عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 08-17-2008, 04:27 AM
الفاررة الي الله الفاررة الي الله غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




Icon41

قصة نجاة نوح عليه السلام وهلاك قومه

قال تعالى:*لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" [الأعراف: 59].

إن ثوابت دعوة نوح عليه السلام، الدعوة إلى عبادة الله وتوحيده، والتحذير من عدم الاستجابة إلى توحيده.

فلم يستجب قومه إلى ما دعاهم إليه، بل استكبروا وعتوا وتجبروا، قال سبحانه:*وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ" [يونس: 71].

وجاءت سورة هود لتبين لنا الحوار الطويل بينه وبين قومه، الذين حاججهم وجادلهم وأقام عليهم الحجة وبين لهم طريق الهداية، حتى أجاب قومه بقولهم:*يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" [هود: 32].

:astagfor:
ثم بين الله له النهاية في هؤلاء:*وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُّؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ` وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ" [هود:37،36].

لقد كان نوح عليه السلام صابرًا وثابتًا في دعوة قومه إلى عبادة الله تعالى، فاتخذ معهم جميع الأساليب الدعوية المتنوعة في محاولة صادقة لهدايتهم وتعبيدهم لله تعالى، قال تعالى:*قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا ` فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا ` وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ` ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا" [نوح: 5- 8].

ومع هذا الجهد العظيم والصبر الجميل والثبات المنقطع النظير، والحرص المستمر إلا أن قومه رفضوا وامتنعوا من الإجابة *قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ" [الشعراء: 111]. ثم قالوا: *لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ" [الشعراء: 116]، ولم يؤمن مع نوح إلا فئة قليلة من قومه حتى زوجته وأحد أبنائه غرقوا في مستنقع الكفر الخبيث, قال تعالى:*ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" [التحريم: 10]، وقال تعالى:*وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" [هود: 45]، وقال تعالى: *قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ" [هود: 40]. وفي نهاية المطاف وفي آخر مراحل الدعوة وبعد أن علم استحالة استجابة قومه لدعوة التوحيد، قال كما حكى عنه القرآن الكريم في قوله تعالى:*قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ` فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [الشعراء: 117، 118]، وقوله تعالى:*فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ" [القمر: 10]، وقال تعالى:*وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ` إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا" [نوح: 26، 27].

لقد استجاب الله لدعوة نوح عليه السلام, ولقد أحسن نوح عليه السلام استعمال هذا السلاح العظيم الذي يغفل عنه الكثير من الدعاة العاملين.
:anotherone:


قال تعالى:*فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ` فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ` وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ` وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ` تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَنْ كَانَ كُفِرَ ` وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" [القمر: 10- 15]، لقد لبث قرابة عشرة قرون، وكانت النتيجة:

1- لم يؤمن من قومه إلا قليل.

2- لم تؤمن زوجته ولا أحد أبنائه وهم أقرب الناس إليه, ومع ذلك فإنه يعد منتصرًا، بل إنه حقق أعظم الانتصارات وتمثل ذلك في:

1- صبره وثباته طوال هذه القرون، وعدم ميله إلى محاولات قومه - وحاشاه من ذلك - أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم.

قال تعالى:*وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" [هود: 38].

2- حماية الله له من كيدهم ومؤامراتهم:*قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ" [الشعراء: 116]، ولم ينته نوح عن دعوة التوحيد وتحقيق معاني العبادة لله ومع ذلك ما استطاعوا إليه سبيلاً.

3- إهلاك قومه الذين كذبوا بالغرق:*وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ" [الأعراف: 64].

4- نجاة نوح ومن آمن معه*فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ" [الأعراف: 64].*وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ` تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَنْ كَانَ كُفِرَ " [القمر: 13، 14].

5- إن قصة انتصار نوح وإهلاك قومه أصبحت آية يعتبر بها، وجعل الله لنوح لسان صدق في الآخرين:*وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" [القمر: 15]. *ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" [الإسراء: 3]. *سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ" [الصافات: 79].*إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" [آل عمران: 33].


:ozkorallah:
وهكذا تتضح حقيقة النصر من خلال قصة نوح عليه السلام.. إن قوم نوح لم يكن في زمانهم على وجه البسيطة إلا هم، وقد كفروا بالله، وتمردوا على رسوله، سوى فئة قليلة هي التي آمنت به، فإن الله - سبحانه - أهلك جميع من في الأرض، يومئذ سوى نوح ومن آمن معه، حماية للمنهج الذي ذكر نوح أنه معرض للزوال إن بقى هؤلاء.

قال تعالى:*إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا" [نوح: 27].

فأهلك هؤلاء على كثرتهم من أجل عدد من البشر يحملون الحق ويدافعون عنه، لقد أهلك الله تعالى أهل الكفر والطغيان، ومكن لأهل التوحيد والإيمان, وأصبحوا على وجه البسيطة موحدين محققين لمعاني العبادة في الحياة ([1]).

قال تعالى:*ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ" [الإسراء: 13]، قال الإمام الطبري ([2]) رحمه الله: (وذلك أن كل من على الأرض من بنى آدم فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة، قال قتادة ([3]): والناس كلهم ذرية من أنجى الله من تلك السفينة، قال مجاهد ([4]): بنوه ونساؤهم ونوح) ([5]).

قال سبحانه:*أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ" [مريم: 58].

إن التمكين الفعلي والانتصار العظيم والإعزاز الكريم عندما يتمكن منهج رب العالمين من نفوس أهل الإيمان، وإن كانوا قلة، فالعبرة ليست بكثرة المؤمنين والمستجيبين للحق، وإنما في صفاء المنهج الرباني الذي يعتقده أولئك الأفراد سواء أقلوا أم كثروا، ولذلك فإن بضعة نفر أو يزيدون، ولا يتجاوزون ثلاثة عشر فردًا يحملون معنى التوحيد، ويحققون معنى العبودية، يهلك أهل الأرض جميعًا حماية لهؤلاء وللمنهج الذي يمثلونه ويحملونه، ما دام هناك خطر يهدد بزوالهم، ومن ثم زوال المنهج الذي يحملونه:*إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا" [نوح: 27].

إن هلك الكافرين ونجاة المؤمنين، وسلامة المنهج الرباني القائمين عليه وما بذلوه من الصبر والثبات على ذلك نوع من أنواع التمكين التي يكرم الله بها من يشاء من عباده.

إن الله مكن لنوح عليه السلام ومن آمن به على وجه الأرض، فأمر السماء أن تقلع والماء أن يغيض في الأرض, والسفينة أن تستوي على جبل الجودي تمكينًا لسفينة الإيمان وأهلها ([6]).



:astagfor:

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) انظر: حقيقة الانتصار للدكتور ناصر العمر ص (38، 39).

([2]) هو الإمام المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملى الطبري البغدادي، ولد سنة 224هـ, حفظ القرآن ورحل في طلب العلم وعمره 12 سنة, ولم يزل طالبًا للعلم مولعًا به إلى أن مات. واشتهر بالتفسير والفقه والتاريخ ت 310هـ انظر: سير أعلام البنلاء (14/267).

([3]) هو قتادة بن دعامة بن عزيز أبو الخطاب السدوسى الأعمى الحافظ المفسر، عالم أهل البصرة, مات بواسط سنة 117هـ ، انظر: تذكرة الحفاظ (1/122).

([4]) هو مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المقرئ المفسر الحافظ مولى السائب بن أبي السائب، كان فقيهًا ورعًا عابدًا، قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت، توفى سنة 103هـ. انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ، ص42.

([5]) انظر: تفسير الطبري (8/ 215).

([6]) انظر: حقيقة الانتظار، ص (40).
رد مع اقتباس