انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > المــكتبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-09-2011, 03:58 AM
عبد ضعيف عبد ضعيف غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي من هو آية الله مازندراني أو جمال الدين الأفغاني؟ حقائق مذهلة عن جمال الدين الأفغاني؛؛

 




آية الله مازندراني أو جمال الدين الأفغاني !!!

!!

للأستاذ / محمد بن حسن المبارك .

لا يمكن أن نمر على تاريخ الماسونية في مصر دون أن نعرِّج على سيرة من وُصِف بأنه مؤسس المدرسة الإصلاحية و أستاذها الأول جمال الدين الأفغاني ، أو "المازندراني"
ـ فمن هوالأفغاني ؟؟
ـ ولماذا جاء إلى مصر ؟؟؟؟

نسبه :
هو جمال الدين هو جمال الدين بن صفدر المازندراني المعروف بالأفغاني ولد عام 1254هـ 1838م ، و قد اختلف في نسبه و بلدته كما سيأتي
عقيدته:
يعد جمال الدين الأسد آبادي من الشخصيات التي لايزال الغموض يكتنفها والسرية تحوط معظم تصرفاتها ، إذ كان الافغاني ذا علاقة مريبة باليهود والنصارى والمرتدين ، و صلة وثيقة بالمحافل الماسونية ، بل رئيساً لأحدها وهو محفل كوكب الشرق في القاهرة، و لذلك لم يعدم الافغاني من علماء الاسلام من يفتي بكفره و انحلاله ، فقد اتهم الأفغاني بالإلحاد و الخروج من ربقة الدين عدة مرات والذي يقرأ مؤلفات الأفغاني ورسائله التي كان يرسلها لتلامذته وأتباعه يرى من خلالها أنه كان صاحب عقيدة غير سوية .
و كذلك رسائل تلامذته إليه مما ينضح بالغلو القبيح و الشرك الصريح ، فمن ذلك رسالة الشيخ محمد عبده إلى إستاذه جمال الدين الأفغاني بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 ، يقول فيها :
( ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك ، صنعتنا بيدك وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم ، فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين ، فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .
أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق ، وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد ) .
إلى أن يقول :
( فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال ، فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ،ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي ، وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة ، ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي المثلث ، ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء ، ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك واطرق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء ) .
ثم يقول أيضا :
( أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين)انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155 .
قال الشيخ فهد الرومي معلِّقاً على خطاب محمد عبده :
( وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ، وقد استغرب السيد رشيد رضا نفسه هذه الرسالة من إستاذه حيث قال عند سياقه لها :
"ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه ، بل هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم ، وفيه من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه ، وإن كان من قبيل الشعريات وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تُعهد منه البته" ) .
انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155
فمن تلك التهم :
أـ الإلحاد :
ـ إذ قال عنه تلميذه النصراني سليم العنجوري في "شرح ديوان سحر هاروت"
عند ترجمته له : إنه سافر إلى الهند وهناك أخذ عن علماء البراهمة والإسلام أجل العلوم الشرقية والتاريخ ، وتبحر في لغة "السانسكريت" أم لغات الشرق .
وبرَّز في علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدمية العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحيوية المنتشرة في الفضاء هي المكونة ـ بطرق وتحول طبيعيين ـ ما نراه من الأجرام التي تشغل الفضاء ويتجاذبها الجو ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهمٌ نشأ من ترقي الإنسان في تنظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات . انظر : تاريخ الأستاذ الإمام (1/43 ) .
و هذه ـ بالضبط ـ هي عقيدة حكماء مصر القديمة ، التي تتبناها الماسونية من وراء حجاب ، و تُظهِرها في فترات متباعدة ـ و في مقاسات متعدِّدة .
إذ أن فلسفة الكابالا اليهودية القائمة على أرثٍ فرعوني قديم تقوم على أساس أن الكون تشكَّل بنفسه وتطور تلقائياً بعوامل المصادفات العشوائية.
يقول مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" :
( كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل، حيث أن الدنيا وجدت بولادة النظام من رحم الفوضى والعماء و الظلام ـ وهو نفس ما كان يعتقده السومريون أيضاً ـ ، وكان لهذه الهاوية قوة داخلية ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام. ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها... كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء.
ويعلِّق مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" على تلك الفلسفة المصرية الوثنية بالتطرق إلى امتداداتها الحديثة قائلَين:
"..والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تماماً مع النظرة الحالية للعلم الحديث ولا سيما مع "نظرية الفوضى" من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضياً مكررة نفسها رياضياً ونتيجة للنظام".
.. والمذهل في الأمر أن هذه الفلسفة المصرية الوثنية هي الفلسفة المطروحة في أيامنا الحالية من قبل أنصار "نظرية التطور" و"نظرية الفوضى" لا سيما في مجموع طروحات ماركس و دارون مع الفلسفة الهيغلية ، إلاَّ أن الافغاني رجع الى المصادر القديمة .. فتأمل!
ـ كما اتهمه بعض علماء الأزهر بالإلحاد أيضاً ، ومنهم الشيخ عليش مفتي المالكية .
بل حتى المستشرق البريطاني (ايلي كدوري) كان يعتبر الأفغاني ملحداً، ، ودليله على ذلك عبارةُ للأفغاني ـ خلال محاورةٍ له مع المستشرق الفرنسي (رينان) ـ يقول فيها «لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين» .
وكذلك كان "كدوري" يعتبر تلميذ الأفغاني "محمد عبده" ملحداً ، مستدلاً يقول الشيخ محمد عبده في رسالة لأستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :
( نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ، ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ...) ، انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص161
، و الحاصل أن تلامذة الافغاني ساروا على نفس طريقة شيخهم ، وهي محاربة الدين باسم الدين ، كما قرَّر ذلك الشيخ محمد عبده شخصيا ، و بقلمه أيضاً .
وقد اشتهرت عنه هذه التهمة ، و لعلَّ ذلك هوما جعله يكتب رسالته في الرد
على ا لدهريين ـ مع أنه من أكابرهم ـ ليدفع عنه هذه التهمة.
يقول شبخ الاسلام مصطفى صبري ـ عن محمد عبده ـ فلعله وصديقه أو شيخه جمال الدين أراداأن يلعبا !!! في الإسلام دور لوثر وكالفين زعيمي البروستانت
في المسيحية فلم يتسنَّ لهما الأمر لتأسيس دين حديث للمسلمين ، وإنما اقتصر تأثير سعيهما على مساعدة الإلحاد المقنع بالنهوض والتجديد )) ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 1/144)
ب . القول بأن النبوة مكتسبة :
ـ و في بلاد الأناضول رماه علماء الأستانة بالإلحاد و المروق من الدين إثر محاضرة ألقاها في دار الفنون ذكر فيها أن النبوة صناعة مكتسبة .
ـ وحكى عنه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية "حسن أفندي فهمي" أنه جعل النبوة صنعة وسوَّى بينها وبين الفسلفة فأمر شيخ الإسلام الوعاظ وأئمة المساجد أن يهاجموه حتى اضطر لمغادرة الأستانة .
و قال عنه تلميذه النصراني سليم عنجوري:
( ارتجل خطبة في الصناعات غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية فشغب عليه طلبة العلم وشددت عليه صحيفة النكير ) " تاريخ الأستاذ الإمام 1/44"
ج ـ وحدة الوجود :
ـ كما وصف الشيخ رشيد رضا ـ تلميذ تلميذه محمد عبده ـ الأفغاني بأنه كان يميل إلى وحدة الوجود التي تشتبه فيها كلام الصوفية بكلام الباطنية ،يقول رشيد رضا: (كان يميل لوحدة الوجود التي يشتبه فيها كلامه مع كلام الصوفية الباطنية ). انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
ويؤيد ما قاله رشيد رضا ما قاله تلميذ آخر للأفغاني وهو أديب إسحاق عندما قال فيه : (كان يميل للتصوف في بدء حياته فانقطع حينًا بمنزله يطلب الخلوة لكشف الطريقة وإدراك الحقيقة ثم خرج من خلوته مستقر الرأي على حكم العقل، وأصول الفلسفة القياسية).
د ـ القول بوحدة الأديان :
و اشتهر عنه القول بوحدة الأديان ، و لا نحتاج كثيرا من الأدلة لاثبات هذه التهمة لكونها من ثمرات الاعتقاد بوحدة الوجود، كما أن صِلاته باليهود و النصارى و دولهم ، و كذلك صِلاته بغيرهم من أهل الملل تؤكد هذا الأمر ، وكذلك انتسابه وترؤسه للمحافل الماسونية التي تدعو الى ذلك بكل صراحة ووضوح .
يقول "شيخ الاسلام" ـ في الدولة العثمانية ـ مصطفي صبري عن دعوة الأفغاني ومحمد عبده :
(( وأما الدعوة الإصلاحية المنسوبة الى محمد عبده فخلاصته أنه زعزع الأزهر عن جموده على الدين !! فقرب كثيراً من الأزهريين الى اللادينيين ولم يقرب اللادينيين الى الدين خطوة وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني كما أنه شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر )) ( 1/133-134 .
و يقول تلميذه محمد عبده :
(( وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة وصحفاً متصادقة يدرسها أبنا الملتين ويوقرها أرباب الدينين فيم نور الله في أرضه ويظهر دينه الحق على الدين كله )) ، ( الأعمال الكاملة لمحمد عبده جمع محمد عمارة ( 2/363-364)
هـ القول بنظرية النشوء و الارتقاء :
و اشتهر عنه القول بنظرية النشوء و الارتقاء ، و هي تهمة متفرعة عن التهمة الأولى ـ الإلحاد ـ ، يقول الشيخ رشيد رضا ـ عن الافغاني ـ :
(وكلامه في النشوء والترقي يشبه كلام داروين) . انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .

سلوكيات جمال الدين :
قال سليم عنجوري كما في كتاب « لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث » للوردي (3/113) « كان (الأفغاني) يكره الحلو ويحب المر ، ويكثر من الشاي والتبغ ، وإذا تعاطى مسكراً ، فقليلاً من الكونياك ".
و أكد ذلك محمد رشيد رضا الذي يقول : ( كان الافغاني يشرب قليلا من الكونياك - وهو نوع من الخمر) " تاريخ الأستاذ الامام " (1/49) .
و كان جمال الدين ممن يشجع على السفور ، بل هو باذر نبتته ، فقد نقل أحمد أمين عن جمال الدين أنه كان يقول : ( وعندي أنه لا مانع من السفور إذا لم يتَّخذ مطيَّة للفجور) « زعماء الإصلاح في العصر الحديث » (ص 114)
وقد تبنى هذه الفكرة تلامذته من بعده ، و نشروها بكل جد واجنهاد ـ لا يُحمدون عليه ـ و بالأخص تلميذه محمد عبده .
ـ وذكر الشيخ يوسف النبهاني مفتي بيروت أنه : ( اجتمع به ـ أي بالافغاني ـ سنة 1287 هـ في مصر حين كان مجاورا بالأزهر ولازمه من قبل المغرب الى قرب العشاء فلم يصل المغرب)
ـ كما ذكر مثل ذلك عن تلميذه محمد عبده فقال :
( الذي أعلمه من حال الشيخ محمد عبده ، وكل من عرفه يعلمه كذلك ، أنه حينما كان في بيروت منفيا كان كثير المخالطة للنصارى والزيارة في بيوتهم والاختلاط مع نسائهم بدون تستر . هذا مما يعلمه كل من عرف حاله في هذه البلاد ، فضلا عن أسفاره المشهورة الى بلاد أوروبا واختلاطه بنساء الأفرنج وارتكابه المنكرات من شرب الخمر وترك الصلوات . ولم يدَّعِ هو نفسه الصلاح ، ولا أحد توهمه فيه . فكيف يكون قدوة وإماما في دين الأسلام ، نعم هو إمام الفسَّـاق والمرّاق مثله ، ولذلك تراهم على شاكلته ، لا حج ولا صلاة ولا صيام ولا غيرها من شرائع الأسلام "
وقال بعد ذلك :
" دعاني رجل من أهل جبل لبنان سنة 1305 هـ وهي توافق 1888 مـ الى بيته فتوجهت معه فوجدت هناك الشيخ محمد عبده . فتصاحبنا من الصباح الى المساء لم أفارقه نهارا كاملا . فصليت الظهر والعصر ولم يصل ظهرا ولا عصرا . ولم يكن به علة ولا عذر له ،إلاَّ خوفه من أنه إذا صلى بحضوري يقول أولئك الحاضرون الذين كان لا يصلي أمامهم أنه يرائي في هذه الصلاة لأجلي ، فغلب عليه شيطانه ، وأصر على عدم الصلاة ، وإلا فقد بلغني عنه أنه كان يصلي تارة ويترك أكثر "
نقلا عن كتاب"الأسلام والحضارة الغربية" للأستاذ الدكتور محمد محمد حسين.
ـ و قد ذكر النبهاني ذلك أيضاً في رائيته الصغرى ، إذ يقول :

( و لكنكم مع تركه الحج مرةً ................ و حجٍّ لباريس و لندنة عشرا
ومع تركه فرض الصلاة و لم يكن ............ يسرُّ بذا بل كان يتركها جهرا
و مع كونه شيخ المسون مجاهراً ............ بذلك لا يُخفي أخُوَّتهم سراًّ
ومع غير هذا من ضلالاته التي ........... بها سار مثل السهم للجهة الأخرى
تقولون أســتاذٌ إمام لديننا ............ فما أكذب الدعوى وماأقبح الأمرا
و نحن نراه عندنا شر فاسقٍ ........... فيُقتلُ فسقاً بالشريعة أو كفراً ).
الرائية الصغرى ضمن كتاب العقود اللؤلؤية من المدائح النبوية للشيخ يوسف النبهاني . ص 383

.أسفاره و مغامراته.

في الهند (المرة الأولى ):
بعد أن تم اعداد جمال الدين اعدادا متقنا من فبل الاستعمار البريطاني، تم ارساله الى الهند التي كانت تقبع في ذلك الوقت تحت الاحتلال الانجليزي ، فارتحل جمال الدين وهو في الثامنة عشر من عمره الى الهند ، حيث احتضنه الاستعمار هنالك، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوربية و يتعلم فيها بعض العلوم الحديثة ، و هناك رأى أن يؤدي فريضة الحج ، فاغتنم هذا الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد ، ويتعرف احوالها ، وعادا ت أهلها ، حتى وافى مكة المكرمة سنة 1273 هـ ( 1857 م ) .

في أفغانستان :

ثم أرسل ـ في مهمة استعمارية ـ الى افغانستان، و ليكتسب ـ أيضاً ـ النسبة الافغانية ، و هنالك كلِّف بكتابة "تاريخ افغانستان " إمعانا في التمويه.
وقضى جمال الدين ثمان سنوات قضاها في بلاد الافغان كانت حافلة بأنواع الدسائس و المكائد بين امراء تلك البلاد ، مِما أجج الحرب بين كل من محمد أعظم ، و شير علي ابني الأمير حاكم افغانستان دوست محمد خان خلال تلك الفترة .
في الهند (المرة الثانية ):
ثم عاد الى الهند عام 1869م ، فلما وصل إلي التخوم الهندية تلقته الحكومة الانجليزية بالحفاوة والإكرام لترسله في مهمة جديدة إلى أرض الكنانة ، حيث قدم على ظهر باخرة بريطانية إلى ميناء السويس.
في مصر (المرة الأولى ) :
في أوائل سنة 1870 م ( أواخر سنة 1286 هـ ) قدم الافغاني الى مصر لأول مرة ، و استقبل بكل حفارة وأقام بمصر أربعين يوماً ، ومُكَّن من التردد على الأزهر ، فاتصل به كثير من الطلبة ، وقرؤوا عليه شروحاً في المنطق و الفلسفة ، في بيته الذي نزل به بخان الخليلي ، ثم عزم على السفر الى الأستانة.
في تركيا (المرة الأولى ) :
وصل السيد جمال الدين إلي الأستانة ، فلقي من جمعية الاتحاد و الترقي حفاوه وإكراماً ، فلم تمض ستة أشهر حتى كان عضواً في مجلس المعارف ، و بدا واضحا لأهل العلم غرابة توجهاته وخبثها ، مما جعله محل نقمة و سخط علماء الدولة ، لا سيما شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي.
وإثر محاضرة ألقاها في جمع حاشد في رمضان سنة 1287 هـ (ديسمبر سنة 1870 م ) في دار الفنون للحث على الصناعات ، قال فيها جمال الدين : أن النبوة صناعة مكتسبة ، رماه علماء الأستانة بالإلحاد والمروق من الدين.
و ألَّف الشيخ (خليل فوزي الفيليباوي) إثر ذلك كتابا باللغة العربية عَنونَه بـ ..(السيوف القواطع) للرد على عقيدة الأفغاني ، وترجم الكتاب في تلك الفترة الى اللغة التركية ، مما حدا بالدولة العثمانية أن تصدر أمرا بإخراجه من البلاد .

الأفغاني و اسماعيل :
من الأمور التي لم يختلف فيها المؤرخون المحققون أن الأفغاني كان رأساً كبيراً في الماسونية العالمية ، ولكونه من كبار الماسون العالميين فقد استقدمه رياض باشا ـ اليهودي الأصل ـ و رئيس الوزراء في عهد اسماعيل باشا ـ بأمرٍ من اسماعيل باشا "الماسوني" الى مصر.
ومع كثرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يُحدث أثرا في أي من هذه البلاد كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879 .
حيث دخل السيد جمال الدين الافغاني مصر ـ للمرة الثانية ـ في مارس في أول المحرم سنة 1288 هـ ( مارس سنة 1871 م ) ، فأجرت عليه حكومة إسماعيل باشا راتباً مقداره ألف قرش كل شهر ، دون عمل ، و كان الطلبة يقرؤون عليه في بيته في علم الكلام ، والحكمة النظرية ، من طبيعية وعقلية ، وعلوم الفلك ، والتصوف كنوع من التضليل .
و ، وتولى رياض باشا رعايته فيها ، وأعد له سكنًا في حارة اليهود حيث يمكن الافغاني انشاء جمعياته السرية . و بمساعدة من رياض باشا ضم الافغاني إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر .
وكان اسماعيل باشا قد استقدمه لأمرين :
1ـ أن اسماعيل باشا كان أيضاً ماسونيا:بل و متحمساً للماسونية مع ميل جارف
الى الاوربيين ، فلذلك رحب بأحد أكابر الماسونيين العالميين الذين يسيرون في فلك الماسونية العالمية ، لا سيما البريطانية منها .
2ـ طموحات اسماعيل باشا الانفصالية :
فليس خافياً ما كان يبذله اسماعيل باشا من المساعي للانفصال عن تركيا في ذلك الحين ،
وظهوره بمظهر العاهل المستقل ، كمافي المعرض العالمي في باريس سنة 1867 ،
وفي إغفاله دعوة السلطان إلي حضور حفلات افتتاح القناة سنة 1869 ،
وعزمه على اعلان استقلال مصر التام في تلك الحفلات ـ لولا العقبات السياسية التي اعترضته مما أوجد انواعاً من مظاهر الفتور والجفاء بين الخديوي والسلطان والتي كادت أن تقطع الروابط بينهما .
وأخصها فرمان نوفمبر سنة 1869 الذي اصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي .
فقد كان إسماعيل يرى في حكمه منافساً لحكومة الأستانة في المكانة والنفوذ السياسي ، وينظر إليها بعين الزراية ، ولا يرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا ، ولا أن يكون هو تابعاً للسلطان العثماني ، مستطيلاً بذلك بعلاقاته مع الانجليز ، إذ كان يطمح للانضمام الى اوربا ، وكان كثيرا ما يصرح بأن حلمه الأكبر أن يجعل من مصر قطعة من أوربا .
ولذلك فقد وجد اسماعيل باشا ضالته في الافغاني الذي كان يناهض الحكم العثماني أينما حل.
الأفغاني و العمل السري:
مما يريب اللباحث في شخصية الافغاني وأهدافه -أيضاً- أن جلٌُّ نشاطاته كانت تتم بالخفاء حيث ما حل ، وأنَّى ارتحل ، و قد اتجه جمال الدين للانخراط في العمل السري ـ منذ دخل مصر ـ بعدة وسائل ، فمن ذلك :
أـ الانخراط في الماسونية:
سرعان ما اتصل الافغاني بالماسونية العالمية بالديار المصرية منذ حل في أرضها ، فانضم مباشرةً إلى المحفل الماسوني البريطاني .
وفي كلمة ألقاها في المحفل البريطاني عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، يقول فيها: «دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي؛ فتخوفاً من أن تعاب الماسونية بي، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح، وأبقت عليّ من غير تبصُّر؟!) .
إلاَّ أنه استقال من المحفل الاسكتلندي البريطاني ـ كخطوة سياسية ـ ،إذ كيف يكون من سيتصدر الثورة ضد الاحتلال الانجليزي أمام الجماهير عضوا في محفل ماسوني بريطاني .
ـ و التحق بمحفل كوكب الشرق التابع لفرنسا ، و هو أول محفل إشتغل باللغة العربية ، وكان لايؤمه إلا المصريون فحسب أو من هم في حكمهم، وقد ترأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبعض الشوام.
ـ ثم انتقل بعد ذلك إلى ووجه الافغاني خطابا الى المحفل الماسوني الفرنسي، يطلب فيه الانضمام إليهم؛ قال فيه:
«يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة -جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة-: بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلال الوفا- أعني: أرباب المقدس الماسوني؛ الذي هو عن الخلل والزلل مصون!- أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر! وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل»( 13).
ـ وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني، بل تم اختياره رئيساً له؛ كما جاء في رسالة المحفل إلى جمال الدين، وهي:
لوج كوكب الشرق
نمرة 1255
في القاهرة بمصر و7 جنايو 1878/5878
إلى الأخ جمال الدين المحترم.
إنه لمعلوم لديكم بأن في جلسة 28 الماضي، وبأغلبية الآراء صار انتخابكم رئيس محترم لهذا اللوج لهذا العام؛ ولذا قد نهنيكم ونهني ذواتنا على هذا الحظ العظيم، وعن أمر الرئيس محترم الحالي أدعو إخوتكم للحضور يوم الجمعة القادم 11 الجاري الساعة 2 عربي بعد الغروب إلى محفل هذا اللوج لأجل استلامكم القادوم بعد إتمام ما يجب من التكريز الاعتيادي، ثم سيصير يوم الخميس 10 الجاري الساعة 6 أفرنجي مساء -تكريز رئيس محترم لوج كونكورديه، فالرجاء حضوركم في اليوم المذكور للاشتراك في الأشغال، وفي الحالتين ملابسكم تكون سوداء، ورباطة الرقبة والكفوف بيضاء، واقبلوا منا العناق الأخوي .
كاتب سر
نقولا سكروج .
.و سواءٌ ترأس الافغاني المحفل الاسكتلندي البريطاني أو المحفل الفرنسي ، فكلا المحفلين كانا يخدمان المخطط الانجليزي الفرنسي لتسليم مصر الى بريطانيا مقابل اعطاء المغرب لفرنسا .
ـ و استقال الافغاني من المحفل وأنشأ محفلا آخر تابع للشرق الفرنسي الذي سرعان مابلغ أعضاؤه أكثر من 300 عضواً من نخبة المفكرين والناهضين المصريين ولما كان هذا المحفل مطلق الحرية ، فقد دعاه محفل "كوكب الشرق".
ب ـ الافغاني والجمعيات السرية :وكذلك أنشأ الافغاني الجمعيات السرية ، ومن هذه الجمعيات السرية:
أَ ـ الحزب الوطني الحر ، والذي لم يمضِ على تأسيسه عام واحد حتى :
ـ أصبح أعضاؤه 20180 عضوًا ؟؟
ـ و أصبح له رصيد ضخم من المصارف ؟؟؟
بَ- جمعية مصر الفتاة وأنشأ جمعية "مصر الفتاة" ، وكان معظم أعضائها من شبان اليهود.
ـ و قد تبع تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغاني شيخهم في الانضمام إلى الماسونية و الجمعيات السرية ، و منهم كثير من الأدباء و المفكرين ، و الزعماء السياسيين ، ومن أهمهم :
ـ* تلميذه محمد عبده ، و الذي ورث الماسونية الفكرية المتلبسة بلباس الدين .
ـ * سعد زغلول ، و الذي ورث الماسونية السياسية ، و الذي اختاره اللورد كرومر وزيراً للمعارف عام 1907م ثم انتخب وكيلاً للجمعية التشريعية المصرية.
و بعد الحرب العالمية الأولى كون سعد وفداً لمفاوضة الإنجليز حول استقلال مصر عن الأمبراطورية البريطانية فأطلق شرارة ثورة 1919م.
ثم كون حزب الوفد المصري وفاز في الانتخابات البرلمانية عام 1924م وكون الوزارة واصبح أيضاً رئيس البرلمان المصري ثم استقال من منصب رئيس الوزراء ثم انتخب رئيساً للنواب عام 1925م و توفي عام 1927.
و يعتبر سعد زغلول من أهم دعاة العلمانية ، وله الدور العملي الاساسي بحركة السفور بمصر مع صديقه قاسم أمين تلميذ الشيخ محمد عبده و صاحب كتاب "المرأة الجديدة " في الدعوة الى تحرير المرأة والسفور .
و قد ألف الشيخ محمد عبده أكثر فصول الكتاب ، و دافع عنه ، و سار بذلك على خطى شيخه الأفغاني الذي صرح بأنه لا يرى تحريم السفور إذا لم يكن مطيةً للفجور يقول محمد عمارة : " والرأي الذي أؤمن به والذي نبع من الدراسة لهذه القضية هو أن هذا الكتاب إنما جاء ثمرة لعمل مشترك بين كل من الشيخ محمد عبده وقاسم أمين ... وإن في هذا الكتاب - يعني كتاب تحرير المرأة - عدة فصول قد كتبها الأستاذ الإمام وحده ، وعدة فصول كتبها قاسم أمين ، ثم صاغ الأستاذ الإمام الكتاب صياغته النهائية ، بحيث جاء أسلوبه على نمط واحد هو أقرب إلى أسلوب محمد عبده منه إلى قاسم أمين " : " الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده " (1/247 - 248 ) .
ـ و قد اتخذ الافغاني الأعوان والمساعدين من اليهود والنصارى، فقد جعل من معاونيه يعقوب صروف النصراني صاحب الأموال، و يعقوب صنوع أبو نظارة اليهودي ، والذي رثاه الافغاني في «العروة الوثقى»، وسليم عنجوري النصراني الذي تسلم صحيفة «مرآة الشرق».
ـ و كانت سياسة حكومة اسماعيل باشا التي أفضت إلى تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها قد ولَّدت الكراهية المطلقة لدى الشعب المصري لنظام حكم اسماعيل باشا .
عند ذلك أنشأ الافغاني الكثير من الأدوات الماسونية كالأحزاب السياسية و الحركات الوطنية المشبوهة ، و المجلات و الجرائد الساخنة التي سخرها لمحاربة البلاط الملكي .
وما أنشأه غير الماسون تمت فيما بعد سرقته ماسونيا من قبل جمال الدين الافغاني وتلامذته .
في هذه الأثناء زاد خطر الأفغاني لكونه كان على قائمة الهرم الماسوني ، والذي ترتبط
به كثير من الحركات الوطنية ، فأسس الصحف المختلفة و شارك في الكتابة فيها ، كما بدأ في بث اطروحات سياسية كالحياة النيابية ، و البرلمان ، والمشاركة الشعبية ، و المجالس الوطنية ممَّا أسهم في تسخين الشارع المصري .
ـ ولم يتجه جمال الدين الى المشاركة السياسية العلنية ضد الانجليز و القصر الملكي إلا حوالي سنة 1876 بعد تطبيق سياسات التدخل الانجليزية .
ثم بدأت خطورة جمال الدين تكبر شيئاً فشيئاً ، و غي سنة 1878 كانت له
الكلمة الفصل في الحياة السياسية عبر أدواته الاعلامية و السياسية من خلال
تلاميذه الماسون الذين تسنموا المناصب العليا في الدولة .
و هناك من انخدع به كأحمد عرابي باشا ، مِمَّا جرَّ ـ على ارض الكنانة ـ الكثير من الويلات ، و أنواع المضائق والأزمات .
بل وصل بالأفغاني الأمر أن فكر في اغتيال الخديوي إسماعيل أثناء مروره على كوبري قصر النيل ، فقد كان جمال الدين متفقًا على برنامج الحكم مع ابنه توفيق الذي كان الأفغاني قد نجح في ضمه إلى محفله الماسوني .
الوضع السياسي خلال عهد اسماعيل باشا:
الخديوي إسماعيل هو ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا المولود عام 1830 م ، خامس حكام مصر من أسرة محمد علي باشا ، و اسماعيل هو الذي أغرق مصر بالديون و ان كانت تلك الديون قد ابتدأت في عهد سلفه محمد سعيد بن محمد علي ـ من1854 إلى 1864ـ. الذي منح امتياز شق قناة السويس لصديقه المهندس الفرنسي " دي ليسابس " بشروط مجحفة جرَّت على بلاد مصر الويلات فيما بعد.
ولد اسماعيل في القاهرة عام 1830،. و أتم دراسته في باريس ، و عاد الي مصر حيث أصبح وريثا شرعيا للعرش .
وفي 18 يناير 1863 أصبح إسماعيل والي مصر بعد وفاة عمه سعيد باشا ، و كان الأمير " حليم " شقيق اسماعيل باشا هو الوريث الشرعي " لإسماعيل باشا " بناءا على بروتوكول الوراثة القديمة , إلاَّ أنَّ إسماعيل نجح في أن يجعل الوراثة لابنه توفيق أكبر أبنائه , بعد أن أنفق هدايا ورشاوي للباب العالي للحصول على فرمان 1866 لتحويل الولاية الى أكبر أبنائه .
ثم فرمان 1867 للحصول على لقب الخديوي .
و خلعته إنجلترا عن العرش في 1879نتيجة لتبذيره الذي جر على البلاد التدخل الاجنبي ، بعد أن ضغطت على السلطان العثماني لاستصدار أمر بعزله و تولية ابنه توفيق .
و بعد عزله سافر على الفور إلى ناپولي بإيطاليا، ثم انتقل بعدها للإقامة في الآستانة.
حيث توفي في 2 مارس 1895 .
النشاط الماسوني في عهد إسماعيل :
كان إسماعيل باشا ماسونيا صرفاً كجدَّه محمد علي، وكان متأثرا جدا بالحياة في أوروبا , و ذلك جرَّاء اقامته للدراسة في فرنسا ، فكان يحلم بـأن يجعل فرتسا قطعة من الغرب ، و لذلك فقد لجأ اسماعيل باشا إلى استمالة حكام اوروبا له , فكان يهدي كل واحد منهم يزور مصر مسلة فرعونية وهي التي تظهر في ميادين العواصم الأوروبية الآن .
وحين تولى حكم مصر ألقى مقاليد البلاد لليهود والماسونيين الذين كانوا يسيطرون على نظام الحكم في مصر ويتحكمون في شئون البلاد اقتصاديا وسياسيا .
ـ وزاد النشاط الماسوني في مصر في عهد اسماعيل باشا جدَّا , واحتل الماسونيون في عهده أعلى المناصب في البلاد , فكان رئيس الوزراء والوزراء والمديرون وكبار الشخصيات في مصر من الماسونيين الذين كانوا قد عادوا من فرنسا , و منح اسماعيل الماسونيين ألقاب " باشا " و " بك " و " أفندي " دون غيرهم من المواطنين .
والتف اليهود حول " إسماعيل باشا " وأحسوا بأنه فريسة سهلة يمكن توريطها والزج بها في المستنقع الذي ترسمه له الصهيونية العالمية .. واستغل اليهود حماس " إسماعيل باشا " في أنه يريد أن تكون القاهرة مثل باريس التي عاش فيها .
ـ ثم فتح " إسماعيل باشا " الوظائف الحكومية العامة على مصراعيها لليهود , ولاسيما في أقسام وأقلام الحسابات والترجمة , وبدأ اليهود في تحقيق آمالهم في السيطرة على مصادر المال والذهب في مصر .
وكان من أوائل اليهود الذين عملوا في هذه الوظائف " فيكتور هراري " و " إفرايم عاداة " اللذان تدرجا حتى صار الأول مديرا عاما للخزانة المصرية , وصار الآخر مراقبا بوزارة المالية , و عين " يعقوب منشه " " صراف باشي " للخديوي إسماعيل وهو الذي أسس مع " يعقوب قطاوي " بيتا للصرافة والتجارة ولاقى نجاحا وشهرة حتى أنهما فتحا أفرعا في انجلترا فيما بعد .
ـ وتمكن اليهود و الماسون من إصدار أول صحيفة يهودية سنة 1877 , وامتلكها اليهودي المعروف " يعقوب صنوع " أحد كبار مريدي الافغاني والذي أطلق إسم " أبو نظارة " على صحيفته " وتبعه زميله اليهودي " موسي كاستلي " عام 1879 فأصدر صحيفة " الكوكب المصري " .
واستغل اليهود الموقف فأصدروا الصحف والمجلات التي تخدم أهدافهم الرئيسية التي تساعدهم على إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين , ولما كان " محمد علي " قد عين من قبل يهوديا ضمن أفراد حاشيته , فإن ابنه " عباس الأول " قرب إليه " يعقوب قطاوي " وعينه في وظيفة صراف عام .
وكذلك فعل " إسماعيل " الذي فتح الباب على مصراعيه لأعداد كبيرة من اليهود واستعان بهم في مفاوضات الحصول على القروض الأجنبية من البيوت المالية اليهودية الكبرى في أوروبا مثل بيت " أوبنهايم " وبيت " روتشيلد ".

حليم باشا و الماسونية :ـ

عَهِدَ اسماعيل باشا برعاية الماسونية الى أخيه الأمير حليم ( عبدالحليم ) شقيق إسماعيل باشا الوريث الشرعي لعرش مصر حسب نظام الوراثة المعمول به منذ عهد محمد على باشا ، وذلك لإلهائه عن المطالبة بالعرش .
و هنالك ركز الماسونيون اهتمامهم بالأمير حليم نظرا لحماسه الشديد للنشاط الماسوني في مصر .. و كان قد أتم تعليمه أيضا في فرنسا , في كلية " سان سيتر " العسكرية مع إسماعيل باشا وعاد إلى مصر عام 1845 وهو يعتصر ماسونية , واختاره الماسونيون " استاذا كبيرا " لهم في محفل " الشرق الأكبر الماسوني المصري " عام 1867 , وتحول قصره في شبرا إلي محفل ماسوني ، بل حضر ولي عهد بريطانيا حفل تنصيبه في ذلك القصر .
وكان معظم أعوان الأمير " حليم " من الماسونيين الإيطاليين والفرنسييين واليهود , ومن بين اليهود الخطيرين والذين لعبوا دورا هاما في نشر الماسونية في مصر تلميذ الأمير " حليم " المدعو " يعقوب صنوع " و " حسن موسى العقاد " أحد كبار تجار القاهرة ..

أوربا تصطاد اسماعيل :
كانت انجلترا وفرنسا قد وضعتا خطة عام 1852 لخنق مصر اقتصادياً ، ليكون هناك سبب لإرسال الحملة البريطانية لتحتل مصر فيما بعد في مقابل احتلال فرنسا للجزائر.
وبدأت أوروبا تتخذ من اليهود وسيلة لإيقاع " إسماعيل " في فخ الديون , و لكون اسماعيل باشا كان قد بلغ درجة عالية من الماسونية حتى قيل انه " راعي الماسونية " في مصر , فقد أصدر أمرا بتشكيل وزارة يرأسها الماسوني " نوبار باشا " وهو الذي شارك في إغراق اسماعيل باشا في ديون ضخمة جدا, و نوبار هذا أسهم ـ بشكل كبير ـ في إنشاء المحافل الماسونية في مصر , و كذلك كان هو من أشرف على حفر قناة السويس .
وفرض البيت المصرفي الإنجليزي أول قرض على مصر بمبلغ 3 مليون جنيها استرلينيا بفوائد كبيرة , وسلم " إسماعيل باشا " الأمر لليهود المختصين في وزارة ماليته طوال 12 سنة , ونجحوا مع المصارف البريطانية من فرض 7 قروض أخرى على مصر .
وفي عام 1875 بلغت ديون مصر حوالي 100 مليون جنيه استرليني , مما أدى إلى خلق حالة من إفلاس للحكومة المصرية , وكان ذلك بسبب إنشاء دار للأوبرا تشبه ما هو موجود في باريس وروما , وإنشاء 20 قصرا من أعظم قصور العالم منها قصر عابدين وقصر القبة , ورأس التين والمنتزه وغيرها .. ليتوارثها أولاده وأحفاده من بعده
بالإضافة إلى المصاريف الضخمة التي صرفت على الحفلة الشبه خرافية التي أقامها لافتتاح قناة السويس عام 1869 ...
الخطة المشتركة "البريطانية الفرنسية" لاحتلال مصر :
اتفق اليهودي العالمي ديزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت مع فرنسا أن تعمل على تسليم مصر للاحتلال البريطاني مقابل أن تترك انجلترا دول المغرب للاستعمار الفرنسي .
واستغل " دزرائيلي " سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
" دزرائيلي " هذا هو يهودي متعصب تظاهر باعتناق الدين المسيحي من أجل أن يتولى رئاسة الوزراء حسب الدستور البريطاني .
واتصل " دزرائيلي " سرا ً بـ " آل روتشيلد " في فرنسا وحصل منهم على قرض ليستغله في إغراق الخديوي إسماعيل في ديونه التي زادت عن حدها , وكانت الخطة قد وضعتها انجلترا بالاتفاق مع فرنسا على أساس إغراق مصر في ديون تعجز عن سدادها ويكون ذلك سببا لتقدم القوات البريطانية لاحتلال مصر , وقد ساهم يهودي فرنسي يدعي " ناتانيل " من أقارب " روتشيلد " في إرباك الاقتصاد والشئون المالية في مصر " مما جعله يستحق أن ينال لقب " بارون " على ذلك العمل المجيد " .
و اسرفت حكومة إسماعيل بسياساتها الحمقاء في القروض غير المبررة ، مما فتح الباب على مصراعيه لانجلترا للتدخل في شؤون البلاد ، وبدأت عواقب هذا الإسراف تظهر للعيان رغم ما بذلته الحكومة لإخفائها بمختلف الوسائل .

بداية التدخل الانجليزي :
يمكننا أن نحدد أواخر سنة 1875 ، وأوائل سنة 1876 كبدايةٍ للتدخل الأوربي ، إذ حدث من مظاهره وقتئذ :
ـ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة بأربعة ملايين جنيه ، فقد استغل اليهودي العالمي " دزرائيلي " ـ رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ـ سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
ـ ثم كان قدوم بعثة المستر " كيف " الإنجليزية لفحص مالية مصر .
ـ ثم توقف حكومة اسماعيل عن اداء أقساط ديونها، وما اعقب ذلك من إنشاء صندوق الدين في مايو سنة 1876 0
هذا التدخل كان من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلي التبرم بنظام الحكم ، والتخلص من مساوئه ، لأن سياسة الحكومة هي التي أفضت إلي تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها .
الفرصة الافغانية :
و هنا كانت الفرصة الذهبية للافغاني لمهاجمة القصر الملكي ، والدعوة الى الثورة على القصر وحلفائه الانجليز، و من ثم التمهيد للثورة العرابية التي أدت بالبلاد للوقوع في يد المحتل الاجنبي
و ابتدأ الافغاني هذا الاسلوب منذ عام 1876م ، بينما استخدم الافغاني من أجل ذلك تلاميذه من نواب مجلس الشورى ، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي ( باشا ) ، الذي يعد من كبار تلامذته .
كما استخدم الافغاني لذلك الصحف السياسية التي كان يشرف عليها تلامذته مثل سليم نقاش واديب اسحاق النصرانيين و عبدالله النديم صاحب جريدة "التبكيت و التنكيت"، بل حتى الصحف الهزلية مثل يعقوب صنوع اليهودي ،و الذي اشتهر باسمه الهزلي "ابو نظارة " .
يقول سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية و تلميذا الافغاني حين زار مصر ووصف مكانة السيد بقوله : " في خلال سنة 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه ، لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية ( الماسون ) العربية وصار له أصدقاء وأولياء من أصحاب المناصب العالية ، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي اخيراً مع عرابي إلي جزيرة سيلان ، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة ، وأخيه إبراهيم ( المويلحي ) كاتب الضابطة ، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره ، ويعلون بين الناس مناره ، من أرباب الأقلام ، مثل الشيخ محمد عبده ، وإبراهيم اللقاني ، وعلى بك مظهر ، والشاعر الزرقاني ، وأبي الوفاء القوني في مصر ، وسليم النقاش ، وأديب اسحق ، وعبد الله النديم في الإسكندرية".
الافغاني و توفيق باشا (1879-1892م):
ـ عمل جمال الدين الأفغاني من خلال علاقاته الماسونية باستمالة ولي العهد توفيق ، إذ كان توفيق ماسونياً من النخبة ، إذ ترأس ـ فيما بعد ـ المحفل الماسوني ، و قام الإنجليزـ بدورهم ـ بالاتصال بالسلطان العثماني الذي أصدر فرمانا بعزل اسماعيل باشا في يونيو 1879 وتولية ابنه " توفيق " حكم مصر .
ـ فلما وُلِّي توفيق باشا ـ بعد ذلك ـ ظهرت المحافل الماسونية الفرنسية والانجليزية والمصرية في جميع أنحاء مصر وانتقل النشاط الماسوني إلى القاهرة ، بعد أن كانت المحافل الماسونية منحصرةً في الاسكندرية ، و التي كانت مركز الماسونية في مصر حتى عام 1879.
ـ و حين تولى الخديوي توفيق ـ تلميذ الافغاني ـ الحكم أحس بخطورة الأفغاني وما يبثه من أفكارـ أو هكذا قيل ـ ، فأصدر أمره بنفيه من البلاد ، " أو هكذا كانت الحبكة الحوارية " لطريقة إخراج الافغاني من مصر ، ليستمر في نشاطاته الماسونية ، من نسج للمؤامرات واسقاطٍ للأنظمة ، خارج الديار المصرية .
لقد تولى "توفيق باشا" بناءً على وساطة بريطانية ، في عهد التدخل البريطاني ، فهو بذلك تحت طائلة الانجليز.
و لنا أن نتساءل لماذا يقوم الانجليز باخراج رجلهم الاول و لاعبهم المفضل في المنطقة ؟؟؟
إلا إذا كان ذلك خوفاً عليه من غوائل و نتائج الحركة العرابية ، في حين قد لاحت لهم في الأفق مهمات أُخَر .
و من زاوية أخرى : كانت المهمة الأصعب من الناحية التخطيطية و التجهيزية للمؤامرة قد انتهت ، و لم تبقَ إلاَّ النواحي التنفيذية و العسكرية و كان الجيش الانجليزي في الميدان ، وسفنه تمخر قناةالسويس جيئةً و ذهاباً .
لِيُقبََِض ـ حينذاك ـ على الأفغاني في ليلة الأحد سادس رمضان سنة 1296 - 24 أغسطس سنة 1879 ، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين ( أبو تراب ) ، ليُحمَلَ في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية ، ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلي السويس ، وانزل منها إلي باخرة اقلته إلى الهند ، وسارت به إلي بومباي ، و إثر ذلك قامت الحكومة بنشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 ( 26 أغسطس سنة 1879 م ) ذكرت فيه نفي السيد بعد أن نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد ، و أنه " رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا " ، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية .
و بذلك تم نفيه خارج مصر ؛ و لكن بعد أن تمكن تلامذته من البلاد من جميع الأصعدة ، وعلى كافة المستويات ، بل كان بعض تلامذته أعضاء في مجلس الوزراء ، مثل تلميذه محمود سامي البارودي ناظرالأوقاف حينذاك و رئيس الحكومة فيما بعد .

آلية الخطة المشتركة :
كانت الخطة الانجليزية الفرنسية الافغانية تقضي بافتعال ثورة وطنية فاشلة ضد حكم اسماعيل الفاسد ، ليتم بعد ذلك احتلال بريطانيا لمصر بحجة حماية مصالحها و مواطنيها ،وهو ماكان بالضبط من خلال ثورة عرابي الذي أوقعته السياسة الاوربية في حبائلها عن طريق وكيلها المعتمد الدائم السيد جمال الدين الافغاني ، و الذي غادر الى الهند ، و ترك مخطط "بيع مصر" في أيدٍ "غير أمينة " ليشرف على تنفيذه كل من الانجليز ، و تلميذه الخديوي توفيق ، و باقي تلامذته من الماسون "الوطنين" و على رأسهم الماسوني العريق الشيخ محمد عبده الذي كان يشرف على تلميذه "المخدوع" أحمد عرابي .
الثورة العرابية :
- كانت القشة التي قصمت ظهر البعير و الشرارة و التي استوجبت الثورة العرابية هي مظالم عثمان رفقي ناظر الجهادية ( وزير الحربية ) في عهد توفيق ضد الجنود والضباط المصريين مما دفع بالضباط المصريين بقيادة عرابي للمطالبة برفع الظلم عنهم و إقالة رفقي ، فأرسلوا رسالة إلى رياض باشا ناظر النظار ( رئيس الوزراء ) يطالبونه فيها بعزل عثمان رفقي ( وزير الحربية ) التركى المتغطرس ويطالبونه فيها بمساواة المصريين بأقرانهم من الأتراك ووقع على الرسالة الزعيم احمد عرابى وعبد العال حلمى وعلى فهمى فتمَّ لهم ذلك بعد مصاولات .
ـ وفي يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 م حاصر احمد عرابى مع ضباطه وجنوده قصر عابدين ليطالب الخديوى توفيق بحقوق الأمة المصرية ومساواة المصريين بالأجانب وهو ما جعل الخديوى يرد عليه بقوله :
"كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي واجدادى وما انتم إلا عبيد احساننا " في مسرحية ماسونية مكشوفة.
ـ يقول الشيخ سليمان الخراشي حفظه الله في رسالته القيِّمة : "كيف احتل الانجليز مصر "
( كان الإنجليز و الفرنسيون يرقبون الأحداث بغبطة وسرور! وكانوا يوعزون من خلف الستار إلى عرابي أن : امض في طريق "الإصلاح"، ولا تخش أحدًا! ومن ذلك ما ذكر محمد عبده في مذكراته عن الثورة العرابية –وهو أحد أقطابها- من أن قنصل فرنسا ( أرسل إلى أحمد عرابي وإخوانه يقول لهم: إنه يسره ما يراه من صلابتهم وعزيمتهم، واشتدادهم في المطالبة بالعدل، فعليهم أن يثبتوا في مطالبهم ولا يُضعفهم ما يُهَددون به) ! (الأعمال الكاملة لمحمد عبده، 1/528، 531) .
و( أرسل إلى عرابي كتابًا يمدحه فيه على ثباته، ويشجعه على عدم المبالاة بالحكومة ). (مصر المجاهدة في العصر الحديث، عبد الرحمن الرافعي، ص 34) .
أما إنجلترا فكانت تفعل الأمر نفسه بل أشد، من خلال جاسوسها المدعو: " بلنت" الذي كان يجوس بلاد مصر يؤلب الناس على الحكم، ويراسل عرابي ويستحثه على مواصلة الضغط على الحكومة لعلها تستجيب لمطالب "الإصلاح"! ، وهدفه الحقيقي فصل مصر عن الدولة العثمانية تمهيدًا لاحتلالها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين –رحمه الله- عن "بلنت" هذا: (كان لا يفتر عن التنقل بين مضارب الأعراب في مصر.. يدعو المصريين إلى الثورة، ويتكلم بعد وقوعها باسم عرابي، ويقدم له صورًا مضللة عن صفته الرسمية، وقدرته السياسية، وقوة الجيوش الإنجليزية..). (الإسلام والحضارة الغربية، ص 66).
ويقول الأستاذ مصطفى غزال عنه : ( كان من أشد الناس تفانياً في مصالح الإنجليز، رغم أنه يتظاهر بصداقته للشرق المتمثل بالشعوب التابعة لتركيا، وبعدائه للحكومات البريطانية، بل كان أحيانًا يتظاهر بالدفاع عن قضايا الشعوب الشرقية، ويقف بجانبهم، كما وقف بجانب عرابي، ودافع عنه بعد أسره، كان هذا نوعًا من الدهاء والحنكة الإنجليزية).( دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، ص 123).
أحس الخديو توفيق بالخطر فلجأ إلى الإسكندرية طالباً من الإنجليز المتربصين بسفنهم في البحر حماية عرشه ! مع ضغطه هو والإنجليز على السلطان العثماني لإصدار منشور في عصيان عرابي ؛ لكي ينفض الناس عنه .
- افتعل الإنجليز مذبحة للنصارى في الإسكندرية ليتخذوها ذريعة لاحتلالها عام (1882م) بدعوى حماية رعاياهم !
قبل أن تتم المصالحة بين عرابي والدولة العثمانية .
- تعاون المنافقون الخونة من أبناء مصر مع الإنجليز ، ومكنوا لهم من احتلال البلاد بعرض من الدنيا قليل !
- لم يستجب عرابي للناصحين الذين حثوه على سد قناة السويس لكي لا يتسلل منها الإنجليز إلى عمق الأراضي المصرية ؛ منخدعاً –كما سيأتي- بتطمينات المهندس الفرنسي صاحب امتياز القناة .
- قضي على الثورة العرابية بعد أن أوقعت البلاد بيد الاحتلال الإنجليزي ، الذي استمر أكثر من 70 عاماً !! (1882 – 1956م). رغم ادعاءاتهم وتصريحاتهم المتكررة بأنهم سيخرجون حالما يعود الهدوء والأمن للبلاد !! انتهى عن رسالة "كيف احتل الانجليز مصر " للشيخ سليمان الخراشي .
ـ و كان من المفاجآت خلال حصار القاهرة وقوف البكباشي محمد عبيد صامدا برجاله الثلاثة آلاف مقاتل من المصريين ببنادقهم العتيقة فى وجه جيش الإمبراطورية الإنجليزية التى لا تغرب عنها الشمس بكل أسلحته ومدافعه ليستشهدوا جميعاً في ساحة المعركة .
- يقول الشيخ الخراشي حفظه الله:
( بعد أن تمكن الإنجليز من البلاد المصرية عاثوا فيها فساداً في جميع المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، مستعينين في ذلك كله بالمتعاونين معهم من أفراد الطابور (الخامس) ؛ وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده الذي كان له ولتلاميذه من بعده الدور الأول في تغريب البلاد وترويضها لقبول مطالب الاحتلال .
- استمر الخديوي توفيق في الحكم ، ثم جاء بعده ابنه عباس حلمي (1892 – 1914) ثم حسين كامل ابن إسماعيل (1914م – 1917م) ثم فؤاد بن إسماعيل (1917م – 1936م)، ثم الملك فاروق ابن فؤاد (1936-1952م) . وجميع هؤلاء الحكام لم يكن لهم عقد ولا حل، إنما كانوا واجهة شكلية أمام الناس، وأما السلطة الحقيقية فكانت بيد الإنجليز) انتهى عن رسالة "كيف احتل الانجليز مصر " للشيخ سليمان الخراشي .

في الهند ـ مرةً أخرى ـ :
ارتحل الافغاني الى الهند "مركز الاستعمار الانكليزي في الشرق" و سكن "حيدر آباد" الدكن ، حيث استضافته الحكومة البريطانية في الهند الى حين انتهاء أمر الثورة العرابية.
، و بما أن الأفغاني كان حيثما يحل يؤسس الجمعيات السرية وينشرها، فقد أنشأ أثناء إقامته في الهند جمعية "العروة الوثقى" الماسونية السرية التي امتد نشاطها إلى الشام ومصر والسودان وتونس ومن خلال هذه الجمعيات السرية بث الأفغاني روح الثورة على المجتمعات الإسلامية بدعوى إصلاحها من الفساد.
وأخبار تلك الجمعية السرية موجودة عند أخلص تلاميذ الأفغاني وهو الشيخ محمد عبده الذي نشر له الباحث الجاد المرحوم علي شلش في سلسلة الأعمال المجهولة نصاً يقول فيه الشيخ محمد عبده ـ معترفاً ـ بجمعية (حيدر أباد) في رسالة له إلى استاذه جمال الدين الأفغاني، تحمل تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1884 ميلادية، كتبها من تونس:
«استطعت أن ألتقي هنا العلماء ورجال الدين، وقد عرَّفتهم بنا، وقلت لهم: إن العروة ليست اسم الصحيفة، وإنما اسم جمعية أسسها السيد في حيدر أباد ولها فروع في كثير من الأقطار لا يدري أحدها عن الآخر شيئاً، ولا يعرف هذه الفروع إلا الرئيس وحده، كما قلت لهم إننا نرغب اليوم بتأسيس فرع جديد في هذا البلد». "سلسلة الأعمال المجهولة" علي شلش .
و في الهند كتب الافغاني رسالته في "الرد على الدهريين" مع أنه كما يذكر أساطين اهل العلم في عصره كان من كبار الذاهبين الى الدهرية و الالحاد .
في لندن (المرة الأولى) :
ـ بعد أن ثبت اخفاق الثورة العرابية ، واحتلال الإنجليز مصر ،و نظراً لنجاح الافغاني في التمهيد للاحتلال الانكليزي لمصر فقد رأت الحكومة البريطانية استدعاء الافغاني لوضع خطة كبرى للقضاء على الخلافة العثمانية ، فغادر الافغاني الهند الى لندن ، حيث أقام بها أياماً معدودات ، كما قامت بريطانيا أيضاً باستدعاء مهندس الثورة العرابية في مصر الجاسوس الشهير المستر بلنت ، و الذي كان مقيماً في مصر و مشرفاً على تنظيم الثورة العرابية بالتنسيق مع محمد عبده تلميذ الافغاني .
و في لندن عقد الافغاني سلسلة اجتماعات مع الجاسوس الانكليزي الشهير بلنت في وزارة الخارجية الانكليزية و تمخضت تلك الاجتماعات عن خطة مرسومة بكل دقة للقضاء على الخلافة العثمانية عن طريق استثارة الشعوب رالعربية بإذكاء النعرة القومية لديهم ضد "الحكم التركي"، إلاَّ أن المخابرات العثمانية استطاعت الحصول على اخبار تلك الخطة ، فقد ذكر السلطان عبدالحميد في مذكراته ما نصُّه :
(وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الاتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين) .انظر: مذكرات السلطان عبدالحميد، ص 148.
في باريس :
ثم انتقل الافغاني إلي باريس، فأقام بها ثلاثة اعوام منذ عام 1883- الى 1885م ، وكان الافغاني ـ قبل مغادرته مصر ـ قد أوكل مهمة الاشراف على الثورة العرابية إلى تلميذه الأكبر الشيخ محمد عبده ، و الذي أتمها على حسب المخطط ، و من ثمَّ ـ و عقب إخماد الثورة ـ "نفاه" الاستعمار الانكليزي الى بيروت ، ليستدعيَه الافغاني الى باريس ، فوافاه الشيخ محمد عبده هنالك .
وهناك واصلا عملهما السري من خلال جمعيتهما (العروة الوثقى )التي أنشأها الافغاني في الهند قبل ذلك ، و من ثَمَّ أصدر جريدة (العروة الوثقى ) عام 1300هـ 1884م، و التي شاركهما في الاشراف عليها تلميذه الميرزا محمد الباقر ، و الذي كان من من كبار الماسون ، وقد سميت الجريدة باسم الجمعية التي أنشأتها ، و التي تقوم بإصدارها .
في روسيا القيصرية :
ـ ثم أقام أربع سنوات في روسيا القيصرية منذ 1886 الى 1889م و ما تزال أخبار إقامته فيها غامضة ، و لا ريب أن روسيا القيصرية آنذاك كانت تستعد للوثوب على التركة العثمانية ، و تحتاج لرجل في مثل قدرات و معرفة جمال الدين بالأوضاع السياسية في العالم الاسلامي ، لا سيما إذا علمنا أن الافغاني كان يصرح ـ من خلال جريدته العروة الوثقى ، و غيرها ـ بأن للروس مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأنه ليس لديه أي اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان ، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة.
ـ ثم كان جمال الدين بعد خروجه من روسيا عام 1889و إلى عام 1892 يتنقل بين المدن التالية : ميونخ وطهران والبصره ولندن .
في إيران :
ـ في ميونيخ جرى لقاء بين الشاه ناصر الدين شاه إيران و جمال الدين ، حيث عرض الأول على الثاني منصب رئيس الوزراء ، فوافق جمال الدين وغادر أوروبا قاصداً طهران سنة 1307هـ (1885 ـ1886 م) ، و استلم مهامه ، لكن سرعان ما احتدم الصراع بينه و بين الشاه ، فاستأذن بالسفر وخرج .
الا أن الشاه طلبه مرة أخرى فعاد عام 1889م، و لكن في هذه المرة تأكدت مخاوف الشاه تجاه الافغاني ، حيث اتضح للشاه أن الافغاني كان يعمل لمصلحة الانجليز الذين كانت لهم اطماع في ذلك الوقت في ايران ، ولعلَّه ـ حينذاك ـ تبينت له نحلة الافغاني ـ كما سيأتي ـ ، مما اضطر جمال الدين إلى الالتجاء إلى ( مقام عبد العظيم ) - و هو من أحفاد الأئمة ، ـ و مقامه حرم لدى الرافضة : يرون أنَّ من دخله كان آمناً !!! – فمكث هنالك سبعة أشهر .. ثم بعدها اقتحمت السلطات هذا المقام و تم القبض على جمال الدين و أخرج من إيران إلى العراق سنة 1309هـ 1891م.
في لندن (المرة الثانية) :
مكث جمال الدين بالبصرة ريثما عادت إليه صحته ، ثم شخص إلى لندن، فتلقاه الإنجليز بالإكرام، فأنشأ مجلة للتأليب على ناصر شاه سماها (ضياء الخافقين) ، وحمل على الشاه وسياسته ، ودعا الأمة الفارسية إلى خلعه ، بل و خطط لاغتياله ، حتى استطاع أن يقنع رجلاً إيرانيًا مطرودًا مثله من إيران هو "ميرزا رضا الكوماني"، و الذي تقبل فكرة اغتيال ناصر الدين وبالفعل اغتال ميرزا "ناصر الدين" سنة 1314 هـ 1896 م ، في الضريح المقدس عند الشيعة ، في نفس المكان الذي طرد ناصر الدين منه الأفغاني ،و كان يصيح وهو يطلق النار عليه ( خذها من يد جمال الدين ) .. ، ليتولى بعده ابنه مظفر الدين شاه ( 1313هجرية قمرية – 1896 ميلادية ).
في تركيا مرةً أخرى :
في المرة الثانية التي دخل فيها جمال الدين تركيا دخل بمشروع سياسي أجاب به دعوة السلطان عبدالحميد الى الجامعة الاسلامية ، وقدَّمَ ـ بصفته سنِّياًّ ـ مشروعات ترمي الى توحيد أهل السنة مع الشيعة . انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص181.
لاعباً حينذاك بورقة طرده من مصر على يد الاحتلال الانجليزي التي تُظهِر ـ فيما قدَّر ـ صحة "ولائه للدولة العثمانية" ، والتي يعلم أنها محل نظر لدى الدولة العليَّة .
إلاَّ أن السلطان عبدالحميد الثاني لم يكنْ ممن ينخدع بتلك السهولة ، فلم يكن الأفغاني آنذاك محل ثقة السلطان عبدالحميد ، لعدة أسباب :
1ـ فقد كان السلطان يعلم بتشيع الافغاني ، يقول ميرزا لطف الله خان ابن اخت جمال الدين :
( وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغاني ، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به ) « جمال الدين الأسد آبادي » ( ص 34) .
2. أن الأفغاني الذي يطرح قضية "وحدة المسلمين " كان من اكبر المؤيدين في نفس الوقت للثوار ضد السلطان عبدالحميد ، من القوميين الأتراك والعثمانيين عامة.
3. أن الأفغاني لم يكن صادقاً في عرضه لوحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة الدول الأوروبية الرامية الى تقسيم الدولة العثمانية العاملة على انهيارها ، فالسلطان يعلم عنه أنه في نفس الوقت لم يكن يتعرض للاستعمار الفرنسي من قريب أو بعيد ، ولو بكلمة تنديد. في وقت كان فيه السلطان عبدالحميد يحتاج الى مقاومة الفرنسيين في شمال أفريقيا . انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص 182.
4ـ حصول المخابرات العثمانية، على خطة أعدت في وزارة الخارجية الانكليزية، واشترك فيها جمال الدين الأفغاني وبلنت الانكليزي وتقضي هذه الخطة بإقصاء الخلافة عن السلطان عبدالحميد وعن العثمانيين عموماً، في الوقت الذي كان فيه جمال الدين يندِّد بالاستعمار الإنكليزي . فقد ذكر السلطان عبدالحميد في مذكراته ما نصُّه :
(وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الاتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين.
كنت أعرف جمال الدين الأفغاني عن قرب. كان في مصر، وكان رجلاً خطيراً. اقترح عليّ ذات مرة -وهو يدّعي المهدية- أن يثير جميع مسلمي آسيا الوسطى. وكنت أعرف أنه غير قادر على هذا. وكان رجل الانكليز ، ومن المحتمل جداً أن يكون الانكليز قد أعدوا هذا الرجل لاختباري فرفضت فوراً ، فاتحد مع بلنت.
استدعيته الى استانبول عن طريق أبي الهدى الصيادي الحلبي ، الذي كان يلقي الاحترام في كل البلاد العربية.
قام بالتوسط في هذا كل من منيف باشا، حامي الأفغان القديم ، والأديب الشاعر عبدالحق حامد. جاء جمال الدين الأفغاني الى استانبول، ولم أسمح له مرة أخرى بالخروج منها...) انظر: مذكرات السلطان عبدالحميد، ص 148.
5 ـ موقف السيد جمال الدين الأفغاني من مبدأ التوسع الروسي كان غريباً على مفهوم الجامعة الاسلامية الذي يدعو اليه ، فبالرغم من الأطماع الروسية والحروب الروسية ، ضد الدولة العثمانية واقتطاع الروس لأجزاء من الأراضي العثمانية، فقد كان الافغاني يصرح من خلال جريدنه أن للروس مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأنه ليس لدى الافغاني اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان ، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة ، وهنا ـ مع ما مرَّ بنا من صيغة مشروعه ـ تظهر النزعة الشيعية لجمال الدين الأسدآبادي .
ـ إلاَّ أن السلطان عبدالحميد ـ المعروف بشدة دهائه ـ استطاع الإفادة من الأفغاني في الدعاية الى الجامعة الاسلامية بما يخدم مصالح دولة الخلافة الاسلامية .
يقول جمال الدين الأفغاني واصفاً شدة دهاء السلطان عبدالحميد: (إن السلطان عبدالحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصاً في تسخير جليسه، ولا عجب إذا رأيناه يذلل لك مايقام لملكه من الصعاب من دول الغرب، ويخرج المناوئ له من حضرته راضياً عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعاً بحجته سواء من ذلك الملك والأمير والوزير والسفير...) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.
ـ ويقول : (ورأيته يعلم دقائق الأمور السياسية ومرامي الدول الغربية وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك، مخرجاً وسلماً، وأعظم ماأدهشني ، ماأعده من خفي الوسائل وأمضى العوامل ، كي لاتتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية، ويريها عياناً محسوساً أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب يعم الممالك الأوروبية بأسرها) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.
ويقول: (أما مارأيته من يقظة السلطان ورشده وحذره وإعداده العدة اللازمة لإبطال مكائد أوروبا وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة الذي فيه نهضة المسلمين عموماً، فقد دفعني الى مد يدي له فبايعته بالخلافة والملك، عالماً علم اليقين ، أن الممالك الاسلامية في الشرق لاتسلم من شراك أوروبا، ولا من السعي وراء اضعافها وتجزئتها ، وفي الأخير ازدرائها واحدة بعد أخرى، إلا بيقظة وانتباه عمومي وانضواء تحت راية الخليفة الأعظم...) نفس المرجع ص137.

نهاية الأفغاني "مرضه ووفاته":

خلال مكوث الافغاني في الآستانة ظهر مرض السرطان في فكه الأسفل وعملت له ثلاث عمليات جراحية لكنها لم تنجح ، وقد قال طبيبه الخاص أن شدة ولع جمال الدين بالسيجار الأفرنجي ، وكثرة شربه للشاي وتناوله الطعام مالحا كان من مسببات السرطان حتى قال بعض تلاميذه :
الملحُ والشاي والدخانُ *** أودت بروحِ شيخنا الأفغاني
فتوفي عام 1897 م .
الأفغاني كان شيعياً :
نسبه الصحيح :
هو جمال الدين هو جمال الدين بن صفدر المازندراني الشيعي الرافضي المولود بأسد آباد من مازندران في همدان ببلاد ايران عام 1254هـ 1838م ،الذي اشتهر بين الناس بالأفغاني .
وقد اختلف المترجمون في نسبه لأنه كان يظهر في كل أرض باسم جديد وشخصية مختلفة ،
ومن هذه الأسماء:
جمال الدين الإستانبولي ..
جمال الدين الأسد آبادي ..
جمال الدين الحسيني ..
جمال الدين الافغاني الكابلي ..
جمال الدين الطوسي ..
جمال الدين الرومي ..
قال علي الوردي في كتابه « لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث » (3/313) : « وقد اعتاد الأفغاني أن يغيّر لقبه كلما انتقل من بلد إلى آخر ، فقد رأيناه في مصر وتركيا يلقِّب نفسه بـ( الأفغاني ) بينما هو في إيران يلقِّب نفسه بـ(الحسيني) .
وكان الأفغاني يغير زيّه ولباس رأسه مثلما كان يغيّر لقبه ، فهو في إيران يلبس العمامة السوداء التي هي شعار الشيعة ، فإذا ذهب إلى تركيا ومصر لبس العمامة البيضاء فوق طربوش ، أما في الحجاز فقد لبس العقال والكوفية ».
نشأته الشيعية :
لا ريب في كون جمال الدين شيعيا رافضياً ، لعدة اثباتات و اعترافات تصل بمجموعها الى حد العلم اليقيني الاضطراري بتشيعه .
فمن ذلك :
1 ـ ما ذكره مريده و أخص تلاميذه بل صاحبُ سِرِّه الشيخ محمد عبدة في فاتحة تعريبه لرسالة الرد على الدهريين : إن السيد جمال الدين و إن كان في الحقيقة فارسياً ، فقد انتسب إلى الأفغان لأمرين :-
أ - أن يكون من السهل عليه الظهور بمظهر السني لا الشيعي .
ب - أن يستطيع الخلاص من رقابة الحكومة الإيرانية لرعاياها في الخارج .
2 - كما صدر في برلين عام 1926م كتاب بالفارسية في سيرة الأفغاني بقلم الميرزا لطف الله خان ، ويدعي المؤلف أنه ابن أخت الأفغاني ، وأنه اجتمع به في طهران عند ذهاب الأفغاني إليها عام 1886م ، و يحتوي الكتاب على صور فوتوغرافية واضحة تجمع الأفغاني و الميرزا لطف الله خان مع زمرة من رجال الدين الإيرانيين ، و قد ترجم الكتاب إلى العربية في مصر عام 1957م ، و لم يظهر أحد من أقارب جمال الدين حتى الآن ليكذب المؤلف أو يتحداه على وجه من الوجوه ـ لا سيما مع اشتهار الكتاب ؟؟
3ـ يقول عبد المهدي فلاح الأصفهاني معلقاً على رسالة وجهها إليه جمال الدين ، وأمره بنشرها بعد موته ، فيقول : إن مشاهير الأحرار الإيرانيين اضطروا في عهد الشاه ناصر الدين و عماله إلى هجر وطنهم و الالتجاء إلى البلاد الشرقية الإسلامية هرباً من الظلم ، فلقب بعضهم – كالسيد جمال الدين – بالأفغاني ، و هو في الحقيقة إيراني صميم .
4 – عندما اشتد العداء أخيراً بين الشاه و الأفغاني ، أخذ أعوان الشاه يشوهون سمعة الأفغاني ، فأشاعوا عنه أنه بابي ، و أنه غير مختون ، و لكنهم لم يشيعوا عنه أنه سني أو أفغاني ، و كان من السهل عليهم أن يفعلوا ذلك لو كان الأفغاني أفغانياً "حقاًّ ".
5 ـ عندما نفِيَ الأفغاني من مصر لم يأت لتوديعه في السويس سوى القنصل الإيراني ، و نفر من التجار الإيرانيين الساكنين في مصر .. فما هو السبب الذي جعل أولئك الإيرانيين يفعلون ذلك ، إن لم تكن لهم مع الأفغاني رابطة خاصة .
6ـ اختيار الشاه ناصر الدين للأفغاني ليكزن رئيساً لوزراء دولته ، و بالطبع فإنه لا يمكن أن يقع اختيار قادة ايران على عالم من علماء السنة من بلاد الأفغان ليكون الرجل الثاني أو الثالث في البلاط ، و عندما وقعت الخلافات بينه و بين الشاه لم يقل أحد من رجال البلاط أو من علماء الشيعة أن الأفغاني سني أو عميل من عملاء الخليفة العثماني لاسيما و هم يعرفون إقامته في بلاد اهل السنة ، و لكن كان كل ما قيل عنه أنه : بابي مفسد.
7ـ كما ترجم له الشيعة في كتبهم ، مثل آغابزرك الطهراني في كتابه "أعلام طبقات الشيعة" ومحسن الأمين في كتابه : "جمال الدين الأفغاني" ، وغيرهم .
8 ـ و حين أصدر جريدة (العروة الوثقى ) عام 1300هـ 1884م،
شاركه في الاشراف عليهاـ عدا محمد عبده ـ تلميذه الميرزا محمد الباقر الشيعي الماسوني ، وكان في كل تنقلاته يستصحب معه خادمه الايراني الشيعي أبوتراب ..
هذه بعض الأدلة التي تؤكد أن جمال الدين إيراني و ليس أفغانياً ، و أنه شيعي رافضي كما ذكر ذلك كبار تلامذته كمحمد عبده مثلاً ، هذا عدا ما تدلُّ عليه
مراحل نشأته التي سنسوقها :
مولده :ولد عام ( 1254هـ/1838م ) في أسد آباد في همدان – من أعمال إيران – ، من أسرة شيعية ،ثم انتقل إلى قزوين و هي من مدن الشيعة في إيران فأكمل دراسة المذهب ، حيث عُيِّن والده مدرسا في احدى تلك المدارس .
في طهران :وحين بلغ الثانية عشر من عمره ، و نظرا لألمعية و حدة ذكاء جمال الدين ـ إذ كانت مخايل الذكاء ، وقوة الفطرة ، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه ـ فقد رأى والده أن ينتقل به إلى طهران ليجالس كبار علمائها و يأخذ عنهم المذهب ، إلاَّ أن الملالي هنالك نصحوا الفتى ووالده أن يولُّوا وجوههم للنجف قبلة علماء المذهب الشيعي .
في النجف :رحل جمال الدين الى النجف مع والده فمكث فيه أربع سنوات ، درس فيها علوم الرافضة والفلسفة والمنطق و الرياضة و علم النجوم والطب و الكيمياء ، وأنهى دراسته و عمره لا يتجاوز ( 16 ) سنة .
و من أشهر أساتذته هنالك :
1ـ آقا خان صادق مرتضى ، أحد مراجع الشيعة في النجف .
2ـ ميرزا محمد المجتهد .
3ـ الحافظ دراز .
4ـ و حبيب الله القندهاري .
5ـ القاضي بشر النجفي .
و هؤلاء جميعهم من مراجع الشيعة الكبار وآياتهم المعروفين في تلك الفترة.
وقد اعترف جمال الدين أيضاً بأنه انتقل إلى العراق ليتابع دراسته في العتبات المقدسة – أي في النجف – والتي يؤمها طلاب العلم الشيعة من جميع بلدان العالم .و يتحدث جمال الدين عن هذه المرحلة بأنه لبس العباءة والعمامة ، و تتلمذ على يد أكبر علماء الشيعة فيها . و هنالك توسَّم فيه ملالي الشيعة في جمال الدين حدة الذكاء و شدة الفطنة و قوة الشخصية، فأُعِدَ هنالك من فبل الاستعمار و ملالي الشيعة ليلعب دوراً خطيراً بين أهل السنة في العالم الإسلامي .
لماذا أخفى نسبه ؟!
كانت إيران وكراً من أوكار التآمر ضد الخلافة الإسلامية ، و كان قادتها – ولا يزالون – يستعينون بأعداء الإسلام من أجل تفتيت وحدة المسلمين .
و كان المسلمون السنة يرتابون من نوايا و أهداف كل عالم شيعي إيراني ، ولا يثقون به .. و كان لجمال الدين من الخبث و الدهاء بحيث لا تخفى عليه مثل هذه الأمور ، و طالما أعد نفسه ، أو أعده أعداء الإسلام ليلعب دوراً مشبوهاً في تاريخ أمتنا الحديث – كما لعب ابن سبأ نفس الدور في صدر الإسلام - ، إذاً لا بد أن يقدم نفسه على أنه عالم من علماء الأفغان ، و أنه حنفي المذهب ، كما لا ننسى سعي الدولة الصفوية الرافضية في سبيل تقويض الخلافة الاسلامية .


المفاجــــأة :

بل كان جمال الدين بابياً ؟؟؟:


في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ، ظهرت في آخر أيام محمد شاه ـ في بلاد فارس ـ حركة دينية شيعية اسمها (البابية ) ، وهي امتداد للحركة (الشيخية) التي نادى بهاالشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي) .
و توفي محمد شاه عام 1848 م عن عمر (40) عاما و خلفه ابنه الأكبر (ناصر الدين) وكان عمره 17 عاماً حينذاك ، و الذي اضطلع بمهمة القضاء على تلك النحلة الجديدة .

ماهي البابية :

البابية حركة نبعت من المذهب الشيعي الشيخي سنة 1260ه‍/1844م تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية"،
.وملخص الحركة البابية التي انضم اليها مريدو ( الشيخية ) بعد وفاة مؤسسها .. هو ادعاء (محمد رضا الشيرازي) مؤسس الحركة ، بأنه يشكل بابا الى (الإمام المنتظر) فعلى من يحتاج مخاطبة (الامام المنتظر) بشيء عليه مخاطبة الباب أولا ! .
ثم تطورت الأمور مع هذا الدعي حتى ادعى النبوة وقال أنه أفضل من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
وتنكر هذه الفرقة الكثير من ضروريات الدين كالمعاد ، ممَّاأدَّى بها أن تُحل كثيراً من المحرمات ـى إن لم يكن كلها ـ كالربا و الزنا و شرب الخمر .
و قد خرجت البابية ؟ـ كما تأكد ذلك فيما بعد في نسختها البهائية ـ بتقرير ما أسمته بوحدة المنبع لجميع الديانات العظمى الموجودة في العالم، كما يعترفون بالزردشتية والهندوسية واليهودية والبوذية والمسيحية والإسلام مما يجرهم الى الإيمان بفكرة وحدة الأديان .

من هو الباب :

هو الميرزا علي محمد رضا الشيرازي 1235ـ1266هـ (1819 ـ 1850 م)، تلقى تعليمه الأولي و هو في السادسة من عمره على يد دعاة الشيخية من الشيعة ثم انقطع عن الدراسة ومارس التجارة.
ـ وفي السابعة عشر من عمره عاد للدراسة واشتغل بدراسة كتب الصوفية والرياضة الروحانية وخاصة كتب الحروفيين وممارسة الأعمال الباطنية المتعبة.
ـ في عام 1259 م ذهب إلى بغداد وبدأ يرتاد مجلس إمام الشيخية في زمانه كاظم الرشتي ويدرس أفكاره وآراء الشيخية. وفي مجالس الرشتي تعرف عليه الجاسوس الروسي كينازد الغوركي والمدعي الإسلام باسم عيسى النكراني والذي بدأ يلقي في روعهم أن الميرزا علي محمد الشيرازي هو المهدي المنتظر والباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية والذي سيظهر بعد وفاة الرشتي وذلك لما وجده مؤهلاً لتحقيق خطته في تمزيق وحدة المسلمين.
ـ في ليلة الخميس 5 جمادى الأولى 1260 ه‍ ـ 23 مارس 1844م أعلن الميرزا أنه الباب نسبة إلى ما يعتقده الشيعة الشيخية من ظهوره بعد وفاة الرشتي المتوفى 1259 ه‍، وأنه رسول كموسى وعيسى ومحمد ـ عليهم السلام ـ بل وعياذاً بالله ـ أفضل منهم شأناً.
ـ فآمن به تلاميذ الرشتي وانخدع به العامة واختار ثمانية عشرة مبشراً لدعوته أطلق عليهم حروف الحي ، و كان للظلم والقهر اللذين كانا يهيمنان على المجتمع الايراني في عصر الحكم الكسروي بزعامة الشاه دور كبير على تقبل الناس هذا الدين الجديد الذي بشرهم بالانقاذ والخلاص.
ـ كما ساعد على نشوئها غلبة الجهل والسذاجة وغياب الوعي وكثرة الخرافات ، ـ لا سيما في ذلك المجتمع المشبَع بالخرافة ـ حيث لاقت البابية ترحيبا بين البسطاء والسذج، وكذلك دعم الدول الاستعمارية لها خصوصا روسية القيصرية و بريطانيا .

البهاء:

ـ في سنة 1844 م دخل الميرزا حسين علي النوري في دعوة الباب فور إطلاعه على بعض كتابات الباب التي أرسلها له مع أقرب مؤيديه ملا حسين بشروئي وصار من أشهر أتباع الباب وأنصار دينه، وقام بنشر تعاليمه وخاصة في إقليم نور وكانت قد حمته مكانة أسرته وحسن سيرته من الاضطهاد نوعا ما خلال السنوات الاولى من إيمانه بدعوة الباب.

قرة العين :

ـ كما اتبعته و ساندته قرة العين واسمها الحقيقي أم سلمى ولدت في قزوين سنة 1231 ه‍ أو 1233 ه‍ أو 1235 ه‍ للملا محمد صالح القزويني أحد علماء الشيعة ودرست عليه العلوم ومالت إلى الشيخية بواسطة عمها الأصغر الملا علي الشيخي وتأثرت بأفكارهم ومعتقداتهم .

اتصالها بالباب :

ثم رافقت الباب في الدراسة عند كاظم الرشتي بكربلاء حتى قيل إنها مهندسة أفكاره إذ كانت خطيبة مؤثرة، أديبة فصيحة اللسان فضلاً عن أنها كانت جميلة جذابة، إلا أنها كانت فاجرة ، فطلقها زوجها وتبرأ من أولادها. و كانت تلقب بـ زرين تاج ، أي "صاحبة الشعر الذهبي " بالفارسية.
ـ في سنة (1261 هـ)، (1848 م) اجتمع قادة البابية في مدينة (رشت) الايرانية ،فقرروا فيه نسخ الشريعة المحمدية بشريعة الباب الميرزا
علي محمد الشيرازي، وقامت (زرين تاج) الملقبة بـ (قرة العين) أحد الرموز الفاعلة في هذه الفرقة متبرجة فخطبت خطبة في ذلك المؤتمر كانت سببا في تقاطر الناس على هذا المذهب الجديد، ومما جاء في خطبتها :
"مزقوا هذا الحجاب الحاضر بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالاعمال، وتقاسموهن في الافعال واصلوهن بعد السلوة واخرجوهن من الخلوة الى الجلوة، فماهن الا زهرة الحياة الدنيا، وان الزهرة لابد من قطفها وشمّها لانها خلقت للشم، ولاينبغي ان يعد ولا يحد شاموها بالكيف والكم فالزهرة تجنى وتقطف، وللاحباب تهدى وتتحف ".
ـ و اعتقل الباب فاجتمعت قرة العين مع زعماء البابية في رجب 1264 ه‍ في مؤتمر بيدشت
، ولعب الميرزا حسين علي النوري دورا رئيسيا في مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية لانه ثم من خلالها الاعلان عن استقلال الشريعة البابية عن الاسلام واعتبارها شريعة مستقلة بأحكامها ومبادئها. واتخذ حسين علي لنفسه خلال هذا المؤتمر لقب "بهاء الله".
وكانت قرة العين هي خطيبة القوم ومحرضة الأتباع على الخروج في مظاهرات احتجاج على اعتقال الباب، حينما أعلنت نسخ الشريعة الإسلامية، و أفرج عن الباب فهدأت ثائرة البابيين .
ـ و شيد الميرزا حسين علي حصنا منيعا في جبال مازندران الايرانية وغاباتها واجتمع حوله خلق كثير من اجل نصرة هذا الدين الجديد، فهال هذا الحال حكومة الشاه فأرسلت بعثة عسكرية لقتالهم ففشلت في دحرهم وعادت تجر اذيال الخيبة والهزيمة.
ـ و في عام 1266 ه‍ ادعى الباب حلول الإلهية في شخصه حلولاً مادياً وجسمانياً.
نكبة البابية :
كررت الحكومة هجماتها المتلاحقة وعززت قواتها بالمدافع والمدمرات من كل نوع فقاومها البابيون مقاومة عنيفة مدة اربعة اشهر حتى فني رجالهم ونفدت ذخائرهم فدخل جنود الشاه الى حصنهم فاسروا (214) شخصا من البابيين بين رجال و نساء واطفال ثم فتك فيهم الجنود فتكا مروعا فبقروا بطونهم وسلوا السنتهم ومثلوا بهم اقبح تمثيل.
ـ و اقتيد من تبقى منهم الى طهران حيث رأى الناس اسرابا من الرجال والنساء والاطفال من البابية مقودين بالحبال، فكان هناك مشهد مرعب في سوق طهران حيث أجسادهم المجروحة وقد وضع الجلادون في كل جرح منها فتيلة ملتهبة، وهم كيوم ولدتهم امهاتهم ، والجنود خلفهم يضربون من يتأخر او من يقع منهم بالسياط فاذا مات طفل في الطريق القوه تحت ارجل ابويه فكانا يمران عليه غير ملتـفـتـين اليه ، ثم رميت الجثث بالارض تسيل دماؤها والكلاب تنهشها وتأكل من اشلائها.
ـ و حوكم الباب فحاول التظاهر بالتوبة والرجوع، ولم يصدقوه فقد عرف بالجبن والتنصل عند المواجهة ، فحكم عليه بالإعدام هو و صاحبه الزنوزي ، وذلك في 27 شعبان سنة 1266 ه‍ ـ 8 يوليو 1850 .

العداء و الثأر :

أكنَّت البابية كل مشاعر الكراهية و البغض للشاه ناصر الدين ، كما كان هناك مخزون هائل من الحقد يحملونه عليه ، و ثأرٌ كامنٌ ينتظرون الفرصة لإيقاعه ، فقد أباد البابية إبادة شبه تامة ، بل حدثت مجازر تشيب منها الولدان للبابية في مازندران ، مما جعل البابية تتستر مرة اخرى نحت مسمَّى الشيخية التي انبثقت منها ، أو تمتد الى نحلة غنوصية سميت فيما بعد بالبهائية نسبة الى البهاء .

محاولات البابية اغتيال ناصر الدين شاه:

ـ في سنة 1852 م اشتركت قرة العين و بهاء الله في مؤامرة قتل الشاه ناصر الدين القاجاري (تولى 1848ــ توفي 1896م ) فقبض عليهما وحكم على قرة العين بأن تحرق حية ولكن الجلاد خنقها قبل أن تحرق في أول ذي القعدة 1268 ه‍ الموافق 1852 م. . كما زج ببهاء الله في سجن سياه جال (النقرة السوداء) لعدم توفر الأدلة ضده .

الأفغاني و البابية :

يترجح لدى المتأمل
في سيرة جمال الدين أنَّه كان بابياً لعدة قرائن :
1ـ فقد كان يدعو الى وحدة الأديان، و الذي دعت إليه البابية من قبل : يقول مصطفى غزال في كتابه "دعوة جمال الدين"
( كما يجب ألا يغرب عن ذهننا أن البهائية التي ورثت البابية كانت تجمع في صفوفها مختلف الأصناف والمعتقدات ، فلا مانع عندهم من الجمع بين البهائية وبين أي معتقد آخر ) .
و قد جعل الافغاني لذلك مدخلاً ، ألا و هو الدعوة الى "التقريب بين أهل السنة والرافضة" ، و الذي دعا إليه مع تلميذه محمد عبده ، في وقت لم يكن فيه ما يبرر تلك الجهود ، إذ كانت الصلات مقطوعة تماماً مع العالم الشيعي .
.
2ـ أنه مولود في أسد آباد من أعمال مازندران بايران ، وهي منشأ البابية و ربيبتها البهائية ، كما أنَّ العجم يسمون "البابية" بالمازندرانية .
3ـ كما وصفه أبو الهدى الصيادي الصوفي أنه مازنداني ( أي بابي ) من أجلاف الروافض وأنه مارق من الدين . " تاريخ الأستاذ الإمام لمحمد رشيد رضا" / 1/90.
4ـ أن البابية و البهائية لها صلات قوية بالاستعمار الانجليزي .
5ـ كان الشيخ محمد عبده قد حرص خلال إحدى زياراته إلى بيروت, سنة 1883.على الاجتماع برأس البهائية عباس افندي ابن البهاء ـ "صاحب الباب " و مؤسس نحلة البهائية و التي هي امتداد للبابية ـ و أبدى اعجابه الشديد به .
فكتب الأمير شكيب ارسلان، الكاتب والأديب المعروف، عن الإمام محمد عبده، فصلاً تحت عنوان "نبذة ثانية من سيرته في بيروت". وتضمن هذا الفصل الوصف التالي لعلاقة ألإمام محمد عبده بعباس أفندي: "لم يكن يطرأ على بيروت أحد من معارفه أو من الأعيان المشهورين إلا وقام بسنّة السلام عليه ، وقد يُجله ويحتفي به ولو كان مخالفًا له في العقيدة ، ولم أجده احتفل بأحد أكثر من احتفاله بعباس أفندي البهاء ، وكان يكرِم في عباس أفندي العلم والفضل والنبل والأخلاق العالية وكان عباس أفندي يقابله بالمثل...". تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، تأليف محمد رشيد رضا ص 407
وأدلى محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار الشهيرة، بمثل ذلك في سياق حديثه مع الشيخ محمد عبده عن البهائية قائلا:
"ثم سألته عن عباس أفندي وقلت أسمَعُ انه بارع في العلم والسياسة وأنه عاقل يُرضِي كل مجالس. فقال: "نعم إن عباس أفندي فوق هذا، انه رجل كبير، هو الرجل الذي يصح إطلاق هذا اللقب ( كبير ) عليه."
تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، تأليف محمد رشيد رضا ص 931
6ـ انقلاب الشاه ناصر الدين شاه إيران ـ و بِحِدَّةٍ شديدة ـ على جمال الدين ، بعد أن كان هو من عرض عليه منصب رئيس الوزراء ، و لا يمكن تبرير ذلك إلاَّ بكون الشاه كان قد علم أن الافغاني مازندراني بابي ، و لا ننسى أن البابية لهم ثأرٌ قديم لازم مع الشاه ناصر الدين الذي أوقع بهم أنواعاً من المجازر و أصنافاً من الإبادة الجماعية ممَّا جعل الشاه ناصر الدين يقبض على جمال الدين و يخرجه من إيران إلى العراق سنة 1309هـ 1891م.
7 ـ عِداء جمال الدين البالغ للشاه ناصر الدين "طُلبة البابية " ودعوته للأمة الفارسية إلى خلعه ، و من ثم التخطيط لاغتياله ، حتى استطاع ذلك عن طريق "ميرزا رضا الكوماني" الذي تقبل فكرة اغتيال ناصر الدين ، ومن ثمَّ اغتاله سنة 1314 هـ 1896 م .
8ـ أن الاتهام الرسمي الذي اطلقته حكومة ناصر الدين شاه للافغاني بعد طرده أنه كان بابياً مفسداً !!!! ـ و عند جهينة الخبر اليقين ـ

عقيدة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من محاضرة: الأسئلة


السؤال: ذكرت في معرض كلامك جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، وقد كثر الكلام حول المذكورين، فما رأيك فيهما من ناحية عقيدتهما؟ وهل لهما جهود في خدمة الإسلام أم لا؟

الجواب: على كل حال نحن لا يهمنا الأشخاص بأعيانهم، فقد قدموا على ربهم وأفضوا إلى ما قدموا، ولكن عندما نتعرض إلى أي أثر سيئ لأي شخص فلا يجوز أن نكتمه مراعاة لذلك الشخص؛ لأن الحق عندنا فوق الرجال، ومن هنا قد نتعرض لسيرة بعض الناس بل لابد أن نبينه.

أما الأفغاني فهو رجل رافضي تلبس بلباس السنة، وسمى نفسه الأفغاني رغم أنه إيراني الأصل، وهو رجل باطني يقول بوحدة الأديان، كما أنه عميل للسياسة الإنجليزية، وتلقن علومه في بلاطات ملوك أوروبا ، فهو رجل -نستطيع أن نقول- لا صلة له بالإسلام.

وأما الشيخ محمد عبده فإن لديه مواقف يُعرف منها الغيرة على الدين، والحرص على أوضاع المسلمين، ولكن هناك جوانب صريحة وقطعية في سيرته تدل على خلل في عقيدته، منها أنه تعلم اللغة الفرنسية ليعرف القوانين الفرنسية، ثم جاء بهذه القوانين الفرنسية وأقامها وطبقها بنفسه في مصر يوم أن كان رئيساً لمحكمة النقض ومفتياً للبلاد، وكان من دعاة خروج المرأة وسفورها، هذا لا شك فيه، وكان أيضاً في عقيدته أقرب إلى منهج المعتزلة وفي بعض الأمور إلى منهج الفلاسفة ، ومن ذلك أنه يرجح أن البعث لا يكون بعثاً جسدياً، وإنما بعث وحشر روحي، وهذا ما حققه المحققون في دراستهم لتعليقه على الحاشية العضدية ، وغير ذلك من الضلالات التي نسأل الله العفو والعافية.

وعلى أي حال: إذا تعرضنا لأي أمر من أمور الدين والعقيدة، فلا مجاملة لأحد كائناً من كان، ولا ننظر إلى البشر، وإنما نراقب الخالق سبحانه وتعالى.


الافغانى اول من دعا الى القومية المصرية

بقلم : د. خادم حسين الهى بخشى ..... الاستاذ بالجامعة الاسلامية – الهند
دعوات هدامة تتناوب شغل اهتمام المسلمين عن قضاياهم الكبرى ، تتوالى مع صبيحة كل يوم وتحمل اسماء او عناوين ان لم تكن ذات جذور اسلامية او ملتبسة بالاسلام ، فان المثيرين لها فى الغالب ، وان كانوا من رموز الدعوة الاسلامية الا انهم من هذا القطيع الذى سقط فى براثن الاستشراق والمستشرقين ، او سقط فى بحار شهوة الشهرة والمناصب وجمع الاموال او لاسباب خفية لم يقف عليها اباحثون حتى الان .

ومن اشهر هذه الرموز كان الشيخ محمد عبده الذى اصبح مدرسة ومرجعية يعتمد عليها كل العلمانيين الذين يكيدون للاسلام تحت اسم التنوير فقد تمتع الازهر منذ وجوده بمكانة علمية مرموقة فى العالم الاسلامى كله ، وما زال يتمتع بها لخدمته الدين ونشر علومه من التفسير والفقه واللغة العربية .. حتى اليوم ، وكان الراى السائد بين الاوساط المسلمة قبل تعديل منجه التعليمى ان خريج الازهر مثال الوعى الدينى والادراك السليم لمبادىء الاسلام ، ويعبر عن ذلك احد سكان ملقا – من جزر الهند الشرقية – فيقول : (( من لم يتلق العلم فى مصر ، ولم يدرس الدين فيها لا يصح ان يكون مثال العلم الصحيح والعقيدة الثابتة وقد يتجاوزون فى اعتقادهم الى حد انهم لا يعتمدون الا فتوى اتت من الازهر ، او قالها عالم من علماء مصر اذ المسلم المصرى المتعلم يعد هنا المثل الاعلى لدراسة الدين وفهم اسراره ومعرفة احكامه ))
وعلى قدر ثقل الازهر ووزنه العلمى خطط اعداء الاسلام لهدم الدين بتعكير روافده ، فسقوا ازهار مصر المسلمة بما يعود على صفائها بالخراب والدمار ، وعلى نقاوتها بالتلبد والغيوم ففى عهد محمد على باشا بدات البعثات العلمية تغدو تروح الى اوربنا لتلقى العلم ، ويحدد عادل ابو عمشة هذه الفترة بقوله (( ولم يكتف محمد على بما فتحه من مدارس فى مصر ، فارسل اول بعثة علمية الى ايطاليا عام 1809 م ، ثم حول وجهة البعثات الى فرنسا فارسل اول بعثة كبيرة اليها عام 1826 م وعين الشيخ رفاعة الطهطاوى اماما لها )) .

وازداد الوضع سوءا فى عهد اسماعيل باشا حفيد محمد على فما ان تولى الحكم حتى فتح ابواب مصر على مصراعيها للحضارة الاوربية وقد يكون لطفولته وشبابه اللذين قى زمنا منهما فى اوربا متنقلا بين فيينا وباريس اثر فى هذا الانفتاح ، وظهرت رغبته فى تقليد اوربا لكل ذى عينين حين اجبر جميع مستخدمى الدولة على ارتداء الزى الاوربى وجماع فكرته على حد رواية محمد طلعت حرب (( ان اخلاق المصريين وعوائدهم التى ورثوها ستصبح بمساعيه بعد قليل مماثلة لعوائد اوربا واخلاقها )) .

وطبقا لسياسة تحويل مصر الى قطعة من اوربا اصدر امرا بانشاء مجلس شورى النواب ، كما قضى بتشكيل المحاكم المختلطة ، واوفد نوبار باشا الى اوربا ليمهد السبيل لذلك ، وكان المتبع فى هذه المحاكم ان يكون قضاتها وكتابها وسائر المستخدمين من المسلمين ، ثم سمح للاقباط وغير المسلمين ان يكونوا قضاة فى المحاكم الاهلية التى اعقبت المحاكم المختلطة ، ثم جرى تطبيق القانون الفرنسى فى تلك المحاكم .
واظلم الجو اكثر من ذى قبل اثر وصول السيد جمال الدين الافغانى الى مصر عام 1870 م بعد ان دعاه اليها رياض باشا وحاول الافغانى عبثا ان ينصب منصة القاء فى الازهر فلم يوفق فاتخذ له بيتا فى حارة اليهود مالبث ان تحول الى منتدى للعلماء والطلاب ، ثم اتخذ الافغانى من ملهى قرب الازبكية مجلسا له يلتقى فيه مع طلابه حتى الفجر ، حيث كانوا يلقون عليه ادق المسائل على حد قول ابى رية .
وقد ضمت حلقته المنزلية كلا من الشيخ محمد عبده وعبد الكريم سلمان وابراهيم اللقانى وسعد زغلول وابراهيم الهلباوى واتسع ملهى الازبكية ليشمل محمود سامى البارودى وعبد السلام المويلحى وابراهيم المويلحى وعلى مظهر وسليم النقاش واديب اسحاق .
وكان الافغانى اول من نطق بان مصر للمصريين فجلب له هذا الشعار العديد من مريديه النصارى واليهود ، وبذلك احل رابطة الوطن محل رابطة الدين ، اضف اليه ان الافغانى كان يؤمن بوحدة الاديان الثلاثة ويعد تخالفها من صنع بعض رؤسائها (( واما ما نراه من اختلاف اهل الاديان فهو صنع رؤساء بعض تلك الاديان التذين يتاجرون بالدين )) .
وبعد طرد الافغانى من مصر تطورت الامور بسرعة واخذ الوعى السياسى ينضج فطال الحزب الوطنى توفيق باشا بتصحيح الاوضاع ووصف الحزب نفسه فى مبادئه التى صاغ الشيخ محمد عبده مواده بمساعدة المستشرق " بلنت " (( بانه حزب سياسى لادينى )) ، ونفى زعماء الحزب بعد هزيمة الجيش المصرى كما نفى زعماء الثورة مدى الحياة ، اشترط الانجليز المحتلون لعودة الشيخ محمد عبده الى مصر عدم اشتغاله بالسياسة ، وما ان عاد الشيخ من منفاه حتى اصدر تصريحا لعن فيه السياسة ، ثم اخذ يعمل على تطويع الشريعة وترويضها حتى تتقبل الخضارة الاوربية ، ولا سيما بعد ان وصل الى منصب الافتاء .
وقد كان للاراء التى بثها الشيخ محمد عبده فى مجال الاصلاح الاجتماعى او الدينى اثر فيمن جاء بعده ، بل منهم من توصل الى هدم الدين واسسه المحكمة .


منقول

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مازندراني, مذهلة, آية, من, الأفغاني؛؛, الأفغاني؟, الله, الدين, جمال, دقائق, عن, إن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 03:42 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.