صور من حياة الصحابة

[أحلى الكلام]

 

أنس بن مالك الأنصارى

" اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له" من دعاء الرسول له

كان انس بن مالك فى عمر الورد حين لقنته امه الغميصاء -او الروميصاء وقد قيل فيها هذان الاسمان والارجح انهما وصف لها -الشهادتين واترعت فؤاده الغض بحب نبى الاسلام محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاه وازكى السلام

فشغف أنس به حبا على السماع

ولا غرو فالاذن تعشق قبل العين احيانا

وكم تمنى الغلام الصغير ان يمضى الى نبيه فى مكه او يفد اليه الى يثرب

لم يمضى على ذلك وقتا طويلا حتى سرى فى يثرب المحظوظه ان النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق فى طريقهما اليها فغمرت الفرحه كل بيت وملأت كل قلب

وفى ذات صباح هتف الرجال فى يثرب ان محمدا وصاحبه غدوا قريبين من المدينه فجرى الرجال نحو الطريق الذى يحمل اليهم نبى الهدى والخير

ومضوا يتسابقون فى جماعات تتخللهم اسراب من الصغار تزعرد على وجوههم الفرحه وتغمر قلوبهم الصغيره

وكان فى طليعه هؤلاء الصبيه انس بن مالك الانصارى

أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه ومضيا بين الجموع من الرجال والفتيان

اما النساء والفتيات فقد علون سطوح المنازل وجعلن يتراءين الرسول صلوات الله عليه وسلامه ويقلن:

ايهم هو؟ ايهم هو؟

فكان يوما مشهودا

ظل يتذكره انس بن مالك طوال عمره

ماكاد الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه ان يستقر فى المدينه حتى جاءته الغميصاء بنت ملحان ام انس وكان معها غلامها الصغير وهو يسعى بين يديها

ثم حيت النبى صلى الله عليه وسلم وقالت:

يارسول الله لم يبق رجل او امرأه فى الانصار الا وقد اتحفك بتحفه وانى لا اجد ما اتحفك به غير ابنى هذا

فخذه فليخدمك ما شئت

ففرح النبى بالفتى الصغير ومسح على رأسه بيده الشريفه وضمه الى اهله

كان انس بن مالك او انيس كما كانوا ينادونه تدليلا فى العاشره من عمره يوم سعد بخدمه النبى صلى الله عليه وسلم

وظل يعيش فى كنفه ورعايته الى ان لحق النبى الكريم بالرفيق الاعلى

فكانت مده صحبته له عشر سنوات كاملات نهل منها من هديه ووعى من حديثه ما ملأ به صدره وعرف من احواله واخباره واسراره مالم يعرفه احد سواه

وقد لقى انس بن مالك من كريم معامله النبى صلى الله عليه وسلم عليه مالم يظفر به ولد من والد

وذاق من نبيل شمائله وجليل خصاله ما تغبطه عليه الدنيا

فلنترك لانس الحديث عن بعض الصور من هذه المعامله الكريمه فهو بها ادرى وعلى وصفها اقوى

قال انس بن مالك:

كان الرسول صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا وارحبهم صدرا واوفرهم حنانا

فقد ارسلنى يوما لحاجه فخرجت وقصدت صبيانا يلعبون فى السوق لألعب معهم ولم أذهب الى ما امرنى به فلما صرت اليهم شعرت بأنسان يقف خلفى ويأخذ ثوبى

فلتفت فأذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول:

يا انيس اذهبت حيث امرتك؟

فارتبكت وقلت نعم

انى ذاهب الان يارسول الله

والله لقد خدمته عشر سنين فما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته

وكان الرسول صلوات الله عليه وسلامه اذا نادى انس صغره تحببا وتدليلا فتاره يناديه يا انيس وتاره يناديه يا بنى

وكان يغدق عليه من نصائحه ومواعظه ما ملاء قلبه وملك لبه

ومن ذلك قوله له:

يابنى ان قدرت ان تصبح وتمسى وليس فى قلبك غش لأحد فافعل

يا بنى ان ذلك من سنتى ومن أحيا سنتى فقد احبنى

ومن احبنى كان معى فى الجنه

يا بنى اذا دخلت على اهلك فسلم يكن بركه عليك وعلى اهل بيتك

عاش انس بن مالك بعد وفاه الرسول صلوات الله عليه وسلامه زياده على ثمانون عاما ملأ خلالها الصدور علما من علم الرسول الكريم وملا فيها العقول فقها من فقه النبى صلى الله عليه وسلم

واحيا فيها القلوب بما بثه بين الصحابه والتابعين من هدى النبى صلى الله عليه وسلم وما اذاعه فى الناس من شريف أقوال الرسول الاعظم وجليل افعاله

وقد غدا انس على طول هذا العمر المديد مرجعا للمسلمين يفزعوا اليه كلما اشكل عليهم امر ويعولون عليه كلما استغلق على افهامهم حكم

ولقد ظل انس طوال حياته يعيش مع ذكرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما امتدت به الحياه

فكان شديد البهجه بيوم لقائه سخى الدمعه يوم فراقه كثير الترديد لكلامه

حريصا على متابعته فى افعاله واقواله يحب ما احب ويكره ما كره وكان اكثر ما يذكره من ايامه يومان

يوم لقائه معه اول مره ويوم مفارقته له اخر مره

فاذا ذكر اليوم الاول سعد به وانتشى واذا خطر له اليوم الثانى انتحب وبكى وابكى كل من حوله من الناس

وكثيرا ما كان يقول : لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل علينا ورأيته يوم قبض منا فلم ار يومين يشبهانهما

ففى يوم دخوله المدينه اضاء فيها كل شئ

وفى يوم الذى اوشك فيه ان يمضى الى جوار ربه اظلم فيها كل شئ

وكان اخر نظرة نظرتها اليه يوم الاثنين حين كشف الستاره عن حجرته فرايت وجهه كانه ورقه مصحف وكان الناس يومئذ وقوفا خلف ابى بكر ينظرون اليه وقد كادوا ان يضطربوا فاشار اليهم ابو بكر ان اثبتوا

ثم توفى الرسول عليه الصلاه والسلام فى اخر ذلك اليوم فما نظرنا منظرا كان اعجب اليها من وجهه صلى الله عليه وسلم حين واريناه ترابه

ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانس بن مالك اكثر من مره وكان من دعائه له

اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له

وقد استجاب الله سبحانه دعاء نبيه فكان انس اكثر الانصار مالا واوفرهم ذريه حتى انه راى من اولاده وحفدته ما يزيد عن المائه

وقد بارك الله له فى عمره حتى عاش قرنا كاملا

وفوقه ثلاث سنوات

وكان انس بن مالك شديد الرجاء لشفاعه النبى صلى الله عليه وسلم له يوم القيامه فكثير ما كان يقول

انى لأرجو ان القى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم القيامه فأقول له:

يارسول الله هذا خويدمك انيس

ولما مرض انس بن مالك مرض الموت قال لاهله

لقنونى :لا اله الا الله محمد رسول الله

ثم ظل يقولها حتى مات

وقد اوصى بعصيه صغيره كانت لرسول الله بان تدفن معه فوضعت بين جنبه وقميصه

هنيئا لانس بن مالك الانصارى على ما اسبغه الله عليه من خير

فقد عاش فى كنف الرسول الاعظم عشر سنوات كاملات

ويعتبر انس بن مالك وابو هريره وعبد الله بن عمر من اكثر رواه الحديث

جزاه الله هو وامه الغميصاء عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء

جزاكى الله خيرا
اختى
التى كتبت هذا البحث