عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 05-10-2013, 08:19 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(موسى عليه السلام)
وبعض آيات من سورة القصص
(1)

قصة موسى عليه السلام

إن هناك قوة واحدة في هذا الوجود ,هي قوة الله ; وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون , هي قيمة الإيمان .
فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه , ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة ,
ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولو ساندته جميع القوى,
ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله , ومن فقد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلا .

وهذه المقدمة ضرورية لنفهم القصة ونعيش معها مطمئنين في سير أحداثها العظيمة بدءا بقتل الذكور من المواليد وإنتهاءا بفلق البحر ونجاة نبي الله موسى ومن معه وهلاك فرعون وجنوده..

*******

تبدأ قصة موسى عليه السلام منذ ولادته ...

فجنود فرعون في كل مكان بمصر يبحثون عن أي طفل يولد لبني إسرائيل فيقتلوه حذرا من أنه سوف يولد في هذا العام مولود يضيع على يديه ملك فرعون .

لقد علا فرعون في الأرض , واتخذ أهلها شيعا , واستضعف بني إسرائيل , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , وهو على حذر منهم , وهو قابض على أعناقهم .

ولكن قوة فرعون وجبروته , وحذره ويقظته , لا تغني عنه شيئا ;
بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير , المجرد من كل قوة وحيلة ,

فموسى في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية , وتدفع عنه السوء , وتعمي عنه العيون , وتتحدى به فرعون وجنده تحديا ظاهرا , فتدفع به إلى حجره , وتدخل به عليه عرينه , بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه , مكفوف الأذى عنه , يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه !

لقد بغى فرعون على بني إسرائيل واستطال بجبروت الحكم والسلطان..
تدخلت يد القدرة فوضعت حدا للبغي والفساد , حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد .

ونعيش مع المشاهد الحية لقصة من أعظم القصص على وجه الأرض وهي نموذج حي لكفاح الأنبياء في موجهة الكفر والشرك ختمها سيد الرسل سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه..

********

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
(4)


الجو العام قبل ولادة موسى عليه السلام

إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا , يستضعف طائفة منهم , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة , ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض , ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون . .

ولا يعرف على وجه التحديد من هو الفرعون الذي تجري حوادث القصة في عهده , فالتحديد التاريخي ليس هدفا من أهداف القصة القرآنية ; ولا يزيد في دلالتها شيئا . ويكفي أن نعلم أن هذا كان بعد زمان يوسف - عليه السلام - الذي استقدم أباه وإخوته . وأبوه يعقوب وهو " إسرائيل " وهؤلاء كانوا ذريته . وقد تكاثروا في مصر وأصبحوا شعبا كبيرا .

فلما كان ذلك الفرعون الطاغية ( علا في الأرض ) وتكبر وتجبر , وجعل أهل مصر شيعا , كل طائفة في شأن من شئونه . ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل , لأن لهم عقيدة غير عقيدته هو وقومه ; فهم يدينون بدين جدهم إبراهيم وأبيهم يعقوب ; ومهما يكن قد وقع في عقيدتهم من فساد وانحراف , فقد بقي لها أصل الاعتقاد بإله واحد ; وإنكار ألوهية فرعون والوثنية الفرعونية جميعا .

وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطرا على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر ; ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف , فقد يصبحون إلبا عليه مع جيرانه الذين كانت تقوم بينهم وبين الفراعنة الحروب , فابتكر عندئذ طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه من هذه الطائفة التي لا تعبده ولا تعتقد بألوهيته ,

تلك هي تسخيرهم في الشاق الخطر من الأعمال , واستذلالهم وتعذيبهم بشتى أنواع العذاب . وبعد ذلك كله تذبيح الذكور من أطفالهم عند ولادتهم , واستبقاء الإناث كي لا يتكاثر عدد الرجال فيهم . وبذلك يضعف قوتهم بنقص عدد الذكور وزيادة عدد الإناث , فوق ما يصبه عليهم من نكال وعذاب .

وروي أنه وكل بالحوامل من نسائهم قوابل مولدات يخبرنه بمواليد بني إسرائيل , ليبادر بذبح الذكور , فور ولادتهم حسب خطته الجهنمية الخبيثة , التي لا تستشعر رحمة بأطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا خطيئة .

هذه هي الظروف التي تجري فيها قصة موسى - عليه السلام - عند ولادته , كما وردت في سورة القصص :

*******

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)


فهؤلا ء المستضعفون الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير , فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم , ويسومهم سوء العذاب والنكال . وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه ; فيبث عليهم العيون والأرصاد , ويتعقب نسلهم من الذكور فيذبحهم..

هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد ; وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيدا ولا تابعين ; وأن يورثهم الأرض المباركة التي أعطاهم إياها عندما استحقوها بعد ذلك بالإيمان والصلاح..

وأن يمكن لهم فيها فيجعلهم أقوياء راسخي الأقدام مطمئنين . وأن يحقق ما يحذره فرعون وهامان وجنودهما , وما يتخذون الحيطة دونه , وهم لا يشعرون !

*******

هكذا يعلن السياق قبل أن يأخذ في عرض القصة ذاتها . يعلن واقع الحال , وما هو مقدر في المآل .
ويرسم بهذا الإعلان حقيقة الأمر للقصة قبل أن تبدأ في العرض.

والقلوب معلقة بأحداثها ومجرياتها , وما ستنتهي إليه , وكيف تصل إلى تلك النهاية التي أعلنها قبل البدء في عرضها .

ومن ثم تنبض القصة بالحياة ; وكأنها تعرض لأول مرة ..


ودل ذلك العرض أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزا والصلاح حسيرا ; ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال .
عندئذ تتدخل يد القدرة واضحة متحدية , بلا ستار من الخلق , ولا سبب من قوى الأرض , لتضع حد للشر والفساد .

وقد قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا - 57 القصص . فاعتذروا عن عدم اتباعهم الهدى بخوفهم من تخطف الناس لهم , لو تحولوا عن عقائدهم القديمة التي من أجلها يخضع الناس لهم , ويعظمون البيت الحرام ويدينون للقائمين عليه .

فساق الله إليهم في هذه السورة قصة موسى وفرعون , تبين لهم أين يكون الأمن وأين تكون المخافة ; وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله , ولو فقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ; وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ..

وبذلك ندرك أهداف القصة في تربية العقيدة وجعل القلب معلق بقوة الله تعالى الذي له ما في السماوات والأرض فالكل مكشوف لديه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء..

******
وإن شاء الله تعالى نعيش مع المشاهد الحية للقصة في اللقاء القادم..

دمتم في رعاية الله وأمنه
رد مع اقتباس