عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 09-29-2012, 10:59 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

18) هل المادة الثاني من الدستور المصري تؤسلمه؟


السلام عليكم ورحمة الله.


إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الديمقراطية تفرض على النائب الإسلامي أن يستمد شرعيته من الشعب لا من الشريعة، وأن قوانين الأحزاب والانتخاب تكرس ذلك. فخضوع النائب الإسلامي لهذه القوانين هو تخلٍّ عن الشريعة من الخطوة الأولى.




وقلنا أنه مع ذلك فإن الذين حبكوا النظام البرلماني وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة. الباب التالي هو القسم على احترام الدستور الوضعي. ففي مصر مثلا، المـــادة 42 من الإعلان الدستوري تقول:
يقسم كل عضو من أعضاء مجلسي الشعب والشورى أمام مجلسه قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية :
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون".
طبعا الدستور الأخير هو دستور 1971 الذي جرت عليه تعديلات عديدة ومن ثم تبعه الإعلان الدستوري ولواحقه. تعالوا الآن نرى بنودا من الإعلان بصيغته الأخيرة التي أقسم النواب الـ"إسلاميون" على احترامها:


مادة 1: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة
إذن فالنظام ديمقراطي يقوم على جعل التشريع للبرلمان، لا لله، ويقوم على أساس المواطنة، إذن لا اعتبار للدين في حقوق وواجبات حكم الشرع بالتفريق فيها، وبالتالي فالدستور يمَكِّن النصراني والمرتد أن يتولى الحكم أو القضاء مع الإجماع الشرعي على عدم جواز ذلك. وهذه المخالفة الصارخة تؤكدها مرة أخرى المــــــادة 7 التي تقول:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.




نتجاوز المادة الثانية لنعود إليها بعد قليل.

المادة الثالثة:
(السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات –أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية).
هذه المادة تأكيد على أن السيادة ليست للشرع والخضوعَ ليس لله، بل الشعب هو الذي يشرع لنفسه.
مــــــادة 24: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)...لاحظوا، لاتنفذ من حيث هي حكم الله بل لأن الشعب أرادها. أي يكون صدور الاحكام تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله.
مـــــادة 33: (يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع):
تأكيد رابع على أن المشرع ليس ربَّ الشعب سبحانه، بل الشعب ومن ينوب عنه.


إخواني هذه المواد هي أحجار الأساس في النظام الديمقراطي، هي أركان دين الديمقراطية المصادم لدين الله تعالى القائل: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))،

والقائل: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون))
تحكيم الشعب والبرلمان هو اتباع لأهواء البشر الذين إن انقطعوا عن الوحي فهم لا يعلمون.


وهذا هو الدستور الذي يقسم النائب الإسلامي على احترامه. يعني مؤدى قسمه: أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للشعب بدلا من الله العظيم!

قسمٌ بالله على احترام دين غير دين الله! قسم بالله على احترام اشتراك بشر مع الله في صفتة من صفات ألوهيته وربوبيته، وهي التشريع ووجوبُ الطاعة لهذا التشريع. هذا هو مؤدى القسم.
بل قد أقر البرلمانيون "الإسلاميون" الإعلان الدستوري ووافقوا عليه بصورته هذه والله المستعان!


وطلب القسم هذا من التناقض العجيب في دين الديمقراطية، فهي تمنع النائب من الانتساب لحزب ديني أو رفع شعار ديني في حملته، ثم لتضمنَ الديمقراطية لنفسها التزام النائب بها تجعله يقسم قسما دينيا!

سيقول قائل: لكن المادة الثانية من الدستور المصري ذاته، وكذلك من الإعلان الدستوري تنص على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).


فنقول إخواني هذه المادة إمعان في الضلال. لماذا؟ دعونا بداية نتناول نص المادة فقرة فقرة بمعزل عن الدستور، ثم نضعها في سياق الدستور المصري لنرى هل هذه المادة موافقة لدين الله تعالى:


أولا: نص المادة:
أما (الإسلام دين الدولة) فمعروف أن هذه العبارة لا تحمل عند أرباب الدستور أي معنى تشريعي، بل هي ديكور وتلبيس وإلجام للأفواه وضحك على الذقون. إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى من يسب الله جهارا في وضح النهار في بلاد المسلمين ومن يسخر من أحكامه... في هويته عبارة: (الديانة: الإسلام). لو تقدمنا بشكوى ضده في المحاكم فهل تستطيع أن تقنعها ولو بحذف هذه العبارة من هويته؟ لن تستطيع. إذا مات أبوه فهل تستطيع أن تقنع المحاكم بألا تورِّثه لأن الكافر لا يرث المسلم؟ لا تستطيع. إذا أراد الزواج بمسلمة هل تمنعه الدولة؟ لا تمنعه...لماذا كل هذا؟ لأن دين هذا الرجل رسميا عندها الإسلام. بل لعلك إن اتهمته بالكفر والردة وقدم ضدك دعوى تشهير فإنه يكسب القضية!


فالدولة التي تصر على أن دين هذا الرجل رسميا هو الإسلام هي ذاتها التي تكتب في دستورها (الإسلام دين الدولة). ومدلول كلمة
دين في هوية هذا الرجل هو كمدلولها في الدستور. فهذه الفقرة لا تحمل أية أهمية تشريعية أو غير تشريعية.


الشق الثاني من المادة:
ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. إذا علمنا أن رد التشريع إلى الله
هو من توحيد الربوبية وتوحد الألوهية كما أسلفنا، فإن معنى هذه المادة بالضبط: (الله هو الإله الرئيسي)، أو: (لا إله رئيسي إلا الله)! وهذا لا يختلف كثيرا عن منطق العرب في الجاهلية حين كانوا يرون ان الله إله رئيسي لكن معه آلهة أخرى!
قال تعالى: ((ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير))...إذا دعي إلى تحكيم الشريعة فحسب رفضوا، وقالوا بل لا بد من إشراك مصادر أخرى معها.



((وإذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون))


هذا النص (المصدر الرئيسي) يعني بأن مبادئ الشريعة معروضة ضمن تشريعات أخرى أمام البرلمان المشرع الذي ادعى لنفسه صفة من صفات الربوبية والألوهية. فيتنقي البرلمان من الشريعة ما يعجبه ويرد ما يعجبه. وينتقي من غير الشريعة من قوانين البشر ما يراه أصلح من الشريعة في جانب من الجوانب...وهذا إشراك لمصادر أخرى مع الله في التشريع...والله أغنى الشركاء عن الشرك وهو القائل: ((ولا تشرك في حكمه أحدا)).

فإن قال قائل: لماذا لا تحمل هذه العبارة على الاستفادة من مصادر أخرى فيما لم تحكم به الشريعة؟ فالجواب أن الشريعة ذاتها تقرر كيفية الاستفادة من المصادر الأخرى بما لا يخالف أحكامها، فما الحاجة لكلمة (الرئيسي) إذا؟!

جنكيز خان في ياسقه ونابليون بونابرت في حكمه لمصر وغيرهما كانوا يأخذون من أحكام الشريعة الإسلامية ضمن شرائع أخرى. فهل جعل ذلك حكمهم إسلاميا؟!




كان هذا بالنسبة لعبارة (المصدر الرئيسي للتشريع). هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ لا! بل إمعانا في الضلال تقول المادة: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)
ما هي مبادئ الشريعة عندهم؟ العدالة والرحمة والكرم والسماحة والتقدم والرقى والحضارة وحفظ النفس والمال. وهذه هي أيضا المبادئ المعلنة للنصرانية والبوذية والهندوسية والكنفوشية والبهائية والقاديانية بل والاشتراكية والشيوعية! نص هلامي لا يسمن ولا يغني من جوع!




وعندما اقتُرح تغيير النص إلى (أحكام الشريعة الإسلامية)، اعترض بعض الـ"إسلاميين" المصرين على ترك الأمور هلامية مائعة مطاطة، وهو ذاته الفصيل الذي قال قائله: (إنما سنسعى إلى تطبيق مبادئ الشريعة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة)!
إذن ففي هذه المادة (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)، لا كلمة دين لها دلالة ولا أثر، ولا كلمة مبادئ لها دلالة ولا أثر، ولا عبارة (المصدر الرئيسي للتشريع) تعني إفراد الله عز وجل بحق التشريع.
إذن فقد بينا أن أرباب الدستور حبكوا المادة الثانية في مفاصلها الثلاثة لتمنع تطبيق الشريعة وتبقى مع ذلك زخرفا من القول تذر الرماد في العيون وتضحك على الذقون!




سيقول قائل: (لقد غابت عنك حقيقة مهمة جدا!) ما هي؟ أن المحكمة الدستورية العليا قضت بقرار يجعل لهذه المادة أهميتها، بحيث إذا أحسن الإسلاميون استغلالها فإنها تؤسلم الدستور والقانون بالفعل. هذا القرار هو: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها)...أقول إخواني: لم يغِب عنا ذلك. بل هذا القرار لا قيمة له مطلقا! لماذا؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة عندما نضع المادة الثانية في سياق الدستور المصري لنرى أن هذه المادة لا تصلح متعلقا لغريق أبدا ولنرى مدى الغفلة أو التغافل الذي أصاب الإسلاميين البرلمانيين المتمسكين بهذه المادة.

خلاصة الحلقة: نص المادة الثانية من الدستور المصري هلامي متضمن لإشراك البشر في التشريع مع الله تعالى.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس