عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-09-2015, 12:05 AM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




Icon15 حان موعد الدراسة (قصة) / ثناء بلعابد

 

حان موعد الدراسة

وقفت كعادتي أمام باب المدرسة القديمة، جوارها كان دكّان عمي أبي حذيفة،
رحل عمي أبو حذيفة، واختفى الدكان من قصف القذيفة!

صديقتي رقيَّة لا توجد بين البقية! وأمينة: ما الذي أصابك، قد كنت سمينة؟!
تشير بالبنان ببنية ضعيفة، نعم أنت رَغَد؟ نعم رغد من دون يدٍ!
دخلنا في قلة قليلة، تجمعنا زاوية صغيرة في الساحة العظيمة.

اقتربنا من علم سوريَّا، من علم نظيف تحمله السارية!
في مشهدِ آلمني قسمُنا الذي كان يطلُّ على الساحة، الذي كنت أراقب منه العَلَم الذي يُرفرِفُ، اليوم غاب قسمُنا، لكن حطامَه حاضرٌ في الموقف!

غيّرت نصب ناظري، فإذا به معلِّمي، معلمي أسامة، مِئزره مشوَّهٌ، وفي وجهه ظلمة! هُرِعت إليه كعادتي: صباح الخير سيدي أأمسح السَّبُّورة؟ أأحمل أوراقك لمكتب المديرة؟ أندرس اليوم التعبير؟ أنكتب اليوم عن قصة أليمة؟

مسح رأسي، وداعب بين شعري الفكرة الحزينة، وقال: بُنَيَّتي، سننشد النشيد:
وقفنا لسوريَّا... كنت أحسب أن حبيبتي سوريا هي قماش أبيض لطَّخوه بالألوان، رسموا عليه النجمتين، وأودعوه للرياح تهيم به اليمين والشمال.

ننشد الأقوال، نغني ببرودة، ثم ننتشر إلى الأقسام، دخلنا في نظام يَحدونا صمت قاتل، بل سفاحٌ يُقتِّل الأطفال.
أتيت أنا لأجلس، فلا كرسيَّ صالح ولا طاولة!
الرعب يستوطن المكان!
المهم جلسنا كلنا بتعاون، في كل مقعد اثنان.
معلمي بصوت خافت: نرحب بكم في سنة جديدة، حزينة!
♦ ♦ ♦

بعد هنيهة، يلملم أوراقًا قديمة، ركَّزَ في رأس الصفحة ثم قال: قائمة الحاضرين!
صرخت قائلة: معلمي، قائمة الأحياء!
ثناءُ؟ على قيد الحياة!
رقية؟ نعم حاضرة معلمي، لكن أشعر بالعناء.
رَغَد؟ يدي سبقتني إلى السماء!
فلانة؟ استشهدت!
فلان؟ رحل!
فلان؟ جُنَّ من فقدان أهله!
لا بأس، و زميلكم آلان؟
بكمٌ عمَّ الأفواه، وصممٌ غادر الآذان!

معلمي، آلان؟!
استدرت للوراء؛ أبحث عنه في يقين، وفي قوة إيمان، ثم وقفت قائلة قاتلةً مشاعري: أخي آلان استشهد، و نحن في سُبات!

معلمي؛ أين بلاد العرب، حبيبنا آلان هاجر حاملاً في جيبه الأحزان، هاربًا من قصف سمائنا وزلزال أرضنا؟!
معلمي؛ أين النشيد الذي كنا نصغي إليه في تدبرٍ؟! أين الأعلام التي تغطِّي عن أنظارنا الأمور والأسرار؟!
هل تَذكُرُ معلِّمي ضحكةَ آلان؟! وصرخة من صوته: "سوريا يا حبيبتي"؟!

هرب هذا الصبي إلى حِضن آخرَ يأوي طفولته، يطفئ شظايا قد جرَحت نعومة براءته؛ فكانت الأمواج أحنَّ حِضنًا، وكان آية من الله كآية ذي النون.

آلان يا معلمي طالما افتخر، طالما اعتزَّ بكونه عربيًّا، فمات في الخاتمة عند الغرباء،
انتهت معلمي قائمة الأحياء!

لا تكتب عربيًّا في قائمة الأحياء؛ فكلنا أموات، ما دمنا للحق أعداء!
معلمي، شهيدنا آلان هرب من سوريا لينعم بلحظة قصيرة، لا يسمع فيها مباعثَ البكاء!
أراد أن يرينا كم نحن أشقياء! كم أن في حياتنا قتلاً للأبرياء، وأننا كزجاجة مكسورة ليس لها شمل فلا داعيَ للعناء!

آلان يا معلمي يريدنا أن نسقط السارية النكراء، أن نرجع لربِّنا بتوبة نصوح، ووحدة عربية، ووحدة الإخاء!
حين يموت الطفل في مياه أوروبا، وننام نحن على حطام أو حرير، أفي الأحياء كنا أم في الزَّمْهَرير؟

طوى معلمي القائمة السوداء، ثم مضى ينسلخ من مِئزره، ينتشل الدموع، أخرجنا من قسمنا، وقال: أمامكم ساحة عظيمة، أمامكم سوريا، فامضوا سريعًا؛ كي تدفنوا ضمير الأمة العربية!
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس