انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > الفقه والأحكــام

الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-03-2011, 09:39 PM
أبو مصعب الأزهري أبو مصعب الأزهري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




Tamayoz :: الخلاصة في أحكام العيدين :: الشيخ الفاضل / أبي حفص سفيان الجزائري ، فك الله أسره.

 

الخلاصة
في أحكام العيدين

ـــــ

للشيخ
أبي حفص سفيان الجزائري
فك الله أسره


ـــــــــــــــــــــــ




بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وعليه أتوكّل
جمعت هذه المادة المختصرة من كتب الحديث والفقه حتّى يعلم مريد الحق هدي السلف لأحكام العيدين .
فإن وفقت فالفضل لله وحده لا شريك له .
وإن أخطأت :
فسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك .

أبو حفص سفيان الجزائري
عنابة: شوّال 1428 هج

ـــــــــــــــ


( أحكام العيدين )

1- يستحسن الغسل لصلاة العيدين وهذا بالاتفاق .

روى الإمام مالك في الموطأ[1]:
أنّ عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر، قبل أن يغدو إلى المصلّى .

فالغسل للعيدين فعل قوم صالحين كما أخبر بذلك الإمام الشافعي[2]ولا خلاف بين العلماء أنّ هذا الغسل مستحسن وليس بلازم .
قال[3] سعيد بن المسيب: أنّ الاغتسال يوم الفطر والأضحى قبل أن يخرج إلى المصلّى حسن .

2- يستحسن لبس أحسن الثياب

روى إبن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح كما ذكر الحافظ[4] ابن حجر: أنّ ابن عمر كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين .

3- السنة الأكل قبل الخروج في عيد الفطر دون عيد الأضحى

عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتّى يأكل ثمرات . رواه البخاري .

وروى الترمذي في جامعه عن بريدة بن الحصيب: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتّى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتّى يصلّي .
وهذه السنة متفق عليها بين العلماء .

4- التبكير إلى المصلّى

يُستحسن للمأمومين التبكير إلى المصلّى ليحصل لهم الدنو من الإمام، وانتظار الصّلاة، فيكثُر ثوابه .

أمّا الإمام فمن السنّة أن يتأخّر إلى الوقت الّذي يصلّي بهم فيه .
روى البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخذري: كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى، فأوّل شيء يبدأ به الصلاة .

قال الإمام مالك في الموطأ: مضت السنّة الّتي لا إختلاف فيها عندنا في وقت الفطر والأضحى أنّ الإمام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلّاه، وقد حلّت الصلاة .

وهذا الهدي للإمام ليس بالأمر اللازم، لكن ما ذكرناه هو الهدي الصحيح الذي لا إختلاف فيه .

5- وقت صلاة العيد

اتّفق العلماء أنّ وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رمحين، أي بعد حوالي نصف ساعة من الطلوع، إلى قبيل الزوال، أي قبل دخول وقت الظهر، وهو وقت صلاة الضحى.
قال ابن قدامة في كتابه المغني، ونحوه النووي في المجموع: ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر، وَلا أعلم فيه خلافا . انتهى .
وقوله: ويسن تقديم الأضحى، لا يعني أن تكون قبل طلوع الشمس، أو أثناءه، بل لمّا تُشرع صلاة النافلة، لا في وقت الكراهة .

روى البخاري في صحيحه معلقا عن عبد الله بن بسر قال: إن كنّا فرغنا في هذه السّاعة وذلك حين التسبيح .

قال[5]الحافظ:
أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة، وذلك إذا مضى وقت الكراهة.


6- الخروج إلى المصلّى

فالسنة أن تكون صلاة العيدين في المصلّى لا في المساجد إلاّ لضرورة، إلّا أهل مكّة فصلاتهم في المسجد الحرام أفضل .
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى .

قال[6]العلامة ابن الحاج المالكي:
والسنّة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام ".
ثمّ مع هذه الفضيلة العظيمة خرج عليه الصلاة والسلام إلى المصلّى وتركه، فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلّى لصلاة العيدين فهي سنة، وصلاتهما في المسجد على مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى بدعة إلاّ أن تكون ثَمَّ ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة .انتهى


وقوله رحمه الله تعالى:
وصلاتهما في المسجد على مذهب مالك بدعة . انتهى .


فهي بدعة إلاّ من ضرورة لكن الصلاة صحيحة، ولا ينبغي مقاطعة صلاة العيد بحجة أنّها تؤدّى في المساجد، فلا تعالج بدعة ببدعة أخرى، قال عليه الصلاة والسلام:
"يصلّون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم" . رواه البخاري .


قال[7] العلامة البهوتي:
وتكره صلاة العيد في الجامع بلا عذر إلا بمكة المشرّفة، لمخالفة فعله صلى الله عليه وسلم . انتهى .


و استثنى العلماء مكّة لعدم وجود دليل أنّهم يوم العيد تركوا الصّلاة بمكّة وانصرفوا إلى المصلّى .
ن اااتت

و اختار الإمام الشافعي مشروعية صلاة العيد في المساجد إذا كانت تسع للجميع، وإلاّ فالمصلّى أولى وأفضل .

قال[8]رحمه الله تعالى:
فإن عمّر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنّه يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنّه كان لا يسعهم فصلّى بهم إمام فيه كرهت له ذلك، ولا إعادة عليهم . انتهى .


7_ خروج النساء والحُيَّض إلى المصلّى وكذا الصبيان

روى البخاري في صحيحه عن أم عطيّة قالت: أُمرنا أن نخرج فنُخرج الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور، فأمّا الحُيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاّهم .
وهذا الأمر هو لتأكيد مشروعية خروج النساء والحُيَّض إلى المصلّى، ولم يحمله جمهور أهل العلم على الوجوب .

قال[9] الحافظ ابن حجر:
استدل به على وجوب صلاة العيد - أي الحديث - وفيه نظر لأنّ من جملة من أمر بذلك من ليس مكلّف – يقصد الحيّض -، فظهر أنّ قصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة، والله أعلم . انتهى


سئل الإمام مالك عن العبيد والإماء والنساء، هل يؤمرون بالخروج إلى العيدين، وهل يجب عليهم الخروج إلى العيدين كما يجب على الرّجال الأحرار ؟

قال[10]: لا .

أمّا مشروعية خروج الصبيان إلى المصلّى بشرط عدم التشويش على المصلّين فلما رواه البخاريّ في صحيحه: من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خرجتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فطر أو أضحى، فصلّى، ثمّ خطب، ثمّ أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ وأمرهنّ بالصّدقة .

فعبد الله بن عباس كان يومها صبيّا ومع ذلك خرج مع سيّد ولد آدم عليه الصّلاة والسّلام إلى مصلّى العيد، وعليه بوّب البخاري على هذا الحديث، باب: خروج الصّبيان إلى المصلّى .

8- استحباب الذهاب إلى المصلّى ماشيا:


يستحبّ أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا وأن لا يركب إلاّ من عذر، فهذا عمل أكثر أهل العلم كما قاله الإمام الترمذيّ في جامعه باب المشي يوم العيد .
فإن ركب من غير عذر ولا علّة فلا شيء عليه .

9- التكبير في أيّام العيدين

مسألة التكبير في أيّام العيد أخطأ فيها الكثير ممّن يزعم إتّباع السلف، وحتّى نجلّي المسألة علينا أن نؤصّلها لتُستوعب، وخير الهدي هدي سلفنا الصالح .

* أوّلا:
اتّفق الجميع على مشروعية التكبير أيّام العيد بنصّ القرآن الكريم:

- أمّا ما يخصّ عيد الفطر، قال الله تعالى:
" ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم " .

- وما يخصّ عيد الأضحى، قال الله تعالى:
" واذكروا الله في أيّام معدودات "

* ثانيا:
التكبير المطلق أو المرسل: وهو الّذي لا يتقيّد بحال، فيكون صبيحة العيد ومنهم من قال ليلة العيد إلى الخروج إلى المصلّى ويستمرّ هذا التكبير حتّى خروج الإمام إلى الصّلاة، فإذا خرج الإمام إلى الصّلاة انقطع التكبير لانشغالهم بالصّلاة ومن ثَمّ بالإنصات إلى الخطبة ويُشرع كما سيأتي التكبير مع الإمام أثناء الخطبة، فإذا انتهت الخطبة ينتهي معها التكبير خاصة يوم عيد الفطر، أمّا عيد الأضحى فيستأنف الناس التكبير في صلاة الظهر إلى نهاية أيّام التشريق كما سيأتي إن شاء الله .

روى الشافعي[11]:
عن ابن عمر أنّه كان يغدو إلى المصلّى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتّى يأتي المصلّى يوم العيد، ثمّ يكبّر بالمُصلّى حتّى إذا جلس الإمام ترك التكبير .

روى البخاري في صحيحه معلّقا: كان ابن عمر وأب
و هريرة يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبِّران ويكبِّر النّاس بتكبرهما .


وقال:
كان عمر رضي الله عنه يكبِّر في قبّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون ويكبِّر أهل السوق حتّى ترتج منى تكبيرا .


فيكبِّر رافعا صوته حين يخرج إلى المصلّى، وفي المصلّى إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام انقطع .
قال[12] الإمام الشافعي:
يكبّر النّاس، فرادى وجماعة في كل حال حتّى يخرج الإمام لصلاة العيد ثمّ يقطعون التكبير . انتهى


ويستمر هذا التكبير في عيد الأضحى خصوصا كما في الآية:
" واذكروا الله في أيّام معدودات " .


قال[13]الإمام ابن أبي زيد القيرواني:
المعلومات أيّام النحر الثلاثة، والأيّام المعدودات أيّام مِنى وهي ثلاثة أيّام بعد يوم النحر .انتهى


* ثالثا:
التكبير المقيّد: أو أوقات التكبير في أيّام التشريق :

ذهب الجمهور :
الأحناف والمالكية والحنابلة والظاهرية إلى أنّ التكبير يكون دبر الصّلاة المكتوبة .


قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني:
فإن كانت أيّام النحر فليكبّر النّاس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرّابع منه وهو آخر أيّام منى، يكبّر إذا صلى الصّبح ثمّ يقطع، والتكبير دبر الصلوات .انتهى .


قال[14] ابن الجزي:
والتكبير أيّام منى في دبر الصلوات المكتوبات، ويكبر الجماعة إتفاقا، والفذ خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل، ولا يكبر في دبر التطوع خلافا للشافعي . انتهى .


ابن الجزي ذكر في كلامه نقطة الخلاف بين المذاهب، فهم اتّفقوا أنّ التكبير لا يكون إلاّ دبر الصّلاة، ثمّ اختلفوا في بعض الجزئيات: فذهب المالكية إلى أن يكون التكبير دبر كلّ صلاة مكتوبة دون النافلة سواء في الجماعة أو منفردا، قال الإمام مالك: وذلك - أي التكبير - على كلّ من صلّى في جماعة أو وحده من الأحرار والعبيد والنساء يكبّرون في دبر كلّ صلاة مكتوبة مثل ما كبّر الإمام .

وبهذا أخذ الإمام[15] ابن حزم .

وذهب الشافعية إلى أنّ التكبير يكون مطلقا في الصلوات سواء كانت نافلة أو مكتوبة، جماعة أو منفردا، أمّا الأحناف والحنابلة فقالوا بالتكبير في صلاة المكتوبة إذا كانت في جماعة دون الفرد ودون النافلة .

* رابعا: هل التكبير في جماعة ؟

الحاصل أنّ المذاهب متفقة على مشروعية التكبير دبر الصلوات بصوت مرتفع في جماعة، وقد يتفق أن يكون بصوت واحد، وهذا الأمر واسع إن شاء الله تعالى، لاسيما وأنّه ثبت عن عمر وابن عمر وأبو هريرة كانوا يكبّرون، وكان النّاس يكبّرون بتكبيرهم، كما مرّ .

قال الإمام مالك كما مرّ:
يكبّرون في دبر كلّ صلاة مكتوبة مثل ما كبّر الإمام .

قال الإمام الشافعي:
ويكبر إمامهم خلف الصلوات فيكبّرون معا.

جاء في كتاب ردّ المحتار لزين العابدين: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ.
* خامسا:
هل التكبير أيّام التشريق مخصّص بدبر الصلوات أم عام لسائر الأيّام ؟

رأينا آنفا من أقوال الأئمّة وخاصة المالكية والحنابلة والظاهرية والأحناف أنّ التكبير هو خاصّ بدبر الصّلوات المكتوبة، وذهب الشافعية وحدهم إلى القول بالتعميم أي التكبير يكون سائر أوقات أيّام التشريق، والترجيح في مثل هذه المسألة مع فقد الدليل يكون بالرجوع إلى ما كان عليه العمل عند السلف ولا يستقيم الاستدلال بالنصوص العامّة كما صنع الإمام الشوكاني[16]، وهو قوله تعالى: " وأذكروا الله في أيّام معدودات "، فإعمال النص العام مع إهمال ما كان عليه السلف مدخل من مداخل البدعة كما هو معلوم، ونترككم لتتأمّلوا إلى كلام دقيق للإمام مالك وللإمام أحمد بخصوص هذه المسألة بالذّات.

سئل الإمام مالك عن التكبير في أيّام التشريق في غير دبر الصّلوات، فقال[17]:
قد رأيت الناس يفعلون ذلك، وأمّا الّذين أدركتهم وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبّرون إلاّ في دبر الصّلوات.

قال[18] أبو الفضل صالح ابن الإمام أحمد: وسألته – أي سأل أباه الإمام أحمد – عن النّاس يكبّرون في دبر كلّ صلاة يوم النحر كما يكبّرون في المكتوبة، أم لا ؟

قال أبي – أي الإمام احمد -: إن ذهب رجل إلى ذا فقد روي ذاك عن بعض الناس، والمعروف في المكتوبة .
و هذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث سئل عن وقت التكبير في العيدين
فقال[19]رحمه الله:
الحمد الله، أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيّام التشريق، عقب كلّ صلاة، ويشرع لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة . انتهى .

و من باب الإنصاف أقول كذلك لمذهب الشافعي دليل في المسألة وهو ما رواه البخاري معلّقا عن ابن عمر كان يكبّر بمنى تلك الأيّام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيّام جميعا .

لكن ثمّة تنبيه أنّه من اختار مذهب الإمام الشافعي لابدّ له أن يسير وفق هذا الرأي وهو التكبير يكون عامّا سائر اليوم بما في ذلك دبر الصّلوات، وهو ما جاء مصرّحا في الحديث الآنف عن ابن عمر كان يكبّر بمنى تلك الأيّام وخلف الصلوات ...، كما جاء مصرّح به من كلام الإمام الشافعي نفسه ومرّ كلامه قريبا، بل قال[20]الإمام النووي: أنّ التكبير المقيّد يُشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لإجماع الأمّة . انتهى

و للتنبيه: لا يسنّ التكبير عقب صلاة العيد بالاتّفاق .

* سادسا: هل النساء مثل الرجال في مسألة التكبير ؟

هذا الحكم يعم النساء كذلك حكا استحبابه ابن المنذر عن مالك وأبي يوسف وأبي ثور، وهو مذهب الشافعي، واستحسنه أحمد، لما رواه البخاري في صحيحه عن أمّ عطية قالت: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتّى نُخرج البكر من خدرها، حتّى نخرج الحيّض فيكن خلف النّاس فيكبّرون بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
وقال البخاري معلّقا: وكانت ميمونة تكبّر يوم النحر، وكنّ النساء يكبّرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرّجال في المسجد .

و في الأثرين مشروعية التكبير جماعة، وقد مرّ تقرير هذه المسألة، والله أعلم

10- صيغة التكبير

ثبت عن ابن مسعود، كما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
وقد اختار كثير من السلف هذه الصيغة، ولا بأس بغيرها إن ثبتت .
11- لا يُشرع الأذان ولا الإقامة ولا شيء لصلاة العيدين

روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله العيدين غير مرّة ولا مرّتين، بغير أذان ولا إقامة .
و روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى .
قال الإمام مالك كما في الموطأ: أنّه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله إلى اليوم .

قال الإمام مالك:
وتلك السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا .

وهذا متفق عليه بين المذاهب .

والصحيح أن لا يقال شيء قبل الصلاة خلافا لمذهب الشافعي حيث اختار أن يقال " الصلاة جامعة " أو كلمة نحوها .[21]
وما رجحناه هو ما رواه مسلم في صحيحه عن عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة .

12_ صلاة النافلة قبل صلاة العيد


لم يثبت لصلاة العيدين راتبة قبلها ولا بعدها لا للإمام ولا لمأمومين، أمّا مطلق النافلة، فلم يثبت أنّ للإمام صلاة قبل العيد في المصلّى، بل كان صلى الله عليه وسلم يخرج مباشرة للصلاة .
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: أنّ النبي عليه الصلاة والسلام خرج يوم الفطر فصلّى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها ومعه بلال .

أمّا بالنسبة للمأمومين مطلق النافلة فهذا بابه واسع ما لم يكن في وقت كراهة .
قال[22]الحافظ:
والحاصل أنّ صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأمّا مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلاّ إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيّام، والله أعلم . انتهى


إلا أنّ الأفضل أن يشتغل بالتكبير والتهليل لأنّه هو الهدي، أمّا النفل فليكن قبل الغدو إلى المصلّى سواء في البيت، لما رواه الإمام مالك في الموطأ [446] عن عبد الرحمن بن القاسم أنّ أباه كان يصلّي قبل أن يغدو إلى المصلّى أربع ركعات
و سواء في المسجد قبل الغدو إلى المصلّى لما رواه الإمام مالك كذلك [447] عن عروة بن الزبير كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة في المسجد .

13- صلاة العيدين ركعتين جهرا

روى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه: صلاة الفطر والأضحى ركعتان، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم، وقد خاب من افترى .
ويجهر فيهما الإمام كما سيأتي إن شاء الله، وليس في هذا خلاف .
وتشرع صلاة العيد للجماعة وللفذ
( وذلك إذا فاتته صلاة العيد كما سيأتي )، في المصلّى والبيت، في السفر والإقامة .

روى البخاري معلقا ووصله ابن أبي شيبة كما ذكره الحافظ[23] عن عكرمة قال في قوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى، قال: يجتمعون ويؤمهم أحدهم .

14- صفة صلاة العيد


* التكبير: روى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا .
وبهذا أخذ الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم، بخلاف الأحناف.

وقد اختلفوا في جزئية وهي تكبيرات الرّكعة الأولى .
فذهب المالكية والحنابلة أنّها سبعة مع تكبيرة الإحرام .
وذهب الشافعية والظاهرية أنّها سبعة سوى تكبيرة الإحرام .
واتفقوا جميعا في الركعة الثانية أنّها خمسة تكبيرات لا يعدُّ فيها تكبيرة الانتقال أو القيام.
ولعلّ الرّاجح ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من أنّ تكبيرات الرّكعة الأولى سبعة مع تكبيرة الإحرام، لأنّ من نقل التكبيرات حدثنا أنّه في حال القيام كبّر سبع تكبيرات وتكبيرة الإحرام هي في حال القيام، وإلاّ لقالوا وأوضحوا أنّها ثمانية تكبيرات، والله أعلم .

قال[24]الإمام أبو الوليد الباجي:
والدليل ما نقوله الأخبار المتقدمة بذلك واتصال العمل بالمدينة وإطلاق اللفظ فإنّه كبّر سبعا في الركعة الأولى يقتضي أنّ ذلك جميع ما كبّر.اتنهى

* وهذه التكبيرات متصلة ليس بينها ذكر معيّن على قول الجمهور خلافا للشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أنّ بين كلّ تكبيرة وتكبيرة ذكر، فلم يثبت شيء من ذلك إلاّ ما جاء عن ابن مسعود موقوفا عليه كما رواه الطبراني: بين كلّ تكبيرتين حمد لله عزوجل، وثناء على الله ؛ وفي إسناده مقال كما قال [25]العلامة الصنعاني
قال[26]الإمام الشافعي: ثمّ وقف بين الأولى والثانية قدر قراءة أية لا طويلة ولا قصيرة، فيهلل الله عزوجل ويكبّره ويحمده . انتهى .

فليس عندهم ذكر مخصوص .
فمن اختار هذا المذهب أن لا يطيل على النّاس.

* لم يثبت عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنّه كان يرفع يديه في هذه التكبيرات إلاّ تكبيرة الإحرام أو الانتقال، وقد اختار الشافعية والحنابلة رفع الأيدي مع كلّ تكبيرة ؛ وهي رواية عن الإمام مالك، فروى عنه مُطرِّف وابن كِنانة أنّه يستحب أن يرفع يديه في العيدين مع كلّ تكبيرة وبه قال أبو حنيفة .[27]

و ترك رفع اليدين هو المذهب المشهور للمالكية وهو اختيار الظاهرية، إذ لم يثبت عن أحد بخصوص هذه المسألة إلاّ أدلة عامّة في رفع الأيدي في التكبير .

* محلّ قراءة دعاء الاستفتاح والتعوّذ عند القائلين بهما[28]: ذهب الشافعية[29] والحنابلة[30] وهو اختيار محمد بن الحسن كما ذكره النووي، أنّ دعاء الاستفتاح يكون عقب تكبيرة الإحرام وقبل تكبيرات الزوائد، أمّا التعوّذ فيكون بعد التكبيرات وقبل القراءة .

* القراءة في الصلاة: اتفقوا أنّها صلاة جهرية .
يقرأ بعد الفاتحة ب :{ ق } و{ اقتربت الساعة }
روى مالك في الموطأ [422]: أنّ عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله في الأضحى والفطر ؟ فقال: كان يقرأ { ق، والقرآن المجيد } و{ اقتربت الساعة } .
كمّا أنّه ثبت أنّه قرأ بسورة الأعلى وسورة الغاشية .
روى مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب أنّه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في العيد: { سبح إسم ربّك الأعلى } و{ هل أتاك حديث الغاشية } .

15- خطبة العيد بعد الصلاة

اتفقوا جميعا أنّ صلاة العيد قبل الخطبة
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلّهم كانوا يصلّون قبل الخطبة .

قال[31] الإمام أبو الوليد الباجي:
لا خلاف في هذا بين جماعة فقهاء الأمصار . انتهى



16- صفة خطبة العيد


* لمّا ينتهي الإمام من الصلاة ينصرف فيقوم مقابل النّاس قائما على رجليه
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى فأوّل شيء يبدأ به الصلاة ثمّ ينصرف فيقوم مقابل النّاس والنّاس جلوس على صفوفهم فيعظهم .
بوّب البخاري على هذا الحديث: الخروج إلى المصلى بغير منبر .
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتّى خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر: فلمّا أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصّلت .

قال الحافظ:
وفي الحديث أنّ الخطبة على الأرض عن قيام في المصلّى أولى من قيام على المنبر . انتهى


ولاحظ كيف قيد الأمر بالمصلّى، إذ لو فعلت في المسجد فيشرع القيام على المنبر .
ولم أر من عدّ الخطبة على المنبر من البدع .
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في الرّسالة، ونحوه قال[32]النووي: ثمّ يرقى المنبر ويخطب الناس .

قال[33] الإمام الشافعي:
ويخطب الإمام على المنبر وعلى بناء وتراب مرتفع وعلى الأرض وعلى راحتله كلّ ذلك واسع . انتهى

قال النووي في روضة الطالبين: فصل في خطبة العيد: فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد، صعد المنبر، وأقبل على الناس بوجهه وسلم
* هما خطبتان بالاتفاق، ولا أعلم فيه خلاف بين علماء السلف، وحكى الاتفاق في المسألة الإمام ابن حزم[34].
وكذلك قال[35] الإمام ابن أبي زيد القيرواني: أنّ خطبة العيد خطبتين .
وهو اختيار الحنابلة كما ذكره العلامة ابن ضويان الحنبليوالعلاّمة البهوتي [36].
والعلامة الشوكاني جعل خطبة العيد خطبتين وهو من عادته أن يذكر الخلاف إن وُجد، فلم يذكره في هذه المسألة [37]، وكذا من عادة الإمام النووي في كتابه المجموع أن يذكر خلاف العلماء في المسألة إن كان ثمّة خلاف، فلم يذكر في هذه المسألة خلاف بين العلماء .
صحيح انّه لم يثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين أو خطبة واحدة، لكن جرى عمل السلف أنّها خطبتان، كخطبتي الجمعة .
قال[38] الإمام الشافعي: وكذلك خطبة الاستسقاء، وخطبة الكسوف وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة . انتهى
وعدّ رحمه الله من خطب خطبة واحدة في غير خطبة الجمعة قد أساء ولا إعادة عليه .
وهذا ما جرى عليه علماء الحديث كالإمام النسائي في سننه حيث استدل بحديث جابر بن عمرة، قال: رأيت رسول الله يخطب يوم الجمعة قائما ثمّ يقعد قعدة لا يتكلّم، ثمّ يقوم فيخطب خطبة أخرى .
بوّب الإمام النسائي على هذا الحديث في كتاب صلاة العيدين، باب قيام الإمام في الخطبة [رقم 1574] وباب الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه [ رقم 1583]، وباب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها [ رقم 1584].
فقد أبعد من جعل خطبة العيد خطبة واحدة ونسب ذلك إلى السنّة .
17- هل الإمام يخيّر لحضور خطبتي العيدين :

روى أبو داود في سننه [1155]، والنسائي في سننه [1571] من طريق :ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب قال: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى العيد، قال: من أحبّ أن ينصرف فلينصرف، ومن أحبّ أن يقيم للخطبة فليُقم .
هذا الحديث لا يصح، قال أبو داود: هذا مرسل، عن عطاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
نعم، حضور خطبة العيد ليست لازمة كخطبة الجمعة، إلاّ أنّ علماءنا فضّلوا حضورها.
قال الإمام مالك كما في الموطأ بعدما سئل عن رجل صلّى مع الإمام، هل له أن ينصرف قبل أن يسمع الخطبة ؟ فقال: لا ينصرف حتّى ينصرف الإمام .

قال[39] الإمام الشافعي:
وأحب لمن حضر خطبة عيد أو استسقاء أو حج أو كسوف أن ينصت ويسمع، وأحب أن لا ينصرف أحد حتّى يستمع الخطبة، فإن تكلّم أو ترك الاستماع أو انصرف كرهت ذلك، ولا إعادة عليه، ولا كفارة، وليس هذا كخطبة يوم الجمعة لأنّ صلاة يوم الجمعة فرض . انتهى


18- هل يشرع التكبير مع الإمام أثناء الخطبة ؟:

اتفق العلماء أنّ من ميزة خطبتي العيد أنّ الإمام يكثر فيها التكبير .
و اختلفوا هل المأموم يردد وراء الإمام أثناء خطبته تكبيراته أم لا .
لا يوجد دليل على عدم مشروعيته، كما أنه لا دليل على مشروعيته، فيبقى لنا ما كان عليه العمل .
رأينا سابقا أنّ الإمام الشافعي يرّى الإنصات للإمام، وذهب غيره أنّه يشرع التكبير مع الإمام وينصت فيما سوى ذلك .
قال[40] الإمام ابن أبي زيد القيرواني: وليذكر الله في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلّى الإمام والنّاس كذلك، فإذا دخل الإمام للصّلاة قطعوا ذلك، ويكبّرون بتكبير الإمام في خطبته، وينصتون له فيما سوى ذلك . انتهى
ومثله في المدونة، وجاء فيها[41]: قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيّب وبُكير بن عبد الله بن الأشج وابن شهاب ويحي بن سعيد وأبي الزّناد ومحمد بن المنكدر ومسلم بن أبي مريم وابن حجير وابن أبي سلمة كلّهم يقولون ذلك ويفعله في العيدين . انتهى
وقال[42]العلامة البهوتي: فإذا سلّم من الصلاّة خطب خطبتين كخطبتي الجمعة في أحكامهما حتّى في الكلام إلاّ في التكبير مع الإمام . انتهى

19- الخطبة للنساء :

إذا علم الإمام أنّ النساء لم يسمعن خطبته، وهذا أمر مستبعد في هذا العصر لوجود مكبّرات الصوت، على كل حال إن حصل ذلك، فلا بأس أن يأتيهن فيخصهنّ بخطبة خفيفة .
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال: أشهد على رسول الله لصلّى قبل الخطبة، قال: ثمّ خطب فرأى أنّه لم يُسمع النساء فأتاهن فذكّرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة، وبلال قائل بثوبه فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء .
قال الحافظ معلقا على باب بوّبه البخاري في صحيحه كتاب العيدين، باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد، قال[43]: أي إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال .
و النصّ على هذا الاختيار واضح، " ثمّ خطب فرأى أنّه لم يُسمع النساء فأتاهن فذكّرهن.." .

20- الرجوع من طريق غير طريق الذي خرج منه

روى البخاري في صحيحه: عن جابر قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق .
وعلى هذا أهل العلم أنّه يستحب للإمام والمأموم الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق آخر، وليس هذا بلازم، فإذا غدوا ورجعوا من طريق واحدة فلا شيء عليهم إن شاء الله .[44]


21قال الإمام مالك كما في الموطأ:

في رجل وجد الناّس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد: إنّه لا يرى عليه صلاة في المصلّى، ولا في بيته، وإنّه إن صلّى في المصلّى أو في بيته لم أر بذلك بأسا، ويكبّر سبعا في الأولى قبل القراءة، وخمسا في الثانية قبل القراءة .انتهى

وجاء في المدونة [1/226]: وقال مالك فيمن فاتته صلاة العيدين مع الإمام إن شاء صلّى، وإن شاء لم يصلّ، وإن صلّى فيصلّ مثل صلاة الإمام . انتهى

روى البخاري معلقا في باب: إذا فاته العيد يصلّي ركعتين، ووصله ابن أبي شيبة كما ذكر الحافظ أنّ أنسا كان ربّما جمع أهله وحشمه يوم العيد، فيصلّي بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين .
وروى البيهقي أنّ أنسا إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلّى بهم مثل صلاة الإمام في العيد.
وعن ابن جريج عن عطاء قال: من فاته العيد فيصلّ ركعتين .
* وذهب الأحناف إلى أنّ المرء مخيّر بين ذلك كلّه، بين القضاء والترك، وبين الثنيتين والأربع .
وعلمنا سابقا أنّ وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس إلى الزوال .
فلا قضاء بعد الزوال على الصحيح .
و لعلّ الرّاجح إن شاء الله تعالى هو صلاتها ركعتين على نحو صلاة الإمام لمن رأى قضاءها .
ثانيا: أهل بلدة لم يعلموا بالعيد إلاّ بعد الزوال، فالصحيح صلاتها من الغد خلافا للمالكية .

روى الخمسة إلاّ الترمذي - أي أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة - عن عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غمّ علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله أنّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النّاس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد .


22- مشروعية التهنئة

أمّا التهنئة يوم العيد، يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبّل الله منّا ومنكم، ونحو ذلك، فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنّهم كانوا يفعلونه .
قال[46] الحافظ إبن حجر:
وروينا في المحامليّات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبّل الله منّا ومنك .


23- اللعب واللهو والأناشيد في الأعياد :

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعندي جاريتين ( من جواري الأنصار – أ - ) تغنّيان بغناء بعاث ( قالت: وليستا بمغنّيتين – أ - [47]) ( وفي رواية: تدفّان وتضربان – ب - ) ( وفي رواية: تغنّيان بما تقوّلت الأنصار يوم بُعاث – أ - [48])، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه ؛ ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان[49] عند النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام . ( وذلك في يوم عيد – أ - )

( وفي رواية: في أيّام منى – ب - )،
فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: دعهما ( وفي رواية: يا أبا بكر إنّ لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا – أ - ) ( وتلك الأيّام أيّام منى – ب - ) [50].

وجه الدّلالة من الحديث فيه بيان أنّ إظهار السرور في الأعياد من شعار الدّين، وذلك في قوله عليه الصّلاة والسّلام:
" إنّ لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا " .

و من ذلك الإنشاد، والإنشاد منه ما هو جائز ومنه ما هو غير جائز فإن كان سليما ممّا يخالف الشرع في مدح قيمة الأخلاق كالكرم والجود، وفي الحثّ على الجهاد في سبيل الله، وفي الحثّ على حماية الأوطان من الأعداء، وفي الحثّ على الإخلاص لله في العمل، بأساليب واضحة ليس فيها ما يخالف الشرع فليس فيها بأس، فالإنشاد كالشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح[51]، واستعمال الجاريتين للدفّ ليس مسوّغا لاستعمال آلات اللهو الأخرى المنهي عنها، قال صلّى الله عليه وسلّم:

" ليكونّن من أمّتي أقوام يستحلّون الحر والحرير والخمر والمعازف "[52] .

قال[53] القاضي عياض:
إنّما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على الشرّ، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنّما هو رفع الصّوت بالإنشاد .... وتسمّي العرب الإنشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه، بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الّذي هو مجرّد الإنشاد والترنيم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبيّ عليه الصّلاة والسّلام . انتهى

و كون أيّام العيد يُشرع فيها اللّهو المباح فما لا يجب أن يغفل عنه المسلم أنّ العبادة في مثل هذه الأيّام هي أفضل من العمل في غيره، روى البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنه عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: ما العمل في أيّام العشر أفضل من العمل في غيره . قالوا: ولا الجهاد ؟ .
قال: ولا الجهاد، إلاّ رجل خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء .

بوّب البخاري على هذا الحديث: باب فضل العمل في أيّام التشريق .
تمّ ولله الحمد والمنّة

ـــــــــــــــــ


[1]- رقم : 436

[2] - [ الأم 1/1/255]

[3] - بواسطة المدوّنة الكبرى [1/223].

[4] - فتح الباري [2/439]

[5]- فتح الباري [2/457]

[6] - المدخل [2/283]

[7]- الرّوض المربع ، ص157

[8] - الأم [1/1/257]

[9]- [ الفتح2/470]

[10] - المدونة الكبرى [1/224] ، ونحوه في كتاب الأم للإمام الشافعي [1/1/264]

[11]- الأمّ [1/1/254]

[12] - الأمّ [1/1/265]

[13]- الرّسالة [ص:38]

[14]- القوانين الفقهية [76]

[15] - المحلّى [3/306] ، المسألة [551]

[16] - نيل الأوطار [2/3/316]

[17]- المدوّنة الكبرى ( 1 / 231 )

[18] - مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح ( رقم : 162 )

[19] - مجموع الفتاوى ( 12 / 24 / 119 )

[20]- المجموع ( 5 / 38 – 39 )

[21] - [ الأم (1/1/258)]

[22] - فتح الباري [2/476]

[23] - فتح الباري [2/475]

[24]- المنقى شرح الموطأ [2/279]

[25] - سبل السلام [2/142]

[26] - كتاب الأمّ [1/1/260]

[27]- المنتقى شرح الموطأ [2/379]

[28]- راجع مسألة دعاء الاستفتاح والتعوّذ في الصلاة في رسالة التتمة .

[29]- المجموع للنووي ( 5 / 26 )

[30] - مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ( رقم : 487 )

[31] - المنتقى شرح الموطأ [2/373]

[32]- المجموع ( 5 / 28 )

[33] - الأم [1/1/262]

[34] - المحلى [3/293]

[35] - الرّسالة [37] ، والمدوّنة ( 1 / 229 )

[36] - منار السبيل لابن ضويّان [1/203] ، الرّوض المربع للبهوتي .

[37] - سيل الجرار [1/318]

[38] - الأم [1/1/262]

[39]- [ الأم 1/1/263]

[40] - [ الرسالة 27]

[41]- المدونة [1/224]

[42]- [ الروض المربع .ص159]

[43] - فتح الباري [2/467]

[44] - [ المدونة للإمام مالك 1/224] ، [الأم للإمام الشافعي1/1/257] ، [المحلى للإمام إبن حزم 3/303]

[45] - [الأم 1/1/264]

[46] - [ الفتح 2/446]

[47] - قال القرطبي : أي ليستا ممّن يعرف الغناء كما يعرفه المغنّيات المعروفات بذلك ، وهذا منها تحرّز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به . بواسطة فتح الباري ( 2 / 442 )

[48]- يوم بُعاث هو يوم مشهور من أيّام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج ، وكانت قبل الهجرة بثلاث سنين على ما رجّحهالحافظ إبن حجر في الفتح ( 2 / 441 ).

[49] - يعني الغناء أو الدّف ، فالمزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصّوت الّذي فيه الصّفير ، وسمّيت به الآلة المعروفة الّتي يُزمّر بها . من الفتح .

[50] - رواه البخاري في صحيحه ، الرّواية الأصلية رقم : 949 ، ومسلم في صحيحه رقم : 892 ، والزادات : - أ - : من صحيح البخاري رقم : 952 .
- ب- : من صحيح البخاري رقم : 987 .

[51] - أورد الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب بعنوان ما يجوز من الشعر والرجز والحداء ، وما يكره منه .

[52] - رواه البخاري معلّقا ( رقم : 5590 ) ، ووصله جمع من أهل الرّواية كالطبراني والبيهقي وإبن حبان ، أنظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني ( رقم : 91 )

[53] - بواسطة شرح صحيح مسلم للإمام النووي ( 3 / 6 / 182 – 183 )


ـــــــــــــــــــ

محبكم في الله
أبو مصعب الأزهري
غفرالله له .


التوقيع

جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-04-2011, 12:04 AM
أبو أسلم المنصوري. أبو أسلم المنصوري. غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

الله أكبر
جزي الله الكاتب
والناقل كل خير
ونصر الله الإسلام وأعز المجاهدين

قد علمنا أبا مصعب أنه لا بأس بالتهنئة
ولكن هنا في مصر تجري العادات علي أنه مثلا يتوجب علي الشخص
الاتصال بأقاربه ليلة العيد مثلا
ليقول لهم:
كل سنة وأنتم طيبون
أو كل عام وأنتم بخير

فهل من شيء في هذه التهنئات ؟؟ وهل تدخل ضمن البدع
وهل ألفاظ التهنئة توقيفية؟؟
أم هي من الأمور المباحة الواسعة؟؟

حبذا من عنده علم يجبني ضروريا
وجزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-04-2011, 12:45 PM
أبو أسلم المنصوري. أبو أسلم المنصوري. غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

لم لم تجبني أبا مصعب؟
أستحقرت سؤالي؟
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-04-2011, 06:14 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-09-2011, 08:11 PM
البركان الثائر البركان الثائر غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

جزاك الله خيرا ابى مصعب وفكط الله اسر شيخنا الغالى
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-09-2011, 08:12 PM
البركان الثائر البركان الثائر غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

جزاك الله خيرا اخى ابو مصعب وفك الله اسر شيخنا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-10-2012, 01:44 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكم الله خيراً
..

وفك الله أسر الشيخ الفاضل /اللهم آمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
/, ::, متى, أحكام, أسره., الله, الخلاصة, الجزائري, الشيخ, العيدين, الفاضل, حفص, سفيان, في, فك, ،


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:14 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.