|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حكم قول (تقبل الله) لمن التقيته بعد الصلاة مع تأصيل لمفهوم الابتداع في العبادات
شيخنا الفاضل بارك الله فيك وفي عمرك ونفعنا بعلمك ماحكم قول تقبل الله بعد الفراغ من الصلاة وما حكم المصافحة بعد السلام من الصلاة ولو كانت بدعة فكيف نتصرف إذا مد مصلٍ يده ليصافحك وخاصة إذا كان أُميا فكيف ستشرح له الأمر؟؟ جزاك الله عنا خير الجزاء شيخنا الفاضل |
#2
|
|||
|
|||
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...
فمن القواعد النورانية الشرعية الكلية التي قررها المحققون في كتبهم أن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على صحتها ، والأصل في العادات والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على تحريمها . وهذه القاعدة حررها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " القواعد النورانية " (163) فقال : ( إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم ، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع ، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه ، والأصل فيه عدم الحظر ، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى ، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها ، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة ، وما لم يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف يحكم على أنه محظور ، ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون : إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى ، وإلا دخلنا في معنى قوله :{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } . والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه ، وإلا دخلنا في معنى قوله : { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا } ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى : { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون } { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون } { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون } فذكر ما ابتدعوه من العبادات ومن التحريمات ، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : قال الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا } . وهذه " قاعدة عظيمة نافعة " . ) انتهى وهذا النص في مجموع الفتاوى ( 29/16-18 ) قال الفقير إلى عفو ربه : ثم إن الأمر لا يقتصر في هذه القاعدة النورانية على وَقْفِ العبادة على النص في أصل ثبوتها ، بل يتعدى إلى وَقْفِ العبادة على النص في سببها وجنسها ومقدارها وكيفيتها وزمانها ومكانها ، قال العلامة المحقق بكر أبو زيد رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته الماتعة " بدع القراء " : ( وِمِنْ أَجَلِّها ( أي : ومن أجلِّ أصول السنة التي تُرَدَّ بها كل محدثة وبدعة ) : وَقْفُ العبادة على النص في دائرة جهاته الست ، وهي : السبب, والجنس, والمقدار, والكيفية, والزمان, والمكان .) اهـ قال العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع " مبينا وموضحا لهذا الأصل العظيم : ( وليُعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة : الأول : السبب ، فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها ، مثال ذلك : أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب ، بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة ؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. وهذا الوصف ـ موافقة العبادة للشريعة في السبب ـ أمر مهم ، يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة. الثاني : الجنس ، فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها ، فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك : أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم. الثالث : القدر ، فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول : هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر ، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق . الرابع : الكيفية ، فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول : وضوءه باطل ؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية. الخامس: الزمان ، فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة ، فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان. وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح ، وهذا العمل بدعة على هذا الوجه ؛ لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة ، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة. وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز. السادس: المكان ، فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح ؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ، ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت. فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ، ووجد ما حوله قد ضاق ، فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه ؛ لأن مكان الطواف البيت ، قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ}(الحج 26). فالعبادة لا تكون عملاً صالحاً إلا إذا تحقق فيها شرطان : الأول : الإخلاص ، الثاني : المتابعة ، والمتابعة لا تتحقق إلا بالأمور الستة الآنفة الذكر. ) اهـ قال الفقير إلى عفو ربه : إذا تقرر ذلك فليُعلم أن الدعاء من جملة العبادات ، بل إنه هو العبادة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجة من حديث النعمان بن بشير وعليه فإن الأصل وَقْفُه على النص زمانا ومكانا ، كيفية ومقدارا ، فلا يجوز لنا أن نقيد دعاء أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن نطلق دعاء قيده النبي صلى الله عليه وسلم ، فقول القائل : " تقبل الله منا ومنكم " بعد الصلاة على جهة التعبد والمداومة أمر مُحدَث ؛ لأنه تقييد لهذا الدعاء بزمان لم يقيده به النبي صلى الله عليه وسلم لا قولا ولا فعلا ولا تقريرا ، ولهذا لم يثبت هذا الفعل عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين ولا أئمة الإسلام المُتبَعين ، ولذا قال العلامة المحقق بكرأبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " : وأما بعد الانصراف من العيد ، فقد ذكر ابن رشد في : (( البيان والتحصيل )) :( تقبل الله منا ومنك في التخاطب بها بعد الصلاة ، ليس لها دليل من سنة ولا أثر ، والالتزام بها ترتيب هدي لم يدل عليه الشرع ، فيكون بدعة ، والله أعلم . (( أن مالكاً رحمه الله تعالى سُئِل : هل يكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : (( تقبل الله مني ومنك ، وغفر الله لنا ولك )) ويرد عليه أخوه مثل ذلك ، فقال لي : لا نكره مثل ذلك )) انتهى . قال الفقير إلى عفو ربه : ومستند ما نُقل عن مالك رحمه الله في استعمال هذا الدعاء عند التهنئة بالعيد ما رواه المحاملي في " كتاب صلاة العيدين " عن جبير بن نفير قال : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك . " وهذا إسناد حسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " ، والسيوطي رحمه الله في " وصول الأماني في أصول التهاني " ، وصححه الألباني رحمه الله في " تمام المنة " . ثم إن التخاطب بهذا الدعاء بعد الصلاة غالبا ما يكون مصحوبا ببدعة أخرى ، ألا وهي المصافحة ، وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عنها فقال كما في مجموع فتواه ( 23/339) : ( المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة ، بل هي بدعة والله أعلم .) فإذا بادر أحد العامة بعد الصلاة بالمصافحة فمن الممكن أن نقابله بإلقاء السلام والتعارف ، مع استعمال اسلوب الحكيم في نصحه وإرشاده إلى الانشغال بعد الصلاة بما هو أولى من السلام ونحوه ، وذلك بالرفق واللين ، ومراعاة حال المخاطَب ورحمة المسلمين . تتمة في بيان إنكار ابن مسعود رضى الله عنه على من قيد ما جاء مطلقا في النصوص ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن الأسود قال : قال عبد الله بن مسعود : ( لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته ، يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه ، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره .) ولفظ مسلم : ( لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا لا يرى إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه ، أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله ) فانظروا رحمكم الله كيف أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على من قيد ما أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة الانصراف من الصلاة ، وبلغ من إنكاره أن جعل تعمد الانصراف من جهة اليمين من الشيطان ، وهذا عين ما فهمه أنس بن مالك رضي الله عنه فيما أورده البخاري معلقا بصيغة الجزم قال : ( وكان أنس بن مالك ينفتل عن يمينه وعن يساره ، ويعيب على من يتوخى أو من يعمد الانفتال عن يمينه ) قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " : ( وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال : " سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري ؟ قال : أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " ويجمع بينهما بأن أنسا عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه ، وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى . ) ورواية الإمام مسلم لأثر ابن مسعود رضي الله عنه ظاهرها التعارض مع روايته لأثر أنس رضي الله عنه ، حيث إن الأثرين عُبِّر في كل منهما بصيغة أفعل التفضيل ، فقال ابن مسعود رضي الله عنه : (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله) وقال أنس رضي الله عنه : (أكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه) قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم " في الجمع بينهما : ( وجه الجمع بينهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا ، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه ؛ فدل على جوازهما ، ولا كراهة في واحد منهما ، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال ، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه ؛ فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ ، ولهذا قال : يرى أن حقا عليه ، فإنما ذم من رآه حقا عليه . ومذهبنا أنه لا كراهة في أحد من الأمرين ، لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته ، سواء كانت عن يمينه أو شماله ، فإن استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل ؛ لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها . هذا صواب الكلام في هذين الحديثين وقد يقال فيهما خلاف الصواب . والله أعلم . ) وقال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " وقد ذكر أوجها أخرى للجمع بينهما : ( ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود ؛ لأنه أعلم وأسن وأجل ، وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس ) ونقل رحمه الله عن ابن المُنيِّر رحمه الله قوله : ( فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها ، لأن التيامن مستحب في كل شيء أي من أمور العبادة ، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته ، والله أعلم . ) فائدة بوب الإمام البخاري رحمه الله على أثر ابن مسعود رضي الله عنه بقوله : ( باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال ) قال ابن حجر رحمه الله : ( قال الزين ابن المنير : جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين ، وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف إليها . ) قال الفقير إلى عفو ربه : وروى الدارمي في مقدمة سننه عن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : حدثني أبي قال : " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إنى رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، و لم أر و الحمد لله إلا خيرا ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشتَ فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، و في أيديهم حصى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائة ، فيهللون مائة ، و يقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة ، قال : فماذا قلت لهم؟ قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، و ضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم مضى و مضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير و التهليل و التسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، و يحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، و هذه ثيابه لم تبل ، و آنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! قالوا والله : يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وايم الله ما أدرى لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج " . قال العلامة الألباني رحمه الله في" السلسلة الصحيحة " 5 / 11 : ( و هذا إسناد صحيح ) ثم قال رحمه الله معلقا على هذه الرواية : ( إن فيها عبرة لأصحاب الطرق و حلقات الذكر على خلاف السنة ، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! و هذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا ، و إنما المنكر ما ألصق به من الهيئات و التجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، و إلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات ؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين ، و الذكر بعدد لم يرد ، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة ، و يأمرهم به من عند نفسه ، و كأنه مشرع عن الله تعالى ! *( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )* . زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا و قولا إنما هي التسبيح بالأنامل ، كما هو مبين في " الرد على الحبشي " ، و في غيره . و من الفوائد التي تؤخذ من الحديث و القصة ، أن العبرة ليست بكثرة العبادة ، و إنما بكونها على السنة ، بعيدة عن البدعة ، و قد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا : " اقتصاد في سنة ، خير من اجتهاد في بدعة " . و منها : أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة ، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ؟ فهل من معتبر ؟ ! ) اهـ قال الفقير إلى عفو ربه : وقد تعمدت أن أسوق لإخواني – ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه – هذا الفهم عن ابن مسعود رضي الله عنه خاصة ؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه جملة من الأحاديث العظيمة ، فروى أحمد والترمذي بإسناد صححه الألباني من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر و عمر ، و اهتدوا بهدي عمار ، و تمسكوا بعهد ابن مسعود " . وفي طريق أخرى عند ابن حبان وحسنها الألباني : " إني لا أدري ما بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار لأبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه " وأخرج الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد " . قال الحاكم رحمه الله : " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي والألباني . وروى الإمام أحمد في " مسنده " بإسناد حسنه الألباني رحمه الله : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد و هو بين أبي بكر و عمر ، و إذا ابن مسعود يصلي و إذا هو يقرأ ( النساء ) ، فانتهى إلى رأس المائة ، فجعل ابن مسعود يدعو و هو قائم يصلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسأل تعطه ، اسأل تعطه ، ثم قال : " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل ، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " . ، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليبشره ، و قال له : ما سألت الله البارحة ؟ قال : قلت : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ، و نعيما لا ينفد ، ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد . ثم جاء عمر رضي الله عنه ، فقيل له : إن أبا بكر قد سبقك ! قال : يرحم الله أبا بكر ، ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه " وقد شهد ابن مسعود رضي الله عنه لنفسه بتفوقه على عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العلم بكتاب الله ، ففي الصحيحين من حديثه رضي الله عنه قال : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } " ثم قال : على قراءة من تأمروني أن أقرأ ، فلقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه ، قال شقيق : فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه ) فائدة في اتباع هدي السلف دون غيرهم من الخلف قال ابن كثير رحمه الله تعالى في " تفسيره " : ( وقوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي: قالوا عن المؤمنين بالقرآن: لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية. وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بينا، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } [الأنعام: 53] أي: يتعجبون: كيف اهتدى هؤلاء دوننا ؛ ولهذا قالوا : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها) اهـ فائدة في أضرار البدعة قال العلامة بكر أبو زيد في مقدمة رسالة " بدع القراء " : ( أي حَدَثٍ في التَّعَبُّدِ ففيه : هجر للمشروع ، واستدراك على الشرع ، واستحباب لما لم يشرع ، وإيهام للعامة بمشروعيته ، فيؤول الدين المنزل إلى شرع محرف مبدل . أحيانا الله على الإسلام والسنة , حتى نلقاه على ذلك . ونُقل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : " كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله r فلا تعبدوها, فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً, فاتقوا الله معشر القراء, وخذوا بطريق من كان قبلكم " والله المستعان .) انتهى قال الفقير إلى عفو ربه : فكل خير في اتباع من سلف ، وكل شر في ابتداع من خلف ، ولئن كنتُ أطلت الجواب ، فلخطورة البدعة وأهمية الخطاب ، والله يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى سبحانه . التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحارث الشافعي ; 09-09-2008 الساعة 06:52 PM |
#3
|
|||
|
|||
حفظك الله يارحمك الله,
إجابة كافية, لما فى الصدور شافية, بارك الله لك فى فهمك وعمرك ووقتك, والحمد لله ..
|
#4
|
|||
|
|||
بارك الله فيك وجزاك الله الجنة
|
#5
|
|||
|
|||
جزاك الله عنا خير الجزاء شيخنا الفاضل إجابة شافية كافية وافية
بارك الله فيك وفي عمرك ونفع بك الاسلام والمسلمين |
#6
|
|||
|
|||
بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا نفعنا الله واياكم وتقبل منكم المجهود الذي ابذلته
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|