انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-16-2010, 03:00 PM
ابوعمار ابوعمار غير متواجد حالياً
متميز في أقسام المرئيات
 




I15 التحذير من غرور الدنيا وبيان فضل الفقر

 

التحذير من غرور الدنيا وبيان فضل الفقر

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل ...)
عن أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)، وهذا لفظ مسلم . وفي صحيح البخاري (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه). في الحديث أمر للمسلم أن ينظر لمن هو دونه، إذ النظر إلى الأعلى يتعب الإنسان، فلو كنت تمشي في طريق وأنت تنظر إلى الأعلى غير آبه بالطريق، قد تصطدم بغيرك أو تقع في حفرة، وعلى ذلك قس، فإنك حين تنظر إلى من هو فوقك من الخلق قد تقول في نفسك: عنده مال أكثر مني، بل إذا قيس ما عنده بما عندي لم يساو الذي عندي شيئاً بالنسبة إلى ما عنده. وتظل تقارن ما عندك إلى ما عند هذا الإنسان حتى تحتقر ما عندك، وبذلك تحتقر نعمة الله عز وجل عليك. ولو نظرت إلى من هو دونك لوجدت نفسك تمتلك مالاً وإن كان قليلاً، أما غيرك فليس عنده شيء، وحينها تدرك أنك في نعمة من الله تبارك وتعالى. ولذا ينبغي أن ينظر المرء إلى من هو دونه، فإذا كان في صحة فلينظر إلى المرضى وقد حرمهم الله عز وجل هذه النعمة، ولكن ينبغي أن يدرك أن الله ما حرمهم من تلك النعمة إلا لحكمة منه سبحانه وتعالى، فإنه يرفع درجات الخلق بابتلائهم ويمحص ذنوبهم، فإذا تذكر المرء ذلك ثم نظر إليهم فليقل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثير ممن خلق من عباده تفضيلاً)، وبذلك يحمد الله تبارك وتعالى على ما وهبه من نعمة في جسمه، وفي عقله وفي صحته وعافيته. أما حين ينظر لإنسان آخر فيه شباب وقوة وحيوية يجري في السباق أو يلعب كمال أجسام، فقد يقول: لماذا لسنا مثل هؤلاء؟ أو نحن ماذا بجانب هؤلاء؟ وبذلك يحتقر نعمة الله عز وجل عليه. وكذلك إذا مرضت بمرض خفيف من الأمراض التي عادة ما يصاب بها الإنسان فلا تتبرم أو تضجر بل ينبغي أن تنظر إلى مريض السرطان أو غيره من الأمراض الفتاكة، فستجد أنه من شدة مرضه قد يعجز حتى عن الأكل والشرب، فضلاً عن أن يحرم النوم من شدة الألم، حينها ستدرك عظيم رحمة الله بك، وقد يكون هذا المرض سبباً في رفع درجتك عند الله أو تكفير سيئاتك.
التحذير من عبادة الأموال
ومن الأحاديث التي يرويها أبو هريرة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض). قوله: (تعس) إما إخبار وإما إنشاء. أما الإخبار فالمعنى : أنه يخبر أن هذا هالك سيعيش في تعاسة وسيهلك وسيضيع. وأما الإنشاء فالمعنى: أنه يدعو على من نسي عبوديته لله عز وجل وصار عابداً للمال، وسعى في تحصيل هذا المال من أي طريق كان، بالتعاسة في دنياه وفي أخراه. وليس معنى قوله: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)، أن من عبد هذه الأشياء سيصلي لها ويسجد لها ويعمل لها من الطاعات، ولكن المعنى: أن الذي يعبد شيئاً فإنه يستولي عليه هذا المعبود حتى يكون العابد وراءه تابعاً له، فإذا عبد الإنسان ربه سبحانه اتبع هداه سبحانه وتعالى، فنظر في الحلال فأقبل عليه ونظر في الحرام فامتنع عنه، وإذا عبد الدنيا لهث وراءها، يريد أخذها غير ملتفت إلى غيرها. وسمي عابداً لأنه قد ذلل نفسه وطوع إرادته لهذا الشيء الذي يهواه، فهو عابد للدينار، بتتبع من يعطيه الدينار ويجري وراءه، بل قد يعمل المستحيل لكي يحصل على هذا الدينار، ولا فرق إن أخذه من رشوة أو من سحت أو من سرقة؛ لأنه عابد للدينار، يريد أن يأخذه فحسب. وقوله: (تعس عبد الدرهم)، وهذا كسابقه في الحقارة والخسة، حيث نظروا لأعراض الدنيا ثم أخذوا يلهثون وراءها ولو أذل الواحد منهم نفسه للخلق. وقوله: (تعس عبد القطيفة والخميصة)، أي: أنه يأخذ أي شيء مهما كان خسيساً ولو خرقة ملبوسة؛ لأن عينه يملؤها هذا الشيء ويسيره من أعطاه فيما يريد، وهو يجتهد أن يفعل له الذي يريده ولو عصى الله سبحانه تبارك وتعالى، وهو بذلك قد طوع لمن أعطاه فصار عابداً له، إذ إن أصل العبادة من التعبيد. والتعبيد: التذليل والتيسير للشيء، ومنه الأرض المعبدة، أي: الأرض المذللة، الممهدة، السهلة، يقال: هذه أرض معبدة أي: سهلة لا يصعب المشي عليها، ويقال: عبد الطريق: أي ذلّله وأزال العقبات التي عليها من أجل أن تصير سهلة ميسرة للمشي، ولذا فالمعنى أنه صار عابداً لهذه الدنيا حيث طوع نفسه لها، فليس عنده أي اعتراض على أي شيء ما دام سيأخذ الدنيا، فهو يفعل من أجلها أي شيء، ومن وصل به الحال إلى ذلك فإنه تعس في الدنيا وفي الآخرة؛ لأنه باع دينه بدنياه، وبدل الآخرة بهذه الدنيا، وهو مع ذلك لن يحصل من الدنيا إلا ما قسمه الله عز وجل له، وهذا الإنسان يصدق عليه أنه اشترى لا شيء بأعظم الأشياء وهي الآخرة، فأي عقل في إنسان يبيع الآخرة ليشتري الدنيا، وهو يعلم أن الدنيا لن تدوم له، وأي عقل في إنسان يبدل الشيء العظيم الجليل بالشيء الحقير الذي لا قيمة له، يقول الشاعر في مثل هذا: أخذت بالجمة رأساً أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا وبالطويل العمرعمراً أنزرا كما اشترى المسلم إذ تنصرا والمعنى: أنك بدلت جمة وهو: الشعر الحسن الطويل الجميل بصلعاء، وصرت أقرع أصلع، ونزعت ثناياك أي: أسنانك الجميلة البيضاء بالدرادير الموجودة، كما اشترى المسلم إذ تنصرا، أي: كما صنع الذي ارتد على عقبه، فقد اشترى الدنيا وباع من أجلها الآخرة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة)، الخميصة: ثوب من الأثواب. قال: (إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)، إن أعطى الناس له الدنيا رضي وفرح بهذه الدنيا وإذا لم يعطه الناس سخط.
بيان ما كان عليه النبي وأصحابه من شظف العيش
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء) أهل الصفة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الفقراء الذين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة وهاجروا منها إلى المدينة بعد أن كانت أحب البلاد إليهم. وهجرتهم تلك إلى المدينة من مكة كانت فتنة عظيمة،فهم لم يذهبوا إلى المدينة للرحلة كما نفعل الآن فنذهب إلى الحج أو العمرة، فنترك مكة ونذهب إلى المدينة للزيارة وفي كلا البلدين خير، بل كان الواحد منهم يخرج من مكة وهي البلد الذي فيها أهله وماله وأبناؤه، إلى المدينة التي كانت أرضاً وبئة -فيها وباء- وحين يصل المسلمون إليها تصيبهم الحمى فيمرض كل من يذهب إليها، حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه (فرأى في منامه كأن امرأة سوداء ثائرة الشعر خرجت من المدينة وذهبت إلى مهيعة، وهي رابغ، فقص النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه القصة والرؤيا وأولها بأنه هذا الوباء، وأن الله سيزيله من المدينة ويذهب به إلى مكان آخر الذي هو مهيعة). وقد كان الصحابة وهم في المدينة يتذكرون أيام مكة وما كانوا عليه فيها، فيتمثل أحدهم الشعر مثل بلال رضي الله عنه حيث يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل و بلال يعاني من الحمى يتساءل هل سنرجع إلى مكة مرة أخرى برغم أنها البلد الذي كان يؤذى فيها ويعذب إلا أنهم بعد أن هاجروا إلى المدينة، جعل الله عز وجل حب المدينة في قلوبهم، وعوضهم عما فقدوا من الديار والأموال خير تعويض، وما حكاه أبو هريرة هنا كان من الصور التي كانوا عليها في المدينة، حيث نقل صورة في فقرهم وفي تركهم ديارهم آتين إلى المدينة التي لم يلقوا فيها أي مكان يأوون إليه، وكان أهل الصفة أكثر من سبعين رجلاً، والصفة سقيفة مظللة كانت موجودة في آخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ينام تحتها هؤلاء الفقراء من المهاجرين. أما ثيابهم التي كانوا يرتدونها في الصيف وفي الشتاء فيخبرنا عنها أبو هريرة رضي الله عنه وقد كان أحد أصحاب الصفة فيقول: (ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء)، إذ إنه من أجل أن يلبس أحدهم رداء لا بد أن يلبس تحته إزاراً فالرداء يقال عنه اليوم البدلة وكانت تسمى أيضاً حلة، و أبو هريرة يذكر أن أحدهم ما كان يلقى هذا الشيء، بل هو ثوب واحد يستر به نفسه من أعلى إلى أسفل يشبه ما يسمى اليوم الملاية القصيرة. قال أبو هريرة : (قد ربطوا في أعناقهم) أي: يربطها أحدهم في رقبته كما يربط الصبي ثوبه في رقبته؛ لأنه لا يكفيه الثوب الذي عليه أن يفصله ويلبسه، وإنما طرفه في رقبته رضي الله عنه. ثم قال أبو هريرة : (فمنها ما يبلغ نصف الساقين) أي: أن الطول لهذا الثوب من المنكب إلى نصف الساقين، فلا يصل إلى الكعبين. ثم قال: (ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته) أي: أنه في أثناء الصلاة يلمه على نفسه حتى لا ترى عورته وهو راكع أو ساجد رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
وعنه - أي أبي هريرة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، السجن هو المكان الذي يسجن فيه الإنسان أو يحبس، ففي الحديث بيان أن الدنيا دار حبس للمسلم والسجن عادة ما يكون فيه زنزانة وأغلال وقيود يوثق بها الإنسان فلا يأخذ حريته فيها، فيه يُقدر على السجين الطعام والشراب والحركة، فالمسجون فيه في ضيق. كذلك الدنيا بالنسبة للإنسان المؤمن فإنه في الدنيا لو تتبع الحرام سيأخذ ويأخذ ويأخذ ولكنه يحجم عن كل هذه الأشياء؛ لأنها حرام، أما الإنسان الفاجر فتجده يقول ساخراً: كل شيء حرام حرام! أنتم بصنيعكم هذا ستحرمون علينا كل شيء! لأنه لا ينظر إلى الآخرة ولا يتمنع عما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إنما يريد أن يحصل على الدنيا فحسب، فلذلك هي جنة للإنسان الكافر، والفاجر الذي يسافر إلى دول أوروبا فإذا رجع يقول عنها إنها جنة، وكذلك من يسافر ليعمل في أمريكا يقول عنها إنها جنة، هناك تلقى البساتين والأنهار والحدائق وكل ما تتخيله، كما أن العامل في اليوم لو استؤجر بعشرة دولار، فإنه منها يأكل ويشرب ويجمع أيضاً، ولكنها جنة الكافر الذي يعيش فيها، أهلها قد أصبحوا مبرمجين على السعي نحو الأعلى. إذا حصل أحدهم على مكان وكان أمامه مكان أحسن منه، فإنه يلزم نفسه بعمل أكثر؛ من أجل أن يصل إلى الأعلى، وإذا وصل إلى الأعلى ثم رأى مكاناً أفضل منه عمل لأن يصل إلى المكان الآخر، فحياته في دوامه تدور به، فتجدهم يأكلون ويشربون وهم يتحركون في أعمالهم، إذ ليس عندهم وقت للأكل والشرب، يطمع أحدهم في الدنيا فكلما أخذ شيئاً طلب ما هو أعلى منه. أما المؤمن فإنه مكتف في هذه الدنيا، ينظر إلى ما يكفيه منها فحسب، وشعاره: خذ من حل وأنفق في حل وتصدق لله سبحانه وتعالى بما قدرك الله عز وجل عليه، فهو دائماً إذا أقدم على عمل يتساءل هل هذا حلال أم حرام؟ إن كان حلالاً عمل فيه وإن كان حراماً أو فيه شبهة ابتعد عنه وتركه، كما أنه إن أعطاه الله كثير الإنفاق؛ لأنه يعلم أن الله توعد الكانزين للذهب والفضة يوم القيامة بنار تدخل من أكتافهم فتخرج من صدورهم وهكذا، فالمؤمن دائم الخوف من الله عز وجل كأنه في سجن، والناس حوله يلهون ويلعبون وينال أحدهم ما يشتهيه، أما المؤمن فإنه دائماً يحاسب نفسه على أعماله وكسبه، فهو يؤمن أن الدنيا ستنتهي بأهلها سواء الغني الذي حصل على الملايين أو الفقير الذي لم يلق ما يأكل ويبيت طاوياً، فكلاهما سيموت، وسيأكل التراب الجميع. وبذلك يكون المؤمن قد نال من الدنيا عبادة الله عز وجل، ووصل إلى غايته بعد أن صبر على الدنيا، إلا أنه يقيناً سيصل بعد ذلك إلى البساتين والجنات والأنهار، أما الكافر فقد نال الدنيا من أجل أن يحاسب عليها في قبره ويحاسب عليها يوم القيامة ومصيره إلى النار. وعلى ذلك فالإنسان المؤمن وإن كانت الدنيا سجناً له، ففي النهاية مصيره إلى الدار الآخرة وإلى حسن العاقبة.
الوصية النبوية لابن عمر رضي الله عنه
يقول ابن عمر رضي الله عنه (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). فالإنسان إذا كان غريباً في مكان ما، فإنه لا يهتم لهذا المكان؛ لأنه يعرف أنه دار غربة وعما قريب سيعود إلى بيته وإلى بلده مرة أخرى، ولذا لن يهتم بتجميل المكان الذي هو فيه؛ لأنه ليس دار إقامة بالنسبة له. وكذلك عابر السبيل فإنه في أثناء طريقه قد يمر على شيء يشتهيه ولا يأخذه ويرجئ أخذه إلى أن يصل مأواه، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ابن عمر وجميع المسلمين: أن الدنيا سبيلك للآخرة وأنك غريب في الدنيا ومكانك الأصلي عند الله عز وجل في جنة الله، وإنما أهبطت إلى الدنيا بقضاء الله وقدره لتعيش فيها فترة ثم ترجع إلى جنة الله سبحانه، فاعمل لهذه الجنة، وإذا كنت في هذه الدنيا كنت كهذا الغريب وكعابر السبيل تحصل منها ما يحل لك، تاركاً الحرام، ولا توطن نفسك على العيش فيها. وهنا يقول الراوي: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك). تعلم ابن عمر الحكمة من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء)، وكأنه يقول: إذا كنت غريباً في هذه الدنيا لعلي لا يأتي علي المساء إلا وقد فارقتها فلا ينبغي أن أؤجل الأعمال التي أعملها في الصباح إلى المساء، فإذا كان عليّ دين أسارع في قضائه، وإذا كان علي حقوق لله عز وجل أؤديها ولا أسوف، وإذا كان علي حقوق للخلق أؤديها، إذ المؤمن دائم النظر إلى الموت لعله يأتيه فجأه. وقوله: (وخذ من صحتك لمرضك)، وصية جميلة لـابن عمر رضي الله عنه، إذ الصحة عماد القيام بالأعمال والتكاليف، فأنت في صحتك تقدر على القيام كما تقدر على العمل الصالح وتقدر على الإنفاق، ولذا يوجهك ابن عمر أن تأخذ من هذه الصحة فتقوم الليل لله سبحانه وتعالى، وتكثر من الصيام لله سبحانه وتعالى، وتسعى جاهداً لتفعل الطاعات مستغلاً الصحة قبل أن يأتي المرض، فقد يحذرك الأطباء من القيام بكثير من الأعمال كالصوم والقيام وغيرها من أعمال الطاعات. إن وصية ابن عمر بالأخذ من الصحة للمرض كنز عظيم جداً، فإنه إذا واظب الإنسان على صيام الإثنين والخميس وصيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، ثم جاءه المرض وحذره الأطباء من الصيام، فإنه يكتب لهذا الإنسان ما كان يفعل قبل المرض، فيكتب له أجر صائم وهو مفطر وبذلك يكون قد أخذ من صحته لما ينفعه في مرضه. وكذلك إذا كان يواظب على صلاة الجماعة في صحته، ويواظب على قيام الليل ثم جاء المرض فأقعده في بيته وأصبح يصلي على سريره، فإن الله عز وجل يأمر الملائكة أن يكتبوا له ما كان يفعله صحيحاً مقيماً، فيكتب له وهو في فراش مرضه كأنه يصلي مع الناس في الجماعة ويكتب له أجر الجماعة كما يكتب كأنه قائم الليل، وذلك من فضل الله ورحمته سبحانه. قوله: (فخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك). قال العلماء: معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله.
الزهد سبيل حب الله للعبد وحب الناس له
ومن الأحاديث حديث سهل بن ساعد الساعدي رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس). أي: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، فإني أريد الحب من الله سبحانه، وأحبني الناس فإني أريد حب الناس أيضاً. فقال صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس). يجوز في قوله: (يحبك الناس)، أن تقول: يحبك بالنصب أو بالرفع. ومعنى قوله: (ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، أي: أنك إذا تركت الدنيا لله أحبك الله سبحانه وتعالى، وإذا زهدت فيما عند الناس أحبوك، فإن الذي يضايق الناس أن تطلب الذي في أيديهم، وأن تضيع عليهم ما عندهم، ولذا فإذا أردت حب الناس فاجعل نفسك بعيداً عن الناس ومشتهياتهم، ونزه نفسك عن أن تطلب ما في أيديهم.
تقلل النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر ما أصاب الناس من الدنيا يعني: من الغنى الذي صاروا فيه فقال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يتلوى ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه). يتذكر عمر رضي الله عنه بعد أن فتح الله عز وجل على الناس من المغانم وصاروا يأكلون ما يشتهون ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول لكل مسلم: لا تفرح بهذا الذي أعطاك الله، فإنه لو كان مما يفرح به لأعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولكني رأيته يتلوى صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع. قوله: (لا يجد من الدقل)، الدقل: رديء التمر، أي: لا يجد من رديء التمر ما يملأ به بطنه صلوات الله وسلامه عليه، والحديث رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني). فأم المؤمنين عائشة التي هي أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وما في بيتها شيء يأكله ذو كبد وقولها: (ذو كبد) تريد أي حيوان والإنسان من ضمن الحيوان. وقولها: (إلا شطر شعير)، أي: كيلة أو شيء من الشعير وقد أصبح الشعير اليوم طعام البهائم، وقد كان يأكله أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه ويأكله النبي صلى الله عليه وسلم. قولها: (فأكلت منه حتى طال علي)، أي: أنها كانت تطحن الشعير، ثم تصنع منه خبزاً تأكله رضي الله عنها فأكلت منه زمناً. قالت: (حتى طال علي فكلته ففني). وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون عند الإنسان الطعام فيظل يكيله في كل وقت ليعرف كم بقي منه، ولذا ينبغي أن يترك ببركته ويؤخذ منه لعل الله عز وجل يبارك فيه، كما حدث مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد كان عندها شيء من شعير وضعته داخل الجراب وكانت تأخذ وتأكل إلى أن بقي معها فترة طويلة، ثم كالته ففني. وهذا من فضل الله عز وجل على عباده، حيث يرزقهم ويبارك لهم في رزقهم ولو كان قليلاً، فشطر الشعير شيء يسير، إلا أن السيدة عائشة رضي الله عنها ظلت تأكل منه زمناً حتى تعجبت، فكان من بركة الله عز وجل على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم البركة في طعامهم وإن كان شيئاً قليلاً، لكن لما كالته فني.
زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا
جاء عن عمرو بن الحارث ، وهو أخو جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها أنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه للجهاد في سبيل الله وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة). فكانت هذه الأشياء هي تركة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكل ما تركه شيء يسير كان يعده للجهاد في سبيل الله، وترك أرضاً فكانت صدقة، فليأتس المؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حصل من الدنيا شيئاً فليؤد حق الله عز وجل فيما أخذه منها، ولا يطمع في الدنيا وليكن في الدنيا، كأنه غريب أو عابر سبيل.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-16-2010, 09:05 PM
المعتزة بنقابها المعتزة بنقابها غير متواجد حالياً
عضو ماسي
 




افتراضي


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
من, التحذير, الدنيا, الفقر, غرور, فضل, وبيان


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 05:50 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.