عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-03-2012, 08:17 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي


طبيعة العلاقة بين الحاكم والرَّعية :

العلاقة بين الحاكم والرَّعية في الإسلام هي علاقة وكالة , فهم وكَّلوه في أن يتكلم باسمهم , وأن يحكم باسمهم , وفي مقابل هذه الوكالة , يتنازلون عن جزءٍ من حريتهم ؛ لأنه لا يُعقل أن يكون كل تصرف من تصرفاته سوف يرضي جموع الرَّعية , فلا شك أنه سوف يتصرف تصرفات ترضي بعضًا ولا ترضي آخرين , وهذا الجزء من الحرية الذي يتنازل الرعية عنه إنما هو لأجل إصلاح المجتمع .
فالآية الثانية تُكلِّم الرَّعية في أن يسمعوا ويطيعوا , ليس سمعًا مطلقًا , وليست طاعة مطلقة كما هو مبيَّن في الآية .
كيف يتكون نظام الحكم في الدولة الإسلامية :
يتكون نظام الحكم من أركان عدة , نتكلم عليها بإذن الله U , ثم نشرح هذه الأركان . مراحل الحكم الإسلامي تتلخص في أركان أساسية :
الركن الأول : ضرورة الدولة للدين :
نحن نتكلم عن شريعة رب العالمين التي نزلت على محمد r , نزل عليه شريعة ؛ ] ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ [الشورى: 18], ونزلت عليه أوامر من عند ربه I , وأُمِرَ أن يبلِّغَها r ؛ ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [[المائدة: 67], وأُمِرَ أن لا يَحكم إلا بها ؛ ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [[النساء: 105],وأمر الله U نبيه r أن لا يحيد إلى غيرها ؛ ] وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [[المائدة: 49] , ونعى على مَن ابتغى في غيرها الخير ؛ فقال تعالى : ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [[المائدة: 50] , بل جعل الله I مَن تحاكَمَ إلى غيرها نَقْضٌ لإيمان العبد ؛ ] فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [[النساء: 65].
إذًا هناك دين , وهذا الدين – كما قلنا – يقيم حياة كاملة , وحتى يقوم هذا الدين فلابد له من دولة , وهذا موافق لبديهة العقول , فالدين لا يقوم بدون دولة , وهذه كانت دعوة النبي r حيث كان يطوف على القبائل يقول : مَن يحملُنِي أُبَلِّغْ كلمةَ الله , وله الجنة ؟
وكما هو معلوم أن الجاهلية عبارة عن مفاهيم وواقع , أي أن هذا الواقع الجاهلي مؤسس على مفاهيم , فحتى تزالَ هذه الجاهلية , ينبغي أن تزال أيضًا بواقع ومفاهيم .
فكتاب الله لابد له من الدولة حتى يظهر هذا الكتاب , فهذا الكتاب عبارة عن : أمر بالمعروف ونهي عن المنكر , وجهاد , وجمع وتوزيع الصدقات , وحماية المظلوم , والقصاص , والحدود , كيف تقوم هذا الأشياء بدون دولة وبدون شوكة ؟ لا يمكن أبدًا , وهذا كان واضحًا في خطاب الله U : ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى [[النور: 55], وأهمية هذه الآية ستظهر فيما بعد لنبيِّن بها أن إقامة الدولة لم يكن همَّ النبي r فقط , بل لنبيِّن أنَّ هذه الدولة قائمة إلى ما شاء الله . فمعنى أن الله U وعد المؤمنين إذا آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم , أي : أن يكون لهم خليفة , وكيان قائم على هذا الدين .
وقال I : ] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [ [الحج: 41] .
وقد صحَّ عن النبي r فيما رواه البيهقي وغيره حينما كان يعرض نفسه على القبائل , أنه r كان يعرض نفسه على هذا المبدأ , أن يستجيبوا له , وأن يقيموا كيانًا , فعرض نفسه r على بني شيبان([1]) , فقال سيِّدهم المثنَّى بن حارثة([2]) : إنما نزلنا في العراق على عهدٍ أخذه كسرى علينا , أن لا نُحْدِثَ حَدَثًا , ولا نؤي مُحْدِثًا , وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك [ إذًا هو لم يأمره r بالصلاة والتسبيح فقط وإلا لما أجابه بهذه الإجابة , فهذا لا يضر بالملوك , ولذلك نريد أن نقول : الدين يعني دولة , وهذا أول دعوة النبي r ] فإن أحببت أن نؤيدَك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله r : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق,وإنَّ دين الله لن ينصره إلا مَن حاطه من جميع جوانبه ...
يعني : ما يكرهه كسرى , وهو نظام الحكم البديل لنظامه ونظام غيره , فهذه دعوة النبي r التي يؤيدها الكتاب والسنة , وهذا كان واضحًا في بيعتي النبي r للأنصار :
البيعة الأولى : كانت على أشياء تخصهم بينهم وبين ربهم I .
والبيعة الثانية :في حديث جابر بن عبد الله : قلنا : يا رسول الله , عَلَامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ [ وهذا يبيّن أنه نظام قائم , ليس صلاة وصوم وحج وزكاة , وإنما هناك مَن يقول , وهناك مَن يستمع ] وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ , وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ [ يلاحظ أنه يكلم اثنين وسبعين رجلاً مختبئين في شعاب مكة , يخافون أن يخرج عليهم أحد فينفضَّ المجلس وكل شيء , لكنه يقول لهم وإن بدا أننا الآن بعيدين عن هذا الأمر , لكن هذا هو الذي ينبغي أن يكون في حِسِّنا وفي وِجداننا وفي خطابنا وفي أفعالنا ] وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عليكم فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةُ [ طبعًا :حدث تطوير لهذه البيعة بعد ذلك في غزوة بدر فتطورت بدلاً من الدفاع فقط إلى الهجوم ]فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ , فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ فَقَالَ : رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ , إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ , إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً [ يعني سوف يدخلون في مواجهة مع العرب كلهم , وهذا منبثق من فهمهم أن الإسلام دين ودولة , وأن هناك نظام قائم يقتضي هذا ] وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ , وَأَنْ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ ...
وهذا هو نفس الأمر الذي جعل أمر الدولة في حِسِّ الصحابة y ؛ ولذلك انشغلوا عقب وفاة النبي r بأمر غريب جدًا وهو أنهم انشغلوا في سقيفة بني ساعدة مَن الذي سيَحكم ؟ فإذًا هذا أتى من اعتقاده بأن دينهم هذا لا يقام ولا يصلح إلا بدولة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنَّ الله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح , لا لرفع الفساد بالكلية , فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية ؛ إذ لابد فيها من فساد([3]) . اهـ .
فإذًا كل هذه الدعوة لتقليل الفساد , لكن إذا كنت تحلم بإزالة الفساد بالكلية , فهذا لم يحدث في عهد النبي r .
رد مع اقتباس