عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-24-2011, 08:57 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

الجمل والحصافة السياسية
ـ لا يماري أحد في المكانة العلمية للدكتور الجمل البالغ من العمر 81 سنة، فهو أحد أساطين القانون الدستوري في مصر والعالم العربي، واشترك بالفعل في كتابة وصياغة الدساتير في عدة دول عربية، وتبوء الكثير من المناصب العلمية، ومعلوم للجميع ميوله اليسارية القوية، فهو من أقطاب العلمانية في مصر، وله أنشطة عديدة مع نوادي الروتاري في مصر وهو ضيف مفضل عندها، وآخر لقاءاته كانت في نادي روتاري كايرو رويال منذ أيام، وقد شكل مؤخرا بالتعاون مع بعض الشخصيات المصرية مثل الدكتور أسامة الغزالي حرب حزب الجبهة الديمقراطية، وتولى هو قيادة الحزب، والدكتور لا يخفي عدائه للتيار الإسلامي في مصر والعالم العربي، ودائم الانتقاص من التجارب السياسية للتيار الإسلامي، مثل تجربة حماس في فلسطين، وتجربة السلفيين في الكويت، ودائما ما يقول أن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية إلا لمرة واحدة، وهي المرة التي توصلهم لدفة الحكم، بعدها ينقلبون عليها حتى أنه وصف الدولة الدينية بأنها أسوأ من الدولة البوليسية، ويقصد بالدولة الدينية هنا بالدولة التي تطبق الشريعة، لا دولة الكهنوت في أوروبا كما هو الحال في القرون الوسطى .
ــ ولكن الأداء السياسي للدكتور الجمل خاصة في شقه الإعلامي والتفاوضي شابه كثير من القصور وقلة الحصافة السياسية، فالدكتور الذي يعذره الكثيرون بكبر سنه ونزقه الشديد، قد وقع في الكثير من الأخطاء والزلات السياسية والتفاوضية التي قد تكلفه منصبه سريعا كما يتوقع ذلك الكثير من المراقبين، فالدكتور الجمل يتبوأ منصبا حكوميا يحتم عليه أن يتعامل بحيادية مع جميع مكونات الشعب المصري خاصة الأغلبية الساحقة من هذا المكون، فالدكتور الجمل لا يستطيع أن يخفي علمانيته وخلفيته الثقافية التي أصبحت مثل الداء الذي يعل على صاحبه ويجعله يتأوه منه مرة بعد مرة .
ــ الدكتور الجمل معروف بتصريحات المثيرة للجدل، فقد صرح يوم خروج أحمد شفيق أخر رؤساء الوزارة في حكومة العهد البائد قائلا : أن أحمد شفيق هو أخلص رجال مصر، متحديا بذلك مشاعر جماهير الثورة وملايين المتظاهرين الذين أصروا على رحيل شفيق صنيعة مبارك، ومتجاهلا في نفس الوقت الدور المريب والخطير الذي لعبه شفيق في حماية جهاز أمن الدولة، وهو الجهاز الخطير الذي كان يدير ثورة مضادة لإجهاض ثورة 25 يناير، أيضا الدكتور الجمل صرح في مناسبات عديدة أن يريد تغيير المادة الثانية الدستور المصري والتي تنص على هوية ومرجعية الشريعة الإسلامية في تشريعاتها، وما إن تبوأ الدكتور الجمل منصبه الجديد كنائب رئيس الوزراء لشئون الحوار، حتى أخذت عجلة التصريحات المتسرعة في الدوران، والرجل يتكلم على السجية ولا يبالي بحسابات الساسة وضوابط التعامل مع وسائل الإعلام، وهو يتكلم أكثر مما يسمع، بل هو لا يصبر على السماع أصلا ، فراح يصنف الناس، فيرفع أقواما هم بالطبع بني خلفيته الثقافية من العلمانيين واليساريين والليبراليين، ويضع آخرين من خصومه السياسيين والفكريين من أصحاب التيارات الإسلامية، حتى وصل الأمر في إحدى تجلياته الإعلامية لأن ينال من مقام رب البرية بقوله : ( لو ربنا أخذ في الانتخابات 70% يحمد ربنا ) وهي كلمة لو تدبر ما فيها ومعناها، ما أقدم عليها مطلقا، وما تورط في الولوج إلى هذه الحضرة العلوية والمقام الأسمى، ثم أخذت تصريحاته تتطاير مثل المدافع الرشاشة من تكفير إلى تجهيل إلي تشنيع وهكذا حتى أصبح كابوسا وعبئا ثقيلا على الجميع بمن فيهم مسئولي الحكومة الحالية خاصة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف الذي يمتاز بحسن الاستماع والصبر عليه وقلة الكلام والتركيز على العمل، وهو ما دفع العديد من خبراء العمل السياسي والدبلوماسي للقول أن الإطاحة بالدكتور الجمل باتت مسألة وقت لا غير .
مع من يتحاور الدكتور الجمل؟
ــ تصريح الدكتور الجمل الأخير والذي أراد به أن يلتف حول اختيار الشعب المصري وتصويته بنعم للتعديلات الدستورية والتي ضمنت عدم المساس بالمادة الثانية بالدستور، جاء بمثابة الصدمة العنيفة للأوساط السياسية في مصر، ولا أكون مجازفا إذا قلت أن هذا التصريح المتعجل ربما كان سببا للإطاحة بالدكتور العجوز من منصبه، لأنه بمثابة إعلان حرب أهلية في مصر ونذير فتنة طائفية لا يعلم مداها إلا الله عز وجل .
ـ فالمادة الثانية بمثابة أغلبية الشعب المصري هي مسألة حياة أو موت، بمثابة الخط الأحمر الذي لا يجرؤ أحد مهما كان أن يقترب منه، وقد عبر عن هذا الاتجاه شيخ الأزهر في حوار أجراه مع قناة العربية في 15 فبراير بقوله : ( أن المادة الثانية غير مطروحة للتغيير أو التحديث، والاقتراب منها محاولة لنشر الفتنة، فالمادة الثانية من الدستور هي من ثوابت الدولة والأمة والحديث فيتلكالمادة هو مصادرة للديمقراطية التي نأمل الوصول إليها ومصادرة علىالحريات )، حتى أن مبارك بكل ما أوتي من طغيان واستبداد لم يجرؤ على أن يقترب من هذه المادة، وأن يمسها بتعديل أو تغيير .
ــ أي أن الشعب بكل طوائفه لن يقبل المساس بهذه المادة بأي سبيل، ومن هنا حاول الدكتور الجمل الالتفاف حول مطالب الشعب ونتائج الاستفتاء والتي كانت بمثابة الاستفتاء على هذه المادة تحديدا، بخديعة من جنس الخدع الصهيونية مع العرب في القضية الفلسطينية، فنقل المادة من حالة التعريف لحالة التنكير يضيعها ويميعها ويجعلها بلا خطام ولا زمام، ويفقدها أثرها ودورها وأهميتها في سلم التشريع، والأدهى من ذلك أن الدكتور الجمل قد اختار أسوأ توقيت وأسوأ مناسبة للإعلان عن فكرته الجديدة تجاه تعديل المادة الثانية، فقد اختارها في أعقاب الاكتساح الانتخابي للموافقين على التعديلات الدستورية والذين كانوا يدافعون عن المادة الثانية أشد الدفاع، وما وافقوا على التعديلات إلا من أجل الحفاظ عليها وصيانتها من مخططات العلمانيين والكنيسة، والذين رأوا في نتيجة الاستفتاء نصرا حاسما أراح خواطرهم تجاه العبث بهذه المادة، والذي زاد الطين بلة كما يقولون أن الدكتور المسن قد اختار الإعلان عن هذا التصريح الخطير على خلفية اجتماعه مع البابا شنودة الذي لم يطالب أساسا بتعديل أو حذف المادة الثانية من الدستور، وفي هذا تحدي كبير لمشاعر الأغلبية المسلمة في مصر والتي من حقها أن تتسائل : ما دخل وشأن البابا شنودة بهذه المسألة ؟ ومع من يتحاور الدكتور الجمل بهذا الشأن ؟ وهل هي من خصوصيات دينه حتى تطرح عليه للمناقشة والتعديل ؟ ثم كيف تطرح للنقاش وقد حسمت صناديق الانتخاب هذه المسألة ؟ ثم إن الجماهير ستستدعي من ذاكرة الأحداث المصرية مواقف شنودة الصارمة والرافضة تجاه تنفيذ أحكام القضاء في عدة قضايا هامة مثل قضية الزواج مرة أخرى وقضية الطلاق، وغيرها من الأحكام القضائية التي رفض شنودة تنفيذها والالتزام بها بحجة مخالفتها لدينه وعقيدته، ولم يجرؤ أحد على إلزام شنودة ولا أتباعه بهذه الأحكام النهائية من القضاء الدستوري، كما ستعتبر أن البابا شنودة والأقلية المسيحية في مصر هي التي تقف خلف هذا المطلب، وستعتبر أن الموافقة عليه بمثابة الخضوع للتهديدات الكنسية، وهو ما سيؤدي حتما لإيقاد نار فتنة طائفية، يجتهد العقلاء والعلماء والدعاة في إطفاء نيرانها منذ زمن بعيد، فهل عقل الدكتور الجمل كل هذه المخاطر عندما أقدم على هذا التصريح الخطير ؟ وهل علم أن مثل هذه التصريحات الخطيرة تضيع مكتسبات الثورة وتنشر الفوضى وتسمح بالعودة لأجواء العهد البائد الذي كان يحيك المؤامرات من أجل إشعال الفتن الطائفية، ليتناحر عنصري الشعب، وينشغلوا ببعضهم البعض عن المطالب العادلة والمشروعة لكلا الطرفين .

أغلب الظن أن الدكتور الجمل سيتراجع عن تصريحه المثير هذا لأن الثمن حال استمراره على عناده وتحديه لمشاعر الشعب المصري هو الفتنة التي ستأكل الجميع، نسأل الله السلامة للوطن وأبنائه أجمعين .
المصدر :مفكرة الإسلام
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس