عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11-16-2007, 09:08 PM
المثني المثني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

[المجمع الثاني]
[وفيه وضعوا الأمانة]
فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان، فجمع البتاركة والأساقفة، اجتمع في مدينة نيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفاً، فكانوا مختلفي الآراء، مختلفي الأديان.
فمنهم من يقول: المسيح ومريم إلهان من دون الله. وهم "المريمانية".
ومنهم من يقول: المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار، فلم ينقص الأولى لإيقاد الثانية منها.
ومنهم من كان يقول: لم تحبل مريم لتسعة أشهر، وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها. وهذه "مقالة الباد وأشياعه".
ومنهم من يقول: إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفى ليكون مخلصاً للجواهر الإنسية، صحبته النعمة الإلهية فحلت منه بالمحبة والمشيئة، فلذلك سمى ابن الله، ويقولون: إن الله جوهر واحد وأقنوم

واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس. وهذه مقالة "بولس وأشياعه".
ومنهم من كان يقول: ثلاثة آلهة، لم تزل صالح وطالح وعدل بينهما. هذه مقالة "مرقيون وأشياعه".
ومنهم من يقول: ربنا هو المسيح. وهي مقالة "ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً".
قال ابن البطريق: ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك، وأخلى لهم داراً، وتقدم لهم بالإكرام والضيافة، وأمرهم أن يتناظروا فيما بيهم لينظر من معه الحق فيتبعه، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً على دين واحد ورأى واحد، وناظروا بقية الأساقفة المختلفين ففلجوا عليهم في المناظرة، وكان باقي الأساقفة مختلفي الآراء والأديان، فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً مجلساً عظيماً، وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفع ذلك إليهم، وقال لهم: قد سلطتكم اليوم على المملكة فاصنعوا ما بدا لكم، وما ينبغي لكم أن تضيعوا ما فيه قوام الدين وصلاح الأمة. فباركوا على الملك وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية وذب عنه. ووضعوا له أربعين كتاباً فيها السنين والشرائع، وفيها ما يصلح أن يعمل به الأساقفة، وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها، وكان رئيس القوم والمجمع والمقدم فيه بترك الإسكندرية وبترك أنطاكية وأسقف بيت المقدس، ووجه بترك رومية من عنده رجلين، فاتفق الكل على لعن أريوس وأصحابه، ولعنوه وكل من قال بمقالته، ووضعوا "الأمانة"، وقالوا: ن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق، وأن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق، واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد ليكون بعد فصح اليهود، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصحهم في يوم واحد، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة، وذلك أن الأساقفة منذ وقت الحواريين إلى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء، لأنهم كانوا إذا صيروا واحداً أسقفاً وكانت له زوجة ثبتت معه ولم تتنح عنه، ما خلا البتاركة فإنهم لم يكن لهم نساء، ولا كانوا أيضاً يصيرون أحداً له زوجة بتركها، قال: وانصرفوا مكرمين محظوظين، وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك، ومكث بعد ذلك ثلاث سنين.

إحداها: كسر الأصنام وقتل من يعبدها. والثانية: أمر أن لا يثبت في الديوان إلا أولاد النصارى، ويكونون هم الأمراء والقواد. والثالثة: أن يقيم للناس جمعة الفصح، والجمعة التي بعدها لا يعلمون فيها عملاً ولا يكون فيهاحرب.
وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع المقبرة والصليب، ويبني الكنائس، ويبدأ ببناء القيامة، فقالت هيلانة أمه: إني نذرت أن أسير إلى بيت المقدس، وأطلب المواضع المقدسة وأبنيها، فدفع إليها الملك أموالاً جزيلة، وسارت مع أسقف بيت المقدس، فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب، وكنيسة قسطنطين.
ثم اجتمعوا بعد هذا مجمعاً عظيماً ببيت المقدس، وكان معهم رجل دسه بترك القسطنطينية، وجماعة معه ليسألوا بترك الإسكندرية، وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك أظهر أنه مخالف لأريوس، وكان يرى رأيه ويقول بمقالته، فقام الرجل وقال: إن "أريوس" لم يقل إن المسيح خلق الإنسان، ولكن قال به: خلقت الأشياء، لأنه كلمة الله التي بها خلقت السموات والأرض، وإنما خلق الله الأشياء بكلمته، ولم تخلق الأشياء كلمته كما قال المسيح في الإنجيل: "كل بيده كان، ومن دونه لم يكن شيء"، وقال: "به كانت الحياة والحياة نور البشر"، وقال: "العالم به يكون"، فأخبر أن الأشياء به تكونت.
قال ابن البطريق: "فهذه كانت مقالة أريوس، ولكن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً تعدوا عليه، وحرفوه ظلماً وعدواناً، فرد عليه بترك الإسكندرية وقال: أما أريوس فلم تكذب عليه الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً، ولا ظلموه لأنه إنما قال: الابن خالق الأشياء دون الأب، وإذا كانت الأشياء إنما خلقت بالابن دون أن يكون الأب لها خالقاً فقد

أعطى أنه ماخلق منها شيئاً، وفي ذلك تكذيب قوله: "الأب يخلق، وأنا أخلق"، وقال: "أنا لم أعمل عمل أبي فلا تصدقوني"، وقال: "كما أن الأب يحيي من يشاء ويميته، كذلك الابن يحيي من يشاء ويميته"، قالوا: فدل على أنه يحيي ويخلق، وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق، وإنما خلقت الأشياء به دون أن يكون خالقاً.
وأما قولك: إن الأشياء كونت به. فإنا لما قلنا: لا شك أن المسيح حي فعّال، وكان قد دل بقوله: "إني أفعل الخلق والحياة"، كان قولك: به كونت الأشياء، إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها، وكانت به مكونة، ولو لم يكن ذلك لتناقض القولان.
قال: وأما قول من قال من أصحاب أريوس: إن الأب يريد الشيء فيكونه الابن، والإرادة للأب، والتكوين للابن، فإن ذلك يفسد أيضاً إذا كان الابن عنده مخلوقاً، فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من حظ الخالق فيه، وذلك أن هذا أراد وفعل، وذلك أراد ولم يفعل، فهذا أوفر حظاً في فعله من ذلك، ولا بد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما يريد الخالق منه، ويكون حكمه كحكمه في الخير والاختيار، فإن كان مجبوراً فلا شيء له في الفعل، وإن كان مختاراً فجائز أن يطاع وجائز أن يعصى، وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب. وهذا أشنع في القول.
ورد عليه أيضاً وقال: إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق، والمخلوق غير الخالق بلا شك، فقد زعمتم أن الخالق بفعل بغيره، والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان لا يتم له الفعل إلا به، والمحتاج إلى غيره منقوص، والخالق متعال عن هذا كله.
قال: فلما دحض بترك الإسكندرية، فضربوه حتى كاد يموت، فخلصه من أيديهم ابن أخت قسطنطين، وهرب بترك الإسكندرية، وصار إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الأساقفة، ثم أصلح دهن الميرون وقدس الكنائس ومسحها بدهن الميرون، وسار إلى الملك فأعلمه الخبر، فصرفه إلى السكندرية.
قال ابن البطريق: وأمر الملك أن لا يسكن يهودي بيت المقدس، ولا يجوز بها، ومن لم

يتنصر قتل، فظهر دين النصرانية، وتنصر من اليهود خلق، فقيل للملك: إن اليهود يتنصرون من خوف القتل وهم على دينهم، فقال: كيف لنا أن نعلم ذلك منهم؟، فقال بولس البترك: إن الخنزير في التوراة حرام، واليهود لا يأكلون لحم الخنزير، فأمر أن تذبح الخنازير ويطبخ لحومها ويطعم منها، فمن لم يأكل منه علم أنه مقيم على دين اليهودية، فقال الملك: إذا كان الخنزير في التوراة حراماً فكيف يحل لنا أن نأكله ونطعمه الناس؟، فقال له بولس: إن سيدنا المسيح قد أبطل كل ما في التوراة، وجاء بنواميس أخر، وبتوراة جديدة وهو الإنجيل، وفي إنجيله: "إن كل ما يدخل البطن فليس بحرام ولا نجس، وإنما بنجس الإنسان ما يخرج من فيه"، وقال يونس: إن بطرس رئيس الحواريين بينما هو يصلي في ست ساعات من النهار، وقع عليه سبات، فنظر إلى السماء قد تفتحت، وإذا زاد قد نزل من السماء حتى بلغ الأرض، وفيه كل ذي أربع قوائم على الأرض من السباع والدواب وغير ذلك من طير السماء، وسمع صوتاً يقول له: يا بطرس قم فاذبح وكل، فقال بطرس: يارب، ما أكلت شيئاً نجساً قط ولا دنساً قط، فجاء صوت ثان: كل ما طهره الله فليس بنجس. وفي نسخة أخرى ماطهره الله فلا تنجسه أنت، ثم جاءه الصوت بهذا ثلاث مرات، ثم إن الزاد ارتفع إلى السماء. فتعجب بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه، فأمر الملك أن تذبح الخنازير، وتطبخ لحومها، وتقطع صغاراً وتصير على أبواب الكنائس في كل مملكته يوم أحد الفصح، وكل من خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنازير، فمن لم يأكل منه يقتل، فقتل لأجل ذلك خلق كثير.
ثم هلك قسطنطين، وقام بعده أكبر أولاده واسمه قسطنطين، وفي أيامه اجتمع أصحاب أريوس ومن قال بمقالته إليه، فحسنوا لهم دينهم ومقالتهم، وقالوا: إن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن الحق في قولهم إن الابن متفق مع الأب في الجوهر، فأمر أن لا يقال هذا فإنه خطأ. فعزم الملك على فعله، فكتب إليه أسقف بيت المقدس: أن لا يقبل قول أصحاب أريوس فإنهم حائدون عن الحق وكفار، وقد لعنهم الثلاثمائة وثمانية

عشر أسقفاً، ولعنوا كل من يقول بمقالتهم، فقبل قوله.
قال ابن البطريق: وفي ذلك الوقت أعلنت مقالة أريوس على قسطنطينية وأنطاكية والإسكندرية، وفي ثاني سنة من ملك قسطنطين هذا صار على أنطاكية بترك أريوسي، ثم بعده آخر مثله، قال: وأما أهل مصر والإسكندرية وكان أكثرهم أريوسيين ومانيين فغلبوا على كنائس مصر فأخذوها، ووثبوا على بترك الإسكندرية ليقتلوه، فهرب منهم واستخفى. ثم ذكر جماعة من البتاركة والأساقفة من طوائف النصارى وما جرى لهم مع بعضهم بعضاً، وما تعصبت به كل طائفة لبتركها حتى قتل بعضهم بعضاً، واختلف النصارى أشد الاختلاف، وكثرت مقالاتهم، واجتمعوا عدة مجامع، كل مجمع يلعن فيه بعضهم بعضاً.
ونحن نذكر بعض مجامعهم بعد هذين المجمعين.
التوقيع

إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ * فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها * فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا * فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا* شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
رد مع اقتباس