الموضوع: هذه عقيدتنا
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-17-2012, 03:53 AM
أبو عائشة السوري أبو عائشة السوري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

قول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)
عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة – دخل حديث بعضهم في بعض - : أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائناً هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القرّاء ـ فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق. فقال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسـعة ناقة رســول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه – وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب – فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) ما يتلفت إليه وما يزيده عليه .
و من هنا ندرك أن الاستهزاء بشعائر الدين مثل اللحية و الإزار القصير و نقاب المرأة هو عمل المنافقين .

قول الله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي).
قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس: يريد من عندي
وقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب. وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.

في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له)
و لمسلم: (وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله . ولكن ليقل : غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي . ولا يقل العبد : ربي ولكن ليقل : سيدي " وفي رواية : " ليقل : سيدي ومولاي " . وفي رواية : " لا يقل العبد لسيده : مولاي فإن مولاكم الله " . رواه مسلم

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه} صحيح الترغيب و الترهيب رقم 852

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) رقم : 6650 صحيح الجامع

عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به)
رقم : 7315 في صحيح الجامع

قال ابن عمر رضي الله عنهما في منكري القدر: والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحد ذهباً، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). رواه مسلم

وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: (يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: رب، وماذا أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) يا بني سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: (من مات على غير هذا فليس مني) رقم : 2017 في صحيح الجامع

عن عبد الواحد بن سليم قال قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له يا أبا محمد إن أناسا عندنا يقولون في القدر فقال عطاء لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت فقال حدثني أبي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :{إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد} صحيح الترمذي برقم 2645

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) أخرجه البخاري و مسلم .

و للبخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله)المقصود بهؤلاء المصورين ،و يدخل في التصوير المحرم نحت تماثيل لذوات الأرواح سواءاً كانوا بشراً أم حيوانات، بالإضافة إلى رسمها بأدوات الرسم أياً كانت، و يخرج من التحريم التصوير الفوتوغرافي لعلةٍ و الله أعلم، أنه لا تتدخل فيه يد الإنسان ،إنما هو كانطباع صورة في المرآة أو على سطح الماء ،و للتصوير الفوتوغرافي تفصيل و أحكام أخرى ليس المقام لتفصيلها هنا ، و أما بالنسبة للدمى، فقول أهل العلم و الله أعلم أنها إذا كانت بيد الأطفال للعب و الامتهان فلا حرج فيها إن شاء الله، أما إذا وضعت كصمديّات في الغرف فلا يجوز شرعاً و الله أعلى و أعلم

ولهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم) .
ولهما عنه مرفوعاً: (من صوّر صورة في الدنيا كلّف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ)

ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي عليّ: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)،و القبر المشرف هو الشاهدة ،و السنة الصحيحة أن يوضع ماكن القبر حجر لا ترتفع زيادة عن اللزوم ،و حدّ الصورة هو الرأس، أي أننا إذا قطعنا رأس التمثال أو محونا هذا الرأس إذا كان مرسوماً فلا حرج من وجودها كما صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : "الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة "
السلسلة الصحيحة رقم 1921

قول الله تعالى: (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب) السلسلة الصحيحة برقم 3363 ،الكسب هو البركة و الله أعلى و أعلم

عن جندب بن عبد الله رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا اغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك)
رواه مسلم.

عن مطرف بن عبد الله الشخير قال : قال أبي : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا . فقال : " السيد الله " فقلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً . فقال : " قولوا قولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان "
مشكاة المصابيح رقم 4900
وهنا مسألة مهمة: أيهما أفضل قولنا سيدنا محمد أو نبينا محمد صلى الله عليه و سلم؟
الجواب: إن السيادة تعطى حتى لأفسق وأعصى خلق الله فمن قرأ مثلا في كتب السير والتاريخ يجد عبارة مثل "سادات قريش ووجهائها وكبرائها" ويكون المقصود بهم أبو جهل وأبو لهب وغيرهم أما النبوة والرسالة فهما لا تعطيان إلا لصفوة الصفوة من الخلق على الإطلاق .
وللعلم النبوة غير الرسالة، المقصود بالنبي هو من
ينزل عليه الوحي وليس بالضرورة أن يُبعَث برسالة،
وأما الرسول فهو نبي مرسل ،فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" وارد في صحيح مسلم، لكننا نلاحظ أن أبو هريرة رضي الله عنه وهو أعلم منا بمراد الحديث قال في روايته له "قال رسول الله" ولم يقل قال سيدنا محمد صلى الله عليه سلم ،بل وجميع الصحابة رضوان الله عليهم معظم صيغ ندائهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

العقيدة من العقد والوثاق، والاعتقاد هو الحكم الذهني الجازم على الشيء بحيث ينعقد على المخ عقداً وثيقاً، فإن كان صحيحاً صح المخ وسلم القلب، وإن كان خاطئاً فسد المخ وضعف القلب ،ويضعف البدن كتحصيل حاصل.
وسمي أهل السنة والجماعة بأهل السنة لأنهم متمسكون بها، والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها.
اعلموا يا أخواني وأخواتي أن عقيدة توحيد الله تشتمل على ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية _ توحيد الألوهية _ توحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية:
إفراد الله في ثلاثة أمور: الخلق _ الملك _ التدبير
فإن قال قائل: إن الله تبارك وتعالى قال في كتابه "فتبارك الله أحسن الخالقين" فهل يعقل وجود خالقين مع الله؟ قيل: إن الخلق في اللغة هو الإيجاد، وخلق الله إيجاد من العدم، وأما خلق غير الله فهو إيجاد من مثال أو أصل سابق مثل إيجاد سلطة الخضار من الخضار، وخالق العناصر على الحقيقة والأصل هو الله.
وإن قال قائل: كيف يكون الله متفرداً بالملك رغم وجود ملوك غيره؟ قيل: ملك الله على كل شيء مطلق لا يحده شيء على الإطلاق، وملك غير الله مقيد دائماً، فما تحت يدي لي ،وما تحت يد غيري ليس لي بالضرورة، حتى ما تحت يدي أنا ليس لي حرية التصرف فيه مطلقاً.
كذلك الأمر بالنسبة لتفرد الله في التدبير.
توحيد الألوهية:
هو إفراد الله بالعبادة، ويسمى أيضاً توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله يسمى توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العبد يسمى توحيد عبادة.
والعبادة مبنية على أمرين :المحبة والتعظيم، ومن المحبة تنشأ الرغبة، ومن التعظيم تنشأ الرهبة ،ومن المحبة يأتي الرجاء، ومن التعظيم يأتي الخوف ،ومن المحبة يأتي امتثال الأوامر ،ومن التعظيم يأتي اجتناب النواهي ،ومن هنا فقول القائلين عبدنا الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته ولكن شوقاً إليه ومحبة به قول فاسد، لأن الله مدح من يعبده خوفاً وطمعاً ويرجوا رحمته ويخشى عذابه في مواضع في القرآن لا سبيل لحصرها في هذا المقام، ولم يأتِ موضع واحد من كتاب ولا سنة بما ادعى به هؤلاء ،والصواب أن نقول عبدنا الله خوفاً من ناره وطمعاً في جنته وشوقاً إليه ومحبة به
وبالنسبة لتوحيد الألوهية ،قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه لا يدعون مع الله إلهاً آخر فكيف يكون الله متفرداً بالألوهية ومقراً بألوهية غيره؟ قيل :ألوهية الله ثابتة وألوهية غيره باطلة، نأتي بمثال على ذلك ولا تشبيه، لدينا طبيبان، الأول معه شهادة طب ويجيد المهنة ،و الثالث ليس معه شهادة ولا يعرف شيئاً عن الطب ويدعي أنه طبيب ،فيقال للأول طبيب بحق ويقال للثاني طبيب كذاب

مدار ضلال الكثير من البشر وحتى كفار قريش على إنكار توحيد الألوهية وإثبات الربوبية، حتى إبليس، ولكن خالف الكثير الكثير توحيد الربوبية ،حتى ممن يدعي الانتساب إلى أهل القبلة، ومثال ذلك أرباب الطرق الصوفية الذين ادعوا بأن مشايخهم الأقطاب والأوتاد يتحكمون بالعالم ويغيثون في الشدائد والنوازل، والرافضة الذين اعتقدوا نفس الشيء في أئمتهم الاثني عشر كما هو معروف عنهم، لكن مدار جهل معظم المنتسبين إلى القبلة هو خلطهم في مسألة توحيد الأسماء والصفات التي نفصلها في مبحث آخر بعون الله وتوفيقه .
ينبغي علينا الإشارة إلى أمر مهم للغاية ،ألا وهو أن الكثير من التكفيريين الخوارج أضافوا ركناً رابعاً سموه توحيد الحاكمية أرادوا به تكفير كل من لم يحكم بما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله ليس كافراً بالضرورة، وتفصيل ذلك كالتالي:
قال الله تعالى :ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
الآن اقرأوا معي أقوال أهل التفسير في هذه الآية الكريمة:
قال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس قال :"ليس بكفر ينقل عن الملة" .
قال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : "كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق: ونوضح بعون الله كيف يكون الكفر والظلم والفسق أكبراً مخرجاً عن الملة أو أصغر لا ينقل عن الملة.
غلت في مسألة التكفير طائفتان، طائفة غلت في عدم التكفير حتى قالوا لا يضر ذنب مع إيمان كما لا ينفع عمل مع كفر، وإيمان أحط البشر كإيمان جبريل وميكائيل فضلاً عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما ،هذه الطائفة تسمى بالمرجئة، وأما الطائفة الثانية فقد غلت في التكفير حتى أخرجوا فاعل الكبيرة من الزنا والسرقة والقتل من الإسلام بالكلية وقالوا بأنه كافر في الدنيا مخلد في النار يوم القيامة ،ألا وهم الخوارج ،وبهذه المناسبة نذكر بأن المعتزلة قالوا بأن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين ،وهذا أيضاً قول باطل لا دليل عليه لا في القرآن ولا في السنة المطهرة ،فالله تعالى يقول :"وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" طبعاً سبب ضلالهم أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً لا يتجزأ ،وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر ونذكر منها قوله تعالى:
" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً"
ولتوضيح عقيدة أهل السنة والجماعة في فاعل الكبيرة يجب علينا أن نعرّف الكفر، الكفر لغة الغطاء، و اصطلاحاً: قول أو فعل أو عمل مخالف للشرع يغطي إيمان المرء ،وهذا الغطاء إما أن يكون كلياً مخرجاً عن الملة ،أو جزئياً لا يخرج عن الملة ،ودليل تقسيمه إلى أكبر وأصغر هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الصحيحين وغيرهما :"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "وهنا فلقد فرق أهل العلم ومنهم ابن تيمية رحمه الله بين مفهومين هما الإيمان المطلق، ومطلق الإيمان، وفاعل الكبيرة الذي توافرت فيه شروط الإيمان مع كبيرته فقد الإيمان المطلق، الذي هو درجة كبيرة من الإيمان، ولكنه لم يفقد مطلق الإيمان، الذي هو جذر الإيمان أو جذوته أو أصله في قلبه، ثم إن التكفير يعد من أخطر أبواب الفتوى على الإطلاق ،يعدّ الراسخون في العلم حتى المليون قبل أن يدخلوا فيه للحديث الوارد في الصحيحين وغيرهما وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" .
قال السدي: "ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين ويوضح هذا المعنى القول التالي:
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : "من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق "بمعنى، أن شرط خروج من لم يحكم بما أنزل الله عن الملة هو الجحود ،بمعنى أوضح ،لو سرق السارق أكثر من النصاب وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذا من الكبائر تقطع يده ،ولكن إذا اعتقد بأن السرقة حلال فإنه يخرج عن الملة بعد قيام الحجة و الاستتابة حتى ولو لم يسرق في حياته ولو مرة واحدة، فشرط تكفير من لم يحكم بما أنزل الله أن يعتقد بأن القوانين الوضعية الفاجرة أفضل من الحكم بالشرع ،والاعتقاد محله القلب ونحن لا نحكم على الظاهر بشكل فاسد لسبب بسيط وهو أن من حسن إيمان المرء حسن ظنه بغيره وسوء ظنه بنفسه وليس العكس، فإن قال قائل :"إنهم يقيمون المحاكم ويضعون الدساتير التي تحكم بالقوانين الوضعية، فماذا تريد أكثر من هذا الدليل على جحود الحكم بشرع الله؟" نقول، ربما قام شارب للخمر بفتح خمارة والعياذ بالله، وهذا منكر عظيم بلا ريب وبلا شك، طيب هل كشفنا عن قلبه وعرفنا أنه استحل الخمر بهذا العمل؟ ليس بالضرورة ،ثم يجب أن يفهم التكفيريون بأن إقامة الحدود شأن أولياء الأمر فقط، ولو تُرِكَ الأمر لآحاد الناس فستتحول أمتنا بالكامل إلى غابة وستعم الفوضى ويقتل الأبرياء ،وهذا ما حصل فعلاً في الكثير من البلدان الإسلامية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والسر الكامن وراء اكتفاء الخوارج التكفيريين المعاصرين بالتكفير بكبيرة الحكم بغير ما أنزل الله فقط لا غير، هو أنهم لو كفّروا قاتل النفس بغير الحق ،و السارق ،و الزاني، لعرفهم الناس وقالوا لهم: أنتم خلف لسلف ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم و حاربهم علي رضي الله عنه وأرضاه ،أي أنه من تلبيس الشيطان عليهم ،وتلبيسهم على الموحدين .
فإن سأل سائل: "لماذا لا تقوم دولة الإسلام الآن و يتم تطبيق الحكم بما أنزل الله؟" هذا السؤال حق و جوابه هو التالي: خطب أحد الخلفاء الأمويين الأوائل و لعله عبد الملك بن مروان خطبة في الناس قال فيها:" أنصفونا أيها الناس ،تريدون منا أن نسير فيكم سيرة أبي بكر و عمر ، و لا تسيرون فينا سيرة رعية أبي بكر و عمر! نسأل الله أن يعين كَلَّاً على كلّ" و لنتدبر الآية الكريمة التالية :"وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون"
و نوضح أكثر و أكثر بقصة رمزية ،قال أحد الناس :"عندما كنت فتياً وفي مقتبل حياتي، كانت لدي طموحات كثيرة وأحلام جمة وكبيرة، وكنت أسعى بكل قوتي أن أغير العالم بأسره، ومع تقدم عمري وبلوغي سن الشباب كنت أرى العالم على حاله لم يتغير ،فحاولت تغيير بلدي التي أعيش فيها ،وكلما كبرت كنت أرى بلدي هي الأخرى لا يتغير، ولما صرت في سن الكهولة ونضجت حاولت تغيير الحي الذي أعيش فيه أو حتى أفراد أسرتي ،لكن الناس في الحي وعائلتي كانوا على حالهم أراهم كما لو أنهم لا يتغيرون وبنفس النمطية والروتين ،واليوم وقد كبر سني ورق عظمي أدركت الحقيقة ،كان علي أن أبدأ بتغيير نفسي أولاً، وبعد أن أقوم بإصلاح نفسي أسعى شيئاً فشيئاً لتغيير أفراد أسرتي إلى الأحسن، ومن أسرتي أسعى إلى الحي الذي أسكن فيه ،وبلدي التي أعيش فيها ،ومن يدري ،ربما كنت بعدها قادراً على تغيير الدنيا بأسرها"
أضاف الكثير من العلماء إلى أقسام التوحيد للضرورة مبحثاً آخر يتعلق بإثبات وجود الله تبارك وتعالى واستنباط الأدلة على ذلك من خلقه وآياته الكونية والشرعية، وكمثال على وجود الله سنتحدث عن خاصية فيزيائية للماء:
كل السوائل في الطبيعة على الإطلاق تزداد كثافتها بالحرارة وتتناقص بالبرودة، وشذ الماء عن هذه القاعدة ،فكثافته تزداد بالبرودة وتتناقص بالحرارة فما الحكمة من ذلك؟ الجواب: في المناطق الباردة ترتفع كثافة الماء في البحار والبحيرات ،ويكون الثلج المتساقط عليها أقل كثافة منها مما يجعله يطفو على سطح الماء وهذه العملية تعود بالنفع على الكائنات الحية من ناحيتين، الأولى أنها تحول دون وصول الجليد إلى الأعماق مما يؤدي إلى تجميد البحار والبحيرات مما يؤدي إلى موت الكائنات البحرية التي تعيش فيها ،والثانية هي تأثيرها على انتفاع البشر من لحوم تلك الكائنات وعلى الملاحة والسفر ،وفي الكثير من الأحيان كمورد لشرب الإنسان والحيوان ،طبعاً مع أخذ الاحتياطات في الملاحة من الجبال الجليدية ،وهنا نذكِّر بحادثة غرق الباخرة تايتانك من أول رحلة لها، سبب غرقها هو أنه كان مكتوب عليها السفينة التي تتحدى القدر .
إن في شذوذ الماء بالذات عن هذه القاعدة وأثره العظيم الذي ذكرناه لا يمكن أن يتم إلا عن طريق قوة حكيمة خبيرة لطيفة بالكائنات ،وهذه القوة إما أن تكون الله جل شأنه، وإما أن تكون غير الله، ودليلنا على أنه هو الله وحده لا شريك له هي الآية التي نزلت قبل قرون على رجل لا يعرف القراءة والكتابة صلى الله عليه وسلم ،تقول هذه الآية:" وجعلنا من الماء كل شيء حي".
ولا بأس من كلمة حول الشبهة المتداولة في عقول الناس ،والتي مفادها أن الشيطان يوسوس في رأس المسلم فيسأله :"من خلق كذا؟ الجواب :الله، من خلق كذا؟
الجواب: الله، فيوسوس الشيطان بقوله :من خلق الله؟"
والجواب :لنطرح سؤالاً بسيطاً في الرياضيات ،ما هو العدد الذي يسبق العدد ثلاثة؟ الجواب :اثنان، و ما هو العدد الذي يسبق العدد اثنان؟ الجواب: هو العدد واحد ،ثم ،ما هو العدد الذي يسبق العدد واحد؟ الجواب: هو العدد صفر ،ومن ثم، ما هي قيمة العدد صفر؟ الجواب: الصفر معدوم ولا قيمة له، فإذا كان العدد واحد في الرياضيات يسبقه العدم، إذاً فمن باب أولى أن الله الواحد الأحد الفرد الصمد ليس قبله شيء فهو الأول بلا بداية .
وهنا نود أن نشير إلى مسألة أخرى، يعتقد الكثيرون بأن الله يعرف بالعقل وفقط ،وهذا خطأ كبير، إذ أن الفلاح البسيط الأمي يعرف الله ويعبده ويخافه، لكن قد نجد العلماء الكبار الشديدي الذكاء يعبدون حتى البقر ،و الصواب أن الله يعرف بأربعة أشياء: العقل – الحس – الفطرة - الشرع
نشرع في هذا المبحث بالحديث عن توحيد الأسماء و الصفات ،فالرحيم اسم، و الرحمة صفة ،نبدأ بلمحة عامة: انقسم الناس في هذا القسم إلى ثلاثة أقسام: مكذِّب و مُأَوِّل ومحقِّق ،والتأويل عبارة عن تحريف، وسموه تأويلاً لتقريبه إلى أذهان العامة.
أول بدعة ظهرت في الإسلام هي الخوارج، والثانية هي القدرية، والثالثة هي الإرجاء ،والرابعة هي المعتزلة، والخامسة هم الجهمية (أتباع جهم بن صفوان) و الجهمية بدورهم انقسموا إلى قسمين: الأول قال بنفي الوجود والعدم على الله كلاهما ،والثاني قال بأنه يجب أن نذكر النفي ولا نذكر الإثبات ،مثل أن تقول: "إن الله ليس بجاهل ولا يجوز أن تقول بأن الله عليم" ،ثم جاءت فئة قالت بذكر الأسماء ونفي الصفات مثل "سميع بلا سمع" وهم المعتزلة، ثم جاءت فئة أثبتت الأسماء مع صفات معينة دون الأخرى وهم الأشاعرة، حيث أثبتوا سبعة صفات وأنكروا باقي الصفات وحرفوها عن مواضعها وسموا التحريف تأويلاً، وهذه الصفات سبعة "الحياة – الكلام – البصر – السمع – الإرادة – العلم – القدرة "مجموعة في هذا البيت:
له الحياة والكلام والبصر *** سمع إرادة وعلم واقتدر
ثم جاءت بدعة الحلول والاتحاد وإنكار البعث بعد الموت والآخرة .
وواجبنا تجاه نصوص القرآن والسنة في الأسماء والصفات إبقاء مدلولات ألفاظها على ظاهرها ،لأن القرآن نزل بلغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
وأسماء الله كلها حسنى ،أي بالغة في الحسن غايته من الكمال، وهي غير محصورة بعدد معين لنا، وذكر أن لله 99 اسماً لا يعني أن لله 99 اسماً فقط، ومثال ذلك أن أقول لأحدهم: "لدي 100 ليرة" لا يمنع أن يكون لدي في بيتي مليون ليرة مثلاً.
وأسماء الله تثبت وتقيد بالشرع لا بالعقل ،فالستار مثلاً ليس اسماً من أسماء الله لكن الستير ثابت بنص الحديث الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله حيي ستير"
وصفات الله تنقسم إلى : لازمة ذاتية – طارئة فعلية – معنوية – خبرية .
اللازمة أو الذاتية: مثل الحياة والعلم ،وسميت باللازمة والذاتية لأنها ملازمة للذات الإلهية.
الطارئة أو الفعلية: لها سبب معين ومناسبة ،مثل الرضا والمحبة والغضب ،وأما الكلام فهو لازم ذاتي باعتبار أصله ،وطارئ فعلي باعتبار آحاده(تكليمه لعباده بالقرآن والإنجيل على سبيل المثال)،والله يفعل ما يشاء متى شاء ،وكمثال للتوضيح وبدون تشبيه، يقضي الطفل سنواته الأولى لا يتكلم، لكنه وبعد سنوات يصبح قادراً على الكلام ويتكلم، وعلم البشر مسبوق بجهل، وعلم الله أصل مرتبط بذات الله لا ينفك عنه مطلقاً.
الخبرية :هي التي تثبت لنا بالخبر والسمع ،مسماها بالنسبة لنا أجزاء و أبعاض مثل الساق ،واليد ،و العين، والوجه.
المعنوية :مثل الرضا والسخط والمحبة والبغض ،و هي داخلة في الطارئة والفعلية.
وما يميز الصفة الذاتية عن الفعلية ،هو أن الذاتية لازمة، والفعلية متعدية ،فالحياة لازمة لله لا تتعدى إلى خلقه، والرحيم فعلية لأنها متعدية إلى المخلوقات.
ضل أهل الأهواء لأنهم حاولوا إدخال العقل في معرفة هذه الصفات، والرد عليهم في منتهى البساطة، إن الواحد منهم يعجز عن معرفة ما يحدث لجاره في الشارع المقابل له، فكيف سيعرف بعقله أشياء عن رب العزة جل شأنه وتقدست أسماؤه!
ذلك بأنه يقيس الأمور على ما يراه ويسمعه ويعقله على أرض الواقع وهذا قياس فاسد، فالطعام والشراب والنوم كمال للمخلق وتنقص من الخالق جل في علاه، وفي نفس الوقت فالتكبر نقص في المخلوق وكمال في الخالق.
انحراف الفرق الضالة في باب توحيد الأسماء و الصفات على أقسام: التحريف الذي سموه بالتأويل – التعطيل – التكييف – التمثيل – التفويض ،وهذه الأشياء في النصوص إما في اللفظ ، وإما في المعنى، ومثال التحريف في اللفظ قولهم في الآية:" كلم الله موسى تكليماً" هو أنهم وضعوا الفتحة على لفظ الجلالة وجعلوا موسى الفاعل الذي كلم الله لينفوا الكلام عن الله ،و مثال المعنى هو أنهم قالوا عن هذه الآية "الكلم هنا هو الجرح وليس الكلام ،أي يصبح المعنى (جرح الله موسى تجريحاً)"!
التحريف المسمى بالتأويل :حتى نفرق بين التحريف والتأويل ،فالتأويل يعني التفسير ،ويأتي بمعنى العاقبة من كلمة موئل ومآل ،فإذا كان التأويل بصرف اللفظ عن ظاهره بدليل فهو صحيح، وإن كان صرفاً للفظ عن ظاهره بغير دليل فهو تحريف ،مثل كلمة "حيِّهم" بمعنى الحي أو الشارع ،إذا كان سياق النص على ذلك فتأويلها صرف عن ظاهرها الذي هو بمعنى "ألقِ التحية عليهم".
التعطيل :معناه هو التخلية والترك ،والمراد به إنكار ما أثبته الله لنفسه بتحريف أو جحود ،كلياً أو جزئياً، مثل أن تقول :"إن الله لا يسمع ولا يبصر".
ومن هنا نلاحظ بأن التحريف الأول المسمى بالتأويل موقعه في الدليل ،والتحريف الثاني المسمى بالتعطيل موقعه في المدلول.
التفويض: وهو أيضاً أمر منسوب كذباً إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و الصحابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله عليهم أجمعين، و أن يقول القائل: "الله أعلم ،ربما كان الله يسمع ويبصر وربما لا" أي أنهم فوضوا الكلام ومروا عليه مرور الكرام دون فهم معناه أو التطرق إليه، والتفويض له ثلاثة مفاسد: الأولى :تكذيب القرآن ،لأنه نزل "تبياناً لكل شيء" وأكثر شيء ورد فيه هو الأسماء والصفات.
الثانية: تجهيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.
الثالثة: فتح الباب للزنادقة و الملاحدة والفلاسفة حتى يقولوا على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين.
التكييف: هو أن يذكر كيفية الصفة(يسأل عنها بكيف)،وهذا أيضاً لا يجوز شرعاً، بل نثبته كما ورد بالدليل السمعي الموافق للعقل، لأن الكيفية لا تدرك إلا بواحدة من ثلاث :مشاهدة الشيء - مشاهدة نظيره – الخبر اليقين عنه ،ونحن لا ننفي كيفية الصفة بل ننفي علمنا بهذه الكيفية.
التمثيل : هو أخص من التكييف ،فهو تكييف للخالق مع محاولة لتمثيله بمخلوق ،وأول من قال بالتمثيل هو هشام بن الحكم الرافضي قبحه الله.
الأدلة السمعية قسمان: خبر وطلب، مثال الخبر" ليس كمثله شيء "ومثال الطلب "فلا تجعلوا لله أنداداً".
ظن التعارض بين العقل والنقل عند المبتدعة سببه واحد من ثلاث: قلة العلم – سوء الفهم – التقصير في البحث ،و لو عادوا إلى الراسخين في العلم لأراحوا واستراحوا، فواجبنا تجاه المتشابه من النصوص هو رد المتشابه إلى المحكم حتى يصير النص محكماً بالكامل، ونصوص القرآن فيها المحكم وفيها المتشابه، أما نصوص السنة فكلها محكمة وليس فيها متشابه على الإطلاق.
ومثال ذلك: حديث "خلق الله آدم على صورته" الهاء في صورته عائدة على الله جل شأنه، وتفسير ذلك هو أن كلمة "صورة الله" إضافة تشريف لا إضافة بعض إلى كل ،مثلها مثل عبد الله – أمة الله – روح الله، ولو سلمنا جدلاً بأنها تشبيه و تمثيل هي لا تقتضي التمثيل المذموم بالضرورة، فقول أحدهم: "رأيت زيداً على صورة القمر ليلة البدر" لا يقتضي أن زيداً كوكب بارد، وفيه هضاباً ومرتفعات و انعدام جاذبية، ولله المثل الأعلى.
هذا هو طريق الفرق الضالة مع الأسماء والصفات، و نحن أهل السنة والجماعة لا نحرف الكلم عن مواضعه مهما كانت المسميات ،لأن تحريف الكلم عن مواضعه عمل اليهود، فكما أن قدماءهم برروا التحريف بمسمى التأويل ،فكذلك معاصروهم برروا التحريف بمسمى التجديد، تحريك الفكر والإبداع ،كسر حاجز الخوف و القضاء على الجمود والتقوقع والرجعية في عقلية المسلم المعاصر لمواكبة الحضارة المعاصرة، وليتهم يبدعون في مشاكل الأسرة والشباب والبنات ،أو الاختراعات والفيزياء و الالكترون ،أو علم الاجتماع ،أو الاقتصاد ،لكنهم يأتون ليصححوا ديناً تمت رسالته واكتملت ،وشريعة غراء ناصعة البياض كعين الشمس في وضح النهار، ومنهلاً عذباً فراتاً سائغاً شرابه وطعمه ،وقرآناً أحكمت آياته وفصلت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،ولم تتكفل بحفظه مؤسسة بشرية ولا منظمة إنسانية ،بل تكفل بحفظه رب البرية جل شأنه وتقدست أسماؤه !!!،و و الله الذي لا إله إلا هو، كل ما يتخبطون به ليس إلا تلبيس لشياطين الإنس والجن شاءوا أم أبوا.
قال الشافعي رحمه الله: "آمنت بالله، وبما جاء عن الله ،على مراد الله ،و آمنت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على مراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ،لا أحرف ولا أغير"
ولا نلحد في أسمائه ولا آياته ،والإلحاد في اللغة هو الميل ،وهو في الأسماء ميل فيها عما يجب فيها وهو أنواع سنفصلها بعون الله و توفيقه ،يعني لا يقتصر الألحاد شرعاً على إنكار وجود الله :
ولا نلحد في أسمائه ولا آياته، والإلحاد في اللغة هو الميل ،وهو في الأسماء ميل فيها عما يجب فيها وهو أنواع ،يعني لا يقتصر شرعاً على إنكار وجود الله:
1 – أن يسمي الله بما لم يسمي به نفسه، فلقد سماه النصارى "أب" وسماه الفلاسفة " العلة الفاعلة – العقل الكلي " وأسماء الله توقيفية لا يجوز الزيادة فيها بغير دليل صحيح.
2 – إنكار كل أو جزء من الأسماء التي سمى الله بها نفسه ،وهذا ما فعله فريق من الجهمية ،فلقد أنكروا أسماء الله كلها بدعوى أنها تشبيه.
3 – إثبات الأسماء وإنكار الصفات المتضمنة فيها مثل قولهم :"إن الله سميع بلا سمع "وهذا ما فعله المعتزلة ،والأشاعرة أثبتوا الأسماء وبعض الصفات وهي سبعة كما ذكرنا في مداخلة سابقة، وللصفات ثلاثة أحوال مع الأسماء:
المطابقة: كل اسم يدل على ذات الله لفظاً ومعنى (كل على كل ،الرحيم يدل على الرحمة).
التضمن: دلالة الاسم على جزء من الذات أو المعنى ونوضح الأحوال الثلاثة بمثال في النهاية.
الالتزام: يدل على شيء ليس من مادة الاسم بل لازم له.
المثال: عندي بيت.
المطابقة: بيت تدل على كل البيت.
التضمن : تطلق على غرفة أو صالون، أجزاء متضمنة.
الالتزام: تدل على أن هناك من بنى هذه البيت وهو ليس من مادة البيت وإنما من مواصفات هذا البيت.
ونود أن نقول بأن الاسم يدل على الذات، والصفة تدل على زيادة في الذات ،و يجوز أن ندعوا الاسم ولا يجوز أن ندعو الصفة ،ونقسم بالاسم والصفات بما فيها القرآن، ونتوسل في دعائنا بالأسماء والصفات .
4-
إثباتها لله وجعلها دالة على التمثيل (سمع كسمعنا، بصر كبصرنا) .
– نقلها إلى المعبودات أو اشتقاق أسماء منها للمعبودات من دون الله، فمسيلمة الكذاب سمى نفسه رحمن وهذا نقل، واللات مشتقة من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان.
كان المبحث السابق عن الإلحاد في الأسماء، أما الإلحاد في الآيات ،فالآية هي العلامة المميزة للشيء عن غيره، و التعبير عن المعجزات بالآيات أولى بالمعجزة ،يعني قولنا آيات الله في الكون، أولى من قولنا الإعجاز العلمي في الكون ،لأن الإعجاز شامل للآيات بالإضافة للخوارق مثل السحر و الدجل وغيرها، والآيات كونية وشرعية ،فالكونية في الكون وفي أنفسنا، والشرعية في الوحي والكتب السماوية، والإلحاد في الكونية هو أن ننسبها إلى غير الله تعالى أو نعتقد بأن لله مشاركاً أو معيناً فيها، فلا مشاركة ولا معاونة ولا استقلال، وأما الإلحاد في الشرعية فيكون بالتكذيب أو التحريف أو المخالفة.
ونحن أهل السنة والجماعة لا نقيس الله بخلقه، والقياس ثلاثة أقسام: شمول – تمثيل – أولوية.
الشمول: بحيث يكون كل فرد داخل في الشامل ،مثل الأحياء المخلوقين ،والحي اسم من أسماء الله الحسنى.
التمثيل : نجعل ما يثبت للخالق مماثلاً ما يثبت للمخلوق.
الأولوية: السمع والبصر والحكمة يتصف بها المخلوقين، ولا يمكن قياس حكمة الله بحكمة المخلوقين للتباين المطلق بينهما.
ومنهجنا نحن أهل السنة والجماعة في الصفات هو في الآية التالية: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" فقوله تعالى:" ليس كمثله شيء" نفي، و قوله تعالى:" وهو السميع البصير إثبات ،يعني التخلية قبل التحلية ،و نفي الصفات السلبية تأكيد للصفات الإيجابية لدفع توهم أو رد كاذب أو لتهديد العصاة "ولا يظلم ربك أحداً" وواجبنا تجاه نصوص القرآن والسنة قولنا "سمعنا وأطعنا" في الأحكام، وسمعنا وآمنا في الأخبار.
والصفات توقيفية ،ومنهجنا لمعرفتها ثلاثة طرق:
1 – من الأسماء: فكل اسم يتضمن صفة وليست كل صفة تتضمن اسماً بالضرورة.
2 – أن ينص عليها: الوجه – اليدين – الانتقام.
3 – أن تؤخذ من الفعل: مثالها وصفنا لله بأنه "متكلم".
صفة العلي لها مضمونان، فهي اسم فاعل من جهة، وصفة مشبهة باسم الفاعل من جهة أخرى ،فاسم الفاعل طارئ فعلي باعتبار أن الله استوى وعلا وقهر وسيطر(بدون تشبيه)والصفة المشبهة باسم الفاعل لازمة أصلية ذاتية.
صفة المعية:
المعية عامة وخاصة، والخاصة مخصصة ومقيدة إما بشخص أو بوصف.
العامة :مثالها: "وهو معكم أينما كنتم".
الخاصة المقيدة بوصف: "إن الله مع الصابرين".
الخاصة المقيدة بشخص أو أشخاص: "لا تحزن إن الله معنا".
والمعية التي مقتضاها الإحاطة صفة ذاتية لله، فالله محيط بكل شيء.
والخاصة فعلية لأنها مقرونة بسبب "إذا وجد الصبر في مؤمن فالله معه".
ولا تناقض بين المعية والعلو من ثلاثة أوجه:
أولاً: جمع الله بينهما في وصف نفسه.
ثانياً : لو فرضنا وجود تعارض حسب مفهومنا كبشر، فلا يجوز على الله لوجود التباين والله ليس كمثله شيء، بل وحتى في المخلوقات نجد الجمل يمشي على أربع، والإنسان يمشي على اثنتين وثلاث وأربع.
ثالثاً: لا تعارض بينهما أصلاً، لأن المعية ثلاثة أقسام:
1-معية تقتضي المخالطة والمصاحبة بالمكان(شربت الشاي مع السكر)
2 - معية تقتضي المصاحبة بالمكان ولا تقتضي المخالطة(جاء زيد مع عمرو)
3- معية لا تقتضي المخالطة ولا المصاحبة بالمكان (القائد مع الجند، وربما كان خلفهم أو في مدينة أخرى – سرنا والقمر معنا) .
فصّل ابن تيمية رحمه الله تعالى قضية المعية، وعبارات السلف رضوان الله عليهم مجملة فيها، وهم يقولون: "معية الإحاطة والعلم والسمع والبصر" والسبب في ذلك يفسره قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: "إنك لن تحدث الناس حديثاًَ لا تعيه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" يعني إما أن نحدث العامي بكامل القضية ونزيل عن ذهنه كل شبهة وعارض وتساؤل ،أو نجمل الكلام ولا نثير الشكوك في قلبه لئلا نبوء بالإثم دون علم أو قصد.
وهنا آية تشتبه أيضاً في أذهان بعض الناس: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم" لو قال: "إلا وهو ثالثهم" لكان من جنسهم حاشا لله، ويوضحها قوله تعالى: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم" وفي المقابل نرى الآية الكريمة: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"
فالنصوص تأتي بالمحار ولا تأتي بالمحال.
ولا بد لنا من توضيح أمر بشأن الصفات التي يحتار فيها الناس مثل المكر – والخداع ،فهي صفات نقص من ناحية ،وكمال من ناحية، وكمالها مثلاً، خداع الله للكافرين، ونقصها هو المعنى المتداول في أذهاننا ،فنثبتها من وجه الكمال، وننفيها من وجه النقص عن الله تبارك وتعالى، وقلنا بأن التكبر نقص في المخلوق وكمال في الخالق ،والطعام والشراب والنوم والزواج والإنجاب كمال في المخلوق ونقص في الخالق.
وأما التردد كما في الحديث القدسي:" وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته" فهي أيضاً كمال من وجه ونقص من وجه ،فوجه النقص هو التحير والجهل وهذا ننفيه عن الله تبارك وتعالى، ووجه الكمال هو التردد بين أمرين مع الجزم بأحدهما، والتردد في الحديث القدسي تردد محبة لله بأوليائه(جعل الله قارئ هذه الكلمات منهم) وليس تردد جهل وتحير وحاشا لله جل شأنه.
وأما صفة الإفتاء :"الله يفتيكم "وصفة الزارع" أم نحن الزارعون" فهي لا تثبت لله على الإطلاق ،لأن شرط إطلاق الصفة على الله هو أن تكون حسنى، يعني بالغة في الحسن غايته من الكمال ،فالزرع المتضمن الإقرار والإنبات في الأرض ،والافتاء، وإنزال الغيث ،وإحياء الأرض بعد موتها، هي إخبار عن أفعال الله وليست صفة لله بل هي داخلة في صفة الخلق والملك والتدبير.
وهناك ثمة توضيح حول صفة الوعد والوعيد حيث تكون كمالاً من وجه و نقصاً من وجه آخر، لتعلموا أثر العلم باللغة العربية والفهم الصحيح، وهو أنه جاء أحد المبتدعة إلى أبي عمرو بن العلاء، المقرئ المعروف ،فقال له: "يا شيخنا كيف يتوعد الله الناس بالعذاب على ولا يعذبهم؟" فأجابه الشيخ رحمه الله: "ويحك ،إن الرجل إذا وعد بإكرام رجل آخر و أكرمه فذلك مدح له، وإذا توعده بالعقوبة ولم يعاقبه فذلك أيضاً مدح له" ثم ذكر البيت التالي:
وإني إذا وعدته أو أوعدته ... لمخلف ميعادي و منجز موعدي
وجاء رجل آخر إليه من المعتزلة وقال له: "إنني أريدك أن تقرأ الآية ]وكلم الله موسى تكليماً[بنصب لفظ الجلالة الله" فرد عليه أبو العلاء رحمه الله: "وماذا أفعل بالآية التي تقول:" ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه"! فبهت المعتزلي.
و عجائب هؤلاء في تحريف النصوص كثيرة ،إذ يفسرون :"وجاء ربك" بأنه مجيء أمر الله وليس مجيء الله، ولو أراد الله هذا المعنى لأتى به بكل يسر وسهولة، فلقد قال في موضع آخر: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" ولو تساءلنا عن سبب تحريف هؤلاء لنصوص الكتاب والسنة وتلاعبهم بها ،السبب بكل بساطة، هؤلاء يظنون بأن إثبات الصفات لله تبارك وتعالى تجسيم وتشبيه ،فظنوا أنهم بنفي الصفات سينفون التجسيم عن الله تبارك وتعالى، ودائماً يلقبون أهل السنة والجماعة بالمجسمة ويتهمون ابن تيمية رحمه الله بالتجسيم ،والرد على هؤلاء سهل للغاية ،وسنأتي على ذلك بالتدريج ،يقول الأشاعرة: "إننا نثبت لله سبع صفات فقط دل عليها العقل وننفي الباقي ،وأنتم يا من تدعون السلفية عندما تثبتون باقي الصفات فإنكم تجسمون" نقول لهؤلاء: "نحن نثبتها وننفي علمنا بكيفيتها دون تجسيم، و فهل أنتم يا أشاعرة عندما أثبتم الصفات السبع لله تبارك وتعالى اعتقدتم أنه تجسيم !إذاً فأنتم مجسمة مثلنا مثلكم لأن من يسرق بيضة يسرق جملاً" ونأتي إلى المعتزلة، هم يقولون: "أنتم يا أشاعرة ،و يا مدعي السلفية، عندما تثبتون ولو صفة واحدة لله فأنتم تجسمون الله، ونحن نثبت الأسماء والذات دون تشبيه" نقول لهم: "نحن نثبت الصفة ونقول دائماً ننفي علمنا بالكيفية ولا ننفي الكيفية ذاتها، وإذا كان مجرد إثبات الصفة تجسيم ،فنحن أيضاً نعتقد أنكم بمجرد إثبات اسم واحد تجسمون حتى ولو قلتم دون تجسيم" ثم نأتي إلى الجهمية الذين ينكرون الأسماء والصفات كلها ،هم يقولون:" أنتم جميعاً بمجرد إثبات اسم أو صفة واحدة تجسمون، ونحن نثبت الذات ولا نجسمها" نقول لهم: "نحن نثبت الاسماء والصفات ولا نجسمها ولا نكيفها، وإذا كان مجرد إثبات صفة أو اسم يعتبر تجسيماً ،فنحن نعتقد بأن مجرد إثباتكم للذات الإلهية تجسيم أيضاً، وعلى هذا فجميع البشر إما مجسمون ،وإما منكرون لوجود الله تبارك وتعالى ،فهل هذا ما تريدونه يا من ظننتم بأن الله أنزل القرآن ولم يبينه للخلق و لم يكمل رسالته ولم يتم آخر الأديان!! سبحانك هذا بهتان عظيم" .
هذا رد مجمل وشافٍ بإذن الله تبارك وتعالى ،ولكن لا بد من شيء من التفاصيل ،هم يفسرون صفة الوجه بأنه الثواب في قوله تعالى: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام" والجواب: صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه لله تبارك وتعالى بما أوحي إليه :"حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" فهل الثواب يفعل كل هذا !!
وتفسير :"الله في قبلة المصلي" مثلها مثل تفسير المعية التي فصلناها في المداخلة السابقة ،والله تعالى أعلى وأعلم.
وصفة اليد أيضاً ثابتة ولا نعلم كيفيتها ،وتفسيرهم لها بالقدرة أو النعمة باطل ،لأن الثابت لله يدان، ولا يعقل أن يقول عاقل بأن لله قدرتان أو نعمتان اثنتان فقط.
وكذلك تفسيرهم لليد بأنها القوة أو العطاء، وأما الآية القائلة: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" فهنا الأيد تعني القوة فعلاً ،والسبب بكل بساطة هو وجود دليل على ذلك من الآثار الصحيحة الموجودة في كتب التفسير، وقلنا بأننا نرد التأويل الباطل ونعتبره تحريفاً لأنه افتراض كاذب بغير دليل ،ونقبل التأويل الصحيح المدعوم بدليل صحيح، ثم لو كانت اليد تعني القدرة ،لما كان لأبينا آدم عليه الصلاة والسلام أي تكريم ،لأن الخلق جميعاً حتى البهائم والشياطين خلقت بقدرة الله وقوته!
وبالنسبة لجمع "فإنك بأعيننا " و"تجري بأعيننا" يقول هؤلاء: "كيف تجمع العين وهي عينان فقط؟ "فالجواب من وجهين، الوجه الأول :أنه جمع للتعظيم ،والوجه الثاني :أن الجمع في اللغة يطلق على اثنان فأكثر ،بدليل قوله تعالى: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" و شرعاً تصح الصلاة جماعة باثنان فأكثر.
والدليل على أن لله عينان فقط هو قول رسول الله صلى الله وسلم عن الله تبارك وتعالى عندما تكلم عن الأعور الدجال :"ألا إن ربكم ليس بأعور".
وأما قولهم: "لقد ذكر الله اليد بالمفرد عندما قال: "يد الله فوق أيديهم" فالجواب: عندما أقول لفلان: "يدي في يدك" فهل يمنع ذلك وجود يد أخرى!
وأما قولهم:" كيف تكون يد الله فوق أيديهم أليس هذا عين التجسيم؟ "الجواب:" هذه مثلها مثل قولنا ( السماء فوق الأرض ) ولله المثل الأعلى ولا تجسيم.
وتفسير بعض العلماء "تجري بأعيننا" بأنها تجري على مرأى من عين الله ولا تشبيه تفسير صحيح والله أعلم ،لأنهم أثبتوا الأصل ولم يحرفوه ،ألا وهو وجود العينين حقيقة لله تبارك وتعالى ولا تشبيه .
وأما قولهم على صفة الاستواء بأن استوى تعني استولى فهو تفسير باطل أيضاً، واستدلوا ببيت من الشعر ألا وهو:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق
وبشر هو بشر بن مروان أحد الأمراء الأمويين، والصواب أن كلمة استوى في اللغة تعني: علا – ارتفع – صعد – استقر ،وتفسير هؤلاء:
أولاً : مخالف لإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ثانياً : مخالف لظاهر اللفظ في اللغة العربية، فاستوى إذا تعدت بعلى فهي تعني الاستقرار والعلو.
ثالثاً : إذا سلمنا جدلاً بأن استوى تعني استولى، فهذا يعني أن العرش كان مع غيره ثم استولى عليه بعد مصارعة وغلبة! وتلزم بأن الله أيضاً كما أنه استولى على العرش، فكذلك استولى على الجمل، وعلى الأرض ....
رابعاً :هل ثبت سند البيت الشعري وقد ثبتت أسانيد أقوال السلف رضوان الله عليهم؟ ومن قائله؟ وفي أي زمن وأي عصر وأي مصر؟ ونحن نعلم بأن اللسان العربي يتغير بتغير المكان والزمان.
خامساً : لا يلزم استواءه على العرش أن يكون العرش يحمله ،لأن الأرض والسماوات والكرسي والعرش قبضته جميعاً كما ثبتت النصوص.
ومن هنا نعلم بأن كلمة "استوى على" تعني علا واستقر وارتفع.
واستوى إلى :قال ابن جرير :"ارتفع إلى "وقال ابن كثير :"الاستواء هنا هو القصد الكامل لأن حرف إلى يفيد الغاية".
استوى الماء والخشب :يعني تساوى الماء والخشب.
استوى مجردة :تعني اكتمل، "ولما بلغ أشده واستوى أعطيناه حكماً وعلماً".
وقال بعضهم :"خلق الله السماوات ثم استوى يستلزم أن الله لم يكن عالياً قبلها" فالجواب: لا ،بل يدل على أنه لم يكن مستوياً، فالاستواء أخص من العلو، وعلو الله أزلي قبل العرش وبعده.
وإن قيل :هل كان الله عالياً على العرش قبل خلق العرش؟ الجواب: الله أعلم ،وفي النهاية، هذه أشياء لم نرها ولم نعاينها ،ومن العبث والحماقة أن نجلس ونحاول معرفتها ونشغل عقولنا فيها عن أشياء أهم وأهم و أهم!
صفة العلو ثابتة ،حساً ومعنى ،ولا نعلم كيفيتها، ومعنى حساً أي بذات الله دون تشبيه، ومعنى معنوية ،أي علو القهر والسيطرة ،وأدلتها أكثر من أن تحصر، ونكتفي بأن فرعون أمر هامان ببناء صرح ليطلع على الله جل في علاه ،فإن قال البعض :"إن دعوى أن الله فوق ،تجسيد وتجسيم ،قلنا:
أولاً : لا يجوز شرعاً إبطال النصوص بمثل هذا الكلام الفارغ.
ثانياً : لو كان ذكر العلو في القرآن لازماً للتجسيم، فهذا تكذيب صريح للقرآن، فلو سلمنا جدلاً بأن القرآن نصب هذا الفخ لنا ،ألا وهو أنه ذكر العلو وهو لا يعني العلو كما فهمه السلف الصالح، فهذا أيضاً إثبات لتكذيب القرآن ،وكمثال على ذلك ،اليهود لم يقتلوا المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام يقيناً، ولكنهم باءوا بإثم دمه لمجرد نية القتل ،فهل ترضون هذا للوحي من أنزله ومن أنزل عليه ومن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار!!
ثالثاً: إذا لم يكن فوق، فهو إما مساوٍ أو تحت، وإن قالوا، هو ليس فوق ولا مساوِ ولا تحت، قلنا، فأي إله تعبدون! و كيف تفسرون النصوص الكثيرة بأنه فوق ،وأعلى ،وينزل إلى السماء الدنيا ،ويصعد إليه الكلم الطيب ،ونرفع أيدينا إليه في الدعاء ،وأين دليلكم على أنه ليس فوق ،ولا مساوِ ولا تحت!
رابعاً : قولهم :"من في السماء" ظاهرها أن السماء محيطة بالله أو أنها تحمله فهذا باطل، ويوضحه قوله تعالى: "قل سيروا في الأرض" فهي لا تعني أن نحفر خنادق ونمشي في باطن الأرض ،ولا تعني بأن الأرض تحملنا بالضرورة ،فمن يعيش في ناطحة سحاب ،ومن يركب الطائرة والسيارة ،لا تحمله الأرض ولا تحويه!
خامساً : احتجاجهم بالآية :"وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" باطل أيضاً من وجهين، الأول: مثاله قولنا :"فلان أمير في حلب ودمشق" وربما كان يجلس في حمص ،والثاني: الإله هو المعبود كما وضحنا في بداية الموضوع ،يعني هو في السماء معبود ،وفي الأرض معبود، فهل في هذا إشكال!
وهنا أحب أن أتناول قضية تتعلق بمبحث العلو ألا وهي مسألة وحدة الوجود،
وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
وهو مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة في أن الله مستو على عرشه، بائن عن خلقه.
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين بن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
يقول ابن عربي : ( العارف من يرى الحق في كل شيء ، بل في كل شيء ، بل يراه عين كل شيء )في كتابه الفتوحات المكية ( 2 / 332 )
ويترتب على هذه العقيدة أمور في غاية الخطورة، وهي أنه لو كان الله والطبيعة شيئا واحدا حاشا لله ،فهذا يستلزم أحد أمرين لا ثاني لهما:
إما أن يكون الله متبعضاً (جزء من الله هنا وجزء هناك)
أو أن يكون الله متعدداً (الله في الجبل, الله في العمارة ،الله في المكان كذا)حاشا لله
وسامحوني إذا قلت ان أصحاب هذه العقيدة لم يستثنوا الأماكن (ونستغفر الله)القذرة ،حتى أن ابن سبعين كان يتمشى مع تلامذته فأبصر أحدهم كلباً ميتاً فسأل ذلك التلميذ شيخه ابن سبعين" هل الله عين هذا الكلب يا شيخنا" فبهت ابن سبعين، ويؤكد هذا المعنى قول ابن عربي الذي قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله(سيد القائلين بوحدة الوجود) يقول : ( ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ، وأخبر بذلك عن نفسه ، وبصفات النقص وبصفات الذم ) فصوص الحكم بشرح القشاني ص 84 .
ثم إذا حل الفناء بالوجود "كل من عليها فان" فأين يذهب الله إذا كان متحدا مع الوجود؟؟؟!!!
ومن مستلزمات هذه العقيدة الشنيعة أنه إذا كان الله قد حل في الصنم الفلاني أو البقرة الفلانية أو الضريح الفلاني فلا ضير في عبادتها لأنها والله واحد حاشا لله .
يقول ابن عربي أيضا "إن الحق في كل معبود وجهاً يعرفه من عرفه ، ويجهله من جهله " فصوص الحكم بشرح القاشاني ص 67.
كما أن إيمان ابن عربي بوحدة الوجود يقوده إلى اعتقاد سقوط العبادة عنه ، لأنه وصل للرأي بأن العابد هو المعبود ، والشاكر هو المشكور ، يقول ابن عربي في كتابه الفتوحات المكية ( 6/236 ):
الرب حق والعبد حق ...يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت ... أو قلت رب أنى يكلف
والسؤال :أين موطن هذه العقيدة بين الموحدين؟
الجواب :يقول أحد الشعراء:
الله ربي لا أريد سواه....هل في الوجود حقيقة إلاه
ولننظر إلى الشطر الثاني ،إذا كان الله حقيقة فماذا عن الأنبياء ،والجنة والنار و....الخ؟
إذا كانت وهما فهذا القول كفر والعياذ بالله.
وإذا قلنا أنها حقيقة مستمدة وجودها من الله وقعنا في مصيبة وحدة الوجود.
وأما عن علاقة الحلول بوحدة الوجود ،فالحلول عام وخاص ،وحاشا لله، من قال بأن الله حل في كل شيء ،فهذا حلول عام ،وهو عين وحدة الوجود، ومن قال بأن الله حل في شخص معين مثل علي رضي الله عنه وأرضاه فهذا حلول خاص وهو المقصود بكلمة حلول عندما تذكر مجردة في الغالب ،وخلاصة قولنا ،نحن أهل السنة والجماعة نعتقد بأن الله مستوٍ على عرشه ،بائن عن خلقه، علواً و استواءاً يليق بمقام ربوبيته ولا نعلم كيفيته ولا تجسيم، و إثبات صفة العلو حساً ومعنى من كمال الله ،حتى في الجيش عندما يقال لجندي: "الأوامر تأتي من فوق" لا يستطيع تجاوزها لو أمره برمي نفسه إلى الموت فكيف بعلو الله سبحانه وتعالى!
وهنا إشكال عند الكثير من الناس يستحون من سؤال أحد عليه، ألا وهو أن من يعيش في القطب الشمالي يرفع يديه إلا فوق ،و من يعيش في القطب الجنوبي أيضاً يرفع يديه إلى فوق ،ونحن نعلم أن علو الله ثابت بالحس والمعنى ،فما تأويل ذلك؟ الجواب: أولاً: "والله بكل شيء محيط" لكن دون تكييف ولا تجسيم، وثانياً: في فصل الصيف، عندما تسأل الذي يعيش في القطب الشمالي :"أين موضع الشمس وقت الظهيرة حسب توقيتك؟" فسيقول لك :"إنها فوقي تماماً" يعني الشمس بالنسبة له علو حساً ومعنى، والقطب الجنوبي بالنسبة له دنو، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعيش في القطب الجنوبي، الشمس في وقت الظهيرة بالنسبة له علو، والقطب الشمالي بالنسبة له دنو، ونعيد ونكرر ونقول ،دون تشبيه للخالق بالمخلوقات ،ولله المثل الأعلى وإنما للتوضيح.
وصفة الكلام أيضاً ،والله يتكلم بكلام حقيقي متى شاء ،بم شاء ،كيف شاء ،وبأي لغة شاء، بحرف وصوت لا يشبه كلام المخلوقين ولا أصواتهم، وقوله تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً" الصدق في الأخبار ،والعدل في الأحكام.
قال المعتزلة: "الله يتكلم بحرف وصوت مسموع متعلق بمشيئته لكنه مخلوق".
قال الأشاعرة: "كلام الله ليس حرفاً ولا صوتاً ولا يتعلق بمشيئته بل هو من صفاته اللازمة كالحياة والعلم والذي يسمعه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام أصوات يخلقها الله ،وحروف يخلقها الله أيضاًَ ليعبر بها عن نفسه وهذا يشمل حتى القرآن والتوراة والإنجيل على حد زعمهم ،وقولهم فاسد، والسبب ببساطة هو أن الكلام يضاف لمن يقوله ابتداءاً لا نقلاً وإن كان رسولاً ،فلا يقال لمن ينشد أبياتاً لأحمد شوقي بأنه صاحبها ومؤلفها إلا إذا أراد أن يغش الناس ويخدعهم ويكذب عليهم!
الدليل على أن الكلام باعتبار آحاده صفة فعلية طارئة ،هي أن الله كلم موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن خلقه وهرب من فرعون، والدليل على أن الله يتكلم بحرف وصوت ،هو قوله تبارك وتعالى: "وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً"
وهنا سؤال: هل في القرآن مجاز؟ الجواب :في لغة العرب مجاز، وفي القرآن مجاز، لكن يستثنى منها صفات الله فهي ثابتة حقيقة ولا مدخل للمجاز إليها ،ولا نعدل عن الصفة إلا بدليل صحيح ،وهذا هو القول الراجح للعلماء.
و هنا نوضح لمن لم تكن لديه فكرة مسبقة عن ماهية ما يُعرَفُ باسم الحقيقة و المجاز ...
الحقيقة هو مابقي على معناه من غير تأويل ،فالشجرة الخضراء هي الشجرة الحقيقة،وأسد الغابة هو الأسد حقيقة،والحقيقة تقسم إلى لغوية وشرعية وعرفية.ومثال الحقيقة اللغوية التي وضعها أهل اللغة:"شجرة التفاح"فهي الشجرة حقيقة.ومثال الحقيقة الشرعية وهي عبارة عن ألفاظ لغوية أضيفت إلى الشرع لتصبح حقائق شرعية"التجويد وهو في اللغة تحسين،وصار في الشرع معناه ،العلم الذي نستطيع من خلاله إعطاء الحرف والكلم القرآني حقه ومستحقه مخرجا وصفة ومدا ووقفا وابتداءا".وأما مثال الحقيقة العرفية :فعندما يقول العرب "فلان أكل لحما"لا تشمل السمك ،بل يكون مقصودهم الجمل والخروف والطير،وإذا قصدوا السمك قالوا"أكل فلان سمكا"وتم في ما بعد إضافة السمك إلى باقي اللحوم وشاهده قوله تعالى عن البحر:" لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا"
والمجاز هو نقل اللفظ من معناه الأول إلى معنى ثان لمناسبة بينهما أو لعلاقة بينهما،ومثاله قولنا علي أسد ،ومعنى الأسد الأول هو الحيوان المعروف،ومعناها الثاني الذي انتقلت إليه هو غاية الشجاعة للعلاقة بين الشجاعة والأسد
ثم إن المجاز يكون إما بالزيادة ،وإما بالنقصان،وإما بالنقل،وإما بالاستعارة.ومثال المجاز بالزيادة:قوله تعالى على لسان الخضر لموسى عليهما السلام في أول آية عندما نسي أول مرة"قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا" وعندما نسي في المرة الثانية قال :" قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا"ونلاحظ زيادة كلمة "لك"في الآية الثانية وهي للكناية عن شيء من تحرج الخضر عليه السلام من اجتهاد موسى عليه السلام في ما كان الخضر عليه السلام يفعله من قتله للغلام وخرقه للسفينة. ومثال المجاز بالنقصان:" وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ"أي واسأل أهل القرية.ومثال المجاز بالنقل: قوله تعالى على لسان أهل النار:"حتى أتانا اليقين"فاليقين هنا انتقل إلى معنى الموت.ومثال المجاز بالاستعارة: "جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ"فليس الانقضاض بالهجوم وإنما بالسقوط.
يتبع إن شاء الله ...

التوقيع

من عجائب الشمعة أنها تحترق لتضيء للآخرين ... ومن عجائب الإبرة أنها تكسو الناس وهي عارية ... ومن عجائب القلم أنه يشرب ظلمة ويلفظ نوراً
لئن تغدو فتشعل شمعة واحدة ، خير لك من أن تلعن الظلام مليون مرة
الإيجابي : يفكر في غيره
السلبي : يفكر في نفسه
الإيجابي : يصنع الظروف
السلبي : تصنعه الظروف
لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كان منحنياً
قال ابن القيم رحمه الله :{ كما أنه ليس للمصلي من صلاته إلا ما عقل منها ، كذلك فإنه ليس للإنسان من حياته إلا ما كان لله }
رد مع اقتباس