المطلب الثالث : رؤية سلفية في فهم المعنى والكيفية وعلاقته بالمحكم والمتشابه .
لما قال علماء الخلف من الأشعرية بأن نصوص الصفات الإلهية موهمة للتشبيه والجسمية ، تغير تبعا لذلك مفهوم المحكم والمتشابه عندهم وعند أتباعهم ، من معنى سلفي يعتبر المتشابه من القرآن آيات معلومات المعنى واضحات الدلالة ، ظاهرها مراد في حق الله ، وليس كمثله شيء في حقائقها وأن المجهول فقط وهو كيفية الصفات الإلهية التي دلت عليها هذه الآيات ، تغير مفهوم المتشابه عندهم إلى اعتبار هذه النصوص نصوصا تدل على ظاهر باطل محال ، يحمل التشبيه والتجسيم ويجب صرفه عن الصورة المنفرة التي صورها لربهم ، كل ذلك ليجعلوا الناس مؤيدين لآرائهم وأصولهم ، مهيئين لقبول تأويلهم وتبديلهم .
ثم طرحوا بديلا آخر أمام الناس كخيار ينسبونه لعقيدة السلف ، وهو القول بأن نصوص الصفات الإلهية ، معانيها معان مجهولة أعجمية ، يفوض فيها الأمر والعلم إلى الله ، ثم ألصقوا هذا الطرح بدعوى التسليم وعدم الخوض في توحيد الصفات كما كان شأن السلف ، ومن هنا كان لابد من تحقيق الأمر في قضية المحكم والمتشابه ، وتجليته بصورة جديدة تبين حقيقة الفهم السلفي الصحيح .
يذكر أبو بكر الجصاص أن كلا من المحكم والمتشابه في القرآن ينقسم إلى معنيين : أحدهما يصح وصف القرآن بجميعه ، والآخر إنما يختص به بعض القرآن دون بعض ، قال الله تعالى : { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } (1) ،
فوصف جميع القرآن في هذه المواضع بالإحكام ، وقال تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } (2) ، فوصف جميعه بالمتشابه ، ثم قال في موضع آخر :
__________
(1) ود:1.
(2) لزمر:23 .
|