عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 05-26-2008, 07:50 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الكلمة السادسة في حكم التعطر
أخرج الترمذي(5/106) وصححه وأبو داود(4173) والنسائي(5126) من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :(كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا) وفي رواية النسائي: (فهي زانية) .
في الحديث دليل على حرمة تطيب المرأة بطيب له رائحة للأجانب عنها من غير محارمها. وروى أبو داود وغيره (2174) عن أبي هريرة عن رسول الله  أنه قال :( طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ) فإن كانت في بيتها تعطرت لزوجها تحببا له وتوددا ، وقد روى مسلم في صحيحه (846)عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه ولو من طيب المرأة)
ففيه إشارة إلى أنه يجوز للمرأة أن يكون لها عطر تتعطر به في بيتها لزوجها.ومثله ما رواه مسلم عم أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) فنهاها عن الخروج به لا إصابته في بيتها.وقد روى البيهقي في السنن الكبرى (3/246) عن سعيد بن أبي عروبة أنه قال : (إنما حملنا قوله في طيب النساء على أنها إذا خرجت وأما عند زوجها فإنها تطيب بما شاءت)
ـ وليس من ذلك أن تتطهر المرأة من حيضها وتتبع موضع الدم (بفرصة ممسكة) أي بقطعة قطن فيها مسك. فقد روى البخاري (308) وهذا لفظه ومسلم (332) عن عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: ( خذي فرصة من مسك فتطهري بها) قالت كيف أتطهر؟ قال: تطهري بها قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري. فاجتبذتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم) ولم يفرق بين من تنوي الخروج ومن لا وترك التقييد دال على قصد الإطلاق.
وليس المقصود كثرة الطيب أو قلته إنما المقصود أن يجد الناس ذلك منها وإن قل طيبها. ومن ذلك سمى العرب المرأة التي تطيبت بأدنى طيب فلم تذهب عنها ريحه أياما (العبقة).يقال: عبق به الطيب إذا لزمه.
ـ استشكال.
روى أبو داود (1830) قال :حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني ثنا أبو أسامة قال أخبرني عمر بن سويد الثقفي قال حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ( كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها).والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود(1606) والسك بضمتين كما في لسان العرب (10/442): (ضرب من الطيب يركب من مِسْك ورَامَكٍ عربي, وفـي حديث عائشة : كنا نُضَمِّدُ جِباهَنا بالسُّكِّ الـمُطَيَّبُ عند الإِحرام؛ هو طيب معروف يضاف إِلـى غيره من الطيب ويستعمل)
والرامك شيء أسود كالقار وهو من خسيس الطيب.فظاهر الحديث يدل على جواز خروج المرأة بطيب له رائحة.ولعل هذا خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم.والله أعلم
ثم وقفت على شيء قد يكون مناسبا لبيان هذا, وهو قول ابن رشد القرطبي في بيان معنى إباحة مالك لبس النساء للخلاخل مع الكراهة في البيان والتحصيل (17/624و625): (الذي يحرم عليهن إنما هو ما جاء النهي فيه من أن يقصدن إلى إسماع ذلك وإظهاره من زينتهن لمن يخطرن عليه من الرجال .قال الله عز وجل: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) ومن هذا المعنى ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية) والله الموفق)
وقال المناوي في فيض القدير (3/147) : ((ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك)!
وقال ابن مفلح في الفروع (3/333): (إنما كرهه في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال ولهذا لا يلزمها بخلاف الحج ويتوجه احتمال أن الخبر يدل على أنه ليس بمنهي عنه للمشقة بتركه لطول المدة بخلاف الجمعة لا على استحبابه)
فظاهر هذا أنه لو قصدت غير ذلك جاز كأن تدفع به ريحا كريهة .وهو ما يظهر من قول شمس الحق آبادي حيث قال في عون المعبود (5/117) في حديث عائشة السابق: (ولا يقال هذا خاص بالنساء لأن الرجال والنساء في الطيب سواء بالإجماع, والطيب يحرم بعد الإحرام لا قبله وإن دام حاله فإنه كالنكاح لأنه من دواعيه والنكاح إنما يمنع المحرم من ابتدائه لا من استدامته فكذلك الطيب لأن الطيب من النظافة من حيث أنه يقصد به دفع الرائحة الكريهة)! !
في بعض الروايات : (فوجدوا ريحها) رواها المزي في التهذيب.
وقول ابن مفلح (إنما كرهه في الجمعة خوف الفتنة لقربها من الرجال ولهذا لا يلزمها بخلاف الحج) له وجه معتبر والله أعلم.
قلت: وقد روى ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/122) وابن سعد في الطبقات (8/482) والطبراني أخبرنا حجاج بن محمد والضحاك بن مخلد عن بن جريج قال أخبرتني حكيمة بنت أبي حكيم عن أمها أميمة بنت النجار قالت: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتخذن عصائب فيها الورس والزعفران فيعصبن بها رؤوسهن أسافل أشعارهن على جباههن قبل أن يحرمن ثم يحرمن كذلك فيعرفن فيه )
قال الهيثمي في المجمع (3/220): (وفيه حكيمة بنت أميمة روى عنها ابن جريج ولم يتكلم فيها أحد واحتج بروايتها أبو داود وبقية رجاله رجال الصحيح)
ـ وروى ابن سعد في الطبقات (8/486) عن عفان بن مسلم والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/131) عن حبان بن هلال قالا ثنا حماد بن زيد قال ثنا زيد بن أسلم قال حدثتني أم ذرة (أنها كانت تغلف رأس عائشة بالمسك والعنبر في إحرامها )
ـ وروى ابن أبي شيبة (3/206) حدثنا أبو أسامة عن أسامة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أمه قالت: ( رأيت عائشة تنكت في مفارقها قبل أن تحرم ثم تحرم)
ولم أجد من تعرض لهذا بشيء,وقد عرضت هذا على شيخنا أبي محفوظ البحراوي التطواني فنبهني إلى أن ذلك قد يكون خاصا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن كن غالبا بعيدات عن العين والمخالطة , أو لعل هذا ينطبق على غيرهن أيضا ممن لا يقصدن أن يجد الرجال ريحها كمن تركب السيارة من بيتها إلى بيت أحد محارمها دون أن يجد رجل منها شيئا لحرصها.(وهذا مذهب صاحب المستوعب والتلخيص أنها تتطيب ـ قيل البرزة ـ بما له لون لا رائحة من بعيد )كما في الآداب الشرعية لابن مفلح (ص766/مؤسسة الرسالة ناشرون)
فأما أمهات المؤمنين فكن كذلك لما رواه البيهقي في السنن (4/326) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ الحسن بن حليم المروزي ثنا أبو الموجه أنبأ عبدان أنبأ إبراهيم يعني بن سعد عن أبيه عن جده قال : (إن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فنادى الناس عثمان أن لا يدنو منهن أحد ولا ينظر إليهن إلا مد البصر وهن في الهوادج على الإبل وأنزلهن صدر الشعب ونزل عبد الرحمن بن عوف وعثمان رضي الله عنهما بذنبه فلم يباع إليهن أحد) وأصل الحديث عند البخاري مختصرا.وأما غيرهن فالقلب من ذلك في وجل ...ولذلك لم يطمئن قلبي إلى ما ذكرت عسى الله تعالى أن يفتح على أحد فيرفع هذا الإشكال..

الكلمة السابعة في حكم لبس الثياب الملونة
ـ يعتقد كثير من أخواتنا الفاضلات أنه يتعين على المرأة لبس الأسود من الثياب عند خروجها , وهو خطأ, فقد صح أن النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كن يلبسن الثياب الملونة بغير السواد.
قال شيخ شيخنا الألباني رحمه الله : ( اِعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملونا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين : الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : ( طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ) .وهو مخرج في ( مختصر الشمائل / 188 )
والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في ( المصنف / 8 / 371 - 372 ) :
ـ عن إبراهيم وهو النخعي أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيراهن في اللحف الحمر .
ـ عن ابن أبي مليكة قال : رأيت على أم سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر .
ـ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة . وفي رواية عن القاسم : أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي محرمة .
ـ عن هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة .
ـ عن سعيد بن جبير : أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة . ) انتهى كلامه في الجلباب.
قلت :
و قال ابن سعد (1/78) أخبرنا حجاج بن نصير حدثنا علي بن المبارك قال حدثتنا أم شيبة قالت رأيت على عائشة ثوبا معصفرا). وقال : أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال حدثتنا أم نصر قالت:(حدثتنا معاذة قالت: رأيت على عائشة ملحفا معصفرا). وقال: (أخبرنا حجاج بن نصير حدثنا أبو عامر الخزاز عن عبد الله بن أبي مليكة قال: رأيت على عائشة ثوبا مضرجا فقلت وما المضرج فقال هذا الذي تسمونه المورد)
وروى ابن أبي شيبة أيضا (3/143):عن نافع (أن نساء عبد الله بن عمر وبناته كن يلبسن الحلي والمعصفرات وهن محرمات)
ـ وقال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (2/258): ( أما مالك رحمه الله فلم ير بلبس الثياب المزعفرة بأسا للرجال والنساء)
ـ وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/123): (وأما النساء فإن العلماء لا يختلفون في جواز لباسهن المعصفر المفدم والمورد والممشق .) وقال : (المفدم عند أهل اللغة المشبع حمرة والمورد دونه في الحمرة كأنه والله أعلم مأخوذ من لون الورد)
ـ وروى البخاري (5487) ( أن امرأة رفاعة القرظي جاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها عبد الرحمن بن الزبير ...)وفيه : (وعليها خمار أخضر) .
ـ وقال البخاري : (ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة ) أي في الحج, والمورد ما صبغ على لون الورد.
ولا يفوتني التنبيه على مشروعية لبس السواد للنساء , فقد روى عبد الرزاق في تفسيره عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (لما نزلت آية الحجاب، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها). وروى البخاري عن أم خالد ري الله عنها قالت :( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء فقال : من ترون نكسو هذه الخميصة, فأسكت القوم , فقال : ائتوني بأم خالد , فأتي بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده).
قال الشوكاني : (والحديث يدل على أنه يجوز للنساء لباس الثياب السود, ولا أعلم في ذلك خلافا ) هـ من نيل الأوطار (2/103)
ـ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين,فقال صلى الله عليه وسلم :إن هذه من ثياب الكفار فلا) .
وفي لفظ للإمام مسلم : (أأمك أمرتك بهذا؟قلت: أغسلهما؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل أحرقهما ) , وفي لفظ للإمام النسائي رحمه الله تعالى : (اذهب فاطرحهما عنك,قال: أين يا رسول الله ؟ قال : في النار)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ( قوله صلى الله عليه وسلم: أأمك أمرتك بهذا؟ ) معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزَيهِنَّ وأخلاقهنَّ ، وأمَّا الأمرُ بإحراقهما فقيل : هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل .. ).
وقد ورد ما يدل على النهي عن غير السواد فقد روى أبو داود ( أن امرأة من بني أسد قالت : كنت يوما عند زينب امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئا دخل) . وضعفه الشيخ في ضعيف أبي داود (4071)
الكلمة الثامنة في لباس المرأة في الصلاة في بيتها.
روى أبو داود (641)عن عائشة عن النبي  قال : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) .دل هذا الحديث على أن لبس الخمار وتغطية الرأس للحائض (أي البالغة) شرط في صحة صلاتها , ويضاف إليه وجوب تغطية جسدها بما يكون من ثياب مهنتها كالقميص وغيره, واختلف العلماء في حكم تغطية القدمين في الصلاة ,فذهب جمهور من الفقهاء إلى وجوبه ودليلهم ما رواه أبو داود (رقم 640)عن أم سلمة قالت: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها)
ورواه موقوفا ( رقم 639) على أم سلمة ولا يصح الوجهان, ضعفهما الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود لجهالة أم محمد بن زيد بن قنفذ.وهي أم حرام كما عند المزي.قال فيها الذهبي في الميزان (7/477): ( لا تعرف). قال الشيخ الألباني في الإرواء : (أخرجه أبو داود ( 640 ) والحاكم ( 1 / 250 ) والبيهقي ( 2 / 233 ) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه عن أم سلمة أنها سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أتصلي المرأة . الحديث وقال الحاكم : ( صحيح على شرط البخاري ) . ووافقه الذهبي . وهو من أوهامهما الفاحشة فإن أم محمد بن زيد لا تعرف كما قال الذهبي نفسه في ( الميزان ) ، وقد وقع في إسناد الحاكم ( عن أبيه ) بدل ( عن أمه ) ، وأبوه ليس له ذكر في شيء من الكتب ، وأظنة وهما من بعض النساخ إن لم يكن من الحاكم نفسه ! وفي الحديث علة أخرى وهي تفرد ابن دينار هذا برفعه ، وهو مع كونه من رجال البخاري فإن فيه ضعفا من قبل حفظه " فمثله لا يحتج به عند التفرد والمخالفة ، فقد رواه . مالك ( 1 / 142 / 36 ) عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم ) : ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب ؟ فقالت : تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها ) . ومن طريق مالك أخرجه أبو داود ( 639 ) والبيهقي ، وتابعه عند جماعة وعند ابن سعد ( 8 / 350 ) عبد الرحمن بن إسحاق كلهم من محمد بن زيد به موقوفا ، وهذا هو الصواب . وأما رفعه فخطأ من ابن دينار ، على أنه لا يصح مرفوعا ولا موقوفا لأن مداره على أم محمد هذا وهي مجهولة كما عرفت ، فقول النووي في الجموع ( 3 / 172 ) : ( رواه . أبو داود بإسناد جيد ، لكن قال : رواه أكثر الرواة عن أم سلمة موقوفا عليها من قولها ! فهذا ذهول منه رحمه الله عما ذكرناه .فتنبه).
والحديث موقوفا ومرفوعا ضعفه مصطفى العدوي أيضا في الجامع لأحكام النساء (1/332)
وروى عبد الرزاق (3/128) عن مكحول عمن سأل عائشة في كم تصلي المرأة من الثياب فقالت له سل عليا ثم ارجع إلي فأخبرني بالذي يقول لك: قال فأتى عليا فسأله فقال في الخمار والدرع السابغ فرجع إلى عائشة فأخبرها فقالت: ( صدق)). وهو ضعيف للإبهام.
وقال الشوكاني في السيل الجرار (11/161): (هذا الحديث لا تقوم به حجة لكونه من قول أم سلمة ولو سلمنا أن العمل على رواية من رفعه كما يقوله أهل الأصول فلا أقل من أن يكون هذا التفرد علة تمنع من انتهاضه للحجية) .وقد استدل ابن عبد البر بالإجماع, وليست كل إجماعات ابن عبد البر معتبرة عند أهل الشأن.
والأصل أن المرأة تصلي في بيتها في ثياب مهنتها إلا ما أوجبه دليل خاص.كوجوب لبس الخمار مع الدرع.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (22/118 و119): (وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيدٌ جدا واليدان تسجدان كما يسجد الوجه والنساء على عهد النبي إنما كان لهن قمص وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن فتبدى المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك القدمان وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص فكن يصلين بقمصهن وخمرهن وأما الثوب الذي كانت المرأة ترخيه وسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال شبرا فقلن إذن تبدو سوقهن فقال ذراع لا يزدن عليه وقول عمر بن أبى ربيعة
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
فهذا كان إذا خرجن من البيوت.)
قلت: وهذا رد على من يستدل بهذا الحديث وقبله بقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) على وجوب تغطية القدمين في الصلاة في بيتها عند محارمها!
ـ وقال في الفتاوى أيضا (22/119) : (لم يؤمرن مع القمص إلا بالخمر لم تؤمر بسراويل لأن القميص يغنى عنه ولم تؤمر بما يغطى رجليها لا خفٍّ ولا جوربٍ ولا بما يغطى يديها لا بقفازين فدل على أنه لا يجب عليها في الصلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب)
ـ وقال (22/115): (الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت وحينئذ فتصلى في بيتها وإن رؤي وجهها ويداها وقدماها (يقصد شيخ الإسلام أمام محارمها)كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا.)
ـ وقال هناك أيضا (22/114) : ( قد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال فالأول مثل المنكبين فإن النبي نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء فهذا لحق الصلاة ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة وكذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة كما قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم. وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد )
وقال المرداوي في الإنصاف (1/453):( اِختار الشيخ تقي الدين (أي ابن تيمية)أن القدمين ليسا بعورة أيضا(أي في الصلاة). قلت: وهو الصواب)اهـ
وقال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع الجزء الثاني عند قول المصنف:( وصلاتها في دِرْعٍ وخِمَارٍ ومِلْحَفَة): لو اقتصرت على الدِّرع والخِمَار أجزأ، لكن لا بُدَّ من ستر اليدين بالقُفَّازين، وستر القدمين إمَّا بالجوارب، وإمَّا بأن يُجعل الدِّرعُ سابغاً بناءً على القول بأنه لا بُدَّ من ستر الكفَّين والقدمين. أمَّا على القول الرَّاجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب «الإنصاف» فإنه لا يجب ستر الكفَّين والقدمين، وبناءً على ذلك: يكفي إذا كان الدِّرْعُ إلى القدمين وأكمامُه إلى الرُّسغ.قوله: «ويجزئ سَتْر عورتها» ، أي: يجزئ المرأة ستر عورتها، ولو بثوبٍ واحدٍ، فلو تَلَفْلَفَت المرأةُ بثوب يستر رأسها وكفَّيها وقدميها وبقية بدنها، ولا يخرج منه إلا الوجه أجزأ، ولو لفّت نفسها بثوب يخرج منه الكفَّان والقدمان مع الوجه أجزأ على القول الرَّاجحِ.)وهذا مذهب أبي حنيفة والثوري كما في الاستذكار للإمام ابن عبد البر (2/200). هذا ما أعتقده في لباس المرأة في الصلاة في بيتها, أما لو صلت أمام الأجانب فيجب عليها تغطية كل جسدها ما عدا الوجه والكفين على مذهب جمهور من أهل العلم.والغريب جدا أن الشيخ الألباني سؤل عن حكم كشف القدمين في الصلاة في البيت فقال:فقال:لو صلت بهما مكشوفتين فصلاتها غير صحيحة واستدل بحديث أم سلمة !!وقد سمعت من جهة بعض أشرطة الهدى والنور نقاشا بينه وبين امرأة في هذه المسألة, فذكرت له كلام شيخ الإسلام فاستغربه وطلب منها التثبت فأكدت له ذلك وكأنه لم يطلع عليه . وخلت في نفسي أن كلامه هذا كان قبل تحقيقه لرسالة حجاب المرأة في الصلاة لابن تيمية فإن فيه ذكر ابن تيمية ما نقلته عنه ونقلته تلك الأخت. وسألت الشيخ حسين العويشة حفظه الله تعالى عند زيارته لنا في تطوان في بيت شيخنا بوخبزة عن ذلك وعرضت عليه المسألة .فذكر لي أن الشيخ حققها قديما وزاد هذا من اشتغرابي. ونبه شيخنا بوخبزة إلى أنه من الممكن أن يكون كلامه الأول منسوخا والله أعلم.
وقد سمعت من يقول عن القميص (إن من لازمه تغطية ظهور قدميها) .وليس له في ذلك دليل .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس