الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...
فاعلمي رحمك الله أن المعتكفة إذا حاضت لزمها الخروج من المسجد ،
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :
( أما خروجها من المسجد ، فلا خلاف فيه ؛
لأن الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد ، فهو كالجنابة وآكد منه . )
فإذا خرجت من المسجد سكنت في بيتها كما كانت قبل الاعتكاف ،
فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها ، وبنت على ما سبق ،
قال ابن عبد البر رحمه الله في " الاستذكار " :
( وعلى هذا جماعة الفقهاء .)
وفرق الحنابلة رحمهم الله بين المسجد الذي له رحْبَة خارجة عنه وغيره فقالوا :
إذا كان للمسجد رَحْبَة ليست منه ،
فيستحب لها أن تقيم فيها بشرط الأمن على نفسها ،
و إن لم يكن له رحبة ، رجعت إلى بيتها ،
فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها ، وقضت ما فاتها ، ولا كفارة عليها ،
وهذا قول أبي قلابة رحمه الله .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :
( والظاهر أن إقامتها في الرحبة مستحب وليس بواجب ،
وإن لم تقم في الرحبة ، ورجعت إلى منزلها أو غيره ، فلا شيء عليها ؛ لأنها خرجت بإذن الشرع ،
ومتى طهرت رجعت إلى المسجد فقضت وبنت ، ولا كفارة عليها ، لا نعلم فيه خلافا ؛
لأنه خروج لعذر معتاد ، أشبه الخروج لقضاء الحاجة .)
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله :
تضرب خباءها في دارها حتى تطهر فتعود إلي الاعتكاف .
قال ابن قدامة رحمه الله :
( وقول إبراهيم تحكم لا دليل عليه . )
قال الفقير إلى عفو ربه :
والحاصل : أن المعتكفة إذا حاضت لزمها الخروج من المسجد ،
فإذا خرجت من المسجد سكنت في بيتها كما كانت قبل الاعتكاف ،
فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها ، وبنت على ما سبق ،
قإن كان محل الاعتكاف في بلد أخرى ، ولم يتيسر لكِ محرم من خارج المعتكف ،
وكان محرمك معتكفا معك وجب عليه أن يخرج لإرجاعك إلى بلدك ،
وهذا لا يبطل اعتكافه ولا شيء عليه ؛ لأنه خرج لواجب تعين عليه ،
فأما إذا عُلم ابتداء بعدم تيسر المحرم ، مع دخول عادة الحيض في أيام الاعتكاف
فلا يجوز لك السفر في هذه الحالة ،
فائدة في اعتكاف المستحاضة
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :
( فأما الاستحاضة فلا تمنع الاعتكاف ؛ لأنها لا تمنع الصلاة ولا الطواف ،
وقد قالت عائشة :
" اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة ،
فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي " أخرجه البخاري .
إذا ثبت هذا فإنها تتحفظ وتتلجم ، لئلا تلوث المسجد ،
فإن لم يمكن صيانته منها خرجت من المسجد ؛ لأنه عذر ،
وخروج لحفظ المسجد من نجاستها ، فأشبه الخروج لقضاء حاجة الإنسان .)
والله تعالى اعلى وأعلم .