الأشهر الحرم

[اللهم الفردوس]

 

وقفة مع آية

إن المتأمل في هذه الحياة يتيقن عدم انفكاكه عن عبودية الله تعالى في كل أحواله، وعبوديته سبحانه مقترنة بأسمائه وصفاته وأفعاله.

فالعبد البصير هو السائر إلى الله على مقتضى أسمائه وصفاته.

فقد سمى الله نفسه بأسماء العظمة والجلال، وأسماء الجمال، وقد أفضى سبحانه وتعالى على بعض مخلوقاته من التعظيم ما يليق بها، من مقتضى اسمه العظيم.

قال الشيخ عبد الرزاق البدر-حفظه الله-في"فقه الأسماء الحسنى":"ومن تعظيمه تعظيم ما عظمه واحترمه من زمان ومكان وأشخاص وأعمال".

تأملي هذه الآية:
قال تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}

- ما الفائدة من ابتداء الآية بـ(إنَّ)؟
افتتاح الكلام بحرف التوكيد للاهتمام بمضمونه لتتوجه أسماع الناس وألبابهم إلى وعيه.

- ماهي هذه الشهور؟
المراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام؛ لأنها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر وأضبطها
أما الأشهر الشمسية فلم تعرف إلا بعد ظهور علم الفلك والميقات.

- ما مراد الله تعالى في قوله:{...عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ...}
إخبارًا منه سبحانه وتعالى أنه قضى قضاء كونيا وشرعيا، أن نظام توقيت الكون يدور على هذه الأشهر الاثنى عشر، وقد كتب الله تعالى ذلك في اللوح المحفوظ يوم خلقه للسماوات والأرض.

فالعبد البصير عليه أن يسير إلى الله بمعرفته لهذه الشهور، والتعبد لله بمعرفة دخولها وخروجها، والقيام بما ارتبط بها من التعبدات.

- ماهي الأربعة الحرم؟
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، أخبرنا محمد بن سيرين، عن أبي بَكْرَة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته، فقال: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة [حرم، ثلاثة] متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"

- ما الدلالة على وصف هذه الأشهر بأنها حُرم؟
هي أشهر زادت حرميتها، ووجب تعظيمها؛ لتعظيم الله لها بوصفها أنها حرم،فإن تفضيل الأوقات والبقاع إنما يكون

بقضاء الله تعالى، وإخبارًا منه، فهذه الأشهر فضلها الله وجعلها مظان لتُطْلَب؛ فهي مظان لمضاعفة الحسنات، والله

العليم بالحكمة التي لأجلها فضل زمن على زمن وفضل مكان على مكان.
- ما معنى قوله تعالى:{ذلك الدين القيم}؟

الإشارة بقوله:(ذلك)يقصد به: عدة الشهور الاثنى عشر- وعدة الأشهر الأربعة الحرم.

أي ذلك التقسيم الزمني المعتمد على المطالع القمرية واختيار هذه الأربعة منها هو الدين الكامل، الذي اختاره الله

لعباده، وما عداه من اختيار تقسيم آخر للسنة من الأشهر الشمسية لا يخلوا من أن يعتريه التبديل، والنقص.

فالعبد البصير هو الذي يختار ما اختاره الله ومدحه

- على ماذا يعود الضمير في قوله تعالى:"فلا تظلموا فيهن أنفسكم"؟

1- يعود على الاثنى عشرشهرا :ثم اختص من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حراما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح

2-على الأربعة الحرم: لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها،كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف لقوله

تعالى:"ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.

فالعبد البصير هو الذي يفضل ما فضله الله على الوجه الذي فضله الله، ويسير إلى الله بالنهج الذي رسمه رسول الله r، دون غلو ولا تفريط.
فتقربوا – ياعباد الله- بقلوب فقيرة إلى الله محتاجة إليه للقيام بالطاعة، والشكر بعد القيام بالطاعة، وجوارح ساعية لمراضيه.