بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , و أصلي و أسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , و من سار على نهجه و اقتفى أثره إلى يوم الدين ، أما بعد :
فتسألنني أخياتي : كيف عرفت أنها لا تحبه ؟
أهملته . . . و من تحب لا تهمل
أنّ و توجع . . . فلم تلق له بالاً , تقول في نفسها كبر , و عفا عليه الزمن ، فلم التعب عليه و النصب , ليفسح المجال لغيره الأصغر و الأجمل . . . ومن تحب لا تقول هذا و لا تحدث به نفسها .
أهانوه أمامها ، فلم تحرك ساكناً ,
و لم تنفرج شفتاها بكلمة طيبة في حقه ، وهو الذي ما جاء إليها إلا ليحميها , و يدافع عنها . . . و من تحب ترعى المعروف و تصونه . . .
و هي لم تفعل , و لم تندم على أنها لم تفعل .
سخروا منه ، فشاركتهم السخرية ، و أطلقت عليه معهم الضحكات ، و شاركتهم النكات ، وهو باقٍ على العهد ، يريد أن يدفع عنها الأذى رغم
الأذى الذي يصيبه منها , وهي تصده في عنف و قسوة ، حتى سقط منها أرضاً ، فلم تمد يداً لرفعه , و لم تبال بإزالة آثار السقوط عنه . . . بل ربما سرت بهذا علّه يعجل برحيله .
لامها اللائمون ، و نصحها المخلصون ،
و خوفها المشفقون ، و حذرها المجربون من عاقبة هذا الجحود و النكران ، لكنها ألقت لهم أذناً صماء لا تسمع ،
و أرعتهم عقلاً جامداً لا يفكر و لا يتبصر عاقبة الأمور . . .
فهل هذه تحبه ؟
اشتد عليها النكير ، و توالت النصائح المخلصة من كل صوب ، و عتب المحبين المشفقين يلاحقها ، و لوم اللائمين يتوالى عليها ،
فأرادت أن تنجو من لومهم ، قالت: أصبح لونه لا يلائمني أنا الجميلة الفاتنة ، كسمه و سمته لا يليق بي أنا العصرية المتفتحة ،
زرت بلاد الدنيا فما رأيته يرافق كثيراً من الجميلات فهل أقل عنهن ؟ لا , ألف مرة .
أعود إليه شرط أن يخضع لعمليات تجميل يغير بها خلقته !!
قالوا : ليس كل التجميل حلال ، و تغيير الخلقة حرام .
قالت : إما هذا و إلا فلا .
قالوا : لا يقوى على عمليات التجميل ، فهي تعجل بنهايته ، و لا يبقى معها جسده رغم قوته و فتوته التي يدافع بها عنك بإذن الله ،
هذه العمليات خطيرة بل مميتة لا يقوى عليها ,
و نتائجها عن السلامة بعيدة فقد جربها غيرك و ما ثبت لها نجاحاً و لا شبهة نجاح ، لم يعش بعدها أحد أجريت له .
قالت : إما هذا وإلا فلا . . .
فهل هذه تحبه ؟
سألوه ، قال : لا . لا أغير خلقتي إكراماً لها ، أحبها و أسعى لحمايتها و الدفع عنها، لكني لن أستطيع حينها لها حماية و لا دفعاً ففي خلقتي سر قوتي .
قالت : هو الفراق إذن . . .
لأنها لا تحبه .
قالوا لها : و بعد ؟ أتعيشين بدونه ؟
قالت : سأجد له بديلاً ، لكني هذه المرة سأختاره بنفسي ، أضع صفاته في مخيلتي ، ثم أنتقي ما يعجبني و يفرحني , جميلاً , جذاباً ، يلفت الأنظار . . .
فهل هذه تحبه ؟
قالت : حبذا لو كان أجنبياً ، فرنسياً مثلاً .
قالوا لها : ما لنا و لهم ؟
قالت : تقدميون أصحاب حضارة .
قال بعض أهلها : ليس منا ، و لا من بني جلدتنا ، كيف نعطيه بنتنا ؟
و قال بعضهم : تغيير ، تحضر ، دعونا نجرب ، هذا تحسين .
قالت : لا أشترطه أجنبياً ، فليكن من بلدي ،
لكني سأختاره جميلاً حسن المظهر ، فلا تقفوا في وجهي ، و لا تعارضوا اختياري ، و لا داعي لما يسمونه صراع أجيال . فسكت من أهلها من سكت
و كأن الأمر لا يعنيه في شيء ، ربما رضي ، و ربما سلّم و آثر السلامة . وشجعها من أهلها من شجع , فبدأت رحلتها في الانتقاء .
كان أهم ما يعنيها أن يكون جميلاً بداية ، ذا مسلك مرن ، يرضى أن يخضع لعمليات التجميل كلما أرادت التغيير و التبديل . . .
و وجدت بغيتها التي تريد في بلدها ، فلم تتكلف عناء البحث عنه خارجها ، وجدته ينتظرها في كثير من البيوت ، و ما عليها إلا أن تنتقي ما تشاء ,
و العرض يفوق طلبها ، بل يتعدى ما تخيلته بمراحل ، فسرت و اختارت ، و فرحت باختيارها .
و لما أرادت الخروج معه ، قالوا لها : لا يحميك و لا يدفع عنك ، إنه ضعيف البنية ، رقيق البشرة ، ناعماً ، ليناً ، لا يستطيع الصمود ،
و لا الدفاع عنك إن احتجت ، بل ربما أتعبك بجماله و أصبحت أنت من تدافعين عنه و تحمينه ، لا العكس كما يجب أن يكون .
قالت : لا أريده أن يدافع عني ، أريده جميلاً ، و يكفيني حسنه ، لا أريد منه شيئاً آخر .
سكتوا مجدداً ، كأن الأمر لا يعنيهم ، كأنها ليست ابنتهم ، كأنهم قد قاموا بواجبهم حين قالوا ما قالوا ، ثم آثروا السلامة بعدها ، ما لهم و للجدال ؟
و بعد مدة قصيرة ضاقت بشكله ،
فقالت : كان شرط قبولي بك رضاك أن تغير شكلك كلما أردت . . . أخذته لمن يجري له عملية تجميل يغير بها شكله الذي ما عاد يعجبها , و ما كان الجراح ناصحاً . . . احتاج في رأي الجراح زراعة ، قالت المتمردة :
ازرعوا ، فما اهتم الجراح بتطابق أنسجة وزرع له رقعة لا تناسبه و لا تنسجم مع جسده ، بل مع روحه ، فكادت تزهق , نقلوا له دماً من فصيلة
لا تناسب فصيلته ، فاحتضر ، لكنها لم تبالي فقد بدا لها وسيماً جميلاً كما خططت ، بل فوق ما تمنت ، خرج معها كسيراً كسيحاً لا يقوى
على شيء ، لكنها لم تبالي بكل هذا . . . تكفيها وسامته الظاهرة , و منظره الذي سيشد الانتباه ، يكفيها أن ترى الانبهار في عيون الناس ،
به أو بها لا يهم سيقولون – كما تعتقد – إن كان هو بهذا الجمال الملفت ، فكيف بمن معه ؟ لا لن يتخيلوا فهي ستكون بجواره ،
بل لصيقة به سيرونها كما يرونه ، فما عرفت عنه غيرة تمنع ، و لا حمية تدفع عنها نظر المتطفلين ، بل ربما تركوا النظر له ، و حولوه لها ،
و هنا ستعرف أنها انتصرت أم الشيطان هو الذي انتصر ؟ لا يهم .
و مرة أخرى لدى جراح آخر - عفواً أقصد شيطاناً آخر - . . . قالت : عينه ضيقة ، وسعها له ، قال : نعم ، قالت جسده مترهلاً ،
شده له ليبدو أصغر ، خاصة عند الصدر ، و الخصر ، و العجز ليبدو فاتنا ً ، قال : نعم ، قالت : أريد بعض الوشم الملون في يده و ذراعه و رقبته ،
في صدره و ظهره و فخذه ، في رجله و ذيله ،
في كل مكان ممكن من جسده , قال : نعم ، و لكن ليس له ذيل ، قالت : أوه صحيح ربما في مرة قادمة أفكر أن أزرع له ذيلاً ، قال الشيطان : على الرحب و السعة .
و حان موعد العودة للبيت ،
وفي البيت لم يكن ممكناً بقاء الإثنين معاً ( الأول و الثاني ) ، فكان أن أخرجت الأول ، غير آسفة ولا حزينة .
لم تبق له في بيتها ذكرى ، كما لم يكن له في قلبها موضعاً . . .
لأنها لا تحبه .
و خرج عزيزاً فما عرف الذل يوماً ، شامخاً ما انحنى رأسه لحظة ، قوياً ما انكسر فيه شيء ، حزيناً عليها لا على نفسه يتمنى اليوم الذي تثوب
فيه إلى رشدها فتعيده إلى بيتها ،
و تفرغ له مكاناً رحباً في قلبها ، لأجلها لا لأجله . و هي التي ظنت أنها ذلته و كسرته ، و ما عرفت أنها هي التي بخروجه ذلت ،
هي التي بخروجه انحنت حتى كسرت .
أما هو فكان يعرف أن له في بيوت الصالحين و الصالحات مكاناً رحباً ، فكم رأى إخوته في تلك البيوت المضيئة يعززون ، و فوق الرؤوس يحملون ،
يرحب بهم في كل مكان , و تذكر حسناتهم و تنشر محامدهم في كل وقت و أوان ، كان يعرف أنه لا بد - بإذن الله - أن يجد في أحد هذه
البيوت العامرة بنتاً صالحة ، أبواها صالحان ، سيرحبان به ، و سيقبلان به لابنتهم حامدين الله عليه شاكرين نعمته به عليهم .
أما هي فقد استبدلت الأمين الناصح بالخائن الفاضح ، أخرجت الأمين الذي لا يخشى منه في الخلأ ، و يفخر به في الملأ ، و استبدلته بمن لا
يرعى فيها إلا و لا ذمة ، أخرجت من يسترها ، و أدخلت من يفضحها ، و يطمع الأنذال فيها . . .
تعلمن حبيباتي من أخرجت ؟ أخرجت حجابها الشرعي الساتر الفضفاض الذي لا يظهر منها شيئاً . . . الأمين على جسدها و جمالها ,
من يدفع عنها أنظار المتلهفين ، و كلمات الماجنين ، كما يدفع الأب عن ابنته من أراد بها سوءاً بنظرة أو حتى كلمة . . .
أخرجته لأنها لم تحبه
و هل تحب قطعة قماش ؟ نعم . . .
حين يستقر في قلبها أنه أمر ربها ستحبه . . . لن تراه جماداً . . . ستراه صلة تصلها بربها . . . ستراه عبادة تتقرب بها لربها . . ستحبه لأنها ترجو أن يكون من أسباب دخولها جنة فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر . . .
ستحبه لأنها ستتذكر به أمهات المؤمنين زوجات المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و رضي الله عنهن ، و أكرم به من مثل تحتذي بهن . . .
ستحبه لأنها تعرف أن هناك صالحون و صالحات الله أعلم بهم يدعون لمن سترت به نفسها في مواطن ترجى فيها الإجابة بظهر الغيب ، و في جوف الليل . . .
ستحبه لأنها تعلم أنه حلية الأمهات الصالحات ، و زينة الفتيات الطاهرات ، و كسوة الكريمات بنات الحمائل و الذوات .
و من أدخلت ؟ أدخلت الخائن الذي لا يحفظ الأمانة ، الذي يسمح لكل متلصص أن يدخل بعينه ليسترق النظر , كيف لا , وهو الذي ترك
بيتاً كثير خصاصه ، غير مغلق بابه ، ولا محكم رتاجه !! و تعددت عندها أسماؤه – حسب الجراحات التي تجريها له لتفقده بها هويته . . . قبح اسماً و رسماً – فهو مرة عباءة فرنسية ، و مرة مخصرة و ثالثة فراشة , و رابعة يمامة ، وربما لو طاوعت شيطانها فزرعت له ذيلاً مزركشاً ملوناً لسمته حماراً . .
اللهم اهد قلبها ، و حبب إليه الحجاب ، و ردها إليه رداً جميلاً ، و رده إليها شرعاً تتعبدك به لا تقليداً و عادة تغير فيه ما شاءت ,
و يسر لها من أوليائها من يعينها على طاعتك . . . آمين .
أما ذاك الحبيب الأمين فهو في بيوت الصالحين و الصالحات ، قد نزل منها منزلة الأب الحاني ، و الأخ العضيد ، رحبت به فتيات الدار الصالحات ، لأنهن يرينه كأبيهن و أخيهن النسيب ، ثلاثتهم – بإذن الله - عنها الأذى يدفعون ،
و النظرات المتطفلة يصدون ، وبالغيرة عليها و النخوة لمن أراد بها سوءاً يتصدون . . .
قالت بفعالها : مرحباً بك فوق رأسي حقاً لا مجازاً ، مرحباً بك فوق رأسي حساً و معنى ، أهلاً بك ترقى هامتي . . .
أحبك . . . لأنك . . . أمر ربي .
اللهم من سترت نفسها طاعة لك فاسترها في الدنيا و الآخرة .
اللهم قد صانت نفسها و أنت أعلم بها فصنها و احفظها من كل سوء .
اللهم أنت تعلم أنها لم تفسد علينا ابناً
و لا زوجاً و لا أباً و لا أخاً فيسر لها من يسترها ، و يحفظها ، و اصرف عنها شر كل ذي شر ، ثبتها يا ربنا و أعنها , و اجعل سترها و حجابها طريقاً يوصلها لجنتك آمين .
نور على نور :
قال ربنا عز و جل :
( يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين و كان الله غفوراً رحيماً ) الأحزاب / 59
و قال سبحانه و تعالى :
( و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب / 33
و قال ربنا عز و جل :
( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الأحزاب / 36
سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك .