فما رأيك يا مروة إذن ؟!!
تقول مروة و قد انكسرت حدة كلامها :
حسناً يا أسماء اقتنعت بما ذكرتِ متفضلة ..
و لكني أسمع فيما أسمع أن الاختلاط لم يُمنع إلا في المجتمعات الإسلامية الإنفصالية
التي ساد فيها الانحطاط ..
سمعت أسماء قول مروة و ردت متعجبة :
إنما هذا لإفتراء محض يا أختاه ..
و ليس كل من قال صدق .. كيف لعاقل أن يقول هذا ؟!! ..
فها نحن الآن نعيش زمن انحطاط في الاخلاق و القيم
فهل سمعتي مرة عن حملة لمنع الاختلاط أم العكس
حملة لتحرير المرأة من رق الإسلام - كما يزعمون -
عليهم من الله ما يستحقون..
إنما هو وهم و افتراء يُستغرب صدوره من أي مسلم لديه معرفة
-ولو يسيرة- بتاريخ الإسلام وشرعه،
فكيف ممن يمثل اتجاهاً إسلامياً محافظاً ويترأسه في بلد عربي مسلم ؟
لقد مُنع الاختلاط في الإسلام منذ نزول آيات الحجاب،
ومنعه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان،
وما سقناه فيما سبق من الأدلة الشرعية والأقوال والوقائع كاف لإثبات ذلك.
ولم يخل عصر ولا مصر من بلاد الإسلام والمسلمين
من منع الاختلاط والتشدد في أمره؛
امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،
وحرصاً من المخلصين الغيورين في مختلف الأماكن والأزمان
على تطبيق شريعة الإسلام.
ولن يستطيع أصحاب هذا الزعم الباطل -مهما أجهدوا أنفسهم-
أن يقدموا دليلاً صحيحاً يبرهن على صحة مُدَّعاهم.
وأما ربط منع الاختلاط بعصور الانحطاط
ففيه ما لا يخفى من الاستهتار بكلام الله ورسوله،
والازدراء بما يدعو إليه المصلحون من منع الاختلاط والتحذير منه،
والتأثر بمقولات الغرب حول التقدم والتحضر والمدنية.
انتهت الشبهة الأولى
الشبهة الثانية :
(وقرن في بيوتكن) هل هي موجهة لنساء النبي فقط ؟!
قالت مروة
وهي تفتش في ذهنها عن أي شيء ينجدها فلمعت في رأسها شبهة جديدة ..
فتمايلت
و قالت : حسناً يا أسماء ..
اقتنعت برأيك و لكن ماذا تقولين في ..
أن هذه الآية ((وقرن في بيوتكن)) لم تكن موجهة إلا لنساء النبي فقط ؟؟
ابتسمت أسماء ابتسامة الواثقة بالله جل و علا و قالت :
أقول و التوفيق من عند الله ..
يفهم علماء الأمة ومحققوها قديماً وحديثاً من قوله تعالى:
(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) 67
وجوب لزوم المرأة المسلمة بيتها
وعدم خروجها منه إلا عند الضرورة
وتحريم اختلاطها بالرجال الأجانب عنها.
يقول عبد الرحمن بن الجوزي:
"قال المفسرون: ومعنى الآية:
الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وأن لا يخرجن"
. ويقول الحافظ ابن كثير:
"وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة"
. ويقول القاضي أبو بكر بن العربي:
"قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) يعني:
اسكنّ فيها ولا تتحركن ولا تبرحن منها"
. ويقول أحمد مصطفى المراغي:
"(وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة،
وهو أمر لهن ولسائر النساء"
. ويقول حسنين محمد مخلوف:
"(وقرن في بيوتكن): الزمنها فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة،
ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين"
. ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:
"(وقرن في بيوتكن) أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لكُنَّ"
. ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري:
"وقوله (وقرن في بيوتكن) أي:
اقررن فيها بمعنى اثبتن فيها ولا تخرجن إلا لحاجة لابد منها"
. ويقول أبو الأعلى المودودي - بعد حديثه عن دائرة عمل المرأة - :
"صفوة القول أن خروج المرأة من البيت لم يُحمد في حال من الأحوال،
وخير الهدي لها في الإسلام أن تلازم بيتها كما تدل عليه آية (وقرن في بيوتكن) دلالة واضحة" .
وأما اختلاف العلماء في معنى الآية -
حيث ذهب بعضهم إلى أنها من الوقار وهو السكون،
وذهب البعض الآخر إلى أنها من القرار وهو البقاء-
فلا يُبطل صحة الاستدلال بالآية على منع الاختلاط،
لأن كلا المعنيين يدلان على ضرورة لزوم المرأة بيتها
وعدم خروجها منه إلا لحاجة شرعية،
وهو ما ذهب إليه المفسرون.