انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


واحة العروض والبلاغة هنا توضع الموضوعات المتعلقة بقواعد وأصول علم البلاغة وعلم العروض وبحور الشعر العربي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-13-2012, 10:51 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




Ramadhan05 قراءة بلاغية في سورة الماعون .

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم والصلاة و السلام على رسولنا الصادق الأمين

رواد قسم اللغة العربية
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

سلسلة قراءة بلاغية في قصار السور

د. جمال عبدالعزيز أحمد


قراءة بلاغية في سورة سـورة الماعـون (1)

قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].

سورة الماعون سورةٌ مكيَّة، انتَظَمتِ التَّنبيه على أمراضٍ اجتماعيَّة خطيرة، كثيرًا ما تحدُث ولا يتنبَّه الناس إليها، وقد تضمَّنت الحديث عن صِنفَيْن موجودَيْن في المجتمع الإنساني: المكذِّبين بالدِّين، والمرائين بأعْمالهم، والاثنان محلُّ مَذمَّةٍ، وموطن مَنقَصة، يلزَمُ المسلمَ غير المكذِّب بالدِّين الابتِعادُ عنهما، ولا بُدَّ من أنْ يتَخفَّف المجتمعُ المسلم بأسْره من هذين النَّمَطَيْن المخذِّلَيْن، والفريقين الساقطين، غير أنهما مصدرَا التخلُّف والرَّجعيَّة.

بدأت السورة الكريمة بأسلوب الاستفهام الذي أداته الهمزة: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾، فهو إنشاءٌ غرَضُه التعجُّب والتشويق لمعرفة هذا المكذِّب بالدِّين، الجاحد بتعاليمه؛ أي: أجاءك مَن كذَّب الدِّين؟ وهل عرفت سُلوكيَّاته؟ هل أدرَكت صِفاته وأوْصافه؟ والعجَب في الجواب الذي لم يكنْ أحدٌ يتوقَّعه، فالمتوقَّع أنْ يُقال: الذي يُكذِّب بالدِّين هو الكافر الجاحد لوجود الله، المكابر عن الاعتِقاد الصحيح، الذي لا يُؤمِنُ بإلهٍ، ولا يقتَدِي برسولٍ، ولا يُصلِّي، ولا يصومُ، ولا يُزكِّي، ولا يحجُّ، ولكنْ جاء الجوابُ مفاجئًا بأنَّه ذلك الذي يُؤمِنُ بالله ورسوله، ولكنَّه يرتكبُ آثامًا اجتماعيَّة من دَعِّ اليتيم؛ أي: من دفعه بعُنْفٍ وشدَّة، وصَلَفٍ وقَسْوةٍ، وعدم الحضِّ على طَعام المسكين، والتغافُل عن الصلاة والسَّهو عنها، والمراءاة بالعمَل؛ انتظارًا لثَناء الناس، ومنْع الخيرِ والعَوْنِ عنهم، وكلُّها أمورٌ في الظاهر لا عَلاقةَ لها بقضيَّة الإيمان، ولكنْ عند التحقيق نرى أنها من أعمدة الإيمان، ورَكائز الإسلام وأساسيَّاته؛ بدليل أنَّ المضيِّع لها وُصِفَ في مَطلَعِها بأنَّه مُكذِّب بالدِّين.

والتعبير بـ(الذي) دُون ذِكر اسمه يأتي إمعانًا في احتقاره، كأنَّه غائبٌ مُبهَم لا وزْن له ولا قيمة، واستِخدام المضارع (يكذب) يُوحِي بأنَّ ذلك دَيْدَنُه وسُلوكُه، فشأنه التكذيب، ينتقلُ من تكذيبٍ إلى تكذيبٍ، ومن صَدٍّ إلى صَدٍّ، ثم إنَّ الفعل (يُكذِّب) متعدٍّ (نقول: كذبني زيد، وكذب فلان فلانًا)، أمَّا هنا فعُدِلَ عن التعدِّي إلى اللُّزوم، فهو يُكذِّب بالدِّين، ولا يُكذِّب الدِّين؛ حيث إنَّه انتقل من مرحلة تكذيب الدِّين إلى الصَّدِّ عنه، والتنفير منه، ودعاء الناس إلى عدَم اتِّباعه، والابتعاد عن أتْباعه، فقد أمسى داعيةً ولكنْ على أبواب جهنَّم، يَسْخَرُ من الدِّين، ومن دُعاته، ومن أوليائه، فلا يفتأ ينتقصُ منهم، ومن سُلوكهم، ومن دَعوتهم، ومن قيم الإسلام وتعاليم القُرآن.

والجواب المفاجئ غير المتوقَّع: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾، الفاء هي الفصيحة؛ أي: إنْ أردت أنْ تقفَ على ذلك وتعرفَه، فهو الشَّخصُ الذي يُكذِّب بالدِّين، فهنا إيجازٌ بالحذف في جملة الشَّرط، استعجالاً لبيانه وتمييزه للناس، فيعرفونه، ويتجنَّبون فِعاله وصِفاته.

والإشارة إليه بـ(فذلك) بيانٌ لوُضوحه واشمِئزاز الناس منه وانتباذه، بحيث أمسى مَعزُولاً مُنفَرِدًا في حَياته بعيدًا عن الناس، والتعبير بـ(الذي) فيه تأكيدٌ لذلك وترشيحٌ، والمضارع "يدعُّ" بمعنى يدفعُ دفعًا شديدًا بعُنفٍ، وهو كنايةٌ عن صفةٍ، هي قسْوة القَلب وانعِدام الرَّأفة، والمضارع يُوضِّح أنَّ ذلك قد صارَ شأنًا له، ووصفًا يُعلَمُ به، وعملاً دائمًا يرتسمُ على وجهه، ويتَّضح على سُلوكه، و(أل) في {اليتيم} عهديَّة؛ أي: اليتيم المعهود يُتمه شرعًا، أو أنها جنسيَّة، فهو يدعُّ جنسَ اليتيم: طفلاً أو صبيًّا، أو يافعًا أو شابًّا، وهي تُؤكِّد قَساوةَ القلب، وافتقاده الرحمة التي يتمتَّع بها الأسوياء تجاه اليتامى، فهو بدل أنْ يمسَح رأس اليتيم، ويُطيِّب خاطره، إذ به يدفَعُه دفعًا حتى يرتطم بجدارٍ أو حائطٍ، أو يدفعه بعُنْفٍ، فيسقُط على الأرض قد مسَح وجهَه بها فتعفَّر، وسال دمُه وبُكاؤه، فهو منظرٌ غاية في القسوة، ولعلَّ التعبيرَ بالجملةِ الاسميَّة هنا يُرشِّح ثُبوتَ تلك الصِّفة في هذا الشَّخص القاسي الذي نفَى عنه القُرآن وصْف الإيمان، وألصَق به إلى غير عودة وصْف التكذيب والجحود بالدِّين وتعاليمه ورقَّته.


التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة








التعديل الأخير تم بواسطة نصرة مسلمة ; 11-13-2012 الساعة 11:05 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-13-2012, 11:03 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

قراءة بلاغية في قصار السور

سورة الماعون (2)

قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].
سورة الماعون سورةٌ مكيَّة، انتَظَمتِ التَّنبيه على أمراضٍ اجتماعيَّة خطيرة، كثيرًا ما تحدُث ولا يتنبَّه الناس إليها، وقد تضمَّنت الحديث عن صِنفَيْن موجودَيْن في المجتمع الإنساني: المكذِّبين بالدِّين، والمرائين بأعْمالهم، والاثنان محلُّ مَذمَّةٍ، وموطن مَنقَصة، يلزَمُ المسلمَ غير المكذِّب بالدِّين الابتِعادُ عنهما، ولا بُدَّ من أنْ يتَخفَّف المجتمعُ المسلم بأسْره من هذين النَّمَطَيْن المخذِّلَيْن، والفريقين الساقطين، غير أنهما مصدرَا التخلُّف والرَّجعيَّة.
ونتابع ما بدَأْناه أمس.
﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾: أسلوب نفي، وهو كنايةٌ عن صفة، هي البُخل الشديد حتى في الكلمة؛ ولذلك يقول أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط": "وفي قوله: ﴿ ولا يَحُضُّ ﴾ إشارة إلى أنَّه هو نفسه لا يطعم إذا قدر، هذا من باب الأَوْلَى؛ لأنَّه إذا لم يحضَّ غيره بخلاً، فلأنْ يترُك هو ذلك فعلاً أَوْلَى وأحْرى".
وقال الرازي: "فإن قيل: لم قال: ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾، ولم يقل: (ولا يطعم المسكين)؟
فالجواب أنَّه إذا منَع اليتيمَ حقَّه، فكيف يطعم المسكين من مال نفسِه؟! بل هو بخيلٌ من مال غيره، وهذا هو النهاية في الخسَّة، ويدلُّ على نهاية بُخلِه، وقَساوة قلبه، وخَساسة طبعِه".
فالآية كنايةٌ عن خِسَّةِ الطَّبع، وقَساوة القلب، وتَشِي بدَيْمومة تلك الصِّفات الذَّميمة، والأمراض الاجتماعيَّة الساقطة الدَّنيئة؛ إذ إنَّ النَّفس السويَّة إنْ لم تجدْ ما تطعم به بالفعل، فإنها تحثُّ غيرها على الفعل ممَّن لديه وُسعٌ ووجدٌ.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ عطف هنا بيانًا لسوء العاقبة ووخم النِّهاية، و(ويل) ورَد مُنكَّرًا لبيان خُطورته وشدَّة عِقابه، والتعبيرُ هنا ورد على صورة الجملة الاسميَّة؛ ليفيد الثَّبات في المعنى والاستمرار عليه، وقد استُعمِلت اللام في (للمصلين) التي تفيدُ الملكيَّة، وكأنَّ الويل أمسى ملكًا لهم لا يُفارِقونه، ولا منه يخرُجون، مع أنهم في الأصل مُصلُّون، واللهَ يُوحِّدون، وإلى المساجد مع الناس يذهَبُون، غير أنهم لكلِّ ذلك رياءً وسمعةً يفعَلُون، ولالتِماس ثناءِ الناس ومَدْحِهم وحَمْدِهم يعمَلُون ويرغَبُون.
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾: صلة الموصول هنا جملةٌ اسميَّة، تعني أنَّ الغَفلة عن الصَّلاة أصبَحتْ من سُلوكيَّاتهم وأوصافهم، صحيحٌ أنهم يُصلُّون في النهاية، ولكنَّهم يغفلون عنها، ويُؤخِّرونها عن أوقاتها تهاوُنًا بها، واستِصغارًا لشأنها، وعدَم تعويلٍ على مَقاصِدها وأهدافها، أو لا يُتِمُّون رُكوعَها ولا سُجودَها، وليس في بالهم أهميَّةٌ لصلاة، ولا في قَلبِهم قداسةٌ لعِبادة.
واستعمالُ (عن) فيه إشارةٌ إلى أنَّ الحديث عن المنافقين وليس عن أهل الإيمان؛ ولذلك قال بعض السَّلَفِ: "الحمد لله الذي قال: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾، ولم يقلْ: (في صلاتهم)؛ لأنه لو قال: (في صلاتهم) لكانت في المؤمنين، والمؤمن قد يسهو في صَلاته، لكنَّه لا يسهو عن صَلاته، والفَرْقُ بين السَّهوَيْن واضحٌ، فسهوُ المنافق سهوُ تركٍ وقلَّة التفاتٍ إليها أو اعتناءٍ بها، فهو لا يتذكَّرها إلا قليلاً، ويكون مشغولاً بالحياة عنها، وبأعماله التي رَبَتْ عندَه على طاعة ربِّه، فهو يضيعُ الصلاة؛ لأنها ليسَتْ لدَيْه ذات قيمةٍ، فهو في نهاية يومِه ينقُرها نَقْرَ الغُراب، هذا إذا تذكَّرها، أمَّا المؤمن، فهو يعتَنِي بها وبمقدِّماتها، فإذا سها في صلاتِه تدارَكَها في الحال، وجبر ذلك بسُجود السهو، والدعاء، ورَجاء القبول، لكنَّه على كلِّ حالٍ بذَل فيها جُهدًا مخلصًا، وكان ذِهنُه حاضرًا، وقلبُه يَقِظًا، وإحساسه بالصلاة راقيًا.
كما أنَّ في الآية ما يدلُّ على سعَة رحمة الله الذي استثنى مَن يسهو فيها بأنهَّ في منجى من الوَيْل والثُّبور، أمَّا مَن يسهو عنها وهي دبر أذُنِه لا قيد ناظريه، فقد استحقَّ الوَيْلَ، وصاحَبَه الوَيْلُ والثُّبور
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 11:22 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.