02-08-2016, 10:32 PM
|
|
الخطأ فى الإجتهاد
تبسيط علوم السلف رَفْعُ المَلاَمِعَنِ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ
الخطأ بإجتهاد من أهل العلم
بِلَالٌ ـــــــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ــــــــ لَمَّا بَاعَ الصَّاعَيْنِ بِالصَّاعِ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّهِ فعن أَبى سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلَالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ" [البخاري: كِتَاب الْوَكَالَةِ؛ بَاب إِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَاسِدًا فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ]وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ آكِلِ الرِّبَا مِنْ التَّفْسِيقِ وَاللَّعْنِ وَالتَّغْلِيظِ, لِعَدَمِ عِلْمِهِ بمكانه بِالتَّحْرِيمِ.
وَكَذَلِكَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ـــــــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ـــــــ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}[البقرة:187] مَعْنَاهُ الْحِبَالُ الْبِيضُ وَالسُّودُ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] قَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ" [مسلم: كِتَاب الصِّيَامِ؛ بَاب بَيَانِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ] فَأَشَارَ عليه السلام إلَى عَدَمِ فِقْهِهِ لِمَعْنَى الْكَلَامِ, وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ ذَمَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ, وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ عليه السلام عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً, لَمَّا قَتَلَ الَّذِي قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي غَزْوَةِ الْحُرَقَاتِ فعن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ: " بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ قَالَ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ" [البخاري: كِتَاب الدِّيَاتِ؛بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَمَنْ أَحْيَاهَا }]فَإِنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ قَتْلِهِ, بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِصَحِيحِ مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ حَرَامٌ.
ولقدعَمِلَ بِذَلِكَ السَّلَفُ, وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ, فِي أَنَّ مَا اسْتَبَاحَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ دِمَاءِ أَهْلِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ, لَمْ يُضْمَنْ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ؛ وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ وَقِتَالُهُمْ مُحَرَّمًا.
الوعيد و الوعد
إنَّ الشَّرْطُ فِي لُحُوقِ الْوَعِيدِ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُذْكَرَ فِي كُلِّ خِطَابٍ؛ لِاسْتِقْرَارِ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْقُلُوبِ. كَمَا أَنَّ الْوَعْدَ عَلَى الْعَمَلِ مَشْرُوطٌ بِإِخْلَاصِ الْعَمَل لِلَّهِ؛ وَبِعَدَمِ حُبُوطِ الْعَمَلِ بِالرِّدَّةِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُذْكَرُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ فِيهِ وَعْدٌ. ثُمَّ حَيْثُ قُدِّرَ قِيَامُ الْمُوجِبِ لِلْوَعِيدِ, فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِمَانِعِ.
مَوَانِعُ لُحُوقِ الْوَعِيدِ مُتَعَدِّدَةٌ:
مِنْهَا: التَّوْبَةُ, وَمِنْهَا: الِاسْتِغْفَارُ, وَمِنْهَا: الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ لِلسَّيِّئَاتِ, وَمِنْهَا: بَلَاءُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا, وَمِنْهَا: شَفَاعَةُ شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَمِنْهَا: رَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.
فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا, فَهُنَالِكَ يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِهِ
أقسام ترك العمل بالحديث
إن تَرَك الْعَمَلَ بالِحَدِيثٍ:
إمَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكًا جَائِزًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ, كَالتَّرْكِ فِي حَقِّ:
· مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ
· وَلَا قَصَّرَ فِي الطَّلَبِ
· مَعَ حَاجَتِهِ إلَى الْفُتْيَا أَوْ الْحُكْمِ
فَهَذَا لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَعَرَّةِ التَّرْكِ شَيْءٌ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكًا غَيْرَ جَائِزٍ, فَهَذَا لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, لَكِنْ الذي قَدْ يَخَافُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ, أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَاصِرًا فِي فهم تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ, فَيَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّظَرُ والْبَحْثُ نِهَايَتَهُ. وَلِهَذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ يَخَافُونَ مِثْلَ هَذَا, خَشْيَةَ أَلَّا يَكُونَ الِاجْتِهَادُ قَدْ بَلَغَ نِهَايتَه الْمُعْتَبَرُة فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمَخْصُوصَةِ.
فَهَذِهِ ذُنُوبٌ؛ لَكِنَّ لُحُوقَ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ بِصَاحِبِهِ إنَّمَا تُنَالُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ, وَقَدْ يَمْحُوهَا الِاسْتِغْفَارُ وَالْإِحْسَانُ وَالْبَلَاءُ وَالشَّفَاعَةُ وَالرَّحْمَةُ.
وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَذَا مَنْ يَغْلِبُهُ الْهَوَى حَتَّى يَنْصُرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ, أَوْ مَنْ يَجْزِمُ بِصَوَابِ قَوْلٍ أَوْ خَطَئِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِدَلَائِلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ فِي النَّارِ, كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ, وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ, فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ, فَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ, وَأَمَّا اللَّذَانِ فِي النَّارِ, فَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ, وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ} [ رواه أبو داود وابن ماجة وقال ابن تيمية وهو حديث صحيح] وَالْمَفْتُونُ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ كُلَ قَائِلٍ فِى مَسْأَلَةٍ فَهُوَ حَاكِمٌ فِيهَا.
إنَّ لُحُوقَ الْوَعِيدِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا لَهُ مَوَانِعُ فَلَوْ فُرِضَ وُقُوعُ بَعْضِ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ ـــــ مَعَ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ أَوْ غَيْرُ وَاقِعٍ ــــ لَمْ يَعْدَمْ أَحَدُهُمْ أَحَدَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ؛ وَلَوْ وَقَعَ لَمْ يَقْدَحْ فِي إمَامَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَإِنَّ أَحَدٌ لا يَعْتَقِدُ فِي الْعُلَمَاء الْعِصْمَةَ, بَلْ يَجُوز عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ, وَنَرْجُو لَهُمْ ـــــ مَعَ ذَلِكَ ــــــ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ؛ لِمَا اخْتَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ, وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَنْبٍ, وَلَيْسُوا بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
نكتة هامة
إنَّه مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ التَّارِكَ لِلْحَدِيثِ مَعْذُورٌ, بَلْ مَأْجُورٌ, فهذا لا يَمْنَعُنَا من أَنْ نَتَّبِعَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ, الَّتِي لَا نَعْلَمُ لَهَا مُعَارِضًا يَدْفَعُهَا, وَأَنْ نَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهَا, وَوُجُوبَ تَبْلِيغِهَا. وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ.
|