الداعية الشهيد

[أم حُذيفة السلفية]

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـسم الله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
سيدنا مُحمد صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين

اليوم أضع لكُم نموذج من النماذج المُشرقة

هو الفاتح الأول للمدينة والداعية الشهيد,هو نبراس الدُعاء
هو إمام الفاتحين الفتىَ المُنَّعَم الذي صاغه الإسلام على يديهِ
هو الذي أسلم على يديهِ(

أُسيد بن حُضير,وسعد بن مُعاذ)

ها هو الصاحبى( مصعب بن عُمير)

هذا

مصعب بن عُمير ممن تربَّوا بين يدي مَن ربَّاه الله ليربّي به
الأمم والأجيال مُحمد بن عبدالله صلوات الله وسلامهِ عليهِ

فإنه لم يكد مصعب يعلن إسلامهُ حتى علم أنه أُلقى على كاهله أمانة
عظيمة أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها
فقام يدعو إلى الله على بصيرة

يُبتلى الرجل على حسب دينهِ

وكان مصعب-

رضى الله عنه - يكتم إسلامهُ فى بداية الأمر خوفاً من بطش أُمه
فقد كانت تتمتع بقوة عجيبة فى شخصيتها تفوق الكثير من الرجال

ولكن الإبتلاء سُنة ثابتة, فلقد رآه

عثمان بن طلحة وهو يدخل إلى دار الأرقم
ثم رآه مرة أُخرى يُصلى فذهب إلى أُم مصعب وأخبرها بإسلام مصعب حتى
كاد عقلها يطيش لهول المُفاجأة التى وقعت عليها, وهمّـت أُمه بإذائه -بالضرب-
ولكن نور الإيمان التي كس وجهه جعلها تتراجع,وتكتفي بحبسه فى دارها

وهُنا نقول

:إن صدق الإيمان يظهر واضحاً جلياً فى الصبر على المحن والإبتلاءات
قال تعالى:(آلم(1) أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون(2)ولقد
فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)

وذلك التميز لا يكون إلا فى الإبتلاء والإمتحان الذي يُفضل الصادقين عن الكاذبين

ولقد جاءت المواقف الإيمانية التي وقفها الصحابة -

رضوان الله عليهم- لتكون
لنا كالشمس الساطعة فى دُنيا الحقيقة.. فنتعلم منها كيف يكون الإيمان الصادق
فنسير على آثار خطواتهُم إلى أن تكون خاتمة السعادة بمرافقتهُم فى جنات النعيم
فيكمل الله لنا النعمة بصُحبة نبيهُ صلى الله عليه وسلم والنظر إلى وجههِ الكريم..

سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسراً

ولكن الله دائماً وأبداً لا يُسلم أولياءه لاعدائه.. فسرعان ما جاء الفرج من عند الله
وأستطاع مصعب

- رضى الله عنه- أن يهرب من هذا الحبس ومض إلى بلاد الحبشة
مُهاجراً ليغسل جراحاته بشلالات الحبشة,ثم عاد مع من عاد من الحبشة ولم يلبث
إلا قليلاً حتى هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة فاراً بدنيهِ

وكان مصعب مِن أنعم الناس عيشاً قبل إسلامهُ فلما أسلم زهد فى الدُنيا
وترك زينتها وتفرغ للعبادة وطلب العلم

يقول على

- رضى الله عنه - جئت المسجد فطلع علينا مصعبُ بن عُمير فى بُردة
له مرقوعة بفروة, وكان أنعم غُلام بمكة وأرفَه,فلما رآهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكر ما كان فيهِ من النعيم ,ورأى حاله التى هو عليها,فذرفت عيناه عليهِ, ثم قال:أنتم
اليوم خيرٌ أم إذا غُذى على أحدكم بجفتهٍ من خُبز ولحم؟ فقلنا: نحن يومئذ خير,نُكفى
المؤنة,ونتفرَّغُ للعبادة,قال: بل أنتم اليوم خيرٌ منكُم يومئذ

أخرجه الترمذى(2478) فى صفة القيامة, وقال: حديث حسن غريب

　
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التى كان يعيش فيها مؤثراً الفقر
وأصبح الفتى المتألق المعطَّر, لا يُرى إلا مرتدياً أخشن الثياب,يأكل يوماً
ويجُوع أياماً, ولكن روحه المُتأنقة بسمو العقيدة, والمُتأنقة بنور الله
كانت قد جعلت منه إنساناً آخر يملأ الأعين جلالاً, والأنفس روعة

　

سفير الدعوة الأول

لقد بعثه النبى

صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ليكون سفير الدعوة الأول
وذلك بعد أن بايع الأنصار البيعة الأولى يفقههم ويُقرؤهم القرآن, وكان يأتيهم فى
دورهم, فيدعوهم إلى الإسلام فأسلم منهم خلق ٌكثير,وكتب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم يستأذنه بأن يجمع بهم فأذن له,فجمع بهم فى دار بنى خيثمة

ثم قدم على رسول الله

صلى الله عليه وسلم مع السبعين الذين
وافوه فى العقبة الثانية, فأقام بمكة قليلاً ثم قدم قبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة فهو أول من قدمها

　

وعن ابن شهاب قال: لما بايع أهل العقبة رسول الله

صلى الله عليه وسلم

ورجعوا إلى قومهم, فدعوهم إلى الإسلام سراً, وتلوا عليهم القرآن,وبعثوا
إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم مُعاذ بن عفراء ورافع بن مالك,أن ابعث
إلينا رجُلاً من قِبلك فليدعُ الناس بكتاب الله,فإنه قمن أن يُتبع,فبعث إليهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عُمير,فلم يزل يدعو آمناً ويهدى
الله على يديهِ, حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم أشرافهم,فأسلم
عمرو بن الجموع,وكسرت أصنامهُم,وكان المسلمون أعز أهل المدينة فرجع
مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يُدعى المقرئ

صفة الصفوة(161/1)

وللحديث بقية إن قدر الله لنا البقاء