قال الله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)الروم 41
هذه الآية من جوامع كلم القرآن ، بين الله - سبحانه - فيها أن الشرك والمعاصي سبب لظهور الفساد في الأرض
والفساد : سوء الحال ، وهو ضد الصلاح ، وهو النقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض عند معاصي العباد ، فكلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم عقوبة .
ودل قوله تعالى ( في البر والبحر ) على أنه سوء الأحوال في ما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها .
و قوله تعالى ( بما كسبت أيدي الناس ) أي : بسبب معاصيهم وذنوبهم ، ( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) أي : ليذيقهم عقاب أو جزاء بعض عملهم ، لعلهم يرجعون عما هم فيه من المعاصي ويتوبون إلى الله وينيبوا إلى الحق ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم .
قال الله تعالى ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ، قال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة )
قال الله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) 30 الشورى ، أي : وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ( فبما كسبت أيديكم ) أي : يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم ، فلا يعاقبكم بها .
وظهور الفساد فيهما بارتفاع البركات وفساد معايشهم كحبس الله عنهما الغيث ونقصها بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، ونزول مصائب وحلول الآفات و الأمراض والأوبئة وغير ذلك ، وحدوث فتن من قطع السبيل والظلم ، وتقلب عدو كافر .
وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره ، مثل القحط وقلة النبات من الزرع والثمار والكلأ ، وذهاب البركة ،وفي موت الحيوان المنتفع به ، وفي حدوث المصائب والبلايا والأمراض .
وفساد البحر يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان ،و الرياح الحائلة عن الأسفار في البحر ، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس .
فمن عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض; لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة; ، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محق البركات من السماء والأرض ، فمن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء ، والزرع ، والثمار ، والمساكن .
ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة ، وإذا أهلك الله الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج ، قيل للأرض : أخرجي بركاتك . فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ، ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس . وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير.
ومن الحكم في حصول المصائب والإبتلاءات ، التنبيه والتحذير عن التقصير في بعض الأمور ليتدارك الإنسان ما قصر فيه ، فإن فعل فبها ونعمت، وإلا فإنه يستحق العقاب ، قال تعالى ( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون . فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) .
1- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
2- التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
7- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( ابن قيم الجوزية)
8- فوائد الشدائد الإسلام سؤال وجواب