماء التجويد المتأخرين، كما يذكر نفس ابن الجزري في .....
فهذه خلاصة النصيحة لهؤلاء الشباب، ولمن قبلهم من الشيوخ الذين لم يتح لهم أن يتلقوا علم القراءة والتجويد عن بعض الشيوخ المتخصصين.)
انتهى عند الدقيقة 25:30من الشريط رقم 373
منقـــــول
|