بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعد:
هذا موضوع أو لنقل بوحٌ من أختنا أم هاني في ملتقى أهل الحديث تتحدث فيه عن معلمتها
رحمها الله راق لي كثيرًا فأحببتُ أن أنقله لكنَّ
لا تنسوها من صالح دعائكنَّ
بارك الله فيكنَّ.
قال تعالى:[يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ]البقرة (104)
لهذه الآية الكريمة معي قصة لن أنساها ما حييتُ
فذكرها لا تنفك عن وجداني حيث ارتبطتْ عندي بأدب اكتسبته من معلمتي – رحمها الله تعالى-
معلمتي وما أدراكم من معلمتي !!!
كانت حسن خلق يمشي على الأرض ، والله الذي لا إله إلا هو
لا أبالغ بل لا تواتيني الكلمات لأصف كريم أخلاقها ...
ويكفي أني يوم علمتُ بموتها ألفتني أردد دون شعور مني :[رحمة الله على حسن الخلق].
لو طاوعت نفسي لاستطردتُ
في الحديث عنها استطراد المحب الذي لا يمل أبدا من ذكر محبوبه والحديث عنه
مجترا لأعطر وأطيب وأسما ذكريات العمر- رحمها الله -
كنتُ : -والله على ما أقول شهيد-
أشعر وأنا فى طريقي إليها أنه يوم عيد ، فينشرح صدري ويخف بدني كأني أطير لهفى للذهاب إليها ، بل - ووالله منذ أفارقها أتعجل يوم لقياها ، وليلة مجلسها تكون ليلة العيد استعجل الوقت ، ولما ألقاها أحمل هم الفراق !!
لا أستطيع أن أملأ عيني من محياها ، ولا أطيق أن يلتقي ناظرانا أسرع بغض الطرف إذا التفتت إليّ، وأستمع لها بكل عصب فيَّ أتحول إلى أذن وعين أحاول ألا تفوتني لفتة ، كلمة ،همسة؛
فقد كانت لفتاتها أدب ، ونظراتها أدب ،وكلماتها أدب ،وسكونها أدب ،وكلامها أدب .
كانت نضرة الحديث على محياها – رحمها الله- كلما نظرتُ إليها تذكرتُ حديث:
[نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها……….]سنن الترمذي بتحقيق الألباني/39-كتاب العلم عن رسول الله…./7- باب ماجاء في الحث على تبليغ السماع/ رقم : (2658) صحيح.
كانت هينة لينة، تجزع إذا خطر ببالها أنها ربما كدرت أحدا، كانت تتطلف لأصغرنا ولا تسفه
لإحدانا قولا ، وإن كانت إحدانا تقول سفها تصغي لها وترشدها دون أن تشعرها بسفاهة ما تقول، وتلوم إحدانا بنظرة عين وبسمة غَضْبَى ، كانت صبورة ، كانت حنونة!!
كانت ذات علم وعن علمها حدث ولا حرج ؛ ضُربَ لها في كثير من العلوم بسهم وافر، كنتُ أحب العلم ولما رُزقْتُها شُغفْتُ به ’فكانت مع تقدم سنها أنشطنا ذهنا وأكثرنا دأبا ،وأكثرنا نهما؛ كنا نتدارس من الصباح الباكر حتى المساء فلا تكلّ ولا تمل لا تشعر بمرور الوقت ، تبلغ بأسرع المأكولات وأيسرها ،أثناء الطعام لا تتحدث إلا
فيما يفيد من مسائل علمية !!
وعند الفراق -ونحن متحسرات على أزوف الرحيل -تطيب خاطرنا قائلة: (منهومان لا يشبعان منهوم في العلم لا يشبع منه ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها) صححه الألباني في مشكاة المصابيح:حديث رقم :(260)
نرى في عينيها مثلنا لمحة الحزن على الفراق ووعد بلقاء ودعاء يقرؤه من يعرفها: (نسأل الله أن يكون اللقاء قريبا.)
معها ننهل من العلم والأدب فمن ذا الذي يمل معها !!
علَّمتْني :
- كيف أصغِي وأحترم كلام المخالف ،علمتني آداب الخلاف :
كيف أناقش ، متى أتوقف ، ألا أجادل، لابد من سلف لما أذهب إليه ، لا أقدم بين يدي العلماء والأئمة ، أنتقل من قول العالم إلى قول العالم بدليل ليس اتباعا للهوى ولا نصرة لنفسي .
لا أحصي عدد المرات التي كانت تجيب سائلة لها عن مسألة :
لا أعلم ،( من يتق الله يجعل له فرقانا) .
.علَّمتني كيف أحب الكتاب : كأني أنظر إليها تحمل الكتاب بحرص ورفق كأنه وليدها ...
أذكر أنها أعطت لي كتابها يوما لأقرأ منه فقرة ما وكنت أحمل قلما رصاصا ، فذهبت أخطط تحت الشاهد من الكلام في الكتاب كما أفعل في كتابي ، وإذا بكل العيون ناظرة لي بلوم وعتاب !!!
وأنا غافلة عن سبب نظراتهن تلك ؛ فتمثل في ذهني حديث معاوية بن الحكم السلمي عندما تكلم في الصلاة واستنكر عليه الأصحاب عظيم فعله وهو غافل عما يُلام عليه (1)
وتطوعت إحداهن مشكورة ؛ لما وجدتني غافلة عن سبب فعلهن فلكزتني وهمست لي :لا تخططي في كتاب المعلمة !!
وهي- رحمة الله عليها- متبسمة تبسم المغضب نظاراتها عاتبة قابلة عذري قبل أن أقدمه .
كانت حسنة الظن إلى أبعد مدى واسعة الصدر راحبته ،كانت لا ترد الدعوة بل تلبيها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
رغم شدة مرضها وضيق وقتها إذا علمت أن عند إحدانا بلاء
دق أو جل تتكلف وتهاتفها وتسأل عنها وتدعو لها تتفقد أحوالنا .
لا أنسى - ما حييت - عندما أحضرت دمىً لابني وعادته مع بعض أخواتنا في المشفى رغم بعد الشقة عليها تعُود ولدي وترقيه وتدعو له بالشفاء وتستفصل مني عن حاله كأنه ابنها كم مسَّ رقيق صنيعها شغاف قلبي وملكت بجميل خُلْقها جماع نفسي ...!!
أما عن علمها فـــــ…أُراني استطردت رغم حرصي على ألا أفعل وياليتي وفيتُ !!! بل هذا -والله -غيض من فيض .
وتبقى أحلى وأرق وأسما وأرفع وأصدق وأعمق المشاعر- تلك التي تعجز الكلمات
عن التعبير عنها - حبيست حروف تلكم الكلمات.
ولنا لقاء آخر لأذكر لكم قصتي معها و مع الآية .
يتبع إن شاء الله .
-------------------------------
((1))عن معاوية بن الحكم السلمي قال: [ بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذ عطس رجل من القوم . فقلت :يرحمك الله ! فرماني القوم بأبصارهم . فقلت : واثكل أمياه ! ما شأنكم ؟ تنظرون إلي . فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم . فلما رأيتهم يصمتونني . لكني سكت . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبأبي هو وأمي ! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه . فوالله ! ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني . قال " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس . إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن
……]صحيح مسلم /كتاب المساجد ومواضع الصلاة /7- باب تحريم الكلام في الصلاة…../حديث رقم:33-(537).