عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 04-03-2012, 07:48 PM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

السؤال:

السلام عليْكُم، ورحْمة الله، وبركاته.

أمَّا بعدُ، فمنذُ فترةٍ عرَض أحدُ الشَّباب - ممَّن كان يَربطُني به علاقةٌ جيِّدة - الخِطبة على ابنةِ عمٍّ لي، وأنا يعِزُّ عليَّ عمي، وكذلك البنت التي أعتبِرُها مثلَ أُختي، وكنت أستاذَها لفترةٍ طويلة، ولأنَّني أعرِف الشَّخص جيِّدًا وبعْض الصِّفات التي لا تعجِبُني، ووضْع بيتِهم وأمِّه وأخواتِه، قلتُ لعمِّي ما أعرِفُه عنْه - وبكلِّ جرأة - ولَم أتردَّد، وظننْتُ أنَّ هذه الكلِمة لابدَّ من قولها، واعتبرتُها دَينًا في رقبتي؛ لأني أعرف عنه الكثيرَ، مثل عقلِه المتحجِّر، وكذِبه الدَّائم وكبره وإلى آخِره، فلا أعرِف هل لحِق بي إثْم؟
فلم أقُل إلاَّ ما وجدتُه فيهِ، وقناعتِي فيه، مع العِلم أنَّ عمِّي لم يتَّخذ القرار، أي: لم يعطِه حتَّى الآن، والأغلب أن لا يُعطيه، والسَّلام عليكم، ورحْمة الله، وبركاته.


الجواب:


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبِه ومَن والاه، وبعد:

نسألُ الله أن يَجزيَك على ما نويْتَ خيرًا، وأن يَجعلَه خالصًا لوجهِه الكريم.
ولتعلَمْ: أنَّ الأصْل هو ستْر عيوب المسلِم، والاحتِراز عن ذِكْرها للنَّاس، وعدم نشْرِها بلا فائدة، بل هو غِيبة مُحرَّمة، وكبيرةٌ من الكبائر؛ ففي حديث عبدالله بن عُمر - رضِي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((.... ومَن ستَر مسلِمًا سترَهُ الله يومَ القِيامة))؛ رواه البخاريُّ وغيره.

وروى الإمام أحمدُ في مسنده، عن ثوبانَ - رضي الله عنْه - عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لا تؤْذوا عبادَ الله ولا تعيِّروهم، ولا تطلُبوا عوراتِهم؛ فإنَّه مَن طلب عورةَ أخيه المسلِم، طلب الله عورته، حتى يفضحَه في بيته)).


وروى الإمامُ أحمد في مُسندِه، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير": أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن ستر أخاهُ المسلمَ في الدُّنيا، سترهُ الله يوْمَ القِيامة)).


لكن قد يَرِدُ على هذا الحكم العامِّ من الأحوال ما يَجعله مباحًا أو واجبًا، ولا يعدُّ ذلك من الغِيبة المحرَّمة، ومن ذلك إبداء العيوب المؤثِّرة للخاطب أو المخطوبة؛ لأنَّ ذلك من النُّصح في الدِّين، الذي أمر به الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلَّم - فعن تَميمٍ الدَّاري: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليْه وسلَّم - قال: ((الدين النَّصيحة))، قُلْنا: لمن؟ قال: ((لله، ولكتابِه، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتِهم))؛ رواهُ مسلمٌ وغيرُه.


وقد فعل النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا عندما قال لفاطمةَ بنت قيس، حينَ شاورتْه - عليه الصَّلاة والسَّلام - لمَّا خطبها معاويةُ بن أبي سفيان وأبو جهْم، قال: ((أمَّا معاويةُ، فرجُلٌ صعلوكٌ لا مالَ له، وأمَّا أبو جهْم، فلا يضَع العصا عن عاتِقِه))؛ متَّفق عليه.


كما أنَّ رعاية المصالح داعيةٌ إلى ذلك، ومعلوم أنَّ: جلْب المصالح ودرْءَ المفاسد أعظمُ مقصِدٍ من مقاصد الدين.


قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام": "الغِيبة مفسدةٌ محرَّمة، لكنَّها جائزةٌ إذا تضمَّنت مصلحةً واجبة التحصيل، أو جائزةَ التحصيل". اهـ.


وقال زكريَّا الأنصاري في "شرحه للبهجة الوردية"، وهو من كتب الشافعية: "(وجاز) بل وجب (الذكر للقباح)؛ أي: ذكر القبح الكائن (من خاطبٍ) أو نحوه، للمستشير فيه بالصِّدْق ليحذرَ؛ بذلاً للنصيحة، وليس ذلك من الغيبة المحرَّمة، نعم، إنِ اندفع بمجرَّد قولِه: لا تفعل هذا، أو لا تصلُحُ لك مصاهرتُه، أو لا خيرَ لك فيه أو نحوه - لم يَجُز ذِكْرُ عيوبه، قاله النوويُّ في "أذكاره"، وقياسُه: أنَّه إذا اندفع بذكر البعْض لا يذكر الجميع.


(تنبيهان): أحدُهما: تقييدي وجوبَ ذلك بالاستِشارة، تبعًا "للمنهاج"، وأصله جرْيٌ على الغالب، وإلا فالظَّاهر ما اقتضاه كلامُ ابنِ الصَّلاح وجوبه ابتداءً، وهو قياس وجوبِه على من يعلم بالمبيع عيبًا، وما فرَّق به بعضهم من أنَّ الأعراض أشدُّ حرمةً من الأموال، ردَّه الأذرعي بأنَّ النَّصيحة هنا آكَد وأوجب". انتهى كلامُه مختصرًا.


وقال العلاَّمة ابن قاسم العباديُّ في "حاشيته" على الشرح المذكور: "قوله: (للمستشير) ليس بقيْد؛ بل يَجب ذِكْر ذلك وإن لم يُسْتَشَر، كما يَجب على مَن علم بالمبيع عيبًا أن يُخبر به مَن يُريد شراءَه مطلقًا". اهـ.


وقال الإمامُ ابنُ حجرٍ الهيتَمي في "الزَّواجر عن اقتِراف الكبائر": "الأصْل في الغِيبة الحُرْمة، وقد تَجِبُ أو تُباح لغرضٍ صحيحٍ شرْعي، لا يُتَوَصَّل إليْه إلاَّ بِها"، ثُمَّ ذكر الأبواب التي تَجوز فيها الغيبة، ومنها قوله: "الرابع: تَحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتُهم: كجرْح الرواة والشُّهود، والمصنِّفين، والمتصدِّين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهليَّة، أو مع نحو فسْقٍ أو بدعة، وهم دعاة إليْها ولو سرًّا؛ فيجوز إجماعًا بل يَجب، وكأنْ يشير - وإن لم يُسْتَشَرْ - على مُريد تزوُّج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي، وقد علِم في ذلك الغير قبيحًا منفِّرًا: كفسْقٍ، أو بدعةٍ، أو طمعٍ، أو غيرِ ذلك، كفقْرٍ في الزَّوج". اهـ.


وبناءً على ذلك؛ فإنَّه لا حرجَ عليْك في تنبيهِ عمِّك على العيوب التي علِمْتَها وتيقَّنت منها، ولا زال الخاطِبُ عليْها، بشرْطِ أن تكون هذه العيوب ممَّا يؤثِّر في الحياة الزوجيَّة، أمَّا إذا كانت تلك العيوب التي وصلتَ إليْها إنَّما هي مجرَّد ظنٍّ وتَخمين، دون دليلٍ عليْها، أو كانت لا تؤثِّر في الحياة الزوجيَّة، أو كانت به لكنَّه تاب منها وأقلَع عنْها - فلا يَجوز لك التحدُّث بِها؛ لأنَّ ذلك من الغِيبة المحرَّمة، وفيه مُخالفة صريحة للأحاديث التي صرَّحت بوجوب ستْر المسلمين، والحِفاظ على سُمْعتِهم.
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس