كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
النكسة التاريخية(من نكبة أفغانستان إلى العراق)
النَّكْسَةُ التَّارِيْخِيَّةُ ( مِنْ نَكْبَةِ أفْغَانِسْتَانَ إلى العِرَاقِ ) تَألِيْفُ ذِيَابِ بنِ سَعَدٍ آلِ حَمْدَانَ الغَامِدِي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على عبدِه ورسولِه الأمين . أمَّا بعدُ : فَلَيْسَ خَافٍ أنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ تَعِيْشُ هَذِه الأيَّام فِي إدْبَارٍ مِنَ الزَّمَانِ، وإقْبَالٍ مِنَ الفِتَنِ والمِحَنِ؛ يَوْمَ تَقلَّبَتْ فِيْه أكْثَرُ الحَقَائِقِ والمَفَاهِيْمِ، وطُفِّفَتِ المَوَازِيْنُ، وحُرِّفَتِ المُسَلَّمَاتُ، وامْتَدَّتْ مِنْ أهْلِ الفُجُوْرِ الأعْنَاقِ، ونَجَمَ الزَّيْغُ والنِّفَاقُ؛ حَتَّى عَادَ المَعْرُوْفُ عِنْدَ الكَثِيْرِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مُنْكَرًا، والمُنْكَرُ مَعْرُوْفًا، كُلُّ هَذَا يَوْمَ وُسِّدَ الأمْرُ إلى غَيْرِ أهْلِه، وتَسَنَّمَ المَنَاصِبَ مَنْ لا حَقَّ لَهُ، واتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوْسًا جُهَّالاً؛ فأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وأضَلُّوا! نَعَم؛ ضَاعَتْ هَيْبََةُ وهَيْمَنَةُ الإسْلامِ فِي صُدُوْرِ أكْثَرِ المُسْلِمِيْنَ، واهْتَزَّتْ ثِقَةُ العُلَمَاءِ لدَيْهِم، فِي حِيْنَ تَسَرَّبَتْ عَدْوَى أكْثَرِ النِّحَلِ والأفْكَارِ الهَدَّامَةِ إلى المُنْتَمِيْنَ لقَبِيْلِ العِلْمِ؛ يَوْمَ عَلَتْ أصْوَاتُ المُتَعالِمِيْنَ الأقْزَامِ (العَصْرَانِيِّيْنَ!)، وظُنَّ بالعِلْمِ مَنْ لَيْسَ أهْلاً لَهُ، وخَاضَ مَيَادِيْنَ التَّألِيْفِ والتَّحْقِيْقِ الأصَاغِرُ، وتَصَدَّرَ للفَتْوَى مَنْ أخْلَدَ للمَنَاصِبِ الدِّنْيَوِيَّةِ، وافْتَتَنَ بالسُّلْطَانِ ... وهَكَذَا مَا زَالَتِ العَدْوَى تَسْرِي أو تَجْري فِيمَنْ بَقِي، إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وقَلِيْلٌ مَا هُم! فإنَّ الدِّيْنَ الإسْلامِي مَا فَتِئ ـ مُنْذُ نَشْأتِه الأوْلَى ـ يُوَاجِهُ أخْطَارًا جَسِيْمَةً، ومَصَائِبَ عَظِيْمَةً، وأقْلامًا مَسْمُوْمَةً تَرْقُمُ البَاطِلَ فِي هَيْأةِ الحَقِّ، تُكَابِدُ المَشَاقَ، وتُنَازِعُ الأهْوَالَ، وتَتسَنَّمُ ذُرَا الغِوَايَةِ لِتنْفُثَ سُمُوْمَ الحِقْدِ والزَّيْفِ فِي صَفَحَاتِ الإسْلامِ البَيْضَاءِ النَّاصِعَةِ! * * * كُلُّ هَذَا مِنْ سَوَالبِ حُبِّ الرِّئَاسَةِ، وتَغَشِّي بَلاطَ السَّلاطِيْنَ، واتِّبَاعِ الهَوَى، وإعْجَابِ كُلِّ وَاحِدٍ برأيه … فمَا كَانَ لَهَذِه الدَّعَوَاتِ الهَزِيْلَةِ أنْ تَظْهَرَ فِي سَاحَةِ المُسْلِمِيْنَ؛ إلاَّ أنَّ كَثِيْرًا مِنْ نَاصِحِي أهْلِ العِلْمِ تَثَاقَلُوْا رَفْعَ عَلَمِ النَّصِيْحَةِ بَيْنَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِيْنَ؛ لا سِيَّمَا بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ والدُّعَاةِ مِمَّنِ انْتَشَرَتْ دَعَوَاتُهُم وآثارُهُم عَلَى مَسَاحَةٍ كَبِيْرَةٍ مِنْ ثَقَافَاتِ، وتَصَوُّرَاتِ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ لوَاقِعِهِم المَرِيْرِ! وأيْمُ اللهِ؛ إنَّها السُّنُوْنُ الخَدَّاعَةُ يَوْمَ تَكلَّمتْ فيها الرُّوَيبِضَاتُ، ونَطَقَ فِيْها الكَذَبةُ، وائْتُمِنَ فِيْها الخَوَنةُ؛ حَتَّى عَادَ الحَلِيْمُ بَيْنَهُم حَيْرَانًا فِي وَسَطِ رُكَامِ الزَّيْفِ، وغَشَاوَةٍ مِنَ المُغَالَطَاتِ، وسُحُبٍ مِنَ الفِتَنِ المُظْلِمَةِ الَّتِي تَمُورُ بالمُسْلِمِيْنَ مَوْراً ...! يَقُوْلُ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ؛ وَاصِفًا حَالَ أهْلِ زَمَانِه : " اقْشَعَرَّتِ الأرْضُ، وأظْلَمَتِ السَّماءُ، وظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ مِنْ ظُلْمِ الفَجَرةِ، وذَهَبَتِ البَركاتُ، وقَلَّتِ الخيراتُ، وهَزَلَتِ الوُجُوهُ، وتكَدَّرتِ الحياةُ مِنْ فِسْقِ الظَّلَمةِ"[1]، اللَّهُمَّ رُحُمَاكَ، اللَّهُمَّ عَفْوَكَ ورِضَاكَ! فَقِفَا نَبْكِي عَلَى رُسُومِ الإسْلامِ، وحَيَاةِ المُسْلِمِيْنَ هَذِه الأيَّامِ؛ يُوَضِّحُهُ أنَّ طَائِفَةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ والدَّعْوَةِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا، وصَرِيْفِ القَنَاطِيْرِ المُقَنْطَرَةِ مُنْشَغِلُون، وآخَرِيْنَ : بأعْتَابِ السَّلاطِيْنَ مَفْتُوْنُوْنَ، وآخَرِيْنَ : بالسُّكُوْتِ عَنِ الحَقِّ غَافِلُوْنَ، وكُلُّهُم يَدَّعِي وَصْلَ حَبْلِ (الحِكْمَةِ)، ومَا هُم للحِكْمَةِ بصَادِقِيْنَ؛ اللَّهُمَّ : أنَّهَا وَصْلُ حَبْلِ الحَكَمَةِ (مَا أحَاطَ بحَنَكَيْ الفَرَسِ مِنْ لِجَامَهِ) لا الحِكْمَةِ، وعِنْدَ التَّمْحِيْصِ والتَّحْقِيْقِ : نَجِدُ الكُلَّ يَحْطُبُ فِي حَبْلِهِ، إلاَّ مَا رَحِمَ ربِّي[2] ! نَعَمْ؛ ذَهَبَتِ الأنْدَلُسُ مِنَّا أرْضًا .. لكِنَّهَا سَتَبْقَى دَيْنًا وفَرْضًا! وذَهَبَتِ مِنَّا الخِلافَةُ حِسًّا .. لكِنَّها سَتَبْقَى عَقِيْدَةً وإحْسَاسًا! وسَالَتْ مِنَّا دِمَاءٌ بَشَرِيَّةٌ .. لكِنَّهَا فَاضَتْ أرْوَاحًا اسْتِشْهَادِيَّةً! وذَهَبَ كَثِيْرٌ مِنْ أمْرِ دُنْيَانَا .. ولَكِنْ مَا زَالَ أمْرُ الدِّيْنِ فِيْنا! ومَهْمَا يَكُنْ مِنْ أمْرٍ فَلَيْسَ لَهُم سِوَى الأرْضُ والثَّرَى .. وسَتَبْقَى لَنَا دَوْمًا السَّمَاءُ والثُّرَيَّا! * * * فَعِنْدَ هَذَا؛ رَأيْتُ مِنَ الوَاجِبِ أنْ أبُثَّ بَعْضًا مِنْ قَوَاصِمِ هَذِه الأيَّامِ الَّتِي شَقَّتْ فِي قُلُوْبِ المُسْلِمِيْنَ أخَادِيْدَ مَالَهَا مِنْ قَرَارٍ؛ لِيَتَسَلَّى بِهَا المُسْلِمُوْنَ فِي تَعْزِيَةِ بَعْضِهِم بَعْضًا، ابْتِدَاءً مِنَ الهَجْمَةِ الصَّلِيْبِيَّةِ ( الإمْرِيْكِيَّةِ وحُلَفَائِها ) في (1423) عَلَى بِلادِ المُسْلِمِيْنَ فِي أفْغَانِسْتَانَ، إلى احْتِلالِ دَارِ السَّلامِ ( بَغْدَادَ ) فِي أيْدِي الصَّلِيْبِيِّنَ مِنَ الإمْرِيْكِيِّيْنَ والبِرِيْطَانِيِّيْنَ فِي (7/2/1424)، كُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ عُنْوَانِ : "النَّكْسَةِ التَّارِيْخِيَّةِ"[3]، كَمَا أنَّنِي لَنْ أتَكَلَّفَ بَيَانَ هَذِه القَوَاصِمِ كَمَا يَرْتَضِيْه الطَّرْحُ العِلْمِيُّ؛ لا لِشَيْءٍ؛ اللَّهُمَّ أنَّهَا سَتَبْقَى ذِكْرَى للذَّاكِرِيْنَ، ونَكْسَةً تَارِيْخِيَّةً يَتَزَوَّدُ بِهَا أهْلُ التَّارِيْخِ مِنْ كَوَائِنَ مُخْجِلَةٍ، فِي حِيْنَ أنَّهَا لا تَحْتَاجُ إلى كَبِيْرِ رَدٍّ، أو حَتَّى تَوْضِيْحِ كَشْفٍ؛ بَلْ تَصَوُّرُها يَكْفِي فِي فَسَادِها، وظُهُوْرُ عَوَارِها يَكْفِي فِي كَشْفِها . ومَعَ هَذَا أيْضًا فإنَّني لَنْ أُحَجِّرَ وَاسِعًا فِي تَعْمِيْدِ رَغْبَةِ كُلِّ مَنْ أرَادَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ بَيَانَ هَذِه القَوَاصِمِ، وكَشْفِ سَوْاءاتِها فِيْمَا بَعْدُ، تَحْتَ عُنْوَانِ : "العَوَاصِمِ مِنَ القَوَاصِمِ"، واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ . وأخَيْرًا؛ فإلى بَيَانِ نَكَسَاتِنَا التَّارِيْخِيَّةِ بيانًا مُخْتَصَرًا عَلَى وَجْهِ التَّعْدُّدِ والتَّعْرِيْضِ؛ لأنَّ فِي ذِكْرَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءها بطَرِيْقِ الأوْلَى، أو التَّنْبِيْه . * * * النَّكْسَةُ الأوْلَى ضَيَاعُ مَفْهُوْمِ الوَلاءِ، والبَرَاءِ فلا عَجَبَ؛ فإنَّ عَقِيْدَةَ ( الوَلاءِ، والبَرَاء ) أصْلٌ مِنْ أُصُوْلِ هَذَا الدِّيْنِ، ولا يَصِحُّ الدِّيْنُ، ولا يَسْتَقِيْمُ الإيْمَانُ، لِمَنْ لَمْ يُحَقِّقْ اُصُولَ هَذِه العَقِيْدَةِ بِوَلائِها، وبَرَائِها[5] . قَالَ تَعَالَى : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير"[آل عمران28] . قَالَ ابنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذِه الآيَةِ : " مَنِ اتَّخَذَ الكُفَّارَ أعْوَانًا، وأنْصَارًا، وظُهُورًا يِوَالِيْهِم عَلَى دِيْنِهم، ويُظَاهِرُهُم عَلَى المُسْلِمِيْنَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيءٍ، أي : قَدْ بَرِيءَ مِنَ اللهِ، وبَرِيءَ اللهُ مِنْه بارْتِدَادِه، ودُخُوْلِه فِي الكُفْرِ، " إلاَّ أن تتقوا منهم تقاة " أي : إلاَّ أنْ تَكُوْنُوا فِي سُلْطَانِهم فَتَخَافُوْهُم عَلَى أنْفُسِكِم، فَتُظْهِرُوا لَهُم الوَلايَةَ بألْسِنَتِكم، وتُضْمِرُوا العَدَاوَةَ، ولا تُشَايِعُوْهُم عَلَى مَا هُمْ عَلَيه مِنَ الكُفْرِ، ولا تُعِيْنُوْهُم عَلَى مُسْلِمٍ بِفِعْلٍ"[6]. وما ذَكَرَهُ ابنُ جَرِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ : مِنْ كُفْرِ مَنْ يَقَعُ فِي هَذِه المُوَالاةِ، وخُرُوجِه مِنْ دَائِرَةِ الإسْلامِ، هُوَ مِنَ المَسَائِلِ المُجْمَعِ عَلَيْها بَيْنَ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ ( سَلَفًا وخَلَفًا )، مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ ومَنْ تَبِعَهُم مِنَ الأئِمَّةِ الأعْلامِ، ولا نَعْلَمُ لَهُم مُخَالِفًا، فالقَضِيَّةُ إذَنْ قَبْلَ أنْ تَكُوْنَ ( وَلاءً، وبَرَاءً )، فَهِي : ( إسْلامٌ، وكُفْرٌ )، فالأمْرُ جِدُّ خَطِيْرٌ! فالَّذِي أبَاحَهُ لَنَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ : هُوَ عَدَمُ إظْهَارِ العَدَاوَةِ للكُفَّارِ حَالَ ضَعْفِنَا لأنَّهُ شَيءٌ، والمُوَالاةُ شَيءٌ آخَرُ، لِذَا جَازَ لَنَا أنْ نَتَّقِيْهِم بقُلُوْبِنَا، وذَلِكَ بعَدَمِ إظْهَارِ العَدَاوَةِ لَهُم لضَعْفِنَا، وشِدَّةِ بأسِهِم … والحَالَةُ هَذِه إذا كَانَ حَرَامٌ عَلَيْنا مُوَلاتُهُم ولَوْ بالقَلْبِ؛ … فَكَيْفَ بالتَّعَاوُنِ مَعَهُم، لا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى !، ولَكِنْ عَلَى حَرْبِ الإسْلامِ، والمُسْلِمِيْنَ ؟!، هَذَا واللهِ هُوَ : الكُفْرُ البَوَاحُ الَّذِي لَنَا فِيْه بُرْهَانٌ مُبِيْنٌ، وهُوَ مَا وَقَعَ فِيْه بَعْضُ المُسْلِمِيْنَ هَذِه الأيَّامِ عِنْدَ مُنَاصَرَتِهِم لإمْرِيْكا وحُلَفَائِها ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ فِي أفْغَانِسْتَانَ والعِرَاقِ ! يَقُوْلُ ابنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ : " صَحَّ أنَّ قَوْلَه تَعَالَى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم"[المائدة51]، إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِه؛ بأنَّه كَافِرٌ مِنْ جُمْلَةِ الكُفَّارِ فَقَطُ، وهَذَا حَقٌّ لا يَخْتَلِفُ فِيْه اثْنَانِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ"[7]. وهَذَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ يُقَرِّرُ نَوَاقِضَ الإسْلامِ بِقَوْلِه : " النَّاقِضُ الثَّامِنُ : مُظَاهَرَةُ المُشْرِكِيْنَ، ومُعَاوَنَتُهم عَلَى المُسْلِمِيْنَ …"[8]. وقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيْزِ رَحِمَهُ اللهُ فِي ( فَتَاوِيْه )[9]: " وقَدْ أجْمَعَ عُلَمَاءُ الإسْلامِ عَلَى أنَّ مَنْ ظَاهَرَ الكُفَّارِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وسَاعَدَهُم عَلَيْهم بأيِّ نَوْعٍ مِنَ المُسَاعَدَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُم، كَمَا قَالَ سُبْحَانَه : "ياأيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم"[المائدة51]، انْتَهَى . * * * أمَّا صُوَرُ المُوَلاةِ للْكُفَّارِ فَكَثِيْرَةٌ جِدًّا؛ لا تَنْتَهِي إلى حَدٍّ مُسَمَّى، فمِنْها مَا هُوَ كُفْرٌ، ومِنْها مَا هُوَ دُوْنَ ذَلِكَ، فَمِنْ الكُفْرِ[10] ما يَلِي: الرِّضَى بِكُفْرِهِم، أو التَّوَلِي العَامُ لَهُم، أو الإيْمَانُ بِبَعْضِ مَا هُمْ عَلَيه مِنَ الكُفْرِ، أو التَّحَاكُمُ إلى قَوَانِيْنِهِم وأنْظِمَتِهم، أو مَوَدَّتُهم ومَحَبَّتُهم، أو الرُّكُوْنُ إلَيْهم، أو مُدَاهَنَتُهم ومُدَارَاتُهم عَلَى حِسَابِ الدِّيْنِ، أو الاعتذارُ لبَعْضِ كُفْرِهِم، أو طَاعَتُهُم فِيْما يَأْمُرُوْنَ ويُشِيْرُوْنَ، أو التَّشَبُّه بِهِم بعامَّةٍ، أو تَكْثِيْرُ سَوَادِهم، أو الدُّخُوْلُ فِي أحْلافِهِم وتَنْظِيْمَاتِهم ضَدَّ المُسْلِمِيْنَ … وهَذِه الأخِيْرَةُ هِيَ وَاسِطَةُ العِقْدِ فِي حَلْقَةِ الكُفْرِ والرِّدَّةِ، عِيَاذًا باللهِ، فَمِنْ ذَلِكَ : 1ـ مَنْ أعَانَ الكَافِرِيْنَ عَلَى المُسْلِمِيْنَ بكَلِمَةٍ، أو رَأيٍ، أو مُسَاعَدَةٍ، أو سَمَحَ لَهُم بالعُبُوْرِ مِنْ برِّهِ، أو جَوِّهِ، أو بَحْرِهِ … إلخ . 2ـ ومِنْ أخْطَرِها وأشَدِّها هَذِه الأيَّامَ مَا كَانَ مِنِ اسْتِعْدَاءِ الكافِرِيْنَ عَلَى إخْوَانِنا المُسْلِمِيْنَ، وهَذا الاسْتِعْدَاءُ لَه صُوَرٌ كَثِيْرَةٌ مِنْها : تَجْرِيْمُ المُجَاهِدِيْنَ، والمُطَالَبَةُ باسْتِأصَالِ جُذُوْرِ ( الإرْهَابِ ! ) مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، ووُجُوْبُ مُحَارَبَةِ كُلَّ مَنْ يَسْعَى فِي تَرْوِيْعِ الأبْرِياءِ الآمِنِيْنَ فِي بِلادِ الكُفَّارِ، وزَعْزَعَةِ أمْنِهِم؛ لا سِيَّما إمْرِيْكا … فإنَّ كلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَصُبُّ جَامَ غَضَبِ التَّتَارِ الجُدُدِ ( الإمْرِيْكان وحُلَفَائِهم ) عَلَى إخْوَانِنا المُسْلِمِيْنَ، كَمَا تُعْتَبَرُ هَذِه الاسْتِعْدَاءاتُ إشَارَاتٍ تَحْرِيْضِيَّةً ( بطَرِيْقٍ، أو آخَرَ ) للكُفَّارِ بالانْتِقَامِ مِنْ إخْوَانِنا المُجَاهِدِيْنَ فِي أفْغَانِسْتَانَ وغَيْرِها، وهُوَ مَا حَصَلَ وكَانَ، فَلا حَوْلَ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ العَلِيِّ العَظِيْمِ، وقَدْ قِيْلَ : فَمٌّ يُسَبِّحُ ويَدٌّ تُذَبِّحُ !، فَهَلْ لهَذِه القَوَاصِمِ مِنْ عَوَاصِمَ؟! فإذا عُلِمَ مَا هُنا؛ مِنْ خُطُوْرَةِ ضَيَاعِ ( الوَلاءِ والبَرَاءِ ) هَذِه الأيَّامِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، بدَافِعِ الجَهْلِ، أو ضَعْفِ الإيْمَانِ؛ إلاَّ أنَّ هَذَا الخَطَرَ الكَبِيْرَ، والحِنْثَ العَظِيْمَ لَمْ يَنْتَهِ عِنْدَ حَدِّ العَامَّةِ؛ بَلْ تَعَدَّاهُ (للأسَفِ!) إلى بَعْضِ عُلَمَاءِ زَمَانِنا، فَهَذَا واللهِ : هُوَ المَوْتُ الأسْوَدُ، والهِيَاطُ والمِيَاطُ !، إنَّها واللهِ إحْدَى الكُبَرِ، وفَوْقَ ذَلِكَ (مُصِيْبَةً) وأدْهَى إذَا عَلِمَ الجَمِيْعُ أنَّ هَؤلاءِ مِمَّنْ تَسِيْرُ فَتَاوَاهُم عَبْرَ القَنَوَاتِ الآثِمَةِ، والإذَاعَاتِ السَّائِمَةِ؛ ممَّا غَدَتْ مَنْبَعَ الضَّلالَةِ، ومَنْجَمَ الجَهَالَةِ، فَمِنْها نَشَأتْ سَحَائِبُ الغِوَايَةِ، وإليها تُقَادُ خَبَائِثُ العَمَايَةِ، فإلى اللهِ المُشْتَكَى، وعَلَيْه التُّكْلانِ! * * * * * * النَّجْدِيَّةِ فِي "الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ"! ألَمْ يَعْلَمْ هَؤُلاءِ المُرْتَكِسُوْنَ فِي مَغَالِيْطِ ( الوَلاءِ والبَرَاءِ ) : أنَّ الوَلاءَ الَّذِي نَهَى اللهُ المُؤْمِنِيْنَ عَنْه، هُوَ : وَلاءُ التَّنَاصُرِ، والتَّحَالُفِ، فَلا مَعْنىً لَه فِي اتِّباعِ الكفار فِي دِيْنِهم، فَيَبْعُدُ جِدًا أنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ مَنْ يَمِيْلُ إلى اتِّبَاعِ الكُفَّارِ فِي الدِّيْنِ، وإنَّمَا الَّذِي يَخْشَى مِنْه هُوَ : وَلاءُ التَّحَالُفِ، والتَّنَاصُرِ، الَّذِي كَانَ يَلْتَبِسُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ أمْرُهُ فِي أوَّلِ الدَّعْوَةِ الإسْلامِيَّةِ؛ وهُوَ مَا وَقَعَ فِيْه كَثِيْرٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ الآنَ، واللهُ المُسْتَعَانُ. فأمْثَالُ هَؤُلاءِ إنْ كَانُوا يُحْسِنُوْنَ يَوْمًا : تَقْرِيْرَ تَوْحِيْدِ الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ، فَمَالُهُم اليَوْمَ فِي تَقْرِيْرِ قَضِيَّةِ ( الوَلاءِ والبَرَاءِ ) غَدَوْا حَيْصَ بَيْصَ ؟! فالَّذِي يَعْرِفُ أنْ يَقُوْلَ : إنَّ للهِ أسْمَاءً وصِفَاتٍ تَلِيْقُ بِه مِنْ غَيْرِ تَحْرِيْفٍ ولا تَعْطِيْلٍ، ومِنْ غَيْرِ تَكْيِيْفٍ ولا تَمْثِيْلٍ، يَسْتَطِيْعُ أنْ يَقُوْلَ بَدَاهَةً : إنَّ للهِ وَلاءً يَلِيْقُ بِه مِنْ غَيْرِ تَحْرِيْفٍ ولا تَعْطِيْلٍ؛ بَلْ مَنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنَ التَّفْكِيْرِ والتَّأمُّلِ عَلِمَ يَقِيْنًا : أنَّ الوَلاءَ والبَرَاءَ أسْهَلُ قَوْلاً وأوْضَحُ عَمَلاً مِنْ بَابِ الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ!، ومَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُما فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ، لِذَا كَانَ الإقْرَارُ بأحَدِهِما إقْرَارًا بالآخَرِ، والعَكْسُ بالعَكْسِ، وإلاَّ أصْبَحَتْ عَقِيْدَةً سِيَاسِيَّةً، لا عَقِيْدَةً إسْلامِيَّةً! * * * فَهَذَا العِلْجُ الكَافِرُ لا يَرْضَى اليَوْمَ فِي ( الوَلاءِ والبَرَاءِ ) مُجَامَلَةً، أو مُوَارَبَةً، أو تَأوِيْلاتٍ بَارِدَةً، أو ابْتِسَامَاتٍ صَفَرَاءَ؛ فالمَوْقِفُ عِنْدَه حَرِجٌ، والحَرَبُ وَشِيْكَةٌ مَصِيْرِيَّةٌ، فَهَلْ مِنْ عَاصِمٍ لهَذِه القَوَاصِمِ؟! * * * النَّكْسَةُ الثَّانِيَةُ مُنَاصَرَةُ اصْطِلاحَاتِ أهْلِ الكُفْرِ ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ فَحَسْبُكَ أنَّ أهْلَ الكُفْرِ مِنْ زَمَنٍ بَعِيْدٍ، وهُم يُخَطِّطُوْنَ ونَحْنُ نُنَفِّذُ، وهُم يَتَقَاذَفُوْنَ مُصْطَلَحَاتٍٍ ونَحْنُ نُعَرِّفُ ونُحَلِّلُ بَعْدُ؛ حتَّى سَاعَتِي هَذِه . فانْظُرْ مَثَلاً : مُخَطَّطَاتُ خُبَثَاءِ صِهْيَوْنَ، قَدْ كُتِبَتْ مُنْذُ سِنِيْنَ طَوِيْلَةٍ، ونَحْنُ مَا زِلْنَا نُنَفِّذُها حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ . أمَّا مُصْطَلَحَاتُهُم فَكَثِيْرَةٌ جِدًّا : كالعِلْمَانِيَّةِ، والمَاسُوْنِيَّةِ، والحَدَاثَةِ، والدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ، والعِلْمَانِيَّةِ… إلخ، أمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ لَنَا مَعَ هَذِه المُصْطَلَحَاتِ إلاَّ التَّعْرِيْفَاتِ، والتَّحْلِيْلاتِ حَسْبُ؛ بَلْ أمْثَلُنا طَرِيْقَةً، وأفْضَلُنا تَفْكِيْرًا مَنْ أغْرَقَ الكَلامَ، وأوْسَعَ الخِطَابَ فِي تَعْرِيْفِ وتَحْلِيْلِ هَذِه المُصْطَلَحَاتِ خَطًّا كَانَ، أو لَفْظًا[11]! يُوَضِّحُه؛ أنَّ مُصْطَلَحَ "العِلْمَانِيَّةِ" قَدْ أخَذَ مَسَاحَةً كَبِيْرَةً مِنَ المُحَلِّلِيْنَ، والمُفَكِّرِيْنَ منَّا!، فَمِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ : إنَّهَا فَصْلُ الدِّيْنِ عَنِ الحَيَاةِ، وقَائِلٌ : إنَّها حَصْرُ الدِّيْنِ فِي المَسْجِدِ، وقَائِلٌ : إنَّها فَصْلُ الدِّيْنِ عَنِ السِّيَاسَةِ … وآخَرُ يَقُوْلُ : إنَّ كَلِمَةَ "العِلْمَانِيَّةِ" بفَتْحِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وقَائِلٌ : بكَسْرِها، وقَائِلٌ : بجَوَازِ الوَجْهَيْنِ! أمَّا مُصْطَلَحُ "العَوْلَمَةِ" فَحَدِّثْ ولا حَرَجَ، قَدْ طَالَ ذَيِلُها، وقَلَّ نَيْلُها؛ حَتَّى مَلَّها النَّاسُ أجْمَعُوْنَ، وهَكَذَا فِيْمَا سِوَاهَا. * * * ونَحْنُ؛ وإنْ كُنَّا نَشْكُرُ هَذِه اللَّفْتَةَ الإنْسَانِيَّةَ مِنْ أهْلِ الكُفْرِ عَلَى مُرَاعَاةِ تَرْوِيْضِ قَرَائِحِنا الفِكْرِيَّةِ، إلاَّ أنَّنا لا نَرْضَى لَهُم أنْ يُخَطِّؤنا فِيْمَا انْتَهَيْنَا إلَيْه مِنْ تَعَارِيْفَ وتَحْلِيْلاتٍ؛ لأنَّنا لَمْ نَكُ فِي الحَقِيْقَةِ سِوَى مُتَرْجِمِيْنَ لِمَا كَتَبُوه فِي مَثَانِي كُتُبِهِم، فإنْ لَمْ يَكُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلا أقَلَّ مِنْ كَوْنِنا كَتَبْنا مَا تَرْجَمَتْه أعْمَالُهُم : فِي بِلادِنا، وأفْكَارِنا، وجَمِيْعِ شُؤونِنا!، فَنَحْنُ؛ إذَنْ إمَّا صَادِقُوْن أو مُصَدَّقُوْنَ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ . * * * فالقَوْمُ قَدْ أمْلَوْهُ عَلَى مَسَامِعِ الدُّنْيا، وأذَاعُوْه فِي قَنَوَاتِ العَالَمِ، وقَالُوا مِلْء أفواهِهِم : إنَّه مُحَارَبَةُ المُسْلِمِيْنَ، ونَخُصُّ مِنْهُم المُجَاهِدِيْنَ ! فَلَمْ يَكُنْ مِنَ البَشَرِيَّةِ جَمِيْعًا بَعْدَ اليَوْمِ إلاَّ أنْ تَعْتَرِفَ بِهَذا المُصْطَلَحِ (مَبْنىً ومَعْنىً، لَفْظًا ومَضْمُوْنًا)، دُوْنَ عَرْضِ رَأيٍ، أو تَوْضِيْحِ مُشْكِلٍ، أو بَيَانِ غَرِيْبٍ! ومَعَ احْتِرَامِ العَالَمِ كُلِّهِ ( كَافِرِهِم ومُسْلِمِهِم ) لِهَذا الوُضُوْحِ والبَيَانِ، الَّذِي قُطِعَ فِيْه قَوْلُ كُلِّ خَطِيْبٍ، وأُسْكِتَ فِيْه كُلُّ تَفْكِيْرٍ وتَحْلِيْلٍ؛ إذْ بِنَا نَجِدُ بَعْضَ عُلَمَاءِ زَمَانِنا ( للأسَفِ ) يُرَدِّدُوْنَ هَذَا المُصْطَلَحَ كالأبْوَاقِ المُزْعِجَةِ، رَامِيْنَ مَا أمْلَتْهُ وأوْضَحَتْهُ الصَّحَافَةُ العَالَمِيَّةُ مِنْ تَعْرِيْفٍ وتَوْضِيْحٍ لـ(لإرْهَابِ) وَرَاءَ ظُهُوْرِهِم عُرْضَ الحَائِطِ، مُنَدِّدِيْنَ بقُوَّةٍ وحَمِيَّةٍ ( إسْلامِيَّةٍ ! ) بمُحَارَبَةِ (الإرْهَابِ)، وتَعْزِيْزِ مَوَاقِفَ وقَرَارَاتِ أهْلِ الكُفْرِ فِي مُحَارَبَةِ (الإرْهَابِ)، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خِلالِ فَتْوَى مُغْتَصَبَةٍ، أو خِطَابٍ عَبْرَ المِذْيَاعِ، أو خُطْبَةٍ (عَصْمَاءَ) مِنْ فَوْقِ مَنَابِرِ المُسْلِمِيْنَ!، فيَا لِعُقُوْلِ المُسْلِمِيْنَ أيْنَ ذَهَبَتْ؟! واللهِ ثُمَّ واللهِ!؛ لَو عُرِضَتْ كَلِمَةُ مُحَارَبَةِ : (الإرْهَابِ) الَّتِي يُرَدِّدُها الغَرْبُ الكَافِرُ عَلَى عَجَائِزِ نَيْسَابُوْرَ، أو عَلَى زُنُوْجِ أدْغَالِ إفْرِيْقِيا لَقَالُوا دُوْنَ شَكٍّ أو ارْتِيابٍ : إنَّهُم يُرِيْدُوْنَ مُحَارَبَةَ المُجَاهِدِيْنَ مِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ ! أمَّا بَعْضُ عُلَمَاءِ زَمَانِنا، فيَاللْمُصِيْبَةِ، ويالِلَّطِيْمَةِ؛ فَلا أدْرِي هَلْ أُصِيْبُوا بالجُنُوْنِ، أو بإعَاقَةٍ فِكْرِيَّةٍ مَا لَهَا مِنْ رَاقٍ، أو أنَّ القَوْمَ فَرَاشُ نَارٍ، وذُبَابُ طَمَعٍ؛ قَدْ أسَرَتْهُم السِّيَاسَةُ السُّلْطَانِيَّةُ، تَحْتَ رِقِّ عُبُوْدِيَّةِ الجَاهِ والمَالِ ؟!، إنِّها أسْئِلَةٌ؛ سَيُجِيْبُ عَنْها التَّارِيْخُ، عَاجِلاً أو آجِلاً، واللهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ، ومَا تُخْفِي الصُّدُوْرِ! يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : " وأمَّا اسْتِحلالُ القَتْلِ باسِمِ الإرْهابِ الَّذِي تُسَمِّيْه وُلاةُ الجَوْرِ : سِياسَةً وهَيْبَةً ونَامُوسًا وحُرْمَةً للمُلْكِ؛ وهُو أظْهَرُ مِنْ أنْ يُذْكَرَ !"[12] * * * النَّكْسَةُ الثَّالِثَةُ اتِّفاقُ العَوَامِ، واخْتِلافُ العُلَمَاءِ فإذَا عُلِمَ هَذَا؛ فَلَنا أنْ نُفْصِحَ عَنْ نَكْسَةٍ تَارِيْخِيَّةٍ مَا لَهَا سَابِقَةٌ، قَدْ مَرَّتْ بِها الأمَّةُ الإسْلامِيَّةُ مَرَّ السَّحَابِ، حَامِلَةً فِي جَنَباتِهِا فَوْضَى فِكْرِيَّةً، وفَتَاوَى إرْتِجَالِيَّةً، وأقْوَالاً عَصِيَّةً، وهُوَ مَا حَدَثَ فِي هَذِه الأيَّامِ مِنْ مَوَاقِفَ مُتَبايِنَةٍ مُتَنَاقِضَةٍ، لا صِلَةَ بَيْنَها إلاَّ الاسْتِنْكَارُ والإنْكَارُ، وهُوَ مَا كَانَ بَيْنَ بَعْضِ عُلَمَاءِ المُسْلِمِيْنَ وبَيْنَ عَامَّتِهِم، وذَلِكَ فِي تَصَوُّرِ الوَاقِعِ، وبَيَانِ الحَقِّ، فإنْ كَانَ مِثْلَ هَذَا قَدْ يَقَعُ شَرْعًا وطَبْعًا؛ إلاَّ أنَّ المُصِيْبَةَ كُلَّ المُصِيْبَةِ إذَا عَلِمْنَا أمْرَيْنِ مُنْكَرَيْنِ : الأوَّلُ مِنْهُما : أنَّ الحَقَّ المُتَنَازَعُ عِنْدَه فِي هَذِه القَضَايا المَصِيْرِيَّةِ الَّتِي تَمُرُّ بالأمُّةِ هَذِه الأيَّامُ كَانَ حَلِيْفَ العَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، ولا يَهُوْلنَّكَ هَذَا؛ فإنَّه لَمْ يَكُنْ مِنْ بَسْطَةِ عِلْمٍ عِنْدِ العَامَّةِ؛ بَلْ كَانَ هَذَا مِنْهُم بدَافِعِ : أنَّ الخِلافَ هُنا كَانَ وَاقِعًا فِي أمُوْرٍ مَعْلُوْمَةٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُوْرَةِ، مِمَّا لا تَحْتَاجُ إلى كَبِيْرِ عِلْمٍ، وهَذا ثَانِيْهِما، ومِثَالُ ذَلِكَ مَا يَلِي : 1ـ لَقَدِ اجْتَمَعَتْ قُلُوْبُ العَامَّةِ عَلَى تَكْفِيْرِ كُلِّ مَنْ وَالَى ونَاصَرَ الكُفَّارَ ( إمْرِيْكا وحُلَفَاءها ) ضِدَّ إخْوَانِهم المُسْلِمِيْنَ فِي أفْغَانِسْتَانَ، والعِرَاقِ وغَيْرِهِما، فِي حِيْنَ اخْتَلَفَتْ كَلِمَةُ العُلَمَاءِ فِي هَذِه المَسْألَةِ مَا بَيْنَ مُخَالِفٍ وخَائِفٍ! 2ـ لَقَدْ شُفِيَتْ صُدُوْرُ العَامَّةِ عِنْدَ تَحْطِيْمِ بُرْجَيْ نِيُورْكْ فِي إمْرِيْكا، وتَمْرِيْغِ كِبْرِيائِها فِي التُّرَابِ، فِي حِيْنَ ضَاقَتْ صُدُوْرُ بَعْضِ العُلَمَاءِ؛ بَلْ وَصَلَ الحَالُ عِنْدَ بَعْضِهِم أنْ قَالَ : لا يَجُوْزُ الفَرَحُ والتَّشَفِي لِمَا حَصَلَ فِي بِلادِ أمْرِيكا الَّتِي كَانَتْ رَأسًا فِي كُلِّ حَرْبٍ ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ!، عِلْمًا إنَّ الفَرَحَ بتَحْطِيْمِ وتَمْرِيْغِ أنْفِ إمْرِيكا كَانَ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ البَشَرِيَّةِ ( مُسْلِمِهِم وكَافِرِهِم )! 3ـ لَقَدِ اجْتَمَعَتْ قُلُوْبُ وصُفُوْفُ العَامَّةِ عَلَى اللَّعْنِ والدُّعَاءِ عَلَى أهْلِ الكُفْرِ؛ لاسِيَّمَا إمْرِيكا وحُلَفَائِها، فِي حِيْنَ اخْتَلَفَتْ فَتَاوَى العُلَمَاءِ فِيْها! 4ـ لَقَدِ اجْتَمَعَتْ قُلُوْبُ وجُهُوْدُ العَامَّةِ عَلَى مُقَاطَعَةِ بَضَائِعَ أهْلِ الكُفْرِ؛ لاسِيَّمَا بَضَائِعَ إمْرِيْكا وحُلَفَائِها، فِي حِيْنَ اخْتَلَفَتْ فَتَاوَى ومَوَاقِفُ العُلَمَاءِ فِيْها!، فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنْظُوْمَةِ النَّكَسَاتِ التَّارِيْخِيَّةِ الَّتِي تَمُرُّ بِها الأمَّةُ الإسْلامِيَّةِ هَذِه الأيَّامِ الحَرِجَةِ . * * * * * * النَّكْسَةُ الرَّابِعَةُ البُكَاءُ عَلَى دِمَاءِ كُفَّارِ الغَرْبِ دُوْنَ دِمَاءِ المُسْلِمِيْنَ * * * * * * * * * النَّكْسَةُ الخَامِسَةُ غَفْلَةُ أكْثَرِ حُكَّامِ المُسْلِمِيْنَ عَمَّا يُرَادُ بِهِم وببِلادِهِم * * * أمَّا إذَا سَألْتَ عَنْ حُكَّامِ أكْثَرِ بَلادِ المُسْلِمِيْنَ؛ فَشَيْءٌ لا يُحْسَدُ عَلَيْه، فَهْم مَا بَيْنَ : مَسَارِحَ غِنَائِيَّةٍ، أو مُسَابَقَاتٍ رِيَاضِيَّةٍ، أو غَفْلَةٍ قَاتِلَةٍ … وكَأنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ! عِلْمًا أنَّ العَالَمَ بأسْرِهِ يَعْلَمُ أنَّ الهَجْمَةَ الصَّلِيْبِيَّةَ ( الأمْرِيْكِيَّةَ والبِرِيْطَانِيَّةَ ) لا تُرِيْدُ بالدَّرَجَةِ الأوْلَى سِوَى دُوَلِ الخَلِيْجِ، فِي حِيْنَ أنَّ أصْحَابَ الحَرْبِ الصَّلِيْبِيَّةِ قَدْ أفْصَحُوا للعَالَمِ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ خُطَطِهِم الاسْتِعْمَارِيَّةِ فِي تَقْسِيْمِ المَنْطَقَةِ، ابْتِدَاءً بالعِرَاقِ، ثُمَّ سُوْرِيا، ثُمَّ إيْرَانَ، ثُمَّ … !، وبَعْدَ هَذَا؛ فَهَلْ لهَذِه النَّكْسَةِ التَّارِيْخِيَّةِ مِنْ عَاصِمٍ ؟! * * * النَّكْسَةُ السَّادِسَةُ السُّكُوْتُ عَمَّا أجْمَعَتْ الأمَّةُ عَلى ذِكْرِه وعَلَيْه؛ فإنَّنا نَجِدُ كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ هَذِه الأيَّامِ ( للأسَفِ ) يَتَقَاذَفُوْنَ مَسَائِلَ خِلافِيَّةً، مَا بَيْنَ مُنَاظَرَاتٍ، وخُطَبٍ، وفَتَاوَى، ومُنَاقَشَاتٍ، ومُحَاوَرَاتٍ عَبْرَ القَنَوَاتٍ الإعْلامِيَّةِ وغَيْرِها … كُلَّ ذَلِكَ فِي الوَقْتِ الَّذِي تَمُرُّ فِيْه الأمَّةُ بفِتَنٍ مُهْلِكَةٍ، ونَوَازِلَ مَصِيْرِيَّةٍ؛ لِذَا كَانَ بَيَانُها عَلَى أهْلِ العِلْمِ مِنْ أهَمِّ الوَاجِبَاتِ[13] . فمِنْ ذَلِكَ باخْتِصَارٍ : 1ـ الإغْرَاقُ فِي الكَلامِ عَنْ فَرْضِيَّةِ الجِهَادِ، هَلْ هِي عَيْنِيَّةٌ أمْ كِفَائِيَّةٌ ؟، فِي حِيْنَ نَجِدُهُم سَاكِتِيْنَ عَنْ حُكْمِ الإعْدَادِ الَّذِي لا يَخْتَلِفُ فِيْه اثْنَانِ لا سِيَّمَا هَذِه الأيَّامِ الحَرِجَةِ، وسُكُوْتُهُم عَنْ فَضْلِ الجِهَادِ وأهَمِّيَتِه ( بغَضِّ الطَّرْفِ عَنْ كَوْنِه عَيْنِيًا أو كِفَائِيًا )؛ بَلْ لا أبَالِغُ إذَا قُلْتُ : إنَّ كَثِيْرًا مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِنا نَرَاه لا يَتَكَلَّمُ عَنْ أدِلَّةِ فَضْلِ الجِهَادِ، ولا يُحَرِّضُ عَلَيْه؛ لا مِنْ قَرِيْبٍ ولا مِنْ بَعِيْدٍ؛ خَوْفًا عَلَى نَفْسِه مِنْ أنْ يُصَنَّفَ مِنَ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ بِوُجُوْبِ الجِهَادِ العَيْنِي، فعِنْدَ ذَلِكَ سَيَخْسَرَ الجَاهَ الَّذِي بَنَاهُ تَحْتَ ظِلِّ الوَظَائِفِ السُّلْطَانِيَّةِ! 2ـ إغْرِاقُهُم فِي الَّذِيْنَ كَانُوا وَرَاءَ أبْرَاجِ إمْرِيْكا، ( أهُمْ يَهُوْدُ، أم مُسْلِمُوْنَ ؟ )، والسُّكُوْتُ فِي الوَقْتِ نَفْسِه عَمَّا تَفْعَلُه إمْرِيْكا فِي مُسْلِمِي أفْغَانِسْتَانَ، فيَا للحِكْمَةِ ! 3ـ إغْرَاقُهُم فِي شَأنِ أصْحَابِ ( القَاعِدَةِ )، ( هَلْ أصَابُوا، أم أخْطَأوا ؟ )، والسُّكُوْتِ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَنْ أسْرَى المُسْلِمِيْنَ فِي ( كُوْبَا )، الَّذِيْنَ تَأثَمُ الأمَّةُ جَمِيْعًا بالسُّكُوْتِ عَنْهُم، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُوْمٌ مَشْهُوْرٌ ! إنَّ السُّكُوْتَ عَنِ فَضْلِ الجِهَادِ، لا سِيَّمَا والأمَّةُ الإسْلامِيَّةُ أحْوَجُ مَا تَكُوْنُ إلَيْه فِي هَذِه الأيَّامِ لَهُوَ خَطَرٌ عَظِيْمٌ، وشَرٌّ مُسْتَطِيْرٌ . فإنَّ الإمَامَ لا يَكُوْنُ إمَامًا إلاَّ بالجِهَادِ؛ لأنَّ الجِهَادَ مَاضِي إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، والدِّيْنُ لا يَقُوْمُ إلاَّ بِه، ويَسْتَحِيْلُ أنْ يَسْقُطَ فَرْضُه عَلَى الأمَّةِ، لأنَّ قِيَامَها بالعَمَلِ المُنَاطِ بنَشْأتِها، وعِلَّةَ وُجُوْدِها مُتَوَقِّفٌ وقَائِمٌ عَلَى الجِهَادِ؛ وعَلَيْه فإنَّ " قَوَامَ الدِّيْنِ : بكِتَابٍ يَهْدِي، وسَيْفٍ يَنْصُرُ"[15] . وعَلَيْه؛ فأيُّ طَائِفَةٍ مُجْتَمِعَةٍ، ولَهَا مَنَعَةٌ فَعَلَيْها جِهَادُ أعْدَاءِ اللهِ، بقَدْرِ مَا تَسْتَطِيْعُ، إمَّا باللِّسَانِ، أو باليَدِ، أو بالقَلْبِ، وإمَّا بِهِم جَمِيْعًا؛ بَلْ ولا يَسْقُطُ عَنْها فَرْضُها بِحَالٍ[16]. فَكَانَ مِنْ آثَارِ ومَخَاطِرِ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ مَا يَلِي باخْتِصَارٍ : عُلُوُّ الكُفَّارِ وهَيْمَنَتُهِم، التَّمْكِيْنُ لِحُكْمِ الطَّاغُوْتِ، اسْتِعْبَادُ العِبَادِ، إفْسَادُ الحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ، اسْتِيْلاءُ الكُفَّارِ عَلَى ثَرَوَاتِ وخَيْرَاتِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ، ذُلُّ المُسْلِمِيْنَ وهَوَانُهم، إلْغَاءُ الخِلافَةِ وتَمْزِيْقُها، إلْقَاءُ العَدَاوَةِ والبَغْضَاءِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، الرِّضَا بالدُّوْنِ والهَوَانِ والصَّغَارِ للمُسْلِمِيْنَ، اسْتِحْقَاقُ العَذَابِ فِي الآخِرَةِ لتَفْرِيْطِهِم بوَاجِبِ الجِهَادِ، تعَطِيْلُ تبْلِيْغِ رِسَالَةِ الإسْلامِ، الاشْتِغَالُ بعُبُوْدِيَّةِ الدُّنْيا وعِمَارَتِها … إلخ، كُلُّ هَذَا ( للأسَفِ ) مَوْجُوْدٌ مُشَاهَدٌ فِي أيَّامِنا هَذِه لِكُلِّ ذِي عَيْنٍ، فإلى اللهِ المُشْتَكَى، وعَلَيْه التُّكْلانِ . يَقُوْلُ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : " فإذَا تَرَكَ النَّاسُ الجِهَادَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَقَدْ يَبْتَلِيْهِم (اللهُ) بأنْ يُوْقِعَ بَيْنَهُم العَدَاوَةَ حَتَّى تَقَعَ بَيْنَهُم الفِتْنَةَ، فإنَّ النَّاسَ إذَا اشْتَغَلُوا بالجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ جَمَعَ اللهُ قُلُوْبَهُم، وألَّفَ بَيْنَهُم، وجَعَلَ بأسَهُم عَلَى عَدُوِّ اللهِ وعَدُوِّهِم، وإذَا لَمْ يَنْفِرُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ عَذَّبَهُم اللهُ بأنْ يُلْبِسَهُم شِيَعًا، ويُذِيْقَ بَعْضَهُم بَأسَ بَعْضٍ"[17]. * * * 1ـ الاشْتِغَالُ بأمُوْرِ الدُّنْيا، وعِمَارَتِها عَنِ الجِهَادِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ في أهْلِ زَمَانِنا . 2ـ إيْذَاءُ، وحَبْسُ المُجَاهِدِيْنَ . 3ـ سَدُّ طُرُقِ الجِهَادِ أمَامَ المُجَاهِدِيْنَ . 4ـ إبرامُ العُقُوْدِ والعُهُوْدِ السِّلْمِيَّةِ (المُطْلَقَةِ!) مَعَ جَمِيْعِ الكُفَّارِ؛ تَحْتَ ظِلِّ المَصَالِحِ الدُّوَلِيَّةِ . 5ـ تَشْوِيْهُ "الجِهَادِ" سَوَاءٌ بوَصْفِه : إرْهَابًا، أو حَمَاسًا، أو تَهَوُّرًا، أو طَيَاشًا … إلخ، وقَدْ قِيْلَ : لا تَغْزُو إلاَّ بغُلامٍ قَدْ غَزَا ! 6ـ السُّكُوْتُ عَنْ ذِكْرِ فَضَائِلِ الجِهَادِ، وأهَمِيَّتِه، سَوَاءٌ فِي الخُطَبِ، أو النَّدَوَاتِ، أو المُحَاضَرَاتِ، أو الفَتَاوَى السّائِرَةِ . 7ـ القَوْلُ بأنَّ الجِهَادَ المَشْرُوْعَ، هُوَ مَا كَانَ دِفَاعِيًّا لا طَلَبِيًّا . 8ـ عَدَمُ الإعْدَادِ للجِهَادِ، وتَضْيِيْقُ سُبُلِه : كَنَزْعِ السِّلاحِ مِنْ عُمُوْمِ المُسْلِمِيْنَ، ومُصَادَرَةِ كُلَّ مَا مِنْ شَأنِه سِلاحًا للجِهَادِ . 9ـ إطْلاقُ القَوْلِ بأنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ : لَيْسَتْ مُؤهَّلةً للجِهَادِ هَذِه الأيَّام . 10ـ القَوْلُ بوُجُوْبِ الكَفَاءةِ فِي العُدَّةِ، شَأنُه شَأنَ مَا عِنْدَ الكُفَّارِ الآنَ . 11ـ مَنْعُ الشَّبَابِ عَنِ الجِهَادِ، والإعْدَادِ لَه : بحجَّةِ التَّرْبِيَةِ والتَّصْفِيَةِ . 12ـ عَدَمُ التَّفْرِيْقِ بَيْنَ جِهَادِ الطَّلَبِ، وجِهَادِ الدَّفْعِ، مِمَّا جَنَحَ بَعْضُهم إلى القَوْلِ : بشَرْطِ إذْنِ وَلِيِّ الأمْرِ، ووُضُوْحِ الرَّايَةِ، ووُجُوْبِه الكِفَائِي دَوْمًا، وتَحْرِيْمِ العَمَلِيَّاتِ الجِهَادِيَّةِ ( الاسْتِشْهَادِيَّةِ )، … ومِنْ آخِرِ مَا سَمِعْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِم : القَوْلُ بعَدَمِ الإعْدَادِ الفَرْدِي للجِهَادِ؛ لِمَا فِيْه مِنَ الفَوْضَوِيَّةِ والخَطأ … إلخ، كُلُّ هَذا وغَيْرُه يَصُبُّ رَأسًا فِي تَعْطِيْلِ الجِهَادِ الدِّفَاعِي فِي أكْثَرِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ الآنَ! يَقُوْلُ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ : "وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه"[18]. 13ـ التَّفْرِيْقُ (الوَطَنِيُّ) بَيْنَ بِلادِ الحَرَمَيْنِ، وغَيْرِها مِنْ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ مِمَّا دَفَعَ بَعْضًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ إلى عَدَمِ الاهْتِمَامِ بشَأنِ الجِهَادِ، والاعْدَادِ لَه، والتَّفَاعُلِ مَعَ إخْوَانِهم المَنْكُوْبِيْنَ هُنَا وهُنَاكَ، فِي حِيْنَ يَعْلَمُ الجَمِيْعُ أنَّه لَو هَاجَمَ كَافِرٌ بِلادَ الحَرَمَيْنِ ( حَفِظَها اللهُ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ ) لطَارَتِ الفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةُ مُقرِّرَةً فَرْضِيَّةَ الجِهَادِ العَيْنِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بشَرْطِه، وهَذَا حَقٌّ، ( ولَيْسَتْ أزْمَةُ الخَلِيْجِ عَنَّا ببَعِيْدٍ )! 14ـ إغْفَالُ الخِلافَةِ الإسْلامِيَّةِ مِمَّا جَعَلَ الاهْتِمَامَ بالجِهَادِ وأحْكَامِه عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ مَحْصُوْرًا بحُدُوْدٍ ضَيِّقَةٍ ( جُغْرَافِيَّةٍ ! )، لا تَتَعَدَّى أحْكَامُه فِي جَمِيْعِ الحَالاتِ مِنْ كَوْنِه فَرْضَ كِفَايِةِ، وبأذْنِ وَلِيِّ الأمْرِ، وفِي جَمْعِ الأمْوَالِ، والدُّعَاءِ للمُسْلِمِيْنَ … إلخ . 15ـ عُزُوْفُ أكْثَرِ عُلَمَاءِ الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ عْنِ المُشَارَكَةِ فِي أرْضِ الجِهَادِ، وهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِه عَارٌ فِي تَارِيْخِ الأمَّةِ الجِهَادِيِّ، كَمَا أنَّه يُعَدُّ مِنْ صُوَرِ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ المَعْنَوِيِّ؛ لِذَا نَجِدُ كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ لا يَسْتَنْكِفُ مِنْ ذِكْرِ المُجَاهِدِيْنَ بأسْمَاءَ تَحْمِلُ فِي مَثَانِيْها الغَمْزَ واللَّمْزَ بطَرِيْقٍ أو آخَرَ : كشَبَابِ الجِهَادِ، وأصْحَابِ الجِهَادِ، وهَؤلاءِ المُجَاهِدِيْنَ، والجِهَادِيِّيْنَ، والعَاطِفَةِ الجِهَادِيَّةِ، والحَمَاسِ الجِهَادِي . وكَذَا اتِّهَامُ المُجَاهِدِيْنَ بقِلَّةِ التَّرْبِيَةِ، وقِلَّةِ العِلْمِ … إلى غِيْرِ ذَلِكَ مِنَ العِبَارَاتِ الَّتِي مَا وَرَاءها! 16ـ رَبْطُ الجِهَادِ الشَّرْعِيِّ بِحُكْمٍ بِدْعِيِّ : كرَبْطِ الجِهَادِ بالتَّكْفِيْرِ، وبالهَجْرَةِ والتَّكْفِيْرِ، وبالخُرُوْجِ عَلَى وَلِيِّ الأمْرِ، وبالتَّخْرِيْبِ، وبتَرْوِيْعِ الآمِنِيْنَ …إلخ . 17ـ اتَّهَامُ الجِهَادِ ( والمُجَاهِدِيْنَ ) بأنَّه سَبَبٌ فِي تَأخِيْرِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالَى، وفِي نَشْرِ الإسْلامِ، فِي غَيْرِ ذَلِك مِنْ صُوَرِ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ الإسْلامِي؛ المُغَلَّفَةِ باسْمِ "فِقْهِ الوَاقِعِ"، ومَا هِي فِي الحَقِيْقَةِ إلاَّ "الفِقْهُ الوَاقِعُ"[19]، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ عَوَاصِمَ لِهَذِه القَوَاصِمِ ؟! * * * النَّكْسَةُ الثَّامِنَةُ زَعْزَعَةُ ثِقَةِ العُلَمَاءِ فِي قُلُوْبِ العَامَّةِ * * * النَّكْسَةُ التَّاسِعَةُ تَقْدِيْمُ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ أسْرَى للكُفَّارِ إنَّ مِثْلَ هَذَا الفِعْلِ يُعْتَبَرُ رِدَّةً عَنِ الإسْلامِ، ومُكَاشَفَةً للنِّفَاقِ الاعْتِقَادِي، ( عَيَاذًا باللهِ )، يَوْمَ يَعْلَمُ الجَمِيْعُ أنَّ هَذا التَّصَرُّفَ مِنْهُم يُعَدُّ مِنْ أبْلَغِ صُوَرِ المُوَالاةِ والمُنَاصَرَةِ للكُفَّارِ عَلَى إخْوَانِهِم المُسْلِمِيْنَ مِنَ المُجَاهِدِيْنَ، ولا أعْلَمُ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِيْنَ خَالَفَ فِي هَذا؛ إلاَّ مَا كَانَ مِنْ مَخَانِيْثِ المُرْجِئَةِ! * * * ومَا مَثَلُهم ومَثَلُنا؛ إلاَّ كَرَجُلٍ شُجَاعٍ قَدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ أبْنائِه الصِّغَارِ، وبَيْنَ سِبَاعٍ مُفْتَرِسَةٍ كَاسِرَةٍ … فَهُوْ لَمْ يَألُ جُهْدًا فِي دَفْعِ السِّبَاعِ عَنْهُم بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ .. فَمَرَّةً بيَدِهِ، ومَرَّةً بصَدْرِه، ومَرَّةً بدَمِه، ومَرَّةً برُوْحِه وحَياتِه .. وهَكَذا مَا زَالَ لَهُم حِصْنًا مَنِيْعًا مِنْ عَادِيَةِ السَّباعِ، فِي حِيْنَ أنَّ أبْنَاءهُ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِه لا يَكُفُّوْنَ لَحْظَةً عَنْ إيْذَاءِ أبِيْهِم، فَمِنْهُم مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَه، ومِنْهم مَنْ يَحْثُو التَّرَابَ عَلَيْه، ومِنْهُم مَنْ يَحْصُبُه بالحِجَارَةِ … وهَكَذَا فِي آذَايا ( بَرِيْئةٍ ! )، كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُم وهُمْ يَصْرُخُوْنَ فِي وَجْهِ أبِيْهِم : يا أبَانا يا أبَانا : لا تَحْجِزْ بَيْنَنا وبَيْنَ هَذِه الحَيْوَانَاتِ الألِيْفَةِ، فَكُفَّ أذَاكَ عَنْها كَيْ نَفْرَحَ بِهَا ! وأدَلُّ مِثَالاً مِنْ هَذَا : مَا كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وبَيْنَ أهْلِ الطَّائِفِ ومَكَّةَ … فَهُم مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِه يَرْمُوْنَه بالحِجَارَةِ، وهُوَ يَقُوْلُ : لِمَلِكِ الجِبَالِ حِيْنَ أرَادَ هَلاكَهُم : لا؛ فإنِّي أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصْلابِهِم مَنْ يَعُبُدُ اللهَ وحْدَه، ولا يُشْرِكُ بِه شَيْئًا، إنَّه التَّارِيْخُ يُعِيْدُ نَفْسَه! * * * النَّكْسَةُ العَاشِرَةُ ظُهُوْرُ أنْصَافِ الدُّعَاةِ ولعَمْرُ اللهِ؛ لَوْ أنَّ هَذِه النَّوَازِلَ عُرِضَتْ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ لَجَمَعَ لَهَا أهْلَ بَدْرٍ قَطُّ، فَهُمْ فِي أمْرٍ لا يُنَادَى وَلِيْدُه، ومَا ذَاكَ إلاَّ أنَّها نَوَازِلُ مَصِيْرِيَّةٌ مُهْلِكَةٌ، سَتَجُرُّ الأمَّةَ إلى أوْدِيَةِ تَيْهٍ، ومَسَالِكَ ضَلالٍ، لا تُبْقِي ولا تَذَرُ. وعِنْدَ هَذَا؛ إذْ بِنَا نَجِدُ أنْصَافَ الدُّعَاةِ، لا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعَةً فِي الكَلامِ عَنْ هَذِه النَّوازِلِ الهَالِكَةِ، دُوْنَ خَوْفٍ أو وَرَعٍ، أو حَتَّى تَأصِيْلٍ عِلْمِي رَاسِخٍ؛ بَلْ نَرَاهُم يَتَدَافَعُوْنَ عَلَى القَنَوَاتِ الإعْلامِيَّةِ للظُّهُوْرِ والتَّنْظِيْرِ، وهَكَذا لَمْ تَقِفْ عَجَلَةُ الظُّهُوْرِ تَدْفَعُ كَثِيْرًا مِنْهُم إلى اسْتِصْدَارِ فَتَاوَى ظَالِمَةً، وأحْكَامًا قَاصِمَةً، أوْرَدَتِ الأمَّةَ مَوَارِدَ فِتْنَةٍ؛ فيَاللإسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ ! * * * 1ـ مُصادَرَةُ ومُصَادَمَةُ فَتَاوَى أهْلِ العِلْمِ الرَّبانِيِّيْنَ . 2ـ تَضْلِيْلُ المُسْلِمِيْنَ عَنْ بَيَانِ الحَقِّ . 3ـ تَشْوِيْهُ كَثِيْرٍ مِنَ الحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ المَعْلُوْمَةِ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُوْرَةِ عِنْدَ عَامَّةِ المُسْلِمِيْنَ . 4ـ فَتْحُ بَابٍ كَبِيْرٍ للرِّوِيْبِضَاتِ، وكَذَا الجُهَّالِ مِنْ أنْصَافِ المُثَقَّفِيْنَ للحَدِيْثِ عَنْ قَضَايا الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ . 5ـ فَتْحُ بَابِ الاجْتِهَادِ والنِّقَاشِ حَوْلَ مَسَائِلَ وأحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ قَدْ أجْمَعَ عَلَيْها أئِمَّةُ السَّلَفِ والخَلَفِ . 6ـ التَّوَسُّعُ والإغْرَاقُ فِي الكَلامِ عَنِ التَّنْظِيْرِ، والتَّرْشِيْدِ، والتَّنْظِيْمِ، والتَّحْلِيْلِ … كُلُّ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ الوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ تُجَاهَ القَضَايا المَصِيْرِيَّةِ الحَالِكَةِ الَّتِي ألَمَّتْ بالأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ ... إلخ . * * * * * * النَّكْسَةُ الحَادِيَةُ عَشَرَ تَوْظِيْفُ الفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةِ للمَصَالِحِ السِّيَاسِيَّةِ يُوَضِّحُه : قَضِيَّةُ العِرَاقِ مَثَلاً، فَهَلْ يَنْسَى أحَدٌ مَا حَصَلَ فِي حَرْبِ العِرَاقِ الأوْلَى مَعَ إيْرَانَ، يَوْمَ فَتَحَ الإعْلامُ قَنَوَاتِه لأهْلِ العِلْمِ والدَّعْوَةِ، كَي يُبِيِّنُوا للنَّاسِ حَقِيْقَةِ الخُمَيْنِي الشِّيْعِي الكَافِرِ، مَعَ بَيانِ وَاجِبِنا كمُسْلِمِيْنَ نَحْوَ العِرَاقِ ؟، ثُمَّ لَمْ تَمْضِ هَذِه البَيَانَاتُ إلاَّ وَقَامَتْ حَرْبُ العِرَاقِ الثَّانِيَةِ ضِدَّ الكُوَيْتِ، فَعِنْدَها قَامَ الإعْلامُ يَرْكُضُ حَثِيْثًا فِي اسْتِقْطَابِ أهْلِ العِلْمِ والدُّعَاةِ ليَكْشِفُوا حَقِيْقَةِ صَدَّامَ البَعْثِي الكَافِرِ، ووَاجِبِنا نَحْوَ إخْوانِنا فِي الكُوَيْتَ، وهَكَذَا حَتَّى إذَا جَاءتْ إمْرِيْكا وحُلَفَاؤُها الصَّلِيْبِيُّوْنَ لِحَرْبِ العِرَاقِ، قَامَ الإعْلامُ عَلى قَدَمَيْه يَسْتَضِيْفُ العُلَمَاءَ والدُّعَاةَ لبَيَانِ خَطَرِ الزَّحْفِ الصَّلِيْبِيِّ عَلَى المَنْطَقَةِ، ووَاجِبِنا تُجَاه إخْوَانِنا فِي العِرَاقِ، وهَكَذَا لَمْ تَزَلْ المَسْرَحِيَّةُ فِي عَرْضِ أدْوَارِها حَتَّى إذا مَا سَقَطَتْ بَغْدَادُ فِي أيْدِي الصَّلِيْبِيِّيْنَ ( الإمْرِيْكان وحَلَفَائِها ) بَعْدَ مَسْرَحِيَّةٍ مَحْبُوْكَةٍ شَأنُها شَأنَ الجُوْلانَ، قَامَ الإعْلامُ يَسْدِلُ السِّتَارَ عَلَى أهْلِ العِلْمِ، ليُخْرِجَ لَنَا الأفَاعِي مِنْ جُحُوْرِها : كالعِلْمَانِيِّيْنَ، والحَدَاثِيِّيْنَ، وأنْصَافِ المُنَافِقِيْنَ ليُكْمِلُوا المَسْرَحِيَّةَ السِّياسِيَّةَ الَّتِي لَمْ تَكْتَمِلْ فُصُوْلُها تَحْتَ عَنَاوِيْنَ مَاكِرَةٍ : كـ( الخَيْرِ وتَحْسِيْنِ المَعِيْشَةِ ) الَّلذَيْنِ جَاءتْ بِهِمَا رَائِدَةُ السَّلامِ (إمْرِيْكا!) بَعْدَ إسْقَاطِها للنِّظَامَ البَعْثِي، و( مُسْتَقْبَلِ العِرَاقِ بَعْدَ الحَرْبِ )، و( نَزْعِ السِّلاحِ الشَّامِلِ مِنَ المَنْطَقَةِ ) وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَنَاوِيْنَ تَحْمِلُ بَيْنَ سُطُوْرِها البَاطِلَ والخِيَانَةَ ؟! إنَّ مِثْلَ هَذِه المَهْزَلَةِ التَّارِيْخِيَّةِ؛ لَهِيَ صُوْرَةٌ تَقْرِيْبِيَّةٌ مُصَغَّرَةٌ لتَوْظِيْفِ الفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةِ للمَصَالِحِ السِّيَاسِيَّةِ! كَمَا أنَّنا لا نَشُكُّ أنَّ الَّذِيْنَ اسْتَشْرَفَتْهُم واحْتَضَنَتْهُم بَعْضُ القَنَوَاتِ الإعْلامِيَّةِ، هم أحَدُ رَجُلَيْنِ لا ثَالِثَ لَهُمَا : الأوَّلُ مِنْهُم : مَنْ كَانَ يَعْلَمُ تِلْكَ الخُطُوْطَ العَرِيْضَةَ الَّتِي تُمْلَى عَلَيْهِم، والخَانَاتِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْهم بطَرِيْقَةٍ أو أخْرَى، إلاَّ أنَّهُم مَعَ هَذَا لَمْ يَسْتَنْكِفُوا الرَّكْضَ فِي هَذِه السَّرَادِيْبِ المُحْكَمَةِ، والأُطُرِ المُحَدَّدَةِ، غَيْرَ أنَّهُم مَعَ هَذِه الغَفْلَةِ المُسْتَنْكَرَةِ يَعْتَذِرُوْنَ : بالحِكْمَةِ، وكَسْبِ الآخَرِيْنَ . والآخَرُ مِنْهُما : مَنْ غَابَتْ عَنْهُم كَثِيْرٌ مِنْ هَذِه الحَقَائِقِ المُؤْلِمَةِ، إلاَّ أنَّهُم يَعْتَذِرُوْنَ : بِحُسْنِ الظَّنِّ بِمَنِ اسْتَضَافُوْهُم، وقَدَّمُوْهُم للجَمَاهِيْرِ! * * * الأُوْلَى مِنْهُما : مَنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا هُنَالِكَ مِنْ إمْلاءاتٍ سِيَاسِيَّةٍ، ومَصَالِحَ نَفْعِيَّةٍ، فَهَؤُلاءِ قَدْ رَفَعُوا عَقِيْرَتَهَم بأهَمِّيَّةِ الاسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِه الفُرَصِ ( الذَّهَبِيَّةِ ! ) لكَسْبِ كِلا الطَّرَفَيْنِ : ( أهْلِ الحَقِّ، وأهْلِ البَاطِلِ )، بحَيْثُ تَتَّسِعُ دَعَوَاتُهم لشَرِيْحَةٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ المُجْتَمَعِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُم بِدَافِعِ تَقْرِيْبِ وُجَهَاتِ النَّظَرِ، وتَلْطِيْفِ الأجْوَاءِ، وتَلْمِيْعِ المَوَاقِفِ لاحْتِوَاءِ الآخَرِيْنَ بطَرِيْقٍ أو آخَرَ…! وهَكَذَا لَمْ تَزَلْ هَذِه الدَّعَوَاتُ ( التَّجْمِيْعِيَّةُ التَّقْمِيْشِيَّةُ ! ) في إقْبَالٍ وانْتِشَارٍ تُسَابِقُ الزَّمَانَ، حَتَّى وَصَلَتْ إلى حِمَى كَثِيْرٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ والدَّعْوَةِ بِشَكْلٍ مُخِيْفٍ، وفِي وَقْتٍ سَرِيْعٍ! * * * 1ـ أنَّ أصْحَابَ هَذِه الدَّعَوَاتِ (الهَزِيْلَةِ!)، لَمْ يَنْصُرُوا حَقًّا، ولَمْ يَكْسِرُوا بَاطِلاً، فَهُم كَشَاةٍ عَائِرَةٍ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ تَعِيْرُ إلى هَذِه مَرَّةً، وإلى هَذِه مَرَّةً! 2 ـ أنَّهُم بقَدْرِ اجْتِهَادِهِم فِي سَبِيْلِ كَسْبِ الأطْرَافِ؛ مَا ازْدَادُوا إلاَّ خَسَارَةً وتَفْرِيْقًا للأطْرَافِ. 3ـ أنَّهُم بقَدْرِ اجْتِهَادِهِم فِي سَبِيْلِ احْتِوَاءِ الأطْرَافِ؛ مَا ازْدَادُوا إلاَّ بُغْضًا مِنَ الجَمِيْعِ . 4ـ أنَّهُم لَمْ يَكْسِبُوا مَوْقِفًا وَاحِدًا فِي جَمِيْعِ المَوَاقِفِ الَّتِي طَرَقُوْهَا أمَامَ الجَمِيْعِ، وذَلِكَ بشَهَادَةِ الجَمِيْعِ، وأدَلُّ شَيْءٍ عَلَى ذَلِك : أنَّ كِلا الطَّرَفَيْنِ ( أهْلَ الحَقِّ، وأهْلَ البَاطِلِ ) لَمْ يَأخُذُوا بِشَيْءٍ مِنْ أرَائِهِم، ولَمْ يَصْدُرُوا عَنْ أوَامِرِهِم لا مِنْ قَرِيْبٍ ولا مِنْ بَعِيْدٍ؛ بَلْ إنَّ حَقِيْقَةَ الأمْرِ أنَّ كِلا الطَّرَفَيْنِ لا يُرِيْدَانِ مِنْهُم هَذِه الدَّعْوَةَ ( التَّجْمِيْعِيَّةَ التَّقْمِيْشِيَّةَ )؛ لأنَّ كلاًّ مِنْهُما يُرِيْدُ فَرْضَ رَأيِهِ، وتَثْبِيْتَ مَوْقِفَه، فَلا مَكَانَ بَيْنَهُما وَقْتَئِذٍ للمُرَاوَغةِ والمُدَاهَنَةِ؛ لأنَّ مِثْلَ هَذِه الدَّعَوَاتِ لَمْ تُثْمِرْ عَلَى مَرِّ التَّارِيْخِ، ابْتِدَءً بالمُنَافِقِيْنَ، وانْتِهَاءً بالتَّجْمِيْعِيِّيْنَ مِنْ أهْلِ الدَّعْوَةِ هَذِه الأيَّام، مَعَ الفَارِقِ بَيْنَهُما ( عَقِيْدَةً، وصِدْقًا ). 4ـ أنَّهُم وَضَعُوا أنْفُسَهُم فِي مَوَاقِفَ مَشْبُوْهَةٍ بَغِيْضَةٍ، لأنَّ كِلا الطَّرَفَيْنِ لَمْ يَرْضَ لَهُم حَالاً، وهُوَ اجْتِهَادُهم فِي جَمْعِ النّقِيْضَيْنِ ( أهْلِ الحَقِّ، وأهْلِ البَاطِلِ )، وقَدْ قِيْلَ : مَنْ أكَلَ عَلَى مَائِدَتَيْنِ اخْتَنَقَ ! 5ـ أنَّهُم أفْقَدُوا الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ كَثِيْرًا مِنْ عُلَمَائِها ودُعَاتِها الصَّادِقِيْنَ، الَّذِيْنَ لا تَأخُذُهُم فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ!، وذَلِكَ باحْتِوَائِهِم وجَرِّهِم إلى خَنَادِقِهِم الهَشَّةِ، وحِكْمَتِهِم البَارِدَةِ! 6ـ أنَّهُم أخْرَجُوا للأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ شَبَابًا مُنْهَزِمًا، تَحْتَ دَعَوَاتٍ هَزِيْلَةٍ باسْمِ الحِكْمَةِ والتَّرْبِيَةِ، والحِفَاظِ عَلَى الرَّصِيْدِ ورَأسِ المَالِ مِنَ الشَّبَابِ! يُوَضَّحهُ؛ أنَّ كَثِيْرًا (للأسَفِ) مِنْ أصْحَابِ هَذِه الدَّعَوَاتِ قَامُوا سِرَاعًا فِي حَمْلِ (شَبَابِهِم!) إلى العُزْلَةِ، والسُّكُوْتِ، وتَرْكِ الجِهَادِ والإعْدَادِ لَه؛ خَوْفًا عَلَيْهم مِنْ مَسَارِبِ (الفِتْنَةِ) القَائِمَةِ بسَاحَةِ المُسْلِمِيْنَ، بِمَعْنَى : عَدَمُ الاشْتِغَالِ بِمَا هُنَالِكَ مِنْ حُرُوْبٍ صَلِيْبِيَّةٍ ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ فِي العِرَاقِ، فَلَكُمُ اللهُ يَا شَبَابَ الإسْلامِ، يَوْمَ تَوَلَّى تَرْبِيَتَكُم قَلِيْلُوا العِلْمِ، أحْلاسُ البُيُوْتِ، مِمَّنْ فرَّوْا وَقْتَ الزَّحْفِ عَنْ إخْوَانِهِم فِي سَاحَاتِ النِّضَالِ، فأيْنَ أنْتِ يا خَيْلَ اللهِ ؟! 7ـ أنَّهُم أسْقَطُوا هَيْبَةَ الدِّيْنِ وأحْكَامِه مِنْ قُلُوْبِ كَثِيْرٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، ومَيَّعُوْهُ باسْمِ الدِّيْنِ، وقَدْ قِيْلَ : لا يَفُلُّ الحَدِيْدَ إلاَّ الحَدِيْدُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ إذَا جَاءتِ الفَتَاوَى المُغْتَصَبَةُ، الَّتِي فُضَّتْ بَكارَتُها اغْتِصَابًا، وكُتِبَتْ شَهَادَتُها غِلابًا، فَلا تَحْزَنْ حِيْنَئِذٍ إذَا قِيْلَ : لا يَفُلُّ الدِّيْنَ إلاَّ الدِّيْنُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ خَسَائِرَ بائِرَةٍ، ومَفَاسِدَ سَافِرَةٍ، مُنِيَتْ بِها الأمَّةُ هَذِه الأيَّام، فَحَسْبُنا اللهُ، ونِعْمَ الوَكِيْلُ! * * * فَمَنْ لهؤلاءِ الهائِمِيْنَ فِي بَيْدَاءِ التَّيْهِ والغَفْلةِ ؟! ألَيْسَ كَانَ حَتْمًا عَلَى أهْلِ العِلْمِ أنْ يَصِيحُوا في وُجُوهِ أصْحَابِ هَذِه الدَّعَوَاتِ الهَزِيْلَةِ الَّتِي : لَمْ تَنْصُرْ حَقًا ولَمْ تَكْسِرْ باطِلاً؟!؛ ليُوْقِفُوا هَذِه البَلايَا والأذَايَا الَّتِي مَرَجَتْ بأُمُوْرِ وقضايا المُسْلِمِيْنَ ؟ ألَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ نُصْحِ الأمَّةِ، وإبْرَاءِ الذِّمَّةِ ؟؛ بَلَى والَّذِي فَلَقَ الحبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ! فَسُكُوتُ أهْلِ العِلْمِ عَنْ مِثْلِ هذه النَّكَسَاتِ العِلْمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ الَّتِي لَمْ يَشْهَدِ التَّارِيْخُ الإسْلامِيُّ لَهَا مَثِيْلاً؛ فأمْرٌ لا تَبْرُكُ عليه الإبِلُ؛ بَلْ هَذَا بَكْلٌ مِنْ البَكْلِ! أمَّا كَلامُنا مَعَ أصْحَابِ الطَّرَفِ الآخَرِ : مِمَّنْ غَابَتْ عَنْهُم كَثِيْرٌ مِنْ هَذِه الحَقَائِقِ النَّكِدَةِ، مَعَ اعْتِذَارِهِم : بحُسْنِ الظَّنِّ بِمَنِ اسْتَضَافُوْهُم، وقَدَّمُوْهُم للجَمَاهِيْرِ!، فَنَقُوْلُ لَهُم باخْتِصَارٍ : 1ـ إنَّ مَا ذَكَرْنَاه مِنْ مُغَالَطَاتٍ شَرْعِيَّةٍ عِنْدَ أصْحَابِ الدَّعَوَاتِ المُوَظَّفَةِ، لَهُوَ كَافٍ فِي اتِّخَاذِكُم مَوْقِفًا فَاصِلاً، لا يَقْبَلُ التَّرَدُّدَ إنْ شَاءَ اللهُ، ومَا ذَاكَ إلاَّ لِحُسْنِ ظَنِّ الأمَّةِ بِكُم ! 2ـ إنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ ( وللهِ الحَمْدُ ) لَمْ تَنْخَدِعْ بَعْدُ بأصْحَابِ الدَّعَوَاتِ الضَّعِيْفَةِ؛ بَلْ قَدِ اتَّخَذَتْ مِنْهُم مَوْقِفًا مُخَالِفًا، لعِلْمِها أنَّها قَدْ خَذَلَتِ الأمَّةَ أكْثَرَ مِنْ كَوْنِها نَصَرَتْها، فَعِنْدَ ذَلِكَ لا تَفْرَحُوا باسْتِضَافَةِ أصْحَابِ هَذِه الدَّعَوَاتِ العَائِمَةِ فَوْقَ بَرَاكِيْنَ مُتَضَارِبَةٍ، ولا يَهُوْلنَّكُمْ مَا هُمْ فِيْه مِنْ ظُهُوْرٍ وقُصُوْرٍ، فالظُّهُوْرُ هُوَ مَا كَتَبَهُ اللهُ فِي القُلُوْبِ، والقُصُوْرُ مَا بَنَتْه لَكُمُ الأمَّةُ فِي قُلُوْبِها، فاحْذَرُوا إذَنْ ! 3ـ إنَّ الأمَّةَّ الإسْلامِيَّةَ لَمْ تَزَلْ تُحْسِنُ الظَّنَّ بِكُم، فاللهَ اللهَ أنْ تَخْذُلُوا حُسْنَ ظَنِّهِم فِيْكُم، فَلَيْسَ أحَدُكُم أخْسَرُ مِنْ الآخَرِ! * * * لَقَدْ حَاوَلُوا هَذِه المُحَاوَلَةَ فِي صُوَرٍ شَتًّى … هَذِه المُحَاوَلاتُ الَّتِي عَصَمَ اللهُ مِنْها رَسُوْلَه، هِيَ مُحَاوَلاتُ أصْحَابِ السُّلْطَانِ مَعَ أصْحَابِ الدَّعَوَاتِ دَائِمًا، مُحَاوَلَةَ إغْرَائِهِم حَتَّى يَنْحَرِفُوا ـ ولَوْ قَلِيْلاً ـ عَنِ اسْتِقَامَةِ الدَّعْوَةِ وصَلابَتِها، ويَرْضَوْا بالحُلُوْلِ الوَسَطِ الَّتِي يَغْرُوْنَهُم بِهَا فِي مُقَابِلَ مَغَانِمَ كَثِيْرَةٍ، ومِنْ حَمَلَةِ الدَّعَوَاتِ مَنْ يُفْتَتَنْ بِهَذا عَنْ دَعْوَتِه؛ لأنَّه يَرَى الأمْرَ هَيِّنًا، فأصْحَابُ السُّلْطَانِ لا يَطْلُبُوْنَ إلِيْه أنْ يَتْرُكَ دَعْوَتَه كُليَّةً، إنَّمَا هُمْ يَطْلُبُوْنَ تَعْدِيْلاتٍ طَفِيْفَةً ليَلْتَقِيَ الطَّرَفاَنِ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيْقِ، وقَدْ يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ عَلَى حَامِلِ الدَّعْوَةِ مِنْ هَذِه الثَّغْرَةِ، فيَتَصَوَّرَ أنَّ خَيْرَ الدَّعْوَةِ فِي كَسْبِ أصْحَابِ السُّلْطَانِ إلَيْها؛ ولَوْ بالتَّنَازُلِ عَنْ جَانِبٍ مِنْها! ولَكِنَّ الانْحِرَافَ الطَّفِيْفَ فِي أوَّلِ الطَّرِيْقِ يَنْتَهِي إلى الانْحِرَافِ الكَامِلِ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيْقِ، وصَاحِبُ الدَّعْوَةِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّسْلِيْمَ فِي جُزْءٍ مِنْها ولَوْ يَسِيْرٍ، وفِي إغْفَالِ طَرَفٍ مِنْها ولَوْ ضَئِيْلٍ، لا يَمْلِكُ أنْ يَقِفَ عِنْدَ مَا سَلَّمَ بِه أوَّلَ مَرَّةٍ؛ لأنَّ اسْتِعْدَادِه للتَّسْلِيْمِ يَتَزَايَدُ كُلَّمَا رَجَعَ خُطْوَةً إلى الوَرَاءِ! والمَسْألَةُ مَسْألَةَ إيْمَانٍ بالدَّعْوَةِ كُلِّها، فالَّذِي يَنْزِلُ عَنْ جُزْءٍ مِنْها ولَوْ صَغُرَ، والَّذِي يَسْكُتُ عَنْ طَرَفٍ مِنْها مَهْمَا ضَئُلَ، لا يُمْكِنُ أنْ يَكُوْنَ مَؤْمِنًا بدَعْوَتِه حَقَّ الإيْمَانِ … وأصْحَابُ الشَّيْطانِ يَسْتَدْرِجُوْنَ أصْحَابَ الدَّعَوَاتِ فإذا سَلَّمُوا بالجُزْءِ فَقَدُوا هَيْبَتَهم وحَصَانَتَهُم، وعَرَفَ المُتَسَلِّطُوْنَ أنَّ اسْتِمْرَارَ المُسَاوَمَةِ، وارْتِفَاعَ السِّعْرِ يَنْتَهِيَانِ إلى تَسْلِيْمِ الصَّفْقَةِ كُلِّها! والتَّسْلِيْمُ فِي جَانِبٍ ولَوْ ضَئِيْلٍ مِنْ جَوَانِبِ الدَّعْوَةِ لكَسْبِ أصْحَابِ السُّلْطَانِ إلى صَفِّها، هُوَ هَزِيْمَةٌ رُوْحِيَّةٌ للاعْتِمَادِ عَلَى أصْحَابِ السَّلْطَانِ فِي نُصْرَةِ الدَّعْوَةِ . واللهُ وحَدَه هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْه المُؤْمِنُوْنَ في دَعْوَتِهم . ومَتَى دَبَّتِ الهَزِيْمَةُ فِي أعْمَاقِ السَّرِيْرَةِ؛ فَلَنْ تَنْقَلِبَ الهَزِيْمَةُ نَصْرًا !"[20]. * * * والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِه الأمِيْنِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِه أجْمَعِيْنَ وكَتَبُه / ذِيَابُ بنُ سَعَدٍ آل حَمْدَانَ الغَامِدِي ( 15/2/1424 ) الطائف [1]ـ "الفوائد" لابن القيم، ص (88) . [2]ـ لا شَكَّ أنَّ هُنَالِكَ طَائِفَةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ الرَّبَّانِيِّيْنَ مَوْجُوْدُوْنَ فِي كُلِّ عَصْرٍ؛ يَذُوْدُوْنَ عَنْ حِيَاضِ الإسْلامِ قَوْلاً وعَمْلاً . [3]ـ أمَّا قَضِيَّةُ فِلِسْطِيْنَ فَقَدْ تَكَلَّمْتُ عَنْها بِمَا فِيه الكِفَايَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَحْتَ عُنْوَان "فِلِسْطِيْنُ والحَلُّ الإسْلامِي" فدُوْنَك إيَّاه. [4]ـ انظر زيادةً للتَّفْصِيْلِ عَنْ ضَيَاعِ الوَلاءِ والبَرَاءِ فِي كِتَابِ "حقيقةِ كُرَة القَدَمِ" للمؤلف . [5]ـ هُنَاكَ بَعْضُ التَّفْصِيْلاتِ فِي قَضِيةِ "الوَلاءِ والبَرَاءِ"، مِنْها مَا هُوَ مُخْرِجٌ مِنَ الدِّيْنِ، ومِنْها ما هُوَ دُوْنَ ذَلِكَ، إلاَّ أنَّ حَدِيْثِي هُنا قَائِمٌ حَوْلَ مُوالاةِ ومُنَاصَرَةِ الكُفَّارِ عَلى المُسْلِمِيْنَ، مِمَّا هُوَ كُفْرٌ مَعْلُوْمٌ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُوْرَةِ ! [6]ـ انظر "تفسير الطبري" ( 3/228 ) . [7]ـ "المحلى" لابن حزم" (13/35) . [8]ـ "مجموعة التوحيد" (38) . [9]ـ "فتاوى ابن باز" (1/274) . [10]ـ إطْلاقُ الكُفْرِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ لَهُ شُرُوْطٌ ومَوَانِعُ؛ لِذَا وَجَبَ التَّعْوِيْلُ عَلَيْها والأخْذُ بِهَا قَبْلَ اسْتِصْدَارِ أحْكَامِ التَّكْفِيْرِ عَلَى أحَدٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، كَمَا فَرَّقَ أهْلُ العِلْمِ بَيْنَ الحُكْمِ عَلَى الفِعْلِ والفَاعِلِ؛ فَتَنَبَّه، فانْظُرْ "ضَوَابطَ التَّكْفيرِ" لبعدِ اللهِ القَرْنِي، و"نَوَاقِضَ الإيمانِ" لعبدِ العزيز العبد اللطيف، و"نَواقِضَ الإيمانِ" للوَهِيْبِي، و"مَنْهَجَ ابنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْألةِ التَّكْفِير" للمَشْعَبِي، وغَيْرِهم . [11]ـ نَحْنُ لا نُنْكِرُ الجُهُوْدَ الكَبِيْرَةَ الَّتِي كُتِبَتْ وقِيْلَتْ حَوْلَ بَيانِ تَعَارِيْفِ هَذِه المُصْطَلَحَاتِ الكُفْرِيَّةِ، مَعَ بَيَانِ أخْطَارِها وأحْكَامِها الشَّرْعِيَّةِ؛ إلاَّ أنَّنا نُنْكِرُ كَثْرَةَ الكُتُبِ، وإقَامَةَ المُحَاضَرَاتِ فِي تَعْرِيفِ هَذِه المُصْطَلحاتِ، مَعَ كَوْنِها قَدْ أُشْبِعَتْ تَعْرِيفًا، ودِرَاسَةً، ونُشُوءً، فَكَانَ الأوْلَى بنا أنْ نَقِفَ في وَجْهِها وضِدِّها بِمَا نَمْلِكُ مِنْ جُهْدٍ لا زِيادةً في تَعْرِيفِها، وتاريْخِها … إلخ، فَيَكْفِينا مثَلاً فِي البَحْثِ عَنِ "العِلْمَانيةِ" ما كَتَابَه شَيْخُنا العَلامَةُ سَفَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَفِظَه الله، حَيْثُ لَمْ يَدَعْ شَارِدَةً ولا وَارِدَةً إلاَّ وَذَكَرَها فِي الجُمْلَةِ، أو كِتَابَانِ أو ثَلاثَةٌ حسبُ، وهَكَذَا فِيْما سِوَاها، واللهُ أعْلَمُ . [12] ـ "إعلام الموقعين" (4/530) لابن القيم، تحقيق مشهور بن حسن . [13]ـ لَقَدْ تَكَلَّمْتُ عَنِ الأخْطَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أفْرَزَها الإغْرَاقُ فِي التَّحْلِيْلاتِ الفِكْرِيَّةِ حَوْلَ قَضَايا الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ فِي كِتَابِ " فِلِسْطِيْنُ والحَلُّ الإسْلامِيُّ" للمُؤلِّفِ . [14]ـ إنَّ فَضَائِلَ الجِهَادِ، وأحْكَامَه، ومَرَاتِبَه، وتَنْزِيلَه عَلى وَاقِعِ الأمَّةِ هَذِه الأيَّامِ أمْرٌ مُتَحتِّمٌ، لِذَا لَقَدْ عَزَمْتُ عَلى بَيانِ بَعْضِ هَذِه المَسَائِلِ، تَحْتَ عُنْوَانِ "الجهادُ بَيْنَ التَّأصِيْلِ والتَّعْطِيْلِ" إنْ شَاءَ اللهُ . [15]ـ "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابن تيمية (10/13) . [16]ـ انظر "الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ" (8/199-204) . [17]ـ "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابن تيمية (15/44) . [18]ـ "الاختيارات" للبعلي (447) . [19]ـ كُلُّ هَذِه الدَّعَوَاتِ العَرِيْضَةِ، والشُّبَهِ الرَّائِجَةِ؛ِ سَوْف نَرُدُّ عَلَيها إنْ شَاءَ اللهُ في كِتَابنا الجَدِيْدِ "الجِهَادُ بَيْنَ التَّأصِيْلِ والتَّعْطِيْلِ" . [20]ـ "فِي ظِلالِ القُرْآنِ" لسيد قطب ( 2245) باختصار |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أفغانستان, التاريخية(من, العراق), النكسة, إلى, وكتب |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|