عليه العوض

[المعتز بالله السلامونى]

 

عليه العوض !!!!



في قريتى الصغيرة التى تقع فى صعيد مصر، كنا نقضى اجازة الصيف الدراسية حيث كان الوالد رحمه الله يأخذ الاسرة الى هناك كنوع من الترفيه ، حيث لم تكن المصايف داخل دائرة اهتمام الاسر المتوسطة وقتذاك 0

ورغم ان الحياة كانت صعبة فى معظم ريف مصر بشكل عام وفى ريف الصعيد( الجوانى ) – كما يطلقون عليه – بشكل خاص فى هذه الاونة ، حيث لم تكن ادوات المدنية الحديثة وتقنياتها قد وصلت بعد الى هذه الاماكن ، الا انه تبقى فى الذاكرة صورة جميلة لهذه الحياة البسيطة ، صورة ابدعها الخالق سبحانه وتعالى ، فصارت لوحة متكاملة من الالوان والظلال والتناسق والتناغم تضفى على النفس هدوءا وسكينة واطمئنانا ، ولهذا كنت ترى كل من نزح من القرية الى المدينة بحثا عن العلم او العمل او التجارة او غيرها كان يذهب الى قريته بشكل دورى طلبا للراحة النفسية ودفء العواطف .

كانت القرية خلية تبدأ عملها مع ساعات الفجر الاولى حيث تستيقظ النساء فتوقد الافران لاعداد الخبز الطازج والطعام اللازم لافراد الاسرة ومع تباشيرالصباح الباكر يقوم الرجال والشباب لصلاة الفجر والتوجه الى حقولهم واعمالهم ، وفى الحقول كانت اللوحة بديعة الاتقان حيث اللون الاخضر يحتوى معظم المساحة ثم يلتقى مع خط الافق الازرق المشوب بالحمرة الذى تبعث به الشمس من خدرها ليتعانق مع لون السماء الصافى الهادىء الجميل 0

هذا المشهد الربانى الرائع كان هو الغالب على الريف فى مصر فى الماضى 0 كان الجمال يصبغ كل شيئ ، البشر ، الحجر والشجر كانت الطيبة والسماحة السمة الغالبة على الناس ، الطعام جيد والماء نقى والمزروعات سليمة طازجة ،كنا نشرب اللبن من ضرع الماشية مباشرة ونأكل الخضر من الارض ونشرب الماء من البئر دون ان نصاب بأذى 0

فماذا حدث الان ؟ كيف اصبح شكل الريف اليوم ؟ 00 زرت قريتى بعد سنوات من فراقها لاداء واجب هناك ، فظننت لاول وهلة عند وصولى الى مشارفها اننى ضللت الطريق أو أننى اقف على رأس حى من أحياء القاهرة العشوائية اذ رأيت اطباق الاقمار الصناعية تعلوا اسطح البيوت كأنها أعواد نباتات زرعت فوقها ، كذلك هناك مقاهى تملآ شوارعها وشباب ورجال جالسون على المقاعد يتناولون المشروبات ويقضون اوقاتهم فى الالعاب المختلفة والبعض يشاهد قنوات التلفاز الارضية والفضائية او يتفرج على اشرطة الفيديو ، رأيت الاعمدة الخرسانية نبتت فى الارض الزراعية بدل النخيل والاشجار السامقة ، انحسرت الرقعة الزراعية والمساحات الخضراء لتحتلها المبان الخرسانية والمساكن ، اختفت اللوحة الجميلة التى اشرت اليها آنفا وتلاشت معالمها وبهتت الوانها حتى الشمس تظهر خجلى لتختفى بعد ساعات خلف المبانى وهى التى كانت تضيء الارض طوال ساعات النهار تتسلل خيوط اشعتها الذهبية من وراء اوراق الاشجار والنباتات لا يحجبها شيئ ، تغير نمط الحياة وسلوك البشر بدرجة كبيرة ، فلا الرجال والشباب عاد يستيقظ مبكرا لفلاحة الارض وانباتها والبحث عن الرزق ولا النساء اصبحن يجهزن الخبز فى بيوتهن وانما يشترينه جاهزا من الافران العامة والخاصة التى انشأت فى القرى ولم تكن موجودة وكانا عيبا ان يشترى الفلاح خبزه من الخارج وذلك لانهم يسهرون حتى ساعات الليل الاخيرة – كما اسلفت – امام اجهزة التليفزيون فى البيوت او على المقاهى 0

وهذه الصورة التى رسمتها لحال الريف لا تعنى رفضنا لتقدم الريف واصلاح حاله ، ولكن التقدم يجب ان يكون فى استخدام الادوات الحديثة فى زيادة الانتاج والمحافظة على الرقعة الزراعية وتحسين المنتج الزراعى والاستفادة من التقنيات الحديثة فى التوسع الافقى لزيادة الرقعة الزراعية فى الاراضى الصحراوية لا الاجهاز على الشريط الزراعى الضيق حول مجرى النيل والقضاء على الاراضى الخصبة، التقدم يعنى ان يكون الريف منتجا يسد حاجة الوطن من الغذاء والطعام لا ان يكون مستهلكا يقضى على الاخضر واليابس 0

ان بلادنا التى كانت فى السابق هى سلة القمح لكثير من الدول اصبحت تستورده الان وغيره من المحاصيل نتيجة حتمية لهذا السلوك السيىء والاستخدام الخاطئ للمستجدات الصناعية الحديثة .
و0000 عليه العوض

محمد عبد السلام

[أبو عمر الأزهري]

بلَى قد تغير كل شيء ، وتبدَّلت أحوال العباد !!
وما عاد هناك ريفٌ بالبلاد !!

جزاكَ اللهُ خيرًا أخي الفاضل .

[المسلم المستغفر]

جزاك الله خيرا وقد حدث بالفعل فانا ريفى

[هجرة إلى الله السلفية]

صدقت
وهانحن نتجرع مرارة ذلك

جزاك الله خيرا ونفع بك

[سعيد عناني]

جزاك الله كل خير