انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-06-2010, 12:54 AM
ام رملة ام رملة غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




Icon15 الدرس الرابع بعنوان الفتور (للحديث بقية باذن الله)

 

أسباب الفتور
المقصود بالأسباب هنا : هي تلك الطرق الموصلة إلى ضعف إيمان العبد بعد أن كان قويًا ، وهي الوسائل التي كسرت صلابة بنيان الدين في قلبه حتى أردته هزيلاً واهنًا ، تتلاعب به الشهوات ، وتتقاذفه أمواجها ، وتثقل عليه كل ما يتصل بدينه وعبادته .
السبب الأول : عدم تعهد العبد إيمانه من حينٍ لآخر ، من حيث الزيادة أو النقص ، فإن بدون مراجعة الإنسان نفسه مع حال إيمانه ، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب ، فتعمل معاولها الهدامة في بنيانه ، ولذا فإنه يجب على المؤمن إذا رأى في إيمانه قصورًا ، أو شعر بشيءٍ من مظاهر الفتور ، أن يتزود من أسباب الإيمان ، وينهل من معينه .
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينتقِص ؟ ) .
وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : ( هلموا نزدد إيمانًا ، فيذكرون الله عز وجل ) .
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه : ( اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقها ) .
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول للرجل : ( اجلس بنا نؤمن ساعة ) .
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( ثلاث من كُنَّ فيه فقد استكمل الإيمان : إنصافٌ من نفسه ، والإنفاق من إقتار ، وبذل السلام للعالَم ) (13) .
السبب الثاني : الجهل بما أعده الله تعالى للمتقين من الجنان ، أو تجاهله ، أو نسيانه ، أو عدم مذاكرته بين الحين والآخر ، فإذا ما وقع الإنسان في شيء من هذا ، فتر عن العبادة ، وتكاسل عنها ؛ لأنه فطر على التعلق بالشكر ، وطلب الجائزة على المعروف ، وقد هيأ الله ذلك لعباده إلى حدٍ لا تتصوره أذهانهم ، ولا يخطر على بالهم ، { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ(49)جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52)هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ(53)إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (14) .
غير أن فئة منهم تباطئوا الثواب ، أو غفلوا عنه ، فماتت أحاسيس الرغبة فيه ، وضعفت الهمة في طلبه .
السبب الثالث : استبعاد العقوبات الدنيوية ، والاستهانة بالعذاب الأخروي ، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب . وهذا السبب قسيم لسابقه ، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على أمرين ، الرجاء في ثواب الله ، والخوف من عقابه ، فإذا ما استبعد المسلم حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه ، أو خطيئة ارتكبها ، تمادى في طريقها غير مبالٍ بنتائج هذا الفعل .
يقول بعض السلف : (( إنني أجد أثر المعصية في أهلي ودابتي )) .
وإني لأعجب حقًا من عدد من الناس يعيشون في حياتهم ضيقًا ونكدا ، وهمًا وغمًا ، ونفرة واضطرابًا ، وقد خلت بيوتهم من سماع القرآن وتلاوته ، وجفت ألسنتهم من الذكر والدعاء ، لا تعرف منازلهم النوافل ، ولا يتراحمون بالتناصح ، بل طلبوا السعادة في غير مظانها ، ولهثوا خلف سراب التقليد ، ففتروا عن الخير ، وتباطئوا عن الخيرات ، وسارعوا إلى الشهوات والملذات .
فأيُّ ثبات على الحق يبقى ، وقد أمِنَ أولئك مع انحرافهم عن جادة الدين العقوبة التي حلت بغيرهم ، فهل ينتظرون أن تحل بهم .
أما الغفلة عن عذاب الآخرة ، أو الاستهانة به ، فهو رأس الداء ، وصميم البلاء ، إن الواحد منا ليستمع من بعض هؤلاء مقولات تقشعر منها الأبدان ، فمن قائل : إن هي إلا ساعات في النار ، ثم نخرج منها ، ومن قائل : إنما هو عذاب روحي ومعنوي ليس إلا ، بل استمعت لبعضهم يقول : الموتة واحدة ، ولا حساب ولا عقاب ، وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا ، ويحسبونه هينًا ، وهو عند الله عظيم .
وإلا فأين هؤلاء من قول الله تعالى : { إن الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا }.
أيها المسلمون : بمحبة الله ، والخوف من عذابه ، والرجاء في ثوابه ، نجا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لو نادى مناد من السماء : أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا ، لخفت أن أكون هو ، ولو نادى مناد : أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا ، لرجوت أن أكون هو ) (15) .
ولما قرأ الفاروق رضي الله عنه سورة الطور فبلغ قوله تعالى { إن عذاب ربك لواقع } بكى واشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه ، بل حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين ، وكان يقال له : ( مصّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح ، فيقول : وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ! ) .
ولما وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه على القبر فبلّ البكاء لحيته قال : ( لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ! ) .
فلنضع الثواب أمام أعيننا ؛ لننهض إلى العبادة ونجد فيها ، ولنضع العقاب نصب أعيننا ؛ لنصون أنفسنا من الوقوع في المعاصي .
السبب الرابع : الانبهار بالدنيا وزينتها ، والاغترار بنعمها الزائلة ، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغيّر به حال العباد من الثبات إلى الفتور ، ومن القوة إلى الضعف ، من هنا حذّر خالقها سبحانه من الاغترار بها فقال : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } .
إنه لابد أن نعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا ، ، وإن سرّت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا ، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً ، وما حصّلت للعبد فيها سرورًا ، إلا خبّأت له أضعاف ذلك شرورًا .
إنما الدنيا فناء *** ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت *** نسجته العنكبوت
يقول الحسن البصري : والذي نفسي بيده ، لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه .
غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها وبهرجها طريقًا إلى جنة ربك ، كيف لا وهي مزرعة الآخرة وطريق لها ، وهي وإن كانت ممرًا ، فإنها توصلك إلى المقر ، فاختر مقرك في ممرك .
لا تتبع الدنيا وأيامها ذمًا *** وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها *** أن بها تستدرك الآخرة
قال الفضيل _ رحمه الله _ : جعل الله الشرَّ كله في بيت ، وجعل مفتاحه حبَّ الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا .
وقال رجل للفضيل بن عياض : كيف أصبحت يا أبا علي ؟ فكان يثقل عليه : كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ فقال : في عافية ، فقال : كيف حالك ، فقال : عن أيّ حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا ، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب ، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة ، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ، وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يخضع للموت ، ولم يتشمر للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزين للدني(16).
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ : إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ ، فَقَالَ : أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا ؟ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا ) (17) .
فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند الله ؛ بأن نعيمها يفنى ، وجديدها يبلى ، علم أنه لم يخلق لها ، وإنما خلق للآخرة ، فجد في العمل لها ، ومزّق ثوب الفتور والتواني عن جسده ، ولبس ثوب المثابرة في عبادته ، ممتثلاً قول الله تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }.
السبب الخامس : طول الأمل ، وهذا هو قاتل الهمم ، ومفتر القوى ، قرين التسويف والتأجيل ، وحبيب الخاملين الهاملين ، وعدو الأتقياء النابهين .
ويكفي طول الأمل مذمة الله له ، حيث قال في كتابه : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم واصفًا تعلق الإنسان بالدنيا وطول الأمل فيها : ( لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ : فِي حُبِّ الدُّنْيَا ، وَطُولِ الْأَمَلِ ) (18) .
المرء يرغب في الحيا ة وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئًا يسرّه
( قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ) (19) .
أخي الحبيب : قل بربك ، أي عمل سوف ينجزه المؤمن إذا كان طول الأمل يحيط بفكره ، ويملأ عليه حياته ، كلما سمع نداء الجد ، قال : غدًا ، كلما سمع صوت العمل ، قال : سوف وسوف ، من هنا تصاب الهمة بالتقاعس ، وتنتهي إلى الكسل والخمول .
قال الحسن البصري : (( تؤمّل أن تعمّر عمر نوح ، وأمر الله يطرق كل ليلة )) .
يؤمّلُ دنيا لتبقى له*** فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يروّي أصول الفسيل *** فعاش الفسيل ومات الرجل
السبب السادس : من أسباب الفتور : تحميل الإنسان نفسه في عبادته ما لا يحتمل عادة ، فإنه وإن استمر على فعل الطاعة مع ثقلها عليه ، إلا أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك ؛ لمخالفته المنهج النبوي الكريم ، وهو أن المؤمن ينبغي أن يأخذ من الأعمال ما يطيق ، حتى لا يصاب بالملل والسآمة ، فيعود هذا على ترك العمل نهائيًا .
وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك فقال : { اتقوا الله ما استطعتم } .
وعلم عباده ذلك الدعاء الكريم فقال : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } .
وهاهو نبي الأمة صلى الله عليه وسلم يرسم الطريق المستقيم في العمل بالعبادة ، وهو التوسط فيها ، فلا إفراط ولا تفريط ، حتى يبقى المسلم على صلة دائمة لا تعرف الفتور ، وطريقة مستمرة لا تعرف الانقطاع ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ) (20) .
ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في المسجد ، فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، فقال :
( ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر ، فليقعد ) (21) .
ويتوعد النبي صلى الله عليه وسلم المتنطعين في الدين ، المشددين على أنفسهم في العبادة بما لا يطيقون بالهلاك ، فقال : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثًا (22) .
واستمع إلى قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في طلبه الزيادة في العبادة بما لا يطيق ، كيف انتهت قصته بتمني الاعتدال والتوسط الذي أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّه عَنْهما : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَبْدَاللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ، فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ، [ قال عبد الله بن عمرو عن نفسه ] : فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ؛ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ ، قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام ؟ قَالَ نِصْفَ الدَّهْرِ ، فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ : يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) (23) .
وفي حديث آخر يحذّر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه من الانقطاع عن قيام الليل ، فيقول فيه : ( يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل ) (24) .
قال ابن حجر _ رحمه الله _ : ( إن المقصود بالحديث هو الترغيب في ملازمة العبادة ، والطريق الموصل إلى ذلك ؛ هو الاقتصاد فيها ، لأن التشديد فيها قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم ) (25) .
ويشير الإمام الشاطبي _ رحمه الله _ إلى هذا المعنى فيقول : (( إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته ، وحرص على الوقوع فيها ، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب ، فإنه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى ، وكراهية أحكام الشريعة ، التي غرس الله حبها في القلوب ، كما يدل عليه قوله تعالى : { ولكنَّ الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } ، وذلك لأن النفس تكره ما يفرض عليها ، إذا كان من جنس ما يشق الدوام عليه ، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق ، إلا والنفس تشمئز منه ، وتود لو لم تعمل ، أو تتمنى أنها لم تلتزم )) (26).
ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا دُووِمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّتْ ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا ) (27) .
السبب السابع : الابتداع في الدين ، وإنه لسبب خفي من أسباب الفتور ، ومدخل للشيطان على النفس البشرية قلما تتنبه له ، وذلك لأن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر ، بل أحكامها إلهية ، مصدرها الوحي ، جاءت مؤصلة بكلام الله تعالى ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى ، من هنا كانت أحكامها متصفة بالحكمة ، قائمة على المصلحة ، مملوءة بالرحمة ، وكان على العبد أن يقتصر عليها دون زيادة أو نقصان .
أما النقصان ، فالخلل فيه واضح لا يحتاج إلى بيان ؛ لأنه لا يجوز أن يفعل الإنسان ما يحلو له من الدين ويترك ما لا يهوى ، فقد قال الله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
وأما الزيادة على الدين ، ولو كان ذلك بإنشاء العبادات أو الأذكار ، أو ابتكار طرق جديدة في أداء الطاعات ، فإن في ذلك كله زيادة في التكليف ، ومشقة على العباد ، بسببها قد يبغض الإنسان العبادة المفروضة من ربه ، والمشروعة من نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك لضيق وقت الإنسان ، وتزاحم الواجبات عليه ، مما يؤدي إلى ترك المطلوب المشروع ، لفعل المبتدع المرفوض ، وإنك سوف تجد هذا بوضوح في شأن المبتدعة ، حيث ينشطون لبدعتهم ، ويفترون عما أوجب عليهم ، فما أجمل الاكتفاء بالسنة النبوية ، وما أروع الاقتداء بالحبيب صلى الله عليه وسلم ، وما أفضل السير على منهاج سلف الأمة المهديين .
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قال : ( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) (28) .
وكم يفرحنا كثيرًا هروب جملة من المبتدعة من ضلالة البدعة ، بعد أن أرهقتهم تكاليف بدعتهم ، ولكن يحزننا وقوعهم في نار المعصية ، ولا غرابة في ذلك ؛ فالبدعة ليس مصيرها الفتور عن العبادة المشروعة فحسب ، بل الضياع والحيرة في الأمر كله .
يقول ابن القيم _ رحمه الله _ : (( كان السلف يسمون أهل الآراء المخالفة للسنة ، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ... يسمونهم : أهل الشبهات والأهواء ؛ لأن الرأي المخالف للسنة ، جهل لا علم ، وهوى لا دين ، فصاحبه ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، وغايته الضلال في الدنيا ، والشقاء في الآخرة )) (29)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-06-2010, 02:29 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكِ الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(للحديث, الله), الدرس, الرابع, الفتور, باذن, بعنوان, بقيت


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:49 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.